موقع يهتم بالدراسات السامية، ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودي

موقع يهتم بالدراسات السامية بشقيها اللغوي والفكري. ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودية

إعلان الرئيسية


إن مكانة المرأة في المجتمع من القضايا المهمة التي تحتل صدارة الخطاب العام – سواء في الأوساط العلمانية أو الدينية. ولقد كان تحرير المرأة خلال المئة عام الأخيرة من الإنجازات العظيمة للحضارة الغربية. حتى الماضي غير البعيد، لم تكن للنساء حق الانتخاب، أما اليوم فهنّ يشغلن مناصب رفيعة كرؤساء دول، ومديرات لشركات عملاقة، وأساتذة جامعيات، ومقاتلات في سلاح الطيران، لذلك، وجب إلقاء الضوء على المكانة الشرعية للمرأة، حتى يتبيّن للناس موقف الشريعة اليهودية منها.

من الجدير بالذكر أننا سنناقش هنا فقط المكانة القانونية-الشرعية المحضة، وليس الاتجاهات العامة في المجتمع. فكما أن المجتمع العلماني قد شهد تغييرات نحو المساواة، كذلك حدثت في المجتمع الديني بعض التغيرات باتجاه تحقيق قدر من المساواة للمرأة. غير أن هناك فرقًا جوهريًا: ففي حين أن المجتمع العلماني، من خلال قوانينه وأحكامه، يروّج لمبدأ المساواة بين الجنسين حتى قبل ظهور وعي عام واسع النطاق حول ذلك، فإن العكس هو الصحيح في المجتمع المتدين. إذ على الرغم من أن التوجهات العامة في المجتمع تتغير، فإن الشريعة اليهودية ذاتها لا تتغير.

ومن الأمثلة على ذلك القاعدة التوراتية التي تقضي بعدم ميراث البنت من. الدها إذا كان لها إخوة ذكور. لكن نظرًا لأن هذا الأمر لم يعد يُعتبر اليوم منصفًا، ولا يُنظر إليه على أنه متوافق مع مبدأ المساواة (وهذا ما يشعر به حتى الإنسان المتديّن)، فإن الابن الذكر النبيل، الذي تلقى الميراث، يمنح شقيقته تفضلا منه نصيبها من الميراث. ومع ذلك، لم يطرأ أي تغيير على القانون الشرعي نفسه، ولذلك فإن البنات يعتمدن على نزاهة الأخ ونبله، إذ ليس لديهن، في الشريعة اليهودية، أية حماية قانونية تكفلها الشريعة.

مثال آخر: وفقًا للشريعة اليهودية، فإن العلاقة بين الزوجين تعاني من غياب فادح للمساواة؛ فالمرأة، بحسب الأحكام الشرعية، ليست سوى خادمة لزوجها، بل إنها مُلزمة بخدمته بطريقة مهينة. ومع ذلك، في عصرنا هذا، حيث تسود روح المساواة، حتى في الأوساط المتدينة، لم يعد من المألوف في بيوت المتدينين أن تقوم المرأة بغسل وجه زوجها ويديه وقدميه، أو أن تصب له الشراب متى شاء، كما تلزمها الشريعة بذلك بوضوح (انظر: משני תורה, הלכות אישות, פרק 21, פסוק 7).

كذلك، فإن جميع الاتفاقات المالية الواردة في "الكتوبا" (عقد الزواج) لا تعدو كونها مجرد ورقة بلا قيمة، وحتى المحاكم الشرعية تجد نفسها مضطرة، رغمًا عنها، إلى الحكم وفق قوانين الدولة العلمانية التي تضمن المساواة بين الزوجين. فعند الطلاق، يتم تقسيم الممتلكات بالتساوي، على خلاف ما هو مذكور في "الكتوبا"(عقد الزواج).

من المهم أن ندرك أن مكانة المرأة في اليهودية المعاصرة تشبه إلى حد ما وضع العبيد في الولايات المتحدة خلال القرن التاسع عشر؛ فلم يكن القانون آنذاك يُجبر مالكي العبيد على إساءة معاملتهم، لكنه في الوقت ذاته لم يمنع تلك الانتهاكات بشكل قانوني. لذلك كان بعض السادة يعاملون عبيدهم بإنصاف، بينما أساء إليهم آخرون، لكن في كل الأحوال، لم يكن للعبد أي نظام قانوني رسمي يحميه. وعلى الرغم من أن غالبية الرجال اليهود يتسمون بالاستقامة، إلا أن النساء لا يتمتعن بأية حماية شرعية تحميهن من تعسف بعض الظالمين منهم.

بهذا، نجد أن الشريعة اليهودية تتخلف بدرجة كبيرة عن القانون العلماني المتطور، الذي يوفر حماية أفضل لمكانة المرأة وحقوقها. وفي كل مرة كنا  نسمع فيها من يعترض بقوله: "كيف تجرؤون على القول بأن المرأة مضطهدة في اليهودية، وأنا أُحسن معاملة زوجتي؟"، كنا نرد قائلين: "نحن نتحدث عن مكانة المرأة في اليهودية، وليس عن وضع زوجتك في بيتك. في الواقع، إن معظم اليهود أكثر عدلًا من معظم الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة".

