موقع يهتم بالدراسات السامية، ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودي

موقع يهتم بالدراسات السامية بشقيها اللغوي والفكري. ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودية

إعلان الرئيسية

يهدف البحث إلى تتبع التصور اليهودي لكلمة " שטן"، بداية من المقرا، مرورًا بالمشنا والمدراشيم، ثم التفاسير اليهودية في العصر الوسيط، وأخيراً الفكر القبالى, ورصد التطور الفكرى لهذا المصطلح مع كل مرحلة من المراحل السابقة، نتيجة لتغيير التأثيرات الثقافية على الفكر اليهودي، في كل مرحلة من هذه المراحل. لذلك رصد البحث التصور الفكرى لكلمة " שטן" في الفكر الديني اليهودي، في المراحل المحددة سلفاً، وذلك لفهم كينونته في الفكر الديني اليهودي وما هو الدور الذى يلعبه في حياة البشر من وجهة النظر اليهودية، هل له دور في الشر وغواية البشر على الخطأ، أم أن دوره يقتصر على التحريض والإرادة الإنسانية هى التى تحدد دوره؟. وكذلك علاقته بالذات الإلهية هل هو خاضع لها أم له حرية التصرف؟. لذلك كان المنهج الأقرب في هذه الدراسة هوالمنهج الوصفي التاريخي، في محاولة لتقديم وصف للمفاهيم الفكرية المطروحة لمصطلح " "שטן" في الفكر الديني اليهودي عبر مراحل تاريخية محددة سلفاً في الدراسة، مع محاولة الربط بين هذه المفاهيم والتأثيرات الفكرية في كل مرحلة.
كلمات مفتتاحية: الشيطان، صورة، الغواية، الفكر، اليهودي
الدراسات السابقة
-د/حميدة صبار كاظم : ميثولوجيا الشيطان في الفكر اليهودي والمسيحي (قراءة تحليلية مقارنة في الكتابين المقدسين) ، مجلة حولية المنتدي، المنتدي الوطني لأبحاث الفكر والثقافة، 38، السنة الثانية عشر، نيسان ، 2019.
-أثر أسطورة ليليث السامية في الفكر الديني اليهودي القديم والوسيط. د/حنان كامل. مجلة رسالة المشرق-مركز الدراسات الشرقية. مج2. ع 3/ 4. 2008
مقدمة
ارتبط وجود الشيطان في بداية البشرية، عند الإنسان الأول، بالأرواح والأطياف غير المرئية، ثم ارتبط الشر في مخيلة الإنسان الأول، بالحية التي تزحف على الأرض وتندس في الجحور للمكيدة والخداع. ومع ظهور الحضارات الإنسانية، التي ارتبطت بتجمع البشر وتكوين مجتمعات لها نظم وأعراف تتحكم فيها، بدأ الإنسان يميز بين الشر والخير، فكان الخير هو كل ما استتبت عليه الجماعة البشرية، والشر هو كل ما خالف نظام الجماعة وأخل ومرق به، وكذلك ارتبط الخير بالحظ والنور والشر بالنحس والظلام. لذلك تظهر في الحضارة السومارية والكلدانية ملاحم أدبية مثل ملحمة " إينوما إيليش" التي مجدت فيها انتصار قوى الخير على قوى الشر، ثم تبعتها ملحمة "جلجامش" لتؤكد أيضا على هذا المعنى، ومن ثم عرف الإنسان بفطرته أن هناك قوة غير مرئية تجلب له الخير، بينما تجلب له قوة أخرى الشر، فكان للشر إله وللخير إله، وكلاهما كان في صراع دائم.
بظهور الأديان الكتابية، ظهرت فكرة الألوهية المطلقة، المسئولة عن خلق الكون وتصريف مقاديره، وأول الأديان الكتابية كانت اليهودية، وكان البشر ما زالوا حديثي عهد بالوثنية، لذلك أخذت اليهودية الكثير من الديانات الوثنية، فاعترفت للإله بالخلق، لكنها لم تستطع البعد عن فكرة الثنائية في الألوهية، نتيجة التأثر بالوثنية، فنجد "אלוהים ויהוה" الوهيم ويهوا. ولكن بالنسبة لتصور الشيطان حدث تحول جذري، تمثل في خروجه من طور الإله إلى كونه مخلوق للإله الأوحد، لذلك لم يكن الشيطان كاسم وشخصية واضحًا في الديانة اليهودية، بل كان وصفًا فقط، فقد كان الشر أحيانًا ينسب للإله، كما كان في الديانات الوثنية، فكان الشيطان قبل السبي البابلي، يظهر في المقرا في شكل المقاوم أو الخصم في القضية. لذلك فإن من أغوى آدم وحواء وأخرجهما من الجنة كانت الحية وليس الشيطان، وحتى هذا بتأثير من الديانات الوثنية القديمة. وظهر شكل الغواية من قبل الشيطان للإنسان في الأسفار المتأخرة، عندما كان اليهود في السبي البابلي، واتضح مفهوم الغواية بشكل أكثر تفصيلًا في التلمود.
مع المسيحية تبلورت الفكرة، لأن المسيحية عرفت الشر بأنه نقيض الخير والمنفعة والصلاح، وإذا مس الشر الإنسان فإنه قد مس أفضل خصاله، ولم يعد للشيطان سيطرة أو سيادة على مقادير الأمور، وكانت معركة الإنسان في الانتصار عليه وعلى الخطيئة، لذلك نقرأ في رسالة يوحنا الأولى(3: 8): “من يفعل الخطيئة فهو من إبليس، لأن إبليس من البدء يخطئ، ولأجل هذا ظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس."
ظهرت في العهد الجديد بوضوح فكرة أن الشيطان هو روح الشر وأنه شخصية مستقلة فهو مالك الشر (لوقا 10: 19) "حتى الشياطين تخضع لنا باسمك ..هأنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا قوة العدو" وهو من حاول غواية المسيح (متى 4 :1)"ثم أصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس".
مع ظهور الإسلام، تبرز فكرة الإرادة الإنسانية، لأن لها دورها في تحديد دور الشيطان وصفاته، فالشيطان لا يمتلك الإرادة الخاصة حتى لفعل الشر و لكن يأتي فعله كنتيجة مباشرة لضعف الإرادة الإنسانية أمام الشر و الغواية و الإغراء، كما في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) "إبراهيم22" بل و في آية أخرى نرى بوضوح الدور الهامشي للشيطان و حقيقة موقفه الضعيف، فالله يخاطبه بقوله (إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ)"الحجر 42" فالخطيئة من صنع الإنسان، لذلك نجد آدم وحواء في سورة الأعراف يقولان الآية (23)" “قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ"..
تحول الصراع من الصراع بين إله الخير وإله الشر، كما كان في الديانات الوثنية، إلى الصراع بين الشيطان (الملاك المغضوب عليه) وبين قوة وإرادة الإنسان في التصدي للغواية والثبات على الطريق القويم. (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ )"الحجر36: 40".
المعني اللغوى والاصطلاحي لكلمة "שטן"و "شيطان"في العبرية والعربية
أولًا :في المعاجم العبرية
(أ)المعني اللغوي ل" שטן"
ذكر ايفن شوشان أن الفعل (שָטַן) بمعني عادي وكره مثل؛ (المزامير 38: 21): "וּמְשַׁלְּמֵי רָעָה, תַּחַת טוֹבָה-- יִשְׂטְנוּנִי, תַּחַת רדופי רָדְפִי טוֹב"(والمجازون عن الخير بشر يقاومونني لأجل اتباعي الصلاح)، وكذلك (المزامير 109: 29):" יִלְבְּשׁוּ שׂוֹטְנַי כְּלִמָּה; וְיַעֲטוּ כַמְעִיל בָּשְׁתָּם."(ليلبس خصمائي خجلاً، وليتعطفوا بخزيهم كالرداء) وكذلك من ضمن معانيه يقيم الحجة أو ينازع ويتهم ويقدم دليل إدانة مثل (زكريا 3: 1):" וַיַּרְאֵנִי, אֶת-יְהוֹשֻׁעַ הַכֹּהֵן הַגָּדוֹל, עֹמֵד, לִפְנֵי מַלְאַךְ יְהוָה; וְהַשָּׂטָן עֹמֵד עַל-יְמִינוֹ, לְשִׂטְנוֹ. "(وأراني يهوشع الكاهن العظيم قائماً قدام ملاك الرب والشيطان قائم عن يمينه ليقاومه). كما يرد منه وزن (הפעיל) فيصبح (השטין): بمعني يقيم الحجة أو ينازع ويقدم دليل إدانة. ويرد الاسم من هذا الجذر على (שָָטָן) ويوجد من يعتقد إنها من שט-שוט وبالأرامية שטְנָא وبالعربية شيطان وفي المقرا اسم للملاك المنازع الذى يعيث في الأرض ليحرض، وهو منبوذ من قبل الرب يبحث عن خطايا البشر وعيوبهم حتى ينازعهم بها أمام الله فيعاقبهم مثل (أيوب 1: 6)" וַיְהִי הַיּוֹם--וַיָּבֹאוּ בְּנֵי הָאֱלֹהִים, לְהִתְיַצֵּב עַל-יְהוָה; וַיָּבוֹא גַם-הַשָּׂטָן, בְּתוֹכָם." (وكان ذات يوم أنه جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب وجاء الشيطان أيضاً في وسطهم" وكذلك( زكريا 3: 1) ولكن التلمود والأسفار المتأخرة ظهرت بهم دلالات أخرى، وهى زعيم الجن"אשמדאי" اشمداي، وסמאל ملاك الموت "הוא שטן הוא יצר הרע הוא מלאך המות הוא"(الشيطان هو غريزة الشر وملاك الموت).
(ب) المعني الإصطلاحي لكلمة " שטן"
لفظة " שטן" أطلقتها المقرا والمشنا والعهد الجديد على رئيس الملائكة المتمردين؛ ومعناها العدو الخصم؛ وقد ذكرت لأول مرة في المقرا ،بهذا المعني، في سفر أيوب. وللشيطان عدة أسماء أظهرت سماته؛ مثل لوسيفوروس (معناه حامل النور) وبعلزبوب أو عزرائيل؛ وبعلزبوب اسم كنعاني لعلاقة الذباب بالمرض لذلك أطلقوا على رئيس الشياطين بعلزبوب أي سيد الذباب، وتحول اسمه إلى بعلزبول، ويعتقد اليهود أنه يسكن في البرية. أما عزرائيل فهو ملك يرسلون إليه يوم الغفران عنزة محملة بخطايا بني إسرائيل، وهناك سعائيل الذى دخل في العجل الذهبي الذى عبده العبرانيون أيام هارون، كما يعتقدون بوجود شيطانة وهى ليليث التي تزوجت من آدم قبل حواء وهى أم الجان.
لكن الصورة المقرائية الكاملة؛ هي أنه أحد الملائكة التي تتحين الفرص ضد الإنسان لإذيته، لذلك دائمًا يستخدم "עמידה-התייצב " ليعطي معنى التعمد والقصدية وقد ترجمتها الترجمة السبعينية، يحتج ويقف ضد ويقذف ويشهر، ومع مرور الوقت استسيغ استخدام الكلمة في الترجمة السبعينية ملازمة لكلمة شيطان، ولكن ظهور الشيطان في أسفار أيوب وزكريا أثارت رغبة الباحثين للبحث عن صورة الشيطان في أمور المحاكمة والحُكم، ووجهة النظر التى قدمها هذان السفران عن الشيطان هي؛ إنه المدعي في محكمة السماء على الإنسان ويوسوس عليه ولكنه يفشل. كما رأى بعض الباحثين أن الكلمة في سفر أيوب من שוטט بمعني المتجول فأصبح شيطان بالشين وليس بالسين؛ لأنه يقول في سفر أيوب: " וַיֹּאמֶר יְהוָה אֶל-הַשָּׂטָן, מֵאַיִן תָּבֹא; וַיַּעַן הַשָּׂטָן אֶת-יְהוָה, וַיֹּאמַר, מִשּׁוּט בָּאָרֶץ, וּמֵהִתְהַלֵּךְ בָּהּ. "(فقال الرب للشيطان من أين جئت فأجاب الشيطان الرب وقال من الجولان في الأرض ومن التمشي فيها) (أيوب 1: 7).
أما في الأسفار الخارجية، فهنا نجد مثلًا في صورة الشيطان في سفر "חנוך" "أخنوخ"، وهو أحد الأسفار الخارجية، أن سبب الشر في العالم ليس الإنسان ولكن تمرد بعض الملائكة وخروجهم على طاعة الرب ولذلك تم حبسهم في العالم السفلي، وسيحاسبون يوم القيامة، ويطلق عليهم (חבורות שטנים) (مجموعة الشياطين) وكذلك )שמיחזה أو עזזאל)(سفر أخنوخ 7: 1- 5). أما في سفر (היובלים) (كتاب اليوبيلات) فقد قًلل من دور الملائكة المتمردة في التسبب في الشر وأشار إلى شخصية جديدة وهي "משטמה" وهو وزير الشياطين الذى حزن على ملائكته الذين تم حبسهم في العالم السفلي منذ أيام النبي نوح، فطالب بتحريرعشرة منهم ليساعدوه في حث البشر على الشر ثم محاسبتهم (היובלים 10 :1-9) فهو من حرض سيدنا ابراهيم على ذبح اسحاق (היובלים17: 16) ليصل في النهاية لينسب كل أخطاء البشر لهم وإن الشيطان واتباعه هنا لم يكونوا أكثر من محرضين إنما الشر من الإنسان نفسه، كما قدم كتاب (اليوبيلات) الشيطان شريك للإله فهو المسئول عن الشر في العالم. وأحياناً يري إن الشيطان هو ملاك الظلام، وهناك دائماً حرب بين النور والظلام. لذلك مثّل الشيطان في أسفار الأبوكريفا (الأسفار الخارجية) قوى معادية للإله وقوى الشر.
ويوجد أيضا من الكتب الخارجية سفر צוואת בני יעקב (شهادات الآباء الاثني عشر) ولكنه اختلف في إنه قدم الجانب الوعظي في قضية دور الشيطان في حياة البشر، فقد أوهن من دور الشيطان في معصية البشر مقابل وجود جانب أخلاقي في الإنسان يستطيع من خلاله الانتصار على إغواء الشيطان، وذلك من خلال عرض أحداث في حياة آباء الأسباط الاثني عشر الذين تمسكوا بإرادة الله ويأسوا الشيطان منهم (צוואת נפתלי 3: 1). وفي سفر "חזון עזרא"(رؤيا عزرا) حاول السفر انسنة الشيطان فقد جسد الشيطان في العالم من خلال الشر الذى وجد في قلب الإنسان الأول الذى تتطور مع تطور البشرية.
