موقع يهتم بالدراسات السامية، ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودي

موقع يهتم بالدراسات السامية بشقيها اللغوي والفكري. ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودية

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من أعلام الفكر اليهودي - يهودا الحريزي - عميد فن المقامة في العصر الوسيط- د.عزة محمد سالم - أستاذ مساعد الأدب العبري الوسيط - كلية الألسن - جامعة عين شمس

من أعلام الفكر اليهودي - يهودا الحريزي - عميد فن المقامة في العصر الوسيط- د.عزة محمد سالم - أستاذ مساعد الأدب العبري الوسيط - كلية الألسن - جامعة عين شمس

يهودا بن سليمان الحريزي الطليطلي، ولد في طليطلة فيما بين(1165- 1170م)، وتوفي قبيل عام (1235م) في بروفانسا. كانت الطائفة اليهودية في برشلونة كبيرة وذات باع طويل في التجارة وتتمتع بحركة ثقافية نشطة، ولذلك أطلق عليها الحريزي في "تحكموني  "עיר הנשאים וראשי הקרואים" (مدينة الرؤساء وعلية القوم)، ووصفها الرحالة اليهودي بنيامين الطليطلي "בנימין מטודילה" بأنها "مدينة جميلة وبها حركة تجارية نشطة، وطائفتها متدينة، وأفرادها حكماء فطناء ومن علية القوم". 

وقد استمدت بروفانسيا، التي عاش بها الحريزي، ثقافتها الروحية من الثقافة العربية، لذلك سادت بها روح التسامح الديني وازدهر بها الأدب والفن وخاصة الشعر. كما راجت بها حركة التجارة والصناعة لقربها من البحر،عن طريق الجنوب والشرق، ومن اليابسة عن طريق الشمال.

ولم تقتصر الحركة الثقافية عند اليهود في الأندلس على الديانة اليهودية، فقد تغلغلت إليها الثقافة الأندلسية، وأصبحت بروفانسيا في القرن الثاني عشر مركزاً مهماً للثقافة العبرية التلمودية الربانية وكذلك العلمية العلمانية. وكانت العقبة أمام انتشار الثقافة العبرية الأندلسية هو عدم معرفة اللغة العربية التي أُلف بها معظم كتب الفلسفة والحكمة وكذلك بعض كتب الشريعة. ومن هنا ظهر المترجمون من اللغة العربية إلى اللغة العبرية. وبدأ هذا العمل رابي ابراهام بن عزرا "אברהם בן עזרא" بترجمته إلى العبرية كتب حيوج "חיוג" وابن جناح "בן גנאח". ورابي يوسف بن يتسحاق "יוסף בן יצחק"( 531-591هـ)(1110- 1170 م)  الذى ترجم للعبرية كتاب الأخلاق الفلسفي "חובות הלבבות" (فرائض القلوب) لبحيا بن فاقودة "בחיי אבן פקודה". وإلى جانب عائلة قمحي كانت هناك عائلة تيبون، وعلى رأسهم رابي يهودا بن شاؤل بن تيبون ""ר׳יהודה בן שאול בן תיבון"(541-611هـ) (1120-1190م) الذى ترجم إلى العبرية كتاب "الأمانات والاعتقادات" لسعديا جاءون وكتاب "תקון מדות הנפש" (إصلاح خصال النفس) لابن جبيرول وكتاب "חובות הלבבות" لبحيا بن فاقودة وكتاب "הכוזרי" (الخوزري) ليهودا اللاوي "יהודה הלוי"  وكتاب "ספר הדקדוק" (كتاب النحو) لابن جناح. ثم أوصى ابنه شموئيل أن يتعمق في دراسة اللغة العربية ليترجم إلى العبرية كنوزها الثقافية، فترجم جزءاً من تفسير رابي موسى بن ميمون للمشنا وكتاب "دلالة الحائرين". وقد قام آل تيبون في ترجماتهم بخلق أسلوب فلسفي علمي، كما شكلوا مجموعة من المصطلحات أثرت اللغة العبرية، فأصبحت صالحة للتعبير عن الفكر الفلسفي والمنطقي. 