هناك بالفعل أحكام شرعية سيئة لا يتم فرضها، بل يتم التحايل عليها، إلا أن هذا التحايل يتم مع معظمها لا مع جميعها.؛ فمثلا لا توجد طريقة للتحايل على حكم شهادة المرأة، ولذلك فإن التمييز بينها وبين الرجل في تلك المسألة لا يزال قائمًا. وبالفعل، ما لم يتم تعديل الشريعة اليهودية بشكل جذري وشامل (وليس من الواضح متى أو كيف سيحدث ذلك)، فإن مكانة المرأة في اليهودية ستظل متدنية، وستظل تعاني من غياب جوهري للمساواة.

ولإبراز التوتر الذي يعيشه المتدينون اليهود بين إيمانهم والتزامهم بالشريعة اليهودية من جهة، وبين ميلهم الطبيعي إلى العدل والمساواة من جهة أخرى، نقتبس من مقال الحاخام يهودا هينكين "نساء توراتيات"، الذي نُشر في صحيفة "הצופה" بتاريخ 14/09/1998 ما يلي: "قبل نحو ثلاثين عامًا، تم لأول مرة اقتراح تدريس الجمارا كمقرر اختياري في كلية "شتيرن" للنساء التابعة لإحدى الجامعات في نيويورك. وقد التحقت إحدى الفتيات، التي أصبحت فيما بعد زوجتي، بهذا المقرر، وقدمت أطروحة الماجستير الخاصة بها في التاريخ اليهودي... لكن تم رفضها. لماذا؟ لأنهم زعموا أنها لم تكتبها بنفسها! فكيف لامرأة أن تكون قادرة على قراءة كتب الفتاوى الفقهية وفهمها؟!... كم تغيرت الأمور منذ ذلك الحين! اليوم، هناك عالم جديد به معاهد لتدريس التوراة للنساء. لكن من منظور شرعي، يُعتبر تعليم النساء للتوراة بشكل عام، والتلمود بشكل خاص، بمثابة تساهل ديني. فقد ذكر موسى بن ميمون في "משני תורה": "لقد أمر الحكماء بعدم تعليم الرجل ابنته التوراة؛ لأن معظم النساء لا يملكن القدرة على التعلم"… ومع ذلك نجد أن:

1. المنع موجّه إلى المعلّم، وليس نحو المرأة المتعلّمة نفسها.

2. لا يوجد منع إذا تعلمت المرأة بمحض إرادتها...".

وهذا يمثل محاولة مؤثرة من الحاخام يهودا هينكين للتوفيق بين الشريعة اليهودية وبين رغبته في تحقيق العدالة والمساواة. لكنه، مثل جميع الحاخامات، لا يجرؤ على التصريح بوضوح قائلًا: "يجب تغيير الشريعة. يمكن للمرأة أن تتعلم وتُعلِّم تمامًا مثل الرجل".

المرأة غير مؤهلة للشهادة

ورد في (מסכת שבועות, ל - ע"א): "إن شهادة الشهود تنطبق على الرجال، وليس على النساء... يُستدل على ذلك من قول الحكماء: "وَقَامَ رَجُلَانِ" (تثنية 19:17)؛ فالنص يتحدث عن الشهود الذكور فقط".  وقد ذكر موسى بن ميمون في (משני תורה, הלכות עדות, פרק 9, פסוק 2) هذا الحكم، حيث قال: "إن النساء غير مؤهلات للشهادة وفقًا للشريعة، إذ ورد في التوراة: "بِفَمِ شَاهِدَيْنِ" – بصيغة المذكَّر وليس المؤنَّث". وورد في (שלחן ערוך,חושן משפט, הלכות עדות, פרק 35, פסוק 14) "المرأة غير مؤهلة للشهادة".

وبناءً على ذلك، فإن كل المسائل التي تتطلب شهادة شاهدين لا يجوز فيها قبول شهادة المرأة، سواء في الأحكام المالية أو الأحكام الجنائية، كما أنها غير مؤهلة للإدلاء بشهادتها في مسائل الزواج (קידושין). لا يوجد تمييز أو إهانة أشد من هذا – فالشخص العاقل الحكيم يُمنع من الإدلاء بشهادته أمام المحكمة على ما رآه بعينيه، لمجرد كونه من الجنس الأنثوي!

إن بعض الحاخامات، الذين يجدون صعوبة في قبول هذا التمييز الصارخ الذي يحرم المرأة من حق الشهادة، يحاولون تقديم تبريرات لا تتوافق مع الأحكام الصريحة للشريعة اليهودية، ويزعمون أن المرأة غير مؤهلة للشهادة لأنها لا تخرج عادة من بيتها، وبالتالي فلا يجب أن تذهب إلى المحكمة، وذلك استنادًا إلى المبدأ القائل: "إن كرامة المرأة داخل بيتها".

غير أن هذا الادعاء لا يعالج مسألة التمييز القائم، كما أنه لا يفسر سبب منع المرأة من الشهادة في عقد الزواج؛ فالنساء تحضرن بالفعل حفل الزفاف للمشاركة في فرحة العريس والعروس.

والواقع أن "توسافوت" (إضافات المشنا)  توضح بشكل صريح أنه لولا النص التوراتي القاطع، لكانت المرأة مُلزَمة بالشهادة، رغم ميلها الطبيعي للبقاء في المنزل، وفقًا للمفاهيم القديمة. 

المصدر: מעמד האישה בהלכה, ירון ידען

daatemet.org.il





ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button