ثانيا: الشيطان في المعاجم العربية
أ-المعني اللغوي لكلمة شيطان
لفظة شيطان مشتقة من (شطن) وهو الحبل وقيل الطويل منه، والشطن الحبل الذى يشطن به الدلو، ويقال للفرس إذا استعصي على صاحبه فرس مشطون، وبئر شطون: ملتوية عوجاء، وحرب شطون : عسرة شديدة... وشطن عنه: بَعُد وأشطنه أبعده. وفي الحديث: "كل هوى شاطن في النار"، الشاطن البعيد عن الحق. والشطين البعيد.والشيطان :حية له عرف والشاطن: الخبيث، والشيطان : فيعال من شطن إذا بعد فيمن جعل النون أصلاً، وقولهم الشياطين دليل على ذلك، والشيطان: معروف وكل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان. وقيل الشيطان فعلان من شاط يشيط إذا هلك واحترق... ويقول الزجاج في قوله تعالى (طلعها كأنه رؤؤس الشياطين) وجهه أن الشيء إذا استقبح شبه بالشياطين فيقال؛ كأنه وجه شيطان وكأنه رأس شيطان والشيطان لا يري ولكنه يستشعر أنه أقبح ما يكون من الأشياء. وهنا يذكر أن تسمية الشيطان تجاوزت المعنى الديني إلى غيره، فالشيطان سمة للإبل وتوصيف للعطش وإلهام للشعر واسم لبعض الحيات.
اجمعت المصادر الإسلامية والمعاجم العربية، أن شيطان من شطن بمعنى بَعُدَ، والشيطان- وفق هذا القول- هو كل بعيد عن الخير أو الرحمة، وليس بغريب أن يكون الشيطان بمعنى المخالف لقصد الله ووجهته، وحينئذ يكون شطن بمعنى خالف ، أى أن الله هو الخير المطلق، والشيطان الشر الذي يبتعد عنه، ويخالف أمره في شؤون خلقه، وكذلك انصرفت بعض المعاجم إلى أن المعني من أشاط بمعني أحرق وفرق ووزع وسفك.
ومن ألفاظ الشيطان في اللغة العربية (إبليس) حيث جاءت تسميته من الإبلاس بمعنى الإياس من الخير. وبهذا يكون الشيطان اسم جنس عام، بينما إبليس اسم علم خاص بالشيطان الأول الذي أغوى آدم. وقد حاول الدارسون و الباحثون أن يجدوا أصلاً لهذه التسمية، فقال البعض إن كلمة الشيطان أصيلة في اللغة العربية على اعتبار وجود العديد من الكلمات التي يعطي مصدرها معاني الضلالة و الاحتراق و البعد مثل(شط – شاط – شوط و شطن), والبعض الآخر قال إنها عبرية و تأتي بمعنى الضد أو العدو . أما كلمة إبليس فقد رأى البعض أن أصلها يوناني من كلمة (Diabolos) ديابلوس و التى تعني الاعتراض و الوقيعة، والبعض الآخر يرى أنها آتية من كلمة (الإبلاس) أي اليأس التام من رحمة الله و من العودة إلى الجنة , و منهم من قال إن أصل التسمية مأخوذ من (Devil) في اللغات السكسونية و التي تعني يفعل الشر. بينما أرجع الآخرون الكلمة إلى (مغستوفليس) و هي مأخوذة من اليونانية و تعني (كراهية النور) و مصدرها هو السحر البابلي الذي وصل إلى الغرب على أيدي اليهود اليونان، وهذه التسمية تمثل روحاً من أرواح النحس التي تتسلط على بعض الكواكب.
ب-المعني الاصطلاحي لكلمة شيطان
يُطلق الشيطان من ناحية الاصطلاح على: كلِّ متمرِّد من الجنِّ والإنس والدواب؛ فبناء على هذا التعريف يصبِح مَفهوم الشيطان: صِفة يمكِن أن يتَّصف بها أيُّ امرئ يَسلك طريقَ الشرِّ والشيطن.
أمَّا إبليس، فهو اسم علَمٌ لمَخلوق خلَقه الله عزَّ وجل من النَّار، وجعله في عداد الملائكة، وقام بعمله ما شاء الله أن يقوم، ثمَّ نازع ربَّه الكبرياء والعظمة، فاستكبر عن طاعته، وعصى ربَّه، فطرده من رحمته ومن وظيفته، فهبط إلى الأرض، وأصبحت الشيطنة صفة له. وهو رأس الشياطين والمتمرِّدين، وجمعه: أباليس وأبالسة.
إذًا، إبليس هو اسم العَلَم لهذا المخلوق المتمرِّد، والشيطان صِفة له ولغيره. الشيطان صِفة يتَّصف بها أي امرئ يَعمل عمله، وقد وصف الله عزَّ وجل بها إبليس حتى التصقَت به فصار الناس يَظنون أنها خاصَّة به، ولكن آيات القرآن الكريم بيَّنَت أن إبليس غير الشيطان، وأن الشيطان صِفة لإبليس، قال تعالى:) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ( (البقرة: 34 – 36) فلو نظرنا إلى جملة ﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ ﴾، لأوحَت لنا بصِفات إبليس؛ أي: أزلَّهما إبليس بكَيده وتزيينه ووسوستِه؛ ومثل ذلك ورَد في آيات سورة طه، فبعد أن أَمَر الله عزَّ وجل إبليسَ أن يسجد لآدمَ، واستكبر إبليس عن طاعة الله عزَّ وجل، حذَّر الله آدمَ منه، وأمره أن يتَّخذه عدوًّا؛ حتى لا يُخرجه من الجنة: ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) (طه: 120) فإبليس هو الوسواس والشَّيطان، ولكنه ليس وحده الشيطان؛ بل هناك شياطين كثر من الإنس والجن، يَعملون عملَه، ويهتدون بسنَّته، ويسلكون طريقَه؛ طريق الشيطنة.
إنَّ إبليس من الملائكة؛ إذ أُمر بالسجود معهم، وهو من الجنِّ بنصِّ القرآن الكريم، وليس في الأمر غرابة عندما نَعلم أنَّ إبليس كان في الملائكة وليس من جِنسهم؛ بل هو من الجنِّ، وهم جنس من الخلق، خلَقه الله من نار، وخلق الملائكةَ من نور؛ فإبليس من الملائكة بطاعته وعبادتِه في البداية، ومن الجن نسبًا وأصلً.
(2) الشيطان في المقرا
ظهرت في فترة الهيكل الثاني شخصية فوق بشرية على هيئة الملاك، وظيفتها وضع العراقيل في طريق البشر، وهو من يمثل الشر في العالم أو يتسبب فيه، وهذه الشخصية عند ظهورها يظهر الشر والكوارث . ولكن هذه الصورة لم تظهر في المقرا بهذا الشكل إلا في فقرات قليلة ومتأخرة والتي تطلق على ممثل الشر (השטן):
ولذلك من الممكن أن نحصر الأدوار التى قام بها الشيطان في التالى
أ- المقاومة
-العدد (22: 22)" וַיִּחַר-אַף אֱלֹהִים, כִּי-הוֹלֵךְ הוּא, וַיִּתְיַצֵּב מַלְאַךְ יְהוָה בַּדֶּרֶךְ, לְשָׂטָן לוֹ; וְהוּא רֹכֵב עַל-אֲתֹנוֹ, וּשְׁנֵי נְעָרָיו עִמּוֹ."
(فحمى غضب الله لأنه منطلق ووقف ملاك الرب في الطريق ليقاومه وهو راكب على اتانه وغلامه معه).
ب-العداء والخصومة
-صموئيل الأول (29: 4)" וַיִּקְצְפוּ עָלָיו שָׂרֵי פְלִשְׁתִּים, וַיֹּאמְרוּ לוֹ שָׂרֵי פְלִשְׁתִּים הָשֵׁב אֶת-הָאִישׁ וְיָשֹׁב אֶל-מְקוֹמוֹ אֲשֶׁר הִפְקַדְתּוֹ שָׁם, וְלֹא-יֵרֵד עִמָּנוּ בַּמִּלְחָמָה, וְלֹא-יִהְיֶה-לָּנוּ לְשָׂטָן בַּמִּלְחָמָה"
(وسخط عليه رؤساء الفلسطينيين وقال له رؤساء الفلسطينيين ارجع الرجل فرجع إلى موضعه الذى عينت له ولا ينزل معنا إلى الحرب ولا يكون عدوًا في الحرب)
-ملوك أول (5: 18)" וְעַתָּה, הֵנִיחַ יְהוָה אֱלֹהַי לִי מִסָּבִיב: אֵין שָׂטָן, וְאֵין פֶּגַע רָע."
(والآن فقد أراضي الرب آلهي من كل الجهات فلا يوجد خصم ولا حادثة شر).
- ملوك أول (11: 14) " וַיָּקֶם יְהוָה שָׂטָן לִשְׁלֹמֹה, אֵת הֲדַד הָאֲדֹמִי: מִזֶּרַע הַמֶּלֶךְ הוּא, בֶּאֱדוֹם. "
(وأقام الرب خصماً لسليمان هدد الأدومي)
ج-الغواية:
أول تطور ملحوظ في النظرة المقرائية لصورة الشيطان في الغواية كان في:
- صموئيل الثاني (24: 1)" וַיֹּסֶף, אַף-יְהוָה, לַחֲרוֹת, בְּיִשְׂרָאֵל; וַיָּסֶת אֶת-דָּוִד בָּהֶם לֵאמֹר, לֵךְ מְנֵה אֶת-יִשְׂרָאֵל וְאֶת-יְהוּדָה. "
(وعاد فحمي غضب الرب على إسرائيل فأهاج عليهم داود قائلًا أمض وأحص إسرائيل ويهوذا)
-ثم اخبار الأيام الأول (21: 1) " וַיַּעֲמֹד שָׂטָן, עַל-יִשְׂרָאֵל; וַיָּסֶת, אֶת-דָּוִיד, לִמְנוֹת, אֶת-יִשְׂרָאֵל "
(ووقف الشيطان ضد إسرائيل وأغوى داود ليحصي إسرائيل)
وفي (صموئيل الثاني) ظهر أن الرب هو المبادر بالغواية بدون أي خوف وفي الفقرة الثانية جاء الشيطان في الغواية، ولكن الشيطان أيضًا في كليهما لم يظهر بأنه سبب الشر، فوفقًا للفقرة الأصلية المحرض هنا هو الله نفسه وليس الشيطان، ولكن من أجل تحقيق التنزيه حتى لا ينسب الشر للإله نسب التحريض للشيطان، فهنا يجب أن يظهر الشيطان حتى يتخلص الله من تهمة الشر، ولذلك فهذه الفقرة هي من شكلت وجهة النظر إن الشيطان مصدر الشر، وهنا جاءت كلمة (שטן) وليس (השטן) كما في سفر أيوب ولذلك يعتقد الباحثون إنها اسم ذات لملاك الشر وأن (השטן) هو ذكر لدوره وليس الاسم. وبدأت تظهر قوته واستقلاليته نوعًا ما فتخلصت الصورة الإلهية من التسبب في الشر في العالم.
تمثل كلمة (השטן) صفة للأفعال الشيطانية المؤذية؛ فالفلسطينيون كانوا يخافون أن يكون داود شيطان في الحرب (صموئيل الأول 29: 4) "וְלֹא-יִהְיֶה-לָּנוּ לְשָׂטָן בַּמִּלְחָמָה"(ولا يكون لنا عدوًا في الحرب) أي أن يغدر بهم أو يهزمهم في المعركة، وادعي داود أن بني صروية بمثابة شيطان له (صموئيل الثاني 19: 23) "וַיֹּאמֶר דָּוִד, מַה-לִּי וְלָכֶם בְּנֵי צְרוּיָה--כִּי-תִהְיוּ-לִי הַיּוֹם, לְשָׂטָן"( فقال داود مالى ولكم يا بمي سروية حتى تكونوا لي اليوم مقاومين) وذلك في مشورتهم لدواد بقتل شمعي. ولم يقصد أن يقول أنهم أعداؤه ولكن كانت نصيحته غير سليمة وتصرفهم سبب له الأذى في تكوين سياسته المنشودة. وكذلك ملاك الرب الذى كان كشيطان ووقف أمام بلعام (العدد 22: 22-32) " וַיִּתְיַצֵּב מַלְאַךְ יְהוָה בַּדֶּרֶךְ, לְשָׂטָן לוֹ; וְהוּא רֹכֵב עַל-אֲתֹנוֹ" (ووقف ملاك الرب في الطريق ليقاومه وهو راكب على اتانه وغلامه معه) فهو لم يطلب رأيه ولكنه عرقل مسيره. وفي (عزرا 4: 6)"ִּתְחִלַּת, מַלְכוּתוֹ--כָּתְבוּ שִׂטְנָה, עַל-יֹשְׁבֵי יְהוּדָה וִירוּשָׁלִָם" (في ابتداء ملكه كتبوا شكوي على سكان يهودا وأورشليم) فهنا وصف للرسالة التي كتبها كارهي يهودا بالشيطنة فهي عبارة عن رسالة اتهامات.
د- معارضة الإله والاحتجاج على البشر:
أصبحت صورة الشيطان، في المقرا، أكثر وضوحًا، في سفري زكريا وأيوب، فقد ظهربوصفه مضاد للإله محتج على البشر.
ففي سفر زكريا نجد الشيطان يظهر كشخصية فوق بشرية فهو من صنف طبقة السماء الذى تصدى للإنسان واتهمه وتعمد ضرره (زكريا الاصحاح 3) حيث يقدم السفر نوع من المحكمة أمام الرب، واتضح أن يهوشع الكاهن الكبير أخطأ ولذلك وقف الشيطان عن يمينه " וַיַּרְאֵנִי, אֶת-יְהוֹשֻׁעַ הַכֹּהֵן הַגָּדוֹל, עֹמֵד, לִפְנֵי מַלְאַךְ יְהוָה; וְהַשָּׂטָן עֹמֵד עַל-יְמִינוֹ, לְשִׂטְנוֹ" (وأراني يهوشع الكاهن العظيم قائمًا قدام ملاك الرب والشيطان قائم عن يمينه ليقاومه)(زكريا 3: 1) ووقف الشيطان ليدعي عليه ولكن الرب اسكت الشيطان بصراخه" וַיֹּאמֶר יְהוָה אֶל-הַשָּׂטָן, יִגְעַר יְהוָה בְּךָ הַשָּׂטָן, וְיִגְעַר יְהוָה בְּךָ, הַבֹּחֵר בִּירוּשָׁלִָם הֲלוֹא זֶה אוּד, מֻצָּל מֵאֵשׁ."(قفال الرب للشيطان لينتهرك الرب يا شيطان لينتهرك الرب الذى اختار أورشليم أفليس هذا شعلة منتشلة من النار) (زكريا 3: 2) ونتيجة لتواضع يهوشع غفر له، وهنا رأى بعض الباحثين أن الشيطان أصبح عنصراً فعالًا في الأحداث ويؤثر على المخلوقات وإلا لما زجره الله ليبعده لأنه أوشك أن يحقق هدفه مع يهوشع.
أما في سفر أيوب (الاصحاح 1-2) فقد حظي الشيطان بصورة مادية؛ حيث سار في الأرض ووقف مع الملائكة أمام الرب:
" וַיְהִי הַיּוֹם--וַיָּבֹאוּ בְּנֵי הָאֱלֹהִים, לְהִתְיַצֵּב עַל-יְהוָה; וַיָּבוֹא גַם-הַשָּׂטָן, בְּתוֹכָם."
(وكان ذات يوم أنه جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب وجاء الشيطان في وسطهم)(أيوب 1: 6)
" וַיֹּאמֶר יְהוָה אֶל-הַשָּׂטָן, מֵאַיִן תָּבֹא; וַיַּעַן הַשָּׂטָן אֶת-יְהוָה, וַיֹּאמַר, מִשּׁוּט בָּאָרֶץ, וּמֵהִתְהַלֵּךְ בָּהּ."
(فقال الرب للشيطان من أين جئت فأجاب الشيطان الرب وقال من الجولان في الأرض ومن التمشي فيها) (أيوب 1: 7).
ثم يجادل الرب على تقوى أيوب، وتلقي مسئولية من الله وألحق الضرر بأيوب:
" וַיֹּאמֶר יְהוָה אֶל-הַשָּׂטָן, הֲשַׂמְתָּ לִבְּךָ עַל-עַבְדִּי אִיּוֹב."