وهناك أيضاً الشاعر إبراهيم الحريزي "אברהם אלחריזי"، وكان معاصراً ليهودا اللاوي "יהודה הלוי"، وأغلب الظن أنه جد الحريزي. كان من أعظم المترجمين في عصره لمعرفته الجيدة باللغتين العربية والعبرية فاستطاع نقل ما وصل إلي يده من الأدب العربي إلى اللغة العبرية بلغة صحيحة وبليغة. وكذلك بدأ الحريزي عمله بالترجمة، ونظراً لتمكنه من اللغة العبرية ومعرفته الجيدة باللغة العربية وتعمقه في التلمود، قام بترجمة كتاب "آداب الفلاسفة" لحنين بن اسحاق، وعملين من أهم أعمال موسى بن ميمون هما: "تفسير المشنا"و "ودلالة الحائرين". وقد تميزت ترجمة الحريزي بأنها بسيطة وسهلة، وهذا ما جعل ابن تيبون "בן תיבון" ينقده لأنه قلل من قيمة هذا العمل الفلسفي المهم وبسَّطه للعامة بما ينافي مضمونه. 

وقد حدد الحريزي ثلاثة أسس لازمة لأى مترجم وهي:

1-معرفة سر اللغة التي سينقل منها.

2-معرفة سر اللغة التي سينقل إليها.

3-سر الحكمة التي يفسر كلماتها ، أى قدرته على فهم المضمون.

كما كان الحريزي إلى جانب عمله في الترجمة، من الأدباء الذين يتكسبون من الشعر، حيث كان يتودد لكبار الطوائف اليهودية لنيل عطاياهم. فيهودا الحريزي يُعد نموذجاً للشاعر الجوال الذى يتكسب من شعره ومن مدح الأغنياء الكرماء، ولكن مصدر الرزق هذا لم يكن آمناً، مثل ما جاء في المقامة السادسة والعشرين في مدح التشرد وذمه، لذلك يشير الحريزي في حزن إلى أن العهد الذهبي للشعر العبري قد ولىّ.

وهؤلاء الكرماء الأثرياء الذين يعلن الحريزي عنهم صراحة في مقدمة مقاماته (تحكموني) هم: رابي شموئيل بن البرقولي "ר׳ שמואֵל בן אלברקולי" ، وأخواه الوزير المبجل رابي يوسف"ר׳ יוסף" والوزير رابي عزرا "ר׳ עזרא".

وكانت مقامات الحريري ذات صيت لدى الأندلسيين، حتى إنها كانت تدرس في حلقات الدرس، فحاول بعض أدباء اليهود ترجمتها ولكن الأمر كان صعباً عليهم بسبب قوافيها وألغازها اللغوية، وكان أقدرهم وأكثرهم نجاحاً في هذه المهمة يهودا الحريزي، بناءً على طلب أشراف طليطلة من اليهود، وأتمها فيما بين عامي(631-636هـ) (1210- 1215م)، وأطلق عليها "מחברות איתיאל" (مقامات ايتيئل)، وفيها حاول الحريزي التغلب على أفانين الحريري وحيله البلاغية مع محاولة تغيير معالمها العربية والإسلامية من مصطلحات وأسماء أعلام وأماكن، وجعلها ذات معالم عبرية، فصار البطل أبو زيد السروجي "חֶבֶר הֵקֱינִי" هو حبر القيني، والحارث بن همام (الراوي) هو " איתיאל " ايتيئل. ومعنى كلمة حبر "חֶבֶר" مجمع أو هيئة وكذلك سحر أى الجليس الفكه أو الساحر، و "הֵקֱינִי" القيني كناية عن أبي البيان. و"חֶבֶר הֵקֱינִי" حبر القيني كمصطلح ورد في العهد القديم، وكذلك "איתיאל"  ومعناه "الله معي"، كناية عن الشخص الورع المتوكل على الله. ولكن الحريزي بعد ذلك أكلته الغيرة على لغته، وندم على أنه أخذ عن لغة العرب وترك لغته المقدسة، بناءً على ما ورد في مقدمته لـ"تحكموني"، وصب غضبه على المثقفين اليهود من أبناء عصره لأنهم أبدوا إعجابهم باللغة العربية وتركوا لغتهم العبرية، فقد رأى الحريزي نفسه مُخّلَصاً للغة العبرية مثل "شلومو ابن جبيرول" " שלמה בן גבירול "، لذلك قرر أن يؤلف مقامات باللغة العبرية ليظهر رونقها، وعظمتها، وأودعها في كتاب اسمه تحكموني "ספר תחכמוני"،.

