موقع يهتم بالدراسات السامية، ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودي

موقع يهتم بالدراسات السامية بشقيها اللغوي والفكري. ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودية

إعلان الرئيسية


من المتعارف عليه في مجال الطب أن هناك مرضى لا يمكن إنقاذ حياتهم إلا من خلال زراعة الأعضاء. على سبيل المثال، مريض التليف الكيسي الذي توقفت رئتاه عن العمل. تتمثل الطريقة الوحيدة لإنقاذ حياته في أن يتبرع شخص آخر بفصٍّ واحد من رئته ليتم زرعه في صدر المريض ليعمل لديه كرئة. عادةً، ما يتم أخذ تبرعين من شخصين، بحيث يتبرع كل واحد بفصٍّ واحد، مما يقلل من الضرر الذي قد يلحق بالمتبرع، وفي المقابل يتمكن المريض من العيش بفصّين جديدين يعملان لديه عمل الرئة. خصوصًا في حالة الأطفال الصغار، فإن فصًّا واحدًا من رئة شخص بالغ يمكن أن يؤدي لديهم وظيفة الرئة الطبيعية تقريبًا، مما يمكّنهم من العيش كأشخاص عاديين وأصحاء. وكذلك هناك أمراض تصيب الكبد، ولا تكون هناك طريقة لإنقاذ حياة المريض إلا أن يتبرع له شخص آخر بجزء من كبده، حيث يقوم هذا الجزء بوظيفة الكبد التالف، الأمر الذي ينقذ حياة المريض.
السؤال المطروح الآن هو: هل من واجب الإنسان، وفقًا لوصية "لا تقف مكتوف اليدين إزاء دم قريبك" (سفر اللاويين 19:16)، أن يتبرع بعضو من أعضائه؟ أم على العكس، هل يُحظر عليه التبرع كون العملية الجراحية معقدة، ومن ثم فقد يواجه بعض المتبرعين خطر الموت نتيجة المضاعفات التي قد تحدث بعد الجراحة؟
الإجابة:
بحسب رأي غالبية الفقهاء، فإن من يتبرع بجزء من رئته أو كبده لإنقاذ صديق أو فرد من العائلة فإنه بذلك يؤدي مَكرُمة عظيمة، لكن الشريعة لا تفرض عليه ذلك.
ويرجع ذلك إلى أن وصية "لا تقف مكتوف اليدين إزاء دم قريبك"، وفقًا لرأي معظم الفقهاء، لا تُلزم الإنسان بتعريض حياته لخطر حقيقي . إذ إنه في حالة التبرع بفصٍّ من الرئة أو بجزء من الكبد، فإن المتبرع يدخل في دائرة الخطر. ففي عملية التبرع بالرئة، هناك احتمال بنسبة 0.5% أن يتوفى المتبرع أثناء الجراحة، إضافة إلى وجود مضاعفات ما بعد العملية، والتي قد يكون بعضها خطيرًا ومهددًا للحياة، كما قد تظهر في المستقبل مضاعفات أخرى على الرئة أو الكبد. إلا أنه رغم ذلك، فإن نسبة الوفيات بين المتبرعين، كما تقدم، لا تتجاوز بضع نسب مئوية.
ومن الناحية الظاهرية، يمكن القول إنه نظرًا لانخفاض نسبة الخطر، وبما أن كثيرًا من الناس على استعداد لتحمل مثل هذه المخاطر مقابل مكاسب مالية، فيجب إلزام كل شخص بالتبرع بجزء من أعضائه لإنقاذ غيره استنادًا إلى وصية "لا تقف مكتوف اليدين". لكن هناك فرقًا يتمثل في الآتي:
رغم وجود مبدأ عام يُلزم الإنسان بالمخاطرة بدرجة بسيطة لإنقاذ شخص آخر من خطر الموت، إلا أن ذلك يتعلق فقط بالمخاطرة قصيرة الأمد، والتي في أغلب الأحيان تنتهي بسلام. أما في حالة التبرع بعضو، فالأمر يتعلق بتنازل دائم عن جزء من الجسد، وهو ما لم تفرضه الشريعة. إضافة إلى ذلك، فإن هذا النوع من المخاطر يعتبر كبيرًا جدًا، لذا فإن الناس لا يقبلون عليه حتى ولو كان لأجل مكسب مادي، ومن ثم، لا تفرض وصية "لا تقف مكتوف اليدين" وجوب الإقدام عليه.
وكذلك سُئل الفقيه الكبير رابي دافيد بن زمرا، الذي عاش قبل أكثر من أربعمائة عام، عن حالة يخير فيه الحاكم الظالم شخصا بين أن تُقطع يده أو أن يُقتل صديقه، فهل يجب عليه أن يضحي بيده لإنقاذ صديقه أم لا؟ فأجاب بأنه نظرًا لأن قطع اليد ينطوي أيضًا على خطر (مثل النزيف أو الإصابة بالعدوى)، فلا يُلزم الإنسان بتعريض نفسه لخطر حقيقي على حياته من أجل إنقاذ غيره.
وأضاف رابي دافيد بن زمرا مبدأً أساسيًا مهمًا مقتضاه أنه لا يمكن أن تأمرنا التوراة بفعل شيء يتعارض مع الطبيعة البشرية، لأن طرقها طرق ناعمة ومسالمة، والإنسان الطبيعي لا يقبل أن تُقطع يده لإنقاذ حياة شخص آخر. لذلك، من ناحية وصية "لا تقف مكتوف اليدين"، لا يوجد إلزام على الإنسان بالتضحية بجزء من جسده لإنقاذ الآخرين، لكن من يفعل ذلك فإنه يؤدي مكرُمة عظيمة، وهذه درجة من الزهد والورع، وطوبى له.
وبالمثل، ففي مسألة التبرع بفصٍّ من الرئة أو بجزء من الكبد، فإن الإنسان الطبيعي لا يوافق على التبرع بهما لإنقاذ شخص غريب لا يعرفه. وإنما في حال كان المتبرع من أجله قريبًا من العائلة أو صديقًا عزيزًا جدًا، فإن بعض الأشخاص قد يوافقون على التبرع بعضو من جسدهم لإنقاذه.
الخلاصة: لا يُلزم الإنسان بالتبرع بعضو من أعضائه لإنقاذ شخص آخر