(فقال الرب للشيطان هل جعلت قلبك على عبدي أيوب)(أيوب 1: 8)
بل حرض الرب ضده فظهر كأنه رسول له أثر وصلاحيات واسعة التنفيذ، ولكن ليس صلاحية القرار حتى في التفاصيل، وأساس كل هذه الحكاية هو الشك البشري الذى يقلل من تقوى الإنسان فقد شك أيوب في الرب، ولكن من سأل السؤال المصيري:
" וַיַּעַן הַשָּׂטָן אֶת-יְהוָה, וַיֹּאמַר: הַחִנָּם, יָרֵא אִיּוֹב אֱלֹהִים."
(وهل مجاناً يُتقى الرب)( أيوب1: 9)
إن الشيطان هو الذى سأل هذا السؤال المصيري، ولكن من قرر أن يعذب أيوب هو الله ولكن من فعل هذا ولكن بوحشية مبالغ فيها كان الشيطان:
" וַיֹּאמֶר יְהוָה אֶל-הַשָּׂטָן, הִנֵּה כָל-אֲשֶׁר-לוֹ בְּיָדֶךָ--רַק אֵלָיו, אַל-תִּשְׁלַח יָדֶךָ; וַיֵּצֵא, הַשָּׂטָן, מֵעִם, פְּנֵי יְהוָה "
(فقال الرب للشيطان هوذا كل ماله في يدك وإنما إليه لا تمد يدك ثم خرج الشيطان من أمام وجه الرب) (أيوب 1: 12)
وهكذا نجد أن الصورة الإلهية هنا مبرأة من الشك الواضح والقسوة المبالغ فيها، ولكنه المسئول المباشر لكل ما حدث، وهنا ظهر الشيطان على أنه الصورة المجسمة والبشرية للإله.فهنا ظهرت أول صورة واضحة للشيطان، بكونه محتج على البشر أمام الله يجادله فيهم ويري أنهم خطاؤن ويعبدون الله على حرف، فإن أصابتهم المصائب انقلبوا وجحدوا النعمة، فنجد قصة عن الشيطان وأيوب فحواها أن الله جمع الملائكة ذات يوم، ولكن وجد في وسطهم الشيطلن، فقال له: من أين أتيت يا شيطان ؟ فقال الشيطان أنه أتى من الأرض بعد تجوال طويل بها. فسأله الله إن كان قد رأى عبده المطيع أيوب، فقال له الشيطان: إن أيوب يطيعك لأنك مددت له في الرزق والبنين وأعطيته كل ما يتمنى. خذ ما أعطيته وسوف ترى أنه غير مطيع. فقال له الله: اذهب وافعل ما تشاء بماله وبنيه ولكن لا تتعرض له شخصيًا، فذهب الشيطان ليختبر أيوب.
وتعد قصة أيوب هي أول مصدر في المقرا يظهر فيها الشيطان بشكل صريح ومتكامل الأركان فهو ملاك الله الذى أرسل ليمتحن صبر أيوب على البلاء والمرض، وهو ليست قوة منفردة تواجه قوة الإله بل هو مخلوق من لدن الله، أرسل ليجر على البشر الضرر والأذى، بإرادة الله.
وظهور الشيطان بهذا الشكل في أواخر الأسفار، سفر أيوب وسفر زكريا ، يرجع إلى أن هذه الأسفار قد كتبت في الفترة الفارسية، لذلك يرى العديد من الباحثين أن ظهور الشيطان في سفر أيوب هو أثر فارسي، فظهرت وظيفة الشيطان في محاولة اختبار إيمان الصالحين أو البشر عموماً عن طريق اختبار أيوب أولاً في ماله (1: 13-19) ثم المرض وكل هذا ليختبر إيمانه ويبين ضعف تقواه أمام الله(2: 5-7). لذلك تطورت صورة الشيطان في العهد القديم في اللأسفار المتأخرة، بأثر من الفكر الفارسي.
أما في بداية سفر التكوين ، يظهر الشيطان متخفيًا بهيئة حيَّة في جنة عدن، فيصف السفر الحيَّة بـ (أحيل جميع حيوانات البرية)" וְהַנָּחָשׁ, הָיָה עָרוּם, מִכֹּל חַיַּת הַשָּׂדֶה" (تكوين 3 :1) وبأنها خدّاعة "הַנָּחָשׁ הִשִּׁיאַנִי "(تكوين 3 :13)، انفردت تلك الحية بحواء وأغوتها لتناول ثمر الشجرة التي نهاهم الرب عن أكلها ، حيث قالت لها بأنها إن أكلت تلك الثمرة هي وآدم فسيصيران كالله عارفين الخير والشر" וִהְיִיתֶם, כֵּאלֹהִים, יֹדְעֵי, טוֹב וָרָע." (تكوين 3 :5)، وبعد أن سقطت حواء وآدم في الاختبار فعاقبهم الله بأن طردهم من فردوسه إلى أرض الشقاء، كما عاقب الحيَّة أيضا فلعنها من بين جميع مخلوقاته وأعطى الرب وعده للبشر ووعيده للحيَّة؛"בֵּינְךָ וּבֵין הָאִשָּׁה, וּבֵין זַרְעֲךָ, וּבֵין זַרְעָהּ: הוּא יְשׁוּפְךָ רֹאשׁ, וְאַתָּה תְּשׁוּפֶנּוּ עָקֵב " (وَأَضَعُ عَدَأوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ) (تكوين 3 :15)
فهنا لم يظهر الشيطان، بل الحية التي اتصفت بصفات الشيطان، على عكس الطرح الإسلامي الذى قدم الشيطان من البداية بعد تمرده على رب العالمين لاصطفاء آدم، فكًن له الضغينة وحاول إخراجه عمدًا من الجنة، ليكون سببًا في إعمار الأرض، وليخضع للاختبار كما وردت في قوله تعالى" وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ، فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ قَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ"(سورة الأعراف 19: 21)
وقصة إغواء الحية لآدم وحواء في التوراة، ليست أكثر من ميراث متداول في أدب الشرق عند السومريين والبابليين عن تمرد الإنسان على خالقه، حتى جنة عدن ووصفها في المقرا قريب جدًا من وصف الجنة أو الجزيرة الإلهية في الأدب السومري، وقصة أكل نوع معين من النباتات ليمنحك الخلود تجسدت في قصة جلجامش البطل الأسطورى الذى يبحث عن الخلود.وما ورد في سفر التكوين (הנחש היה ערום מכל חיות השדה) الثعبان هو رمز لغريزة الشر الذى أغوى الانسان على الخطيئة، وتم اختيار الثعبان من أجل تجسيد غريزة الشر الذى يغوى الإنسان، مثل التنين والحوت المخلوقين الأسطورين اللذين تمردا على خالقهما، لذلك فأن المخلوقات الثلاث التنين والحوت والثعبان ذكروا سويًا في نبوءة إشعيا في القضاء على الشر والقوى الساحرة في آواخر الأيام" בַּיּוֹם הַהוּא יִפְקֹד יְהוָה בְּחַרְבּוֹ הַקָּשָׁה וְהַגְּדוֹלָה וְהַחֲזָקָה, עַל לִוְיָתָן נָחָשׁ בָּרִחַ, וְעַל לִוְיָתָן, נָחָשׁ עֲקַלָּתוֹן; וְהָרַג אֶת-הַתַּנִּין, אֲשֶׁר בַּיָּם". (في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لوياثان الحية الهاربة لويثان الحية المتحوية ويقتل التنين الذى في البحر)( اشعيا 27: 1).
والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هو العلة من اختيار الثعبان على وجه الخصوص، فالثعبان كان رمزًا للإحياء أو إعادة الحياة (تغيير جلده) في الحضارات القديمة لذلك نجده في الحضارة الفرعونية رمزًا من رموز القوة لذلك كان يوجد على عصا أو تاج كثير من آلهة الفراعنة، كما إن الثعبانين الملفوفين رمز للطب في الحضارة اليونانية, ويوجد من الباحثين من يري أن قصة سفر التكوين عن الثعبان أثر لأدب ما بين النهرين حيث كان يرسم الثعبان الأسطوري على جدران المعابد، وهو يحمل أسد على رأس ثعبان، ويري أن هذه كانت صورته إلى إن لعنه الله" עַל-גְּחֹנְךָ תֵלֵךְ" (وتزحف على بطنك)(التكوين 3: 14)، وكذلك في الأدب الأكادي، حيث إن الثعبان هو من خطف من جلجامش (عشب الحياة) الساحر وبذلك حرمه حياة الخلود، وغَير هو جلده. وفي الأدب التلمودي كان منتصب القامة مثل الإنسان (مثل أدب ما بين النهرين) وعندما أغوى الإنسان سخط ولعُن.
(3) الشيطان في المشنا والتلمود
توسع دور الشيطان كثيرًا في التلمود، وأصبح له دور رئيس وواضح لا لبس فيه في الغواية والاحتجاج على البشر، بل ونسبت له أدوار أخرى لم تكن موجودة في المقرا مثل كونه ملاك الموت وممثل لغريزة الشر، فهو من اختبر سيدنا إبراهيم بذبح ابنه، بل وقدم التلمود دليلًا على تحكم الشيطان في البشرية بمقولة أيوب (9: 24) "אֶרֶץ, נִתְּנָה בְיַד-רָשָׁע" "الأرض مسلمة ليد الشرير" وأشاروا إلى هذا بالشر من قبل الشيطان، وكما جاء في (בבלי - מסכת שבת פרק ט)
"וא"ר יהושע בן לוי בשעה שירד משה מלפני הקב"ה בא שטן ואמר לפניו רבונו ... מ' יום בא שטן ועירבב את העולם".
(وقال رابي يهوشع بن لاوى عندما نزل موسي من أمام الرب جاء الشيطان وقال أمام الرب..ومنذ ذلك اليوم جاء الشيطان وأصاب العالم بالهرج والمرج)
من ثم يمكن حصر صور الشيطان في المشنا والتلمود في:
الغواية:
أبرز التلمود الدور الرئيس للشيطان في غواية البشر، وجعلهم يحيدون عن الطريق المستقيم، رغم أن هذا الدور لم يكن دورًا رئيسًا في المقرا، فنجد في التلمود تحذيراُ للأتقياء من الذهاب مع رجل شرير في رحلة، لأن الشيطان يكون رفيقه، فقد قيل في المزامير (109: 6) " הַפְקֵד עָלָיו רָשָׁע" "سيطر عليه الشر"
"תצא עמו לדרך מפני שמלאכי שטן מלוין אותו שנא' (תהילים קט: ו) הפקד עליו רשע וגו'")תוספתא - מסכת שבת)
وقوله في التلمود "ושטן מאי אמר א"ל שטן ביומא דכיפורי לית ליה רשותא לאסטוני ממאי אמר רמי בר חמא השטן בגמטריא תלת מאה "(בבלי - מסכת יומא פרק א)
معناها "عندما قال الرب للشيطان من أين اتيت، فقال في يوم عيد الغفران، لا تكون لي سلطة ولا قسمة فيه، فمن أين جاء ذلك قال רמי בן וחמא إن الشيطان بحساب الجيماترا 364 وال364"
فيربطون تفسيرها بالفقرة الورادة في سفر التكوين (4: 7) " לַפֶּתַח חַטָּאת רֹבֵץ; וְאֵלֶיךָ, תְּשׁוּקָתוֹ, וְאַתָּה, תִּמְשָׁל-בּוֹ." "وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها وأنت تسود عليه" وهى تتكلم عن قابيل وهابيل عندما لم يقبل قربان قابيل، فُسأل عن ماذا قال الشيطان عن الخطيئة فقال له الله أنه في يوم الغفران لا يملك الشيطان أي سلطة ولا قسمة له فيه، فمن أين جاء ذلك قال רמי בן וחמא (رامي بن فحما) إن الشيطان بحساب الجيماترا 364 وال364 بحساب السنة الشمسية يتبقي يوم وهو يوم عيد الغفران لا يستطيع فيه الشيطان إغواء البشر ولكن لديه رخصة للإغواء في ال364 يوم. ففي الموضع السابق جعل التلمود الشيطان المسئول عن كل أخطاء البشرية من سقوط آدم وحتى عصيان بني إسرائيل لموسي وخطيئة داود، بل وجعله يستطيع أن يسيطر على البشر ما عدا يوم محدد في السنة .
بل وتخطي التلمود فكرة أن الشيطان يستطيع إغواء البشر على الشر كما فعل مع سيدنا إبراهيم، بل يستطيع الوسوسة للإله ذاته، مثل ما جاء في )בבלי - מסכת סנהדרין פרק 
"בן זימרא אחר דבריו של שטן דכתיב (בראשית ... ויגמל וגו' אמר שטן לפני הקב"ה ... דעתו עליו קדמו שטן לדרך אמר לו".
(وقال ابن زمرا عن أقوال الشيطان (كما جاء في التكوين 21: 8) فكبر الولد وفطم وصنع إبراهيم وليمة عظيمة / فجاء الشيطان أمام الله وقال له صنع الولائم لابنه لكن لم يقدم لك القربان فقال له الرب لو أمرته أن يذبح ابنه لي قرباناً سيفعل.. وامتحنه الرب ..وحتى لا يدخل الشيطان إليه..كما جاء في أيوب (4: 2)" הֲנִסָּה דָבָר אֵלֶיךָ תִּלְאֶה"إن امتحن أحد كلمة معك فهل تستاء".
الاحتجاج على البشر
فكرة الاحتجاج على البشر، والوقوف ضدهم أمام الله في المحاكمة، كانت الدور الأساسي للشيطان في العهد القديم، وخاصة في سفر أيوب، ولكنها ظهرت بشكل أوضح في التلمود، فيقول في (בבלי - מסכת ברכות פרק ט)"דברי הימים א כא) "ויעמוד שטן על ישראל וכתיב (שמואל ב כד) ויסת את דוד בהם לאמר לך מנה את ישראל וכיון"
(فوقف الشيطان ضد إسرائيل وكتب أيضا في صموئيل الثاني (24: 1) فأهاج عليهم داود قائلاً أمض واحص إسرائيل ويهوذا).
ودور الاحتجاج أو الضدية، ظهر بشكل واضح في سفر أيوب، وقد حاول التلمود تخريجه بشكل مختلف لكن وقع في نفس المأزق الذى مهدت له المقرا، فيقول في (בבלי - מסכת בבא בתרא פרק א (4: 13)"להתיצב על ה' ויבא גם השטן בתוכם ויאמר ה' אל השטן מאין תבא ויען השטן וגו' ... אל השטן השמת ... ויען השטן את"
وهو أن الله ترك أيوب للشيطان، فقد برر التلمود قصة الشيطان مع أيوب في المقرا، ليخرج من مأزق، إن الرب ترك الشيطان يتلاعب بأيوب، بأن الله هو الذى سمح للشيطان باختبار تقوى أيوب، وحدد دوره بأن ينزل للدنيا ليحاول إغواء الإنسان للوقوع في الخطيئة، ثم يصعد إلى السماء ليحمي غضب الرب علي هذا الإنسان الخاطئ، فيمنحه الرب الوعد ويأخذ روح هذا الإنسان كعقاب، ولكن الرب منحه كل جسد أيوب يعذب فيه، ما عدا روحه لا يستطيع إزهاقها.
غريزة الشر
هذا من الأدوار المستحدثة للشيطان بعد المقرا، واستخدمت المشنا هذا الدور، لتبرر ما أقرته الديانة اليهودية بأن الله مسئول عن كل شيء في عالمه " אִם-יִסָּתֵר אִישׁ בַּמִּסְתָּרִים וַאֲנִי לֹא-אֶרְאֶנּוּ, נְאֻם-יְהוָה:" (إذا اختبأ إنسان في أماكن مستترة ، أفما أراه أنا، يقول الرب)(ירמיהו כג, כד). فلماذا خلق الله الشيطان(מדוע אלוקים ברא את השטן?) فأجابت المشنا بأنه "הוא שטן, הוא יצר הרע, הוא מלאך המוות" (מסכת בבא בתרא דף טז, א"(هو الشيطان هو غريزة الشر، وهو ملاك الموت)
ويقول أيضاً في )בבלי - מסכת נדרים פרק ג)"אבא דף לב,ב גמרא השטן בחושבניה תלת מאה ושיתין וארבעה ואמר רמי בר אבא כתיב אברם וכתיב אברהם בתחלה"
فيقول في الجمارا (32: 2) الشيطان لديه أفكار 324 فكرة وقال رابي رامي بار أبا مكتوب في التوراة ابرام وإبراهيم، فقد ملكًه رب العالمين على 243 عضو (אברים) ثم ملكه على 248 عضو وهو هنا يشبه الجسد بمكوناته بمدينة صغيرة بها رجل طيب ورجل شرير وهذه غريزة الخير وغريزة الشر التي استطاع إبراهيم إن يسيطر على هذه المدينة (هذا الجسد).
إن غريزة الشر من وجهة نظر حكماء المشنا التي خلقها الله في الإنسان خلقها لتخدم الخير، فلولا غريزة الشر لما حاول الإنسان أن يقوم بكل أفعاله البشرية كأن يتزوج وينجب (בראשית רבה ט, ז)، فالبشر هم من يملكون القوة وإما يستخدمونها في الخير أو في الشر. كذلك عندما أرسل الشيطان ليختبر إيماننا كان لزيادة ثوابنا في العالم الآخروي. وبذلك فمكان الشيطان في قلوبنا، فإما يتحكم فينا أو نتحكم به"לַפֶּתַח חַטָּאת רֹבֵץ; וְאֵלֶיךָ, תְּשׁוּקָתוֹ, וְאַתָּה, תִּמְשָׁל-בּוֹ." (فعند الباب خطية رابضة، وإليك اشتياقها وأنت تسود عليها)(בראשית ד, ז), ואמרו חז"ל: "הרשעים הם ברשות ליבם. הצדיקים ליבם ברשותם" ( الظالمون يحكمهم قلبهم والصاقون قلبهم بأيديهم) (בראשית רבה, לד, י). ثم يتجسد الشيطان في شكل آخر إذا طاوعنا غريزة الشر وارتكبنا الآثام فيكون في هيئة عذاب وضرر لنكفر عن هذه الآثام، ثم يصعد إلى السماء ويدعي على الإنسان ليطالب بقبض روحه، (בבא בתרא דף טז, א). لذلك فعقاب حهنم هو عقاب الخطأ الذى صنعه الإنسان في الدنيا כמו שכתוב (משלי ה': כב):" עֲווֹנֹתָיו--יִלְכְּדֻנוֹ אֶת-הָרָשָׁע; וּבְחַבְלֵי חַטָּאתוֹ, יִתָּמֵךְ"(والشرير تأخذه آثامه وحبال خطيته يمسك) "תְּיַסְּרֵךְ רָעָתֵךְ"(يوبخك شرك)(ירמיהו ב: יט')... وبذلك فنحن من نخلق الشيطان بأفعالنا الآثمة، وترد علينا بالعذاب والضرر في الدنيا وجهنم في العالم الآخروي، لذلك فهو ليس مخلوق بل تحريض، لذلك ليس له مكان في جنة عدن. لذلك قالوا "לכן אמרו חז"ל שהשטן יישחט עם בוא הגאולה, כלומר יסיים את תפקידו בעולם (סוכה דף נב, א)(لذلك قال حكماء المشنا: إن الشيطان سيقتل عند مجيئ الخلاص، أي سينتهي دوره في العالم).
وبذلك فالشيطان ليس له شكل أو مكان محدد، بل هو وصف لفعل الله بالبشر ليعاقب الخاطئين بالعذاب والأذي ليتوبوا ويكفروا عن أخطائهم، فهو من وضع هذه الغريزة، وكذلك نلاحظ التناقض فكيف يكون بلا هوية أو تجسيم واضح ويستطيع الصعود للسماء للاحتجاج على البشر، فمن الذى يحتج غريزة الشر التي داخل الإنسان هل هي من تحتج عليه أم إن هناك كيان ثابت مخلوق هو من يحتج على الإنسان بعد وقوعه في الخطيئة؟.
ملاك الموت
من الأدوار المستحدثة للشيطان أيضا في التلمود والمشنا بعد المقرا، كان تصويره في شكل ملاك الموت، كما جاء في "בבלי - מסכת עירובין פרק ב"
(היא דילמא אתי לאיגרויי ביה שטן: וכן שמעתי הימנו אנשי חצר ששכח אחד ולא עירב ביתו אסור: והתנן ביתו).
وهنا الفقرة تفسير لقوله في (ملوك ثاني 20: 4) " וַיְהִי יְשַׁעְיָהוּ--לֹא יָצָא, העיר (חָצֵר) הַתִּיכֹנָה;" ( ولم يخرج اشعيا إلى المدينة الوسطى)، حيث جاء هنا بمعني ملاك الموت، فقد كان الأنبياء والحكماء يفتتحون مدارس للتوراة على أبواب المدن يتعلم بها التلاميذ حتى لا يدخلها ملاك الموت، حتى لا يأتي ويسكن بها الشيطان ويحل بها المرض، "וכן שמעתי הימנו" معناها إنه محرم عليه أن يخرج من بيته لبهو القصر ولكن مصرح للأخرين أن يخرجوا من بيته للقصر والعكس.
التضليل والتمثل في شكل مجسد
-استخدم حكماء التلمود ذلك الدور للنكاية مثلاً في الشخصيات التي يناصبونها العداء، مثل قوله في"בבלי - מסכת יבמות פרק א"