ويحوي الكتاب خمسين مقامة، تسبقها مقدمة طويلة. يرويها هيمان الإزراحي الجوالة عاشق الأدب، وبطلها المتشرد صاحب الحيل، والمكائد، وربيب البلاغة حبر القيني. والكتاب متعدد الموضوعات من الألاعيب اللغوية مثل المقامة التي لو قُرئَتُ من أولها إلى آخرها فهي مدح وإذا قُرِئَت من آخرها إلى أولها فهي ذم (المقامة الثامنة)، ومقامة مبنية على الجناس (المقامة الثالثة والثلاثون) والمقامة التي كل قافية فيها مكتوبة بثلاث لغات (عبرية وآرامية وعربية) (المقامة الحادية عشر) ومقامات المحاورات بين الليل والنهار (المقامة التاسعة والثلاثون) والمرأة والرجل (المقامة الواحد والأربعون) والمؤمن والملحد (المقامة السابعة عشر)، ومقامات عن الشعر، وشعراء الأندلس العظماء(المقامة الثالثة والثامنة عشر). ومقامات عن تمجيد، وتسبيح الخالق (المقامة الخامسة عشر) والبكاء على خراب القدس  (المقامة الثالثة والعشرون)، ومقامات ساخرة مثل قصة الديك والقروي (المقامة العاشرة)، والشعوذة والدجل (المقامة الثلاثون)، ومقامة تصف جمال طبيعة الأندلس (المقامة التاسعة والأربعون)، والنقد اللاذع لسكان المدن (المقامة السادسة والأربعون). 

وفي تحكموني حاول الحريزي إنزال الشعر من قممه الشاهقة وأبراج البيوط العالية، لتعرف جو المرح والحياة الدنيوية، وبدأت اللغة العبرية تتحدث عن الأمور العادية والظواهر اليومية، فاللغة المقدسة التي كانت لغة السبت والأعياد صارت لغة دنيوية، وحدث كل ذلك بتأثير من الأدب العربي المنقول إلى الأندلس، فقد أثبتت الكثير من الدراسات الأدبية أن معظم 

قصص الحريزي وألغازه منقولة من الأدب العربي بعد توطئتها، رغم إنكار الحريزي لذلك، وقوله إن كل مقاماته في تحكموني من خلد فكره. فهذا ليس إلا تصريحاً عنترياً لا أساس له من الصحة. وهذا بالطبع غير صحيح، حيث أن  الراوي والبطل، (هيمان الإزراحي، وحبر القيني) ليسا إلا صورة مكررة  للحارث بن همام وأبو زيد السروجي. ونلمس هذا التشابه أيضاً في مستوى لغة الكتابة، فالمقامة عند الحريزي منقسمة بين الشعر والنثر تماماً كالحريري، كما أن الشعر يكون من نَظم الحريزي، كما هو عند الحريري. وحتى تقسيم المقامة من مشكلة، وعقدة، وحل. والموضوعات كما ظهر في المقدمة من كدية، واحتيال، ووعظ وجد اللفظ، وهزله، والتزام السجع، والجناس لإظهار التفوق، والفصاحة لجذب القارئ وتشويقه، وسهولة الحفظ، والقدرة على التذكر، والاسترجاع.