"אח קטן יש לי בכור שטן הוא ויונתן שמו והוא מתלמידי שמאי והזהרו שלא יקפח אתכם בהלכות לפי שיש עמו שלש".
(يوجد لي أخ كبير شيطان واسمه يوناثان وهو من تلاميذ شماي واحذروا ألا يظلمكم ويغويكم بشرائع...(وهو نكاية من أحد حكماء التلمود في شرائع שמאי(شماى) ونصرة لشرائع הלל(هيلل).
-كما تمثل في شكل امراة، تحاول تضليل الأتقياء، كما جاء في "בבלי - מסכת קידושין פרק ד"
(עבירה יומא חד אידמי ליה שטן כאיתתא בהך גיסא דנהרא ... יומא חד אידמי ליה שטן כאיתתא בריש דיקלא נקטיה) .
والفقرة تتحدث عن أن رابي مائير اقترف ذنباً وقال إنه ذات يوم ظهر له الشيطان في هيئة امراة تقف على الجانب الآخر من النهر واختفي الخوف منه وأخذ بالحبل الذى على جسر النهر وعبر النهر، وعندما عبر نصف المسافة انجذب الشيطان وتركه .
-من الممكن أيضاً أن يتمثل في شكل حيواني كما في قوله"בבלי - מסכת סנהדרין פרק יא"
(חד נפק לשכור בזאי אתא שטן ואדמי ליה כטביא פתק ביה גירא ולא מטייה משכיה עד דאמטייה לארץ פלשתים)
(في أحد الأيام ذهب داود ليصطاد فظهر له الشيطان على هيئة غزالة فأطلق السهم على الغزالة ولكن لم يصبها فجعله الشيطان يتبع الغزالة حتى وصل إلى أرض فلسطين).
-أو أن يرتبط بشخصيات من الأغيار مثل:"בבלי - מסכת מגילה פרק א"
(דבי מקדשא ואשתמש בהו בא שטן וריקד ביניהן והרג את ושתי והא שפיר חשיב איהו נמי מיטעא טעי דאיבעי ליה)
(فاخرجت انية بيت المقدس واستخدمتها، فأتى الشيطان ورقص بينهم وشرب في تلك الليلة قتل بيلشاصر (ابن نبوخذ نصر، ملك الكلدانيين) عندما أخذ بيلشاصر ابن نبوخذ نصر انية البيت المقدس التي سرقها أبوه نبوحذنصر)
والفقرة تفسير لسفر دانيال (5:6)" אֱדַיִן סָרְכַיָּא וַאֲחַשְׁדַּרְפְּנַיָּא, הֲווֹ בָעַיִן עִלָּה לְהַשְׁכָּחָה לְדָנִיֵּאל--מִצַּד מַלְכוּתָא; וְכָל-עִלָּה וּשְׁחִיתָה לָא-יָכְלִין לְהַשְׁכָּחָה, כָּל-קֳבֵל דִּי-מְהֵימַן הוּא" (ثم إن المزاربة والوزراء كانوا يطلبون علة يجدونها على دانيال من جهة المملكة، فلم يقدروا أن يجدوا علة ولا ذنبًا، لأنه كان أمينًا ولم يوجد فيه خطأ ولا ذنب)
ارتباط الشيطان بالمعصية
-جاء في "בבלי - מסכת ברכות פרק ז"
(מוצלחים וקרובים לעיר ואל ישלוט שטן לא במעשי ידיו ולא במעשי ידינו ואל יזדקר לא לפניו ולא לפנינו שום)
تتحدث الفقرة عن البركات التي يجب أن يقولها الضيف لصاحب البيت الذى استضافه أن: (يصلح كل أعماله وتكون قريبة من مدينته ولا يتسلط عليه الشيطان ولا على أعمال يده ولا يقف أمامه وأمامنا شيء)
-ارتباط الشيطان بأحكام النجاسة والطهارة: " ירושלמי - מסכת שבת פרק ב"
(אית תניי תני ילדות. אית תניי תני יולדות. מאן דמר ילדות תני בשם רבי יודה בעון הנדרים הבנים מתים. ומה טעמא (ירמיהו ב) לשוא הכיתי את בניכם. ומאן דמר יולדות מיכן שאין השטן מקטרג אלא בשעת סכנה.)
تتحدث الفقرة عن أن:( النساء تخالف الشرائع في ثلاث أمور؛ لأنها لا تكون حريصة في فترة الحيض ولا في فترة مرضها ولا في إشعال الشموع، ولذلك تموت النساء في الولادة، ومن هنا نقول إن الشيطان يظهر في أوقات الخطر).
- وفي المقابل من يقدم القرابين يُحمى من الشيطان، كما جاء في "ירושלמי - מסכת ברכות פרק א"
"וכל מי שהוא תוכף לנטילת ידים ברכה אין השטן מקטרג באותה ... גאולה לתפילה אין השטן מקטרג באותו היום"
(وكل من يريد أن يأخذ بركة الدم لا يمسه الشيطان في ذلك العيد..فالمصلي لا يمسه الشيطان في ذلك العيد). وهنا يتحدث عن بركة دماء القربان والضحية للمضحي ومقدم القربان.
-كما أن هناك حماية أكيدة من الشيطان من قبل الرب، كما قال في "משנה תורה מנוקד - ספר אהבה - סדר התפילה"
( וְהָגֵן בַּעֲדֵנוּ וְשָׁמְרֵנוּ, וְהַצִּילֵנוּ מִכָּל דָּבָר רָע וּמִפַּחַד לָיְלָה, וּשְׁבֹר הַשָּׂטָן מִלְּפָנֵינוּ וּמֵאֲחוֹרֵינוּ, וּשְׁמֹר צֵאתֵנוּ וּבוֹאֵנוּ--כִּי שׁוֹמְרֵנוּ וּמַצִּילֵנוּ אָתָּה.)
(معنا وحامينا ومنقذنا من كل سوء ومن خوف الليالي، هازم الشيطان من خلفنا ومن أمامنا وحافظ طرقنا، حافظنا ومنقذنا)
وكذلك "בבלי - מסכת שבת פרק יב"
"ואין אתה מזדעזע מן השטן י"ם כ"ל אמר [שר של] גיהנם לפני הקדוש ברוך הוא רבונו של עולם לים כל אמר הקב"ה אח"ס בט"ע גי"ף אני חס עליהם מפני שבעטו בגי"ף"
(ولا يدخل قلبك خوف من الشيطان فقد قال الملاك المسئول عن جهنم أمام رب العالمين ما عدا بني إسرائيل י"ם כ"ל فهذا اسم גיהנום ים כל. فأغلب الناس ستُلقى بها).
وهنا نلاحظ توسع دور ووظائف الشيطان في التلمود، واستحداث أدوار جديدة له لم تكن موجودة في المقرا، حتى الأدوار التقليدية لحقها التطور، وذلك يعود أولاً لتأثر حكماء المشنا بالأدب البابلي في فترة السبي، فمثلًا البيئة الوثنية، جعلتهم يصيفون للشيطان مهام توكل فقط للذات الإلهية مثل الموت، وظلم أيوب وتعرضه للإذى من الشيطان بتحريض من الرب، ووقوع الرب ذاته تحت تأثير الوسوسة الشيطانية في أيوب وقصة سيدنا إبراهيم. حتى في الأدوار المتعارف عليها في أغلب الأديان مثل الغواية وتمثيل الشر في العالم، أثرت بيئة الأساطير والحكايات عليها، وجعلتها تخرج عن الطور العقلي لها، فالغواية موجودة على مدار العام كله، لا حماية منها، ما عدا يوم واحد في العام وهو يوم عيد الغفران. وعندما عرض التلمود للشيطان في دور غريزة الشر في العالم، نلاحظ الارتباك لخلط الواقع بالخيال في القصص المعروضة، فلم نستطع تحديد ما إذا كان الشيطان شيء معنوى يتمثل في نفس الإنسان التى تحيله على المعصية، أم أنه كائن مجسد يحرض ويوسوس البشر على المعصية. كما إن التلمود لم يتخلص من نظريته العنصرية، في لصق الشيطان بكل من يحتقرهم التلمود ويقلل من شأنهم مثل المرآة ونبوخذنصر بل وحتى الحاخام الذى يعادي حاخام آخر ويخالفه في أقواله.
4- الشيطان في المدراشيم
أما الفكر الأجادي فرأى أيضاً أن الشر غير منفصل تمامًا عن الذات الإلهية، وحددت له مكان ووظائف؛ فقد حددت مثلًا أن مكانه في الشمال "צפון" لذلك يأتي الشر من هذه الجهة.
وقد حددت المدراشيم وظيفة الشيطان في الوقيعة مثل؛ محاولة الفصل بين بني إسرائيل والإله عن طريق زرع الشك في نفوسهم، مثل محاولة تقليبهم على نبيهم موسي ، لذلك كانت أولى أعماله زعزعة الثقة بين موسي وشعب إسرائيل كما جاء في:
במדרש שמות רבה "רַבָנָן אָמְרֵי הַשָֹּטָן מָצָא אֶת יָדָיו אוֹתָהּ שָעָה, שֶ היָה משֶה נִרְאֶה תָלוּי בֵין הַשָמַיִם וְהָאָרֶץ וְהָּיוּ מַרְאִין אוֹתוֹ בָּאֶצְבַע וְאוֹמֵר:יִָּ זֶה משֶה הָּאִיש, כי תשא פמ"א. ובגמרא שבת: "בא שטן וערבב את העולם. אמר להן: משה רבכם, היכן הוא?" שבת פ"ט ע"א."
(وقال حاخامنا إن الشيطان حانت فرصته في تلك الساعة، حيث كان موسي معلق بين السماء والأرض، وكان سهل خداعهم فقال لهم: ها هو موسي ذو الوجه اللامع. وفي الجمارا... جاء الشيطان وأشاع الفوضي في العالم، وقال لهم، موسي ربكم أين هو؟)
إن الهدف هو الوقيعة بين موسي وبني إسرائيل من خلال التشكيك في سيدنا موسي في أنه تركهم وتخلى عنهم، وجعلهم ينسون كل المعجزات التي صنعها الإله لهم وعندما نزل سيدنا موسي ووبخهم قاموا عليه وحاولوا قتله، ثم حاول تضليلهم، ولذلك تخرج المدراشيم بأن غريزة الشر في الإنسان هي جند من جنود الشيطان، وهو جانب الشمال في الإله، لذلك فالله هو الأعلم بطرقه وسبله ولكن بنى إسرائيل لا يعرفون كيف يواجهونه ، لكن الله يعلمهم ذلك. ومن ضمن هذه الطرق هى محاولة تضليل الشيطان ، بإتباع سبله أولاً لتضليله، لأنه له أساليب محددة لأنه يسكن الشمال فقط، فلا يعرف بقية السبل، أو العمل في الخفاء حتى لا يرى عملك..
كما أضافت المدراشيم وظيفة أخرى للشيطان، وهو نسب أخطاء الأنبياء للشيطان، لتتخلص من بعض الأمور المعيبة التى الحقها العهد القديم بالأنبياء، فيقول في "מדרש תנחומא –בראשית ט׃כ-כא":
تقول الفقرة " וַיָּחֶל נֹחַ, אִישׁ הָאֲדָמָה; וַיִּטַּע, כָּרֶם. כא וַיֵּשְׁתְּ מִן-הַיַּיִן, וַיִּשְׁכָּר; וַיִּתְגַּל, בְּתוֹךְ אָהֳלֹה.".(وابتدأ نوح يكون فلاحًا وغرس كرمًا، وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه).
فقد جاء الشيطان عندما كان نوح يغرس الكرم، وعقد معه اتفاقًا إن يساعده في زراعة الكرم، ووافق نوح، فقام الشيطان بذبح بعض الحيوانات مثل القرد والخنزير والأسد والخنزير وسقي بدمهم الزرعة، لذلك أصاب الُسكر نوح وخرج عن طوره:
- מה אתה נוטע? )ماذا تغرس؟)
-כרם. (الكرم)
- מה טיבו? (ما نوعه؟)
-פירותיו מתוקים בין לחים בין יבשים ועושין מהן יין... וְיַיִן, יְשַׂמַּח לְבַב-אֱנוֹשׁ--)תהלים קד, טז(. – ( فواكه طيبة الطعم لا هى طرية ولا جافة، ونصنع منها الخمر...وخمر تفرح قلب الإنسان ...المزامير 104: 20-21).
-בא ונשתתף שנינו בכרם זה (هيا نشترك في زراعته)
-נח עונה לשטן: לחיי (فأجابه نوح: مدهش)
""מה עשה שטן? הביא כבש והרגו תחת הגפן, אחר כך הביא ארי והרגו, אחר כך הביא חזיר והרגו, ואחר כך הביא קוף והרגו... והטיפו דמן באותו הכרם, והשקוהו מדמיהן.."
(ماذا فعل الشيطان؟ جاء بكبش وقتله تحت الكرمة، وبعد ذلك جاء بأسد وقتله، ثم اتي بخنزير وقتله، ثم قرد وقتله.. ونثر دمائهم عند الكرم، فسقاها بدمائهم).
وتمادت المدراشيم في عنصريتها، واعتبرت إن خطيئة آدم الأولى، ترجع لخلق الشيطان مع خلق حواء:" אין כת[וב] כאן אלא: "ויסגר בשר תחתנה" (בראשית ב, כב). אמר ר' חננא בריה דרב אדא מתחילת הספר ועד כאן אין כת' סמך [=האות סמך] כיון שנבראת נברא הסטן עימה, ואם יאמר לך אדם: "
(ولم يكتب هنا إلا "وملأ مكانها لحم" (التكوين 2: 22) وقال رابي حنانا .. منذ بداية السفر وحتى هنا لم يكتب حرف السامخ، نظراً لأنها عندما خلقت خلق الشيطان..وإذا قال لك إنسان).
ولذلك قال אברבנאל إن الحوار بين حواء والشيطان ليس حقيقياً، وإنما الشيطان الذى بداخل حواء هو من حرضها على الأكل من الشجرة.
ونلاحظ سيطرة القصص والسرد على إضافة أدوار للشيطان من تحديد مكانه، وتجسيده بشكل واضح، ولعبه لدور رئيس في الحكاية، حتى ولو كان دور الشرير، وذلك أيضاً يعود لتأثير الأدب السوماري والبابلي في فترة تدوين المدراشيم.
5-الشيطان عند مفكري العصر الوسيط
الشيطان عند سعديا جاءون(סעדיה גאון 883-943م)
خالف سعديا كل من سبقوه في نظرته للشيطان وفكرتهم عنه وتعريفهم له، إذ إن الشيطان عند سعديا قد يكون إنسانًا أو رجلًا، ثم يسوق الأدلة من نصوص المقرا فيقول في تفسيره لأيوب(1: 6)" וַיְהִי הַיּוֹם--וַיָּבֹאוּ בְּנֵי הָאֱלֹהִים, לְהִתְיַצֵּב עַל-יְהוָה; וַיָּבוֹא גַם-הַשָּׂטָן, בְּתוֹכָם." (فلما كان يوم جاءوا فيه أولياء الله فانتصبوا بين يديه حضر معاند أيوب معهم).
ففسر كلمة (בני האלהים) بنو الله "بأولياء الله"؛ مثل" בָּנִים אַתֶּם, לַיהוָה אֱלֹהֵיכֶם:" (وإذ انتم أولياء الله) (التثنية 14: 1)
وأما الشيطان فيقول عنه : إنه في الحقيقة إنسان مثل: " וַיָּקֶם יְהוָה שָׂטָן לִשְׁלֹמֹה, אֵת הֲדַד הָאֲדֹמִי "(وأقام الرب شيطاناً لسليمان، هدد الأدومي) (الملوك الأول 11: 14)، وكذلك " וַיַּרְאֵנִי, אֶת-יְהוֹשֻׁעַ הַכֹּהֵן הַגָּדוֹל, עֹמֵד, לִפְנֵי מַלְאַךְ יְהוָה; וְהַשָּׂטָן עֹמֵד עַל-יְמִינוֹ, לְשִׂטְנוֹ"( وآراني يهوشع الكاهن العظيم قائما قدام ملاك الرب والشيطان قائم عن يمينه ليقاومه) (زكريا 3: 1)
والمعاند هو رحوم صاحب القضاء وشمشاي الكاتب. " רְחוּם בְּעֵל-טְעֵם, וְשִׁמְשַׁי סָפְרָא" (عزرا 4: 8) حيث استعار اسم المعاند من سفر عزرا وأطلقه على الشيطان.
لذلك يستنكر سعديا من وصفوا الشيطان بأنه أحد الملائكة، وقام بعصيان الرب، ويري أن هذا تجديف وتطاول على مخلوقات سماوية مثل الملائكة، وأن الله تعالى تنزه عن أن يخلق ملائكة يعرف فيما بعد أنها ستعصاه، وأنه عند نصب صفات بشرية للملائكة مثل الغيرة من الإنسان، فعليهم أيضا أن ينسبوا لهم بقية الصفات البشرية مثل الأكل والشرب والاقتراب من الأشياء الدنيئة، لأن هذه من صفات البشر التي يتساوى فيها مع البهائم.
أما عن تفسيره للآلام التي لحقت بأيوب، فلم ينسبها للشيطان بل رأى أنها محن يختبر بها العبد لرفع درجاته وامتحان صبره، فيقول في مقدمة تفسيره لسفر أيوب:" ويري بهذه المذاهب وخفي عنهم جميعا القول المرتضي وهو القول الثالث، قول الياهو: إن الله تبارك وتعالى قد يوصل عبده إلى نعيمه بأحد ثلاثة أسباب: الأول: بتوبة بعد ذنب تقدمه، وقال فيه: ليزيل الأدمي من فعله (33: 17) والثاني: بحسنات تكون للعبد وإن قلت، قال فيها "فهو ملاك يترجم عنه" (33: 28) ثم قال فيه "فقد فدى نفسه من الهلاك وصارت حياته تنظر النور"(33: 28) والثالث: بمحن وبلوى امتحنه بها فصبر عليها وهو أعظمها ثوابا، قال فيه:"وفيها يرد نفسه من الهلاك ويضيء له بنور الحياة(33: 30)"
لذلك يقول في تفسير أيوب (2: 7)" וַיֵּצֵא, הַשָּׂטָן, מֵאֵת, פְּנֵי יְהוָה; וַיַּךְ אֶת-אִיּוֹב בִּשְׁחִין רָע, מִכַּף רַגְלוֹ עד (וְעַד) קָדְקֳדוֹ." (فلما خرج المعاند من بين يدي الله، ضرب الله أيوب بقرح سوء من قدمه إلى هامته) الفعل منسوب إلى الله تعالى إذ لا فاعل غيره.
فهنا يري أن الله لم يترك أيوب للشيطان، ليختبره بالمصائب والآلام، بل يري أن الذى أصاب أيوب بالقرح هو الله، لأنه لا فاعل غيره، وهنا يحاول سعديا إرساء مبدأ التنزيه التام للذات الإلهية، فهو الفاعل في كل شيء؛ شر أو خير لا يشاركه فيه أحد، وحتى الشر إن لحق بالإنسان فيكون من الله ولكن للاختبار.
وقد أكمل سعديا في تفسيره لسفر أيوب، ما أقره حول فكره عن الشيطان وهل هو ملك أم لا؟ في تفسيره لسفر التكوين، فيقول عن الملائكة ونسب الشيطان إليهم: "سوى ما يلزمهم في تجويز الحسد على الملائكة فيجب أن يطلقوا الغصب والشهوة عليهم وأن يختار الملك الغواة في هذا إلى رسالة إلى الأنبياء وعلى ما سأشرح في قصة الشيطان في أيوب وأرد على من زعم أنه ملك"
أما بالنسبة للثعبان المكلف بالإغواء في القصة التوراتية، فيري سعديا أيضاً أن الله البس إحدى الحيات بعض الصفات البشرية، كالنطق، ليقوم بإغواء حواء فيقول:" إن الله جل وعز خلق حيات كثيرة كما خلق من سائر الحيوان فلما أراد محنة آدم نقل شخصاً واحدا منها فكساه صورة الناطقين حتى لزمه الأمر والنهي والجزاء وتعده إنه إن عصاه رده إلى مثل حاله الأولى..فنقول في هذا الثعبان إن الخالق رفع عنه أعراض الثعبان وجعل مكانها اعراض الأجسام التىى تتحمل النطق".
فسعديا ينكر وجود الشيطان تماما، ومقدرته على إيذاء الإنسان، ولكي لا يمس مبدأه في التنزيه، فقد ألبس الحية بعض الصفات البشرية، لأن قصة تحدث الثعبان والإغواء ونسبها إلى أحد الحيوانات، تعد قصة منافية للعقل، لذلك رأى سعديا الشيطان غير مخلوق ولا وجود له بل هو الشر عندما يتمثل في إنسان أو حيوان.
الشيطان عند شلومو يتسحاقي(שלמה יצחקי1040-1105م)
حاول شلومو يتسحاقي تفسير المقرا وفقًا لمعناها البسيط، ولم يكن يلجأ للتأويل، لذلك نجده عند تفسيره لفقرات سفر أيوب التي يظهر فيها الشيطان ليدعي على أيوب، يفسرها بإن الشيطان جاء بأمر من الرب وأحضر كل ادعاءاته على بني البشر ليدعي عليهم أمام الله، وأنه يجول ويتجول في الأرض ويجمع ذنوب البشر ليدعي عليهم ، حتى لا ينسى شيئًا، فيقول في تفسير أيوب (1: 6-7-8-9)
"שהוא יום תרועה וצוה הקב"ה לשטן להביא זכות וחובה של כל הבריות הה"ד משוט בארץ..ויבואו בני האלהים להתיצב על ה'. לריב עמו שאין להתיצב אלא על דין שנאמר (ישעיה ג: יג) נצב לריב ה'....ויבא גם השטן בתוכם... לקטרג הבריות... משוט בארץ ומהתהלך בה...כן דרכי לשוט ולראות רעים וטובים ושטטתי בכל הארץ ולא מצאתי כאברהם שנאמר בו קום התהלך בארץ( בראשית יג: יז)... ואמרו רז"ל שטן לשם שמים נתכוון כדי שלא יהא נשכח לפני אלהינו זכותו של אברהם".
(ويأتي يوم رأس السنة ويأمر الله الشيطان أن يأتى بحقوق وواجبات كل الخلائق، من كثرة تجواله في الأرض... ويأتى أبناء الله ليقفوا أمام الرب.. وذلك ليتجادل معه فهو لن يأتى ويقف إلا بحق لذلك جاء في اشعيا (3 :13) قد انتصب الرب للمخاصمة... واتى الشيطان بينهم.. ليحتج على البرايا.. من كثرة تجواله وسيره بها...وهذا هو سبيله أن يجول ليري الأبرار والأشرار وتجولت في كل الأرض ولم أجد مثل ابراهيم كما قال في التكوين (13: 17) قم وامش في الأرض.. وقال حكماء المشنا إن الشيطان يذهب حتى عنان السماء متعمدًا حتى لا ينسي شيئًا أمام الله عن إبراهيم).
ويؤكد شلومو قدرات الشيطان في تفسيره ل "לבבא בתרא טז, לשלוח יד בנפש איוב אלא רק בגופו בלבד, ע"א" عندما أمر الله الشيطان أن يتصرف في جسد الشيطان كيف شاء، ولكن لايقترب من نفسه.
"יורד למטה ומתעה את הבריות לחטוא ועולה למעלה ומרגיז את חמת המלך בהשטנותו נוטל ממנו רשות להרוג את החוטא מכיון שנתנו רשות דכתיב ותסיתני בו. צערו של שטן שהוזקק לשמור את נפש איוב שלא תצא. אלמא בדידיה קיימא – ליטול את הנפש והזהירו שלא ליטלה"
(وينزل لأسفل ويضلل المخلوقات حتى يقعوا في الخطيئة، ثم يصعد ليحمي غضب الرب، وبأساليبه الشيطانية يجعل الرب يمنحه صلاحية قبض روح الخاطيء كما جاء في المقرا "هيجتني عليه" ولكن لسوء حظ الشيطان سيضطر أن يحفظ نفس أيوب حتى لا تخرج. فيجب أن تظل فيه، فقد حذره الرب من إزهاق روحه"
لذلك يري شلومو يتسحاقي أن الشيطان من ملائكة الرب لأنه عندما فسر كلمة )בני האלהים) في النص السابق رأى أنه يعني الملائكة، ومن ضمنهم الشيطان بل وهو أكبر الملائكة، التي جاءت ووقفت أمام الرب وادعت على البشر، كما إنه نسب له القدرة على إزهاق الروح، وذلك يرجع إلى أن شلومو يتسحاقي من رواد التفسير البشاطي(التفسير المبسط) للمقرا وهو ما جعل الكثيرين يتهمونه بالتجسيم وتشويه الصورة الإلهية مثلما اتهمه يوسف قافح (יוסף קאפח) بذلك، وخاصة في تصوره للشيطان، حيث رأى أنه يتمثل بالعقيدة المسيحية التي ترى أن الشيطان والإله حاكمان لهذا العالم ولكنهما متضادان وواحد منهم أكبر من الآخر.
الشيطان عند يهودا اللاوي (יהודה הלוי1075-1141م)
يري يهودا اللاوي أن الشر في العالم أو الأمور السيئة التي تلحق بالبشر، تحدث تحت تدبير وحكمة من الله، ولكن إدراك البشر المحدود لا يرقي لفهم الحكمة الإلهية من ذلك، وذلك كمحاولة منه لتبرير الشر في العالم دون المساس بفكرة خيرية الإله، واستطاعته على كل شيء، وإن الشر أحيانًا يأتي لامتحان إيمان الاتقياء، فيقول في تبرير فكرة الظلم والمصائب التي تحدث للبشر أو الحيوانات، وتدخل الشيطان في الأمر في محاولة الوسواس لماذا حصل لك هذا الظلم:"فإذا تعرض شيطان الوهم ليعرض عليه الجور على الأرانب إذ هي طعام السباع والذئاب، والذباب للعنكبوت، رد عليه العقل وزجره قائلا: كيف أنسب الجور إلى حكيم قد تقرر عندي عدله واستغناؤه عن الجور. ولو صير السباع للأرانب وصير العناكب للذباب بالاتفاق لقلت بحاجة الاتفاق، لكني أرى ذلك الحكيم العادل المدبر هو الذى صير آلات الصيد للأسد من جرأة وقدرة وأنياب ومخالب، وصير العنكبوت ملهماً للحيلة وصير له النسج ملبسا..فهل أقول في هذا إنه لحكمة لا أدركها.. كلما نابته نائبة قال :هذه خير فيعيش عيشًا لذيذًا وتخف عليه الأحزان.. ويفرح لما يكسب الناس من الهداية للصبر والتسليم لله تعالى.. إذا خطرت وساوس الوهم تعزى أولًا بعدالة القضاء ثم بتمحيص الذنوب، ثم بالشكر والأجر المنتظر في العالم الآتي...فإن أياسه الشيطان .. أو يخدعه الشيطان ببعض آراء أصحاب الروحانيات، فيوهمه أن بعض الأشياء تضر وتنفع بذواتها وليس كذلك، بل بكيفايتها كالريح والنار".
وهنا يقصد يهودا اللاوى بشيطان الفكر أو الوهم؛ الفكر المنطقي الذى من الممكن أن يؤدي إلى نتائج خاطئة. ومن هنا نستنج أن يهودا اللاوى يري أن الشر موجود في العالم، لكن ليس من الشيطان، وأن الإله لم يخلق الشر، ولكن هذا لا ينفي رعاية الله أو أن شيء في الكون خارج إرادته، ولذلك كان حل مشكلة ما يلحق البشر من الأذى عند يهودا اللاوى في الجزاء في العالم الآخر، وأن الإنسان يجب أن يتقبل قدره بخضوع ورضا، وأن العالم يعمل بشكل متناسق ومتوافق في كل تفاصيله، ولكن الإنسان لا يستطيع الوصول إلى أسرار الطبيعة المذهلة. ولذلك ففكرة الشر في العالم خارج نطاق فكر الإنسان. وهذا يعني أن الشيطان عند اللاوي هو الشكوك والحيرة عند الإنسان مما يعني أنه ليس خارج الانسان ولكن يوجد بداخله.
الشيطان عند رابي دافيد قمحي (דוד קמחי 1160-1235م)
يري دافيد قمحي أن الشيطان ليس بمخلوق خلقه الله للغواية، ولكنه من الممكن أن يكون أي شيء يضعه الله في طريق الإنسان كعقاب على خطيئة، وقد يكون بشرًا، ولكنه ليس بمخلوق واضح وصريح. فيري مثلًا في تفسيره لسفر الملوك أول (11: 14)" וַיָּקֶם יְהוָה שָׂטָן לִשְׁלֹמֹה, אֵת הֲדַד הָאֲדֹמִי" إن الشيطان هنا تمثل في شخصية هدد الأدومي الذى سلطه الله على سليمان، نظراً لأن سليمان في شيخوخته ابتعد عن الرب، فسلط عليه الرب هدد الأدومي الذى يكن العداء لإسرائيل منذ أيام داود وانتظر حتى أصاب العجز سيدنا سليمان فأقامه الرب عدو وشيطان في إسرائيل من أفعال نساء وأبناء سيدنا سليمان، فهنا دافيد قمحي يري أنه عدو نتج لخطيئة سليمان، لذلك يربط دافيد قمحي في الملوك أول(11: 25) "וַיְהִי שָׂטָן לְיִשְׂרָאֵל כָּל-יְמֵי שְׁלֹמֹה" (وكان خصماً لإسرائيل كل أيام سليمان) بين ظهور الشياطين (الأعداء من وجهة نظره) وبين الخطيئة، لذلك يقول "אין שטן ואין הגע רע"(عندما لا يوجد شيطان لا يوجد شر) فعندما كان سليمان ملكًا مستقيمًا يمشي في طاعة الله، بعدت عنه الخصوم ولكن عندما ابتعد عن طريق الله حاصرته الخصوم، فيقول عن سليمان "קמו שלה השטנים מעת שנטה לבבו מעם ה׳"( لقد ظهرت الخصوم عندما زاغ قلبه عن طريق الله).
الشيطان عند موسي بن ميمون (משה בן מימון1138-1204م)
كانت بداية تطرق ابن ميمون لوصف صورة الشيطان، منذ مناقشته لقضية من هو أيوب؛ نظرًا للجدل الذى دار في الجمارا حول أسفار المقرا وزمانها، فرأى ריש לקיש האומר "איוב לא היה ולא נברא, אלא משל היה". أي أن أيوب لم يكن شخصية حقيقة بل مجرد قصة لضرب المثل، ويوجد من رأى في الجمارا إنه من فترة الآباء بل يعود به إلى فترة سيدنا موسي (عليه السلام) وفترة داود (عليه السلام) ولكن موسي بن ميمون تمسك برأى ريش لاكيش أنه لم يكون شخصية حقيقية، بل لضرب المثل والعبرة حول معاناة بعض الأتقياء في الدنيا، والذين يسألون أنفسهم لماذا يحدث لنا هذا.
ولكى يبرر موسي بن ميمون أزمة أيوب وتدخل الشيطان في قصته، يصف في البداية أن الله وصف أيوب في أول فقرة من السفر"איש תם וישר וירא אלוהים וסר מרע". فوصفه ب "תם" أي رجل ساذج ولكن لم يصفه "האיש חכם או מבין" بأنه إنسان حكيم ومدرك لأنه لو كان كذلك لأدرك وفهم إجابة أسئلته وفهم سبب معاناته ولكن وصفه (תם )حتى يكون هناك مبرر لتطور أحداث القصة ولأنه هذا الساذج سيرتبك في قضايا الثواب والعقاب ، وبسبب سذاجته تلك فقًد كل مقومات حياته رأس ماله وأسرته وصحته.
فأيوب يري ، وفقاً لرأى موسي بن ميمون، أنه يعاني من المصائب والكوراث ولكنه وفقاً لأفعاله لا يجب أن يعاني، وهذه المعاناة ليست قرارًا إلهيًا، وبذلك حاد عن طريقه، وجعل قضيته الشخصية وجهة نظر شاملة لكل ما يجرى في العالم. رغم أنه وفقاً لوجهة نظر "אליפז"(اليفاز)، صديق أيوب الذى جادله، ومثًل من وجهة نظر ابن ميمون وجهة نظر التوراة؛ ورأى أنه يتعالى (أيوب) بأنه يعتقد في نفسه التقوى، في حين إن الإنسان دائما ممتحن، وصغير في عالم الله "אליפז אומר: האדם אינו יכול להבין הכל. אתה בוודאי טועה" فالإنسان الذى لا يعرف سبب أقداره نتيجة لقلة فهمه وإدراكه، و "בלדד"(بلدد) صديق أيوب الثاني يمثل وجهة النظر الاعتزالية، من وجهة نظر ابن ميمون، حيث يري أن العذاب مهما طال لابد من جزاء عادل ولو في العالم الآخر. أما "צופר"(صوفير)، فيمثل الأشاعرة، فصوفير يرى أن الإنسان لا يستطيع أن يصل إلى إجابة عن أسئلته المحيرة تمامًا وعليه أن يسلم بالقضاء تسليمًا تامًا، لأنه مقدر منذ الأزل، أما "אליהוא"(الياهوا) من وجهة نظر بن ميمون، فهو يمثل الأمل في النجاة والخلاص، لأن المريض الذى يأس الأطباء من شفائه، يأتيه الشفاء فجأة بدون مقدمات رحمة من الله. ومن هنا كانت وجهة نظر بن ميمون أن أيوب لم يدرك مغزى أفعال الله، ولو كان أدرك لما دخل الشك في عقله.