وأثَّر الحريري على الحريزي في مقاماته واضح، سواء من حيث البناء الفني للمقامات، واختيار بطل وراوٍ لها واستخدام النثر المسجوع المرصع بالشعر. بل وحتى مضمون المقامات، كما أثر الهمذاني أيضاً على الحريزي، فكثير من مقامات الحريزي مأخوذة من مقامات الهمذاني؛ فقد أخذ الحريزي عن الحريري والهمذاني صورة المقامة، في تعدد موضوعاتها وطرق تطورها، وبطل القصص الشحاذ البليغ "حبر القيني"، الذى يظهر في كل مقامة بشكل جديد وصديقه المحنك الراوي "هيمان الإزراحي"، الذى دائماً يفشل في التعرف عليه، وأحياناً لا يعرفه إلا بعد أن يحدق بصره فيه وفي أعماله أو يسمع حواره مع الجموع. ويستطيع هذا المتسول "حبر القيني" أن يستجلب عطف الناس بموهبته الأدبية ويخلب عقول الناس بارتجاله ويبتز منهم المال، وهو دائماً في صورة البائس الفقير الرحالة الذى يخدع الناس ببيع الدعوات والتمائم، والأدوية التي تحقق المعجزات، وعندما يغضب "هيمان الإزراحي" من أفعاله ويحاول فضحه تغلبه محبته له ولأدبه.

ونستطيع أن نقول بعد هذا إن شخصية البطل عند الحريري هي نفسها عند الحريزي، ولكن لا يوجد أى تسلسل في كتاب "تحكموني"، حتى وجود البطل والراوي في كل مقامة لم يحقق أى نوع من التسلسل. فكل مقامة منفصلة بذاتها بل من الممكن أن يتغير ترتيب المقامات دون أن يشعر القارئ بذلك. ولذلك لا يمكن أن توصف بأنها رواية أو قصة بل حكايات ذات نظام واحد. ولكن مع كل هذا لا نستطيع أن ننكر فضل الحريزي على الأدب العبري، فهو أول من ألف كتاباً بلاغياً كاملاً تجد فيه الفلسفة والمزاح والسخرية يفهمه حتى الرجل العادي، والذى ساعده على ذلك كثرة تجواله.وقد كان الحريزي يهوى الاغتراب، فقد زار مصر، والشام، والقدس، والعراق. ثم عاد إلى بروفانسيا ومات بها. لذلك ألف الحريزي مقامة عربية عن جولاته في بلاد الشرق (مصر وفلسطين وسوريا والعراق) واسماها "כתאב" (كتاب) وهي عبارة عن سرد لرحلاته تخلو من أي عنصر خيالي يحاول فيها وصف أحوال الطوائف اليهودية، والشخصيات البارزة التي رآها في تلك البلاد. وألف أيضاً ديواناً من الشعر، به سبع وخمسون قصيدة شعرية، أطلق عليه اسم "ספר הענק" (كتاب القلادة)، ويدور الديوان حول الورع، والأخلاق الحميدة، وهو على اسم كتاب لموسى بن ميمون. كما أنه ألف كتاباً في الشعر التعليمي باسم "רפואות הגוויה" (طب الجسد).

- من أعمال الحريزي أيضاً:

ספר גורלות: (كتاب الأقدار)، وهو كتاب ورد ذكره في تحكموني في المقامة الخمسين.

אגרת המוסר הכללית: (رسالة الأخلاق العامة) ألفها الطبيب العربي على بن ريتسوان " עלי בן ריצואן" (مات في مصر عام689ه- 1068م)، ونسبت قبل ذلك لأرسطو. وترجمها الحريزي للعبرية.

אגרת תחית המתים לרמב״ם: (رسالة إحياء الموتي لموسى بن ميمون)، وترجمها الحريزي بناءً على رغبة رابي مائير بن ششات "ר׳ מאיר בן ששת".

- كما ترجم الحريزي أيضاً:

ספר הנפש: (كتاب النفس) المنسوب لجالنيوس.

ספר איסור הקבורה: (كتاب منع الدفن) لجالنيوس، وهو يتكلم عن منع دفن الإنسان قبل مرور 72 ساعة على موته، وهو نظام متبع في كل الدول المتقدمة، ويعنى الانتظار حتى اليوم الثالث لوفاة الميت وقد وافق على ذلك المتدينون اليهود في الغرب.

סוד הסודות: (سر الأسرار) المنسوب إما لأرسطو أو للحكيم العربي البطريق وهو بمثابة مقامة عن أقوال الأخلاق والإيمان.

المصدر: المقامات بين الحريزي والحريري (دراسة نصية مقارنة)،  عزة محمد سالم، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الألسن، جامعة عين شمس، ٢٠١٠





ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button