لذلك يتبع موسي بن ميمون رأى "רבי שמעון בן לקיש"(ريش لقيش) أن الشيطان هو غريزة الشر، التفكير السلبي، والخطايا وملاك الموت: "הוא יצר הרע והשלילה והטעות ומלאך המוות" فيقول عنه في قصة أيوب "תנא: יורד ומתעה, עולה ומשטין, נוטל רשות ונוטל נשמה"(ينزل ويضلل، ويصعد ليوشي، ويأخذ السلطة والروح)، وبهذا يتطرق موسي بن ميمون إلى الشيطان من المعني اللغوي لكلمة "שטה" في العبرية وهي الحياد عن الطريق القويم والخروج عن الاستقامة والتفكير المضلل والشطط من الحق للباطل، لذلك وقع أيوب في يد الشيطان عن طريق ضلال أفكاره. فهو من أعلن أنه أصابه الضر ويطلب العون؛ فهذا من وجهة نظر بن ميمون، تبعاً لمبدأ ارسطو، إقرار بالحقيقة وليس ادعاء، فهو من أقر أنه لا يوجد فرق بين الصالح والطالح، فهو من قضى على كل ما يملك بسذاجته، ولذلك يرى موسي بن ميمون، أن أيوب طرح فكرته مثل أرسطو، أن الله مسئول عن كل شيء في هذا العالم، من دوران الكرة الأرضية إلى أصغر شيء بها، ولكن الله؛ وفق فكر أرسطو؛ تعالى عن هذه الصغائر، التي تشغل عقل البشر حول مصائرهم وأقدارهم.
أما عن غريزة الشر فيري ابن ميمون أنها " כִּי יֵצֶר לֵב הָאָדָם רַע מִנְּעֻרָיו"" (בראשית ח כא) "غريزة الشر به منذ نعومة أظافره". لذلك قالت المشنا إن الغريزة موجودة في الأنسان منذ ولادته "יצר טוב ויצר רע, ואמרם בשני יצריך" (للانسان غريزتان الخير والشر، لذلك يقولوا غريزتاك)(ברכות פ"ט מ"ה)، كما قال في (التكوين 4: 7) " לַפֶּתַח חַטָּאת רֹבֵץ " (فعند الباب خطية رابضة) فغريزة الشر موجودة في الانسان منذ ولادته، أما غريزة الخير فتكتمل مع اكتمال عقله (סנהדרין צא ב) "נקרא יצר הרע מלך גדול, ונקרא יצר טוב ילד מסכן וחכם" (حيث يقال إن غريزة الشر ملك عظيم، وأما غريزة الخير فهي طفل مسكين وذكي) وبذلك فالشيطان هو غريزة الشر في الانسان وفي ذات الوقت ملاك من ملائكة الرب، وكذلك لغريزة الخير ملاك، ولكل إنسان ملاكين واحد عن يمينه وواحد عن يساره(ברכות ס. ב. חגיגה טז א)
ولكن الشيطان تمثل بشكل حقيقي ولعب دور الملاك في قصة أيوب، فجاء في الفقرة "ויבא גם השטן בתוכם להתייצב על ה" وعن هذه الفقرة يقول ابن ميمون إنهم "מסכ'רין" أي مستعبدين مكرهين ينفذون كل أوامر الله، ولكن الشيطان ملاك في مكانة أقل من الملائكة الآخرين، ولكن الله أعطاه القدرة ليتسلط على كل شيء في العالم الأرضي ما عدا النفس، ولذلك قالوا "אך את נפשו שמור" (איוב 2: 6) فهو وظيفته الوسواس كما قال في (זכריה 3: 1) "והשטן עומד על ימינו לשטנו'" وبعد ذلك برر بعده عنه بقوله " וְיִגְעַר יְהוָה בְּךָ, הַבֹּחֵר בִּירוּשָׁלִָם "(لينتهرك الرب يا شيطان، الذى اختار اورشليم) (زكريا 3: 2) فالله هنا هو من أبعده..
ونلاحظ أن موسي بن ميمون نظرًا، لدفاعه المستميت دائمًا عن التراث الشفوي، نسب للشيطان كل الأدوار التى أوكلتها المشنا للشيطان، مثل غريزة الشر وملاك الموت، والغواية.
6- الشيطان في الفكر القبالي
آمنت القبالاة بوجود الشر في العالم في مقابل الإله الخير، ولكن من أين جاء هذا الشر؟ برر القباليون وجود الشر ووصفوه أحيانا بأنه جزء من الإله، ولكنه مخير وذو كيان مستقل لأنه هو خالق الظلام والنور وخالق كل شيء فلا يجب أن يكون هناك شيء خارج خلقه؛ وبذلك فهو أعلم بطرق مكافحته، التي يقوم بتعليمها لبني إسرائيل، وأحيانا يرى الفكر القبالى بأنه قوة خارجية عن الإله ولكنه خاضع وتابع له. وهذا الشر المتمثل في الشيطان، يخرج من هذه القوة الإلهية عن طريق أفعال الإنسان، فهى من تخرج الخير أو الشر من الإله.
وفي كتاب "הבהיר" القبالى جاء دائماً الشيطان من جهة الشمال"צפון" كما جاء في أرميا (1: 14) " מִצָּפוֹן תִּפָּתַח הָרָעָה"( ومن هناك من هذه الجهة يأتي الشر والأذي) ، وكذلك(צפון)كان يعبر عنه (שמאל ) أو " סמאל” للتعبير عن الجانب السلبي، لذلك عندما قدم هارون الكاهن القرابين للتكفير عن ذنوب بني إسرائيل قدمه في جانب الشمال من المعبد، بل إن الفكر القبالى وضع الإله والشيطان وإسرائيل في مثلث واحد كل واحد منهم ضلع والإله وإسرائيل يتحدان سويًا لمواجهة الشيطان ويعلم كل منهما الآخر كيفية مواجهته. فالإله له اثنان وسبعون ذراعًا؛ واحد وسبعون منه لإسرائيل وواحد للشيطان.
لذلك يري الزوهر إن الشيطان ألحق الضرر بأيوب لأنه لا يوجد في تكوينه جانب من الشر، لذلك لم يعرف طرق الشيطان فلم يعرف كيف يواجهه.
وبذلك حدد الفكر القبالى مكان الشيطان وهيئته المتجسدة في الجانب الشرير في العالم المقابل للجانب الخير في الإله وقاعدة المثلث هي بني إسرائيل، ليكتمل عنصرا التثليث والاتحاد المصطلحات الأثيرة في الفكر الصوفي.
كما حصر الفكر القبالي دور الشيطان، كما جاء في الزوهر، في كونه المدعي على الإنسان يوم الحساب، فقد جمع كل اخطائه وعرضها على ملك السماوات والأرض ليعاقبه، ثم يظهر له الدور الثاني وهو ملاك الموت الذى يعاقب البشر على اخطائهم بإزهاق أرواحهم، لذلك يوصي الزوهر بالنفخ في الشوفار يوم رأس السنة، حتى يرتبك الشيطان ولا يعرف مدخل للإنسان.
7-الخاتمة
-حملت اليهودية، نظراً لكونها أول ديانة كتابية، الكثير من التصورات الوثنية عن الشيطان فساوت بينه وبين الإله في بعض القدرات مثل قدرة كليهما على فعل الشر، حتى أول ظهور لغواية الشيطان للإنسان في الحضارة الإنسانية، عندما أغوى الشيطان حواء وآدم بالأكل من الشجرة وخروجهما من الجنة، لم ينسب في التوراة للشيطان، بل نسب للحية الماكرة، وحتى هذا التصور اكتسبته اليهودية من آثار الحضارات الوثنية التى احتكت بها مثل الحضارة الفرعونية أو السومارية.
- انحصرت معاني كلمة شيطان في اللغة العبرية في العداء والخصومة والاحتجاج، ولكن لم تظهر فيها معاني مثل الغواية ومحاولة إثناء البشر عن الطريق القويم رغبة في الانتقام. ونتيجة لهذا لم تكن هناك صورة محددة واضحة لهذا المخلوق بل سمي بأسماء أخرى ونسبت له وظائف مختلفة مثل زعيم الجن"אשמדאי" اشمداي، وסמאל ملاك الموت، وبعلزبوب وعزرائيل وليليث، وكل هذه الأسماء التى تحمل وظائف تختلف تمام الاختلاف عن الوظيفة الأساسية للشيطان، جاءت أيضاً نتيجة للتأثر بالثقافات المحيطة باليهود.
-تميزت صورة الشيطان في المقرا بالضبابية، فنجد أنها جاءت على الأغلب وصفًا لأفعال مثل العدائية والمقاومة، وبدأت الصورة تضح ويختفي شيئاً من ضبابها في سفر صموئيل الأول، عندما أغوى الشيطان داود لإحصاء بني إسرائيل، وحتى في هذا الموضع ارتبك الأمر؛ لأن فعل الغواية تقاسم فيه الشيطان والرب، إلى أن ظهر الشيطان بشكل كامل وواضح على أنه مخلوق من مخلوقات الله التى تسعي لأذية البشر، وكان هذا في سفر أيوب عندما اختبر الشيطان إيمان إيوب، ليظهر للرب أن طاعته فاسدة عند أول محك، ولكن هذا الأمر شابه الكثير من التساؤلات، أولاً: شك الكثير من الباحثين في صحة نسب سفر أيوب للعهد القديم، كما أرجعوا كل هذه التأثيرات وخاصة مشاهد المحاكمة والاحتجاج ضد أيوب إلى الفكر الفارسي، ثانياً: مشاركة الرب في اختبار الشيطان لأيوب،
-مع اتساع المدارك وازدياد الاحتياج إلى مبررات وتفسيرات، بدأ التلمود والمشنا في إدخال أدوار جديدة للشيطان مثل؛ ملاك الموت وأنه هو نفسه غريزة الشر، وأنه يتحمل كل الخطايا التى وقع فيها بنو إسرائيل، وأنه من السهل عليه التحكم في البشرية والدخول إلى البشر من كافة الطرق، بل ويصل الأمر إلى غواية الإله ذاته، وهذه التصورات التلمودية للشيطان جاءت من الوضع النفسي لليهود في مرحلة السبي، ومحاولة الخروج والتنصل من مسئولية الخطأ وإلحاقها بالشيطان لتطهير الذات، كما أن الإشارات التجسيدية للشيطان مثل كونه ملاك الموت أو تمثله في شخص بعينه جاءت أيضا نتيجة للاحتكاك بالحضارة البابلية في ذلك الحين.
-المدراشيم اليهودية الأجادية، طابعها القصصي والأسطورى جعلها تضع الشيطان كفاعل رئيس في قصة وتحدد له مكان وهو الشمال، وتصعد الأحداث بين الأركان الثلاثة للقصة، بني إسرائيل والرب والشيطان، ومحاولة الاتحاد بين بني إسرائيل والرب للانتصار عليه، لتنهي القصة بالنهاية المنشودة.
-مع ظهور الفلسفة، ومحاولات تقديم تفسيرات عقلانية لفقرات المقرا، واجه مفسرو العصر الوسيط معضلة في التعامل مع شخصية الشيطان في المقرا، نظراً لأنها في بعض أدوراها تخل بالوحدانية ومبدأ العدل الإلهي المتمثل في أن الإنسان مسئول عن أفعاله ولذلك يثاب أو يعاقب، فجاء منهم من رفضها تماماً وألغي وجودها ليتخلص من هذه الأزمة مثل سعديا جاءون وافراهام بن ميمون، وبعضهم استخدم صفاته فقط ولغي وجوده المجسد؛ مثل دافيد قمحي ويهودا اللاوي اللذين استخدما صفة الضلال الموجودة في صفات الشيطان، لينسبا إليها كل تصرف خاطىء أو ضلال من البشر، وتملصت الشخصيات الأربعة من العذاب أو العقبات التى توضع أحيانًا في طريق الإنسان المستقيم، بضعف الفكر الإنساني عن الوصول لمراد الله من هذه العقبات وإن الشيطان لا دخل له بها.
-حاول موسى بن ميمون، نظراً لنزعته التوفيقية بين الفلسفة والدين، توفيق دور الشيطان في المقرا، فنسب له أيضًا الصفات كالمقرا والتلمود مثل كونه التفكير السلبي وغريزة الشر والخطايا، ووكل له وظيفة ملاك الموت كالمشنا، ولكن واجهته مشكلة ظهور الشيطان بشكل كامل في سفر أيوب ووضوح دوره، فألقى موسى بن ميمون بالتهمة كلها على أيوب، وأنه هو المخطىء والساذج لأنه لم يفهم إرادة الله، ولا أساليب الشيطان، كما أن موسى بن ميمون اثبت للشيطان صفة الملائكية حتى ولو بدرجة أقل من الملائكة الآخرين.
-أما شلومو يتسحاقي، كانت لديه أوضح صورة للشيطان في تفسيره، نظراً لميله للتفسير البشاطي (التفسير المبسط)، فوكًل له الدور الرئيس للشيطان وهو محاولة البحث عن أخطاء البشر، للإدعاء عليهم أمام الله، ولكن لم يبرز عنده دور الغواية.
-الفكر القبالى نظراً لإيمانه بأفكار الحلول، أحل للشيطان كيانًا مواجهًا للذات الإلهية وأوكل له مهمات تساوى المهام الإلهية، بل وجعل الإله وبني إسرائيل سوياً يبحثان عن طرق لمكافحة الشيطان.
ثبت المصادر والمراجع
المصادر والمراجع العربية
المصادر
القرآن الكريم
العهد القديم
المراجع
ابن عربي: الفتوحات المكية. دار المعرفة. بيروت.2011
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم. تحقيق: محمد حسين شمس الدين. دار الكتب العلمية. بيروت. ط1. 1419هـ.
الأسقف بولس فغالى: الإيمان وسر الخلاص. الفصل التاسع والعشرين(الشيطان وقوى الشر). 1997. كتاب منشور على موقعwww.boulosfeghali.org.
الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن. دار القلم. دمشق. بيروت.ط1. 1412هـ.
الطبري: جامع البيان عن تأويل آى القرآن. تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية. دار هجر. 2008.
القاضي بدر الدين عبدالله الشبلي: غرائب وعجائب الجن كما يصورها القرآن والسنة - تحقيق إبراهيم أحمد الحمد - مطبعة ديانا 1988.
سامي سعيد الأحمد:الأصول الأولى لأفكار الشر والشيطان. بغداد. ط1. 1970.
سيد القمني: الأسطورة والتراث.المركز المصري لبحوث الحضارة . الطبعة الثالثة .القاهرة.1999.
صادق جلال العظم: نقد الفكر الديني. دار الطليقة للطباعة والنشر. بيروت.ط2. 1970.
عباس محمود العقاد: إبليس. مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة. القاهرة. 2013.
عبد الحكيم الذنون: كلكامش الإنسان والخلود. المنارة.بيروت. 1996
كمال الصليبي – خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل –دار الساقي. الطبعة السادسة.2006
كوستي بندلي: كيف نفهم اليوم قصة آدم وحواء(الانجيل على دروب العصر)منشورات النور. 1990.
تفسيرسفر أيوب وشرحه بالعربية :تأليف: سعديا جاؤون بن يوسف الفيومي، اخرجه وصححه وبينه بالعبرانية بنيامين زئيف باخر، ونقله إلى الحرف العربي وقدم له وعلق عليه: أحمد محمود هويدي، المركز القومي للترجمة.
الحجة والدليل في نصر الدين الذليل تأليف: يهودا بن شموئيل هليفي ، ترجمة : ليلي إبراهيم أبو المجد، إشراف ومراجعة: حسن حنفي، أحمد هويدي،، المركز القومي للترجمة، من تراث يهود العرب(1) العدد: 2104، ط1.
الدوريات

1-  أحمد هويدي: سفر أيوب دراسة في القضايا النقدية والمضمون في ضوء أدب الحكمة في الشرق الأدني القديم) مجلة رسالة المشرق، مج5، عدد4.

2- أسامة أبو العباس: من ملامح الخيال الشعبي في التراث العربي/ الإسلامي "صورة السعلاة نموذجاً). رسالة المشرق. 2022العدد 37.

3-بريجيت كوشو: أسطورة ليليث. ترجمة نظيرة الكنز. مجلة الآداب العالمية. المجلد 32، العدد 129. 2007 . اتحاد الكتاب العرب. سوريا.
4-حميدة صبار كاظم : ميثولوجيا الشيطان في الفكر اليهودي والمسيحي (قراءة تحليلية مقارنة في الكتابين المقدسين) ، مجلة حولية المنتدي، المنتدي الوطني لأبحاث الفكر والثقافة، 38، السنة الثانية عشر، نيسان ، 2019.
5- فرحة خالدة: قصة آدم وحواء في القرآن الكريم (دراسة تفسيرية موضوعية). كلية الدراسات الإسلامية والعربية. جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية جاكرتا. 2019.
المعاجم والموسوعات
-لسان العرب . ابن منظور. طبعة دار المعارف.
معجم الحضارات السامية: هنري س عبودي. جروس برس. طرابلس . لبنان. ط2. 1991.
المعجم الوسيط: إبراهيم أنيس وآخرون. مجمع اللغة العربية. مكتبة الشروق الدولية.ط4. 2004.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية. قاموس الكتاب المقدس.

The translation of Arabic refrences

The sources

-Holy Quran

-The old Testament

The refrences

Ibn Arabi: The Meccan Futuhat. House of knowledge. Beirut.2011

-Ibn Katheer: Interpretation of the Great Qur'an.edited by: Muhammad Hussein Shams al-Din. Scientific books house. Beirut. I 1.1419 hijri.

Bishop Boulos Feghali: Faith and the Secret of Salvation. Chapter Twenty Nine (Satan and the Forces of Evil).1997. www.boulosfeghali.org.

4Al-Isfahani: Vocabulary in the Strange Qur'an. The house of the pen. Damascus. Beirut.e 1. 1412 hijri.

 Al-Tabari: Collector of the statement on the interpretation of the verses of the Qur’an.edited by: Abdullah bin Abdul Mohsen Al-Turki, in cooperation with the Center for Arab and Islamic Research and Studies. Hajar house 2008.

 Judge Badr Al-Din Abdullah Al-Shibli: Curiosities and wonders of the jinn as depicted in the Qur’an and Sunnah edited by :Ibrahim Ahmed Al-Hamad - Diana Press .1988

Sami Saeed Al-Ahmad: The First Origins of Ideas of Evil and Satan. Baghdad. ed 1. 1970

 Sayed Al-Qimni: Myth and Heritage. The Egyptian Center for Civilization Research. ed 3. Cairo.1999.

Sadiq Jalal Al-Azm: Criticism of Religious Thought. Dar Al-Taliqa for printing and publishing. Beirut. 2nd edition. 1970.

Abbas Mahmoud Al-Akkad: Satan. Hindawi Foundation for Education and Culture. Cairo. 2013

 Abdul Hakim Al-Dhanoun: Gilgamesh of Man and Immortality. Elmanarh Publishing .Beirut. 1996

Kamal Al-Salibi - The Secrets of the Torah and the Secrets of the People of Israel - Dar Al-Saqi. Sixth Edition.2006

 Kosti Bendali: How do we understand the story of Adam and Eve today (The Bible on the Paths of the Age), Al-Nour Publications. 1990.

 Interpretation of the Book of Ayoub and its explanation in Arabic: Authored by: Saadia Ja’oun bin Youssef Al-Fayoumi. corrected, and explained in Hebrew by Benjamin Zeev Bakher,transferred to the Arabic letter, and presented and commented on it: Ahmed Mahmoud Huwaidi, the National Center for Translation.
- The argument and evidence in Nasr al-Di-Zalil, authored by: Yehuda bin Shmuel Halevy, translated by: Lily Ibrahim Abu al-Majd, supervised and reviewed by: Hassan Hanafi, Ahmed Huwaidi, The National Center for Translation, from the heritage of Arab Jews (1), Issue: 2104, 1st edition.

Publishing periodicals
 Ahmed Huwaidi: The Book of Job, a Study of Critical Issues and Content in the Light of Wisdom Literature in the Ancient Near East (Eastern Message Magazine, Vol. 5, No. 4). 

Osama Abu Al-Abbas: One of the features of the popular imagination in the Arab/Islamic heritage is “The Image of Salaah as a Model.” The Levantine Message. 2022, Issue 37

Brigitte Kochou: The Legend of Lili. Translation of the treasure counterpart. Journal of International Literature. Volume 32, Issue 129. 2007. Arab Writers Union. Syria.

 Hamida Sabbar Kazem: The Mythology of Satan in Jewish and Christian Thought (A Comparative Analytical Reading in the Two Holy Books), Annual Journal of the Forum, National Forum for Thought and Culture Research, 38, twelfth year, April, 2019.

 Farah kaliedh: The Story of Adam and Eve in the Holy Qur’an (An Objective Interpretive Study). Faculty of Islamic and Arabic Studies. Sharif Hidayatullah State Islamic University Jakarta. 2019.

Dictionaries and encyclopedias

-Lisan Alarab. Ibn Manzoor. Dar Al Maaref edition

- Dictionary of Semitic Civilizations: Henry S. Aboudi. Gross perss. Tripoli. Lebanon. i2. 1991.

- Elwased Lexicon: Ibrahim Anis and others. Arabic Language Academy. Al-Shorouk International Library. 4th Edition. 2004.

- The Christian Arabic Electronic Encyclopedia. Bible dictionary.

المصادر والمراجع العبرية
المصادر
-התנ״ך
المراجع
- אביגדור שנאן: עולמה של ספרות האגדה. אוניברסיטה משודרת. משרד בטחון. תל אביב.
- אילון אידלשטיין ועפרה ליבוביץ גולדברג:סוגיית הטוב והרע בהגות היהודית .ספר לימוד במחשבת ישראל.עריכת מהדורה חדשה: על בסיס כתיבתו של: עמית אלון-אלול . תשע"ו
-השטן, האל וישראל בספר הבהיר-עבודת סמינר מוגשת לד"ר אבישי בר-אשר מרדכי )מורדי( מילר.האוניברסיטה העברית בירושלים.
-יחזקאל קויפמן, תולדות האמונה הישראלית,מוסד ביאליק ודביר, תל־אביב. תשכ"ד, כרך ב' )כרך ד'-ה'(, ספר שני.
- מדרש שמות רבה: לבוב. ספריית חב״ד. 1874. www.hebrewbooks.org -
- מקראות גדולות למלכים:ירושלים. 1931. www.hebrewbooks.org.
- משה בן מימון-מורה נבוכים, בתרגום הרב יוסף קאפח. חלק שלישי, פרקים כב-כג- https://www.daat.ac.il/daat/tanach/eyov/kamika16.htm
- עולם התנ״ך בראשית. דברי הימים. תל אביב. הדפסה שישית.
- פירושי רב סעדיה גאון לבראשית-הוציא לאור בצירוב מבוא ותרגום והערות משה צוקר- בית מדרש לרבנים אמריקה- ניו יורק- 1984.
- פרקי דרבי אליעזר. אשכול. ירושלים. תשל״ג. פרק ג.
-רבי יהודה הלוי. הכוזרי. מאמר שלישי, סעיפים א, י"א, תרגום: יהודה אבן שמואל, תל אביב, הוצאת דביר. 2014.
- רש"י – ראש פרשני ההגשמה )חלק ה(מאת אדיר דחוח-הלוי- במרץ- 2019https://www.orharambam.com/-
- יאיר ברקאי: דמות השטן במקרא ובספרות חז"ל. מים מדליָו.26. 27. תשע"ד. תשע"ה
- חגי דגן: גלגוליו של יהודי גבולי: על המפגש בין מיתוס לספרות בכמה עיבודים ספרותיים מאוחרים לדמותו של ר' יוסף דילה ריינה. JSIJ 11 (2012).
- שלמה טיקוצינסקי: על תקיעת שופר בספר הזוהר. האוניברסיטה העברית בירושלים.2000
-גרשום שלום:בילאר מלך השדים. שדים.רוחות.נשמות.יד בן צבי.2004
القواميس والمعاجم
-אבן שושן: המלון החדש. הוצאת קרית ספר. בע״ם. ירושלים. 1979.
- אינציקולפדיה מקראית: הוצאת מוסד ביאליק.ירושלים.
- האנציקלובדיה העברית: ירושלים. תל אביב
-לקסיקון מן המסד ליהדות ולציונות.משרד הביטחון- הדפסה18. 2005
- מלון יהודה גור:.הוצאת דביר .תל אביב .דפוס11
المصادر والمراجع الأجنبية
المراجع
-The Satan ( השטן ), Adversary acording Jewish sources according אִיּ֑וֹב Iyov (Yob) Kalle Kannisto - Jyväskylä 27.8.2021
الموسوعات
-
ENCYCLOPAEDIA JUDIC:Keter Publishing House LTD.Jerusalem. edition2.
 Jewish Encyclopedia. The Kopelman Foundation.2002-2021

Jewish Encyclopedia.Isidor Singer.Funk&Wagnalls.New york.1901-1906

 Encyclopaedia Britannica.Sociaty of Gentlemen.Scotland.Vol L. 1768
مواقع انترنت
www.mechon-mamre.org
-مقال بعنوان : موسي وملك الموت والشيطان لد/ سامي الأمام . مدونة د/ سامي الإمام. http://samyalemam.blogspot.com/2017/05/blog-post_17.html. تاريخ النشر 17/ 5/ 2017.
https://www.daat.ac.il/daat/tanach/tanhuma/2.html
http://www.ybz.org.il/_Uploads/dbsAttachedFiles/Article_84.11.pdf
https://www.sefaria.org/Sefer_HaBahir?tab=contents
. https://ashoova.co.il/holy-zohar/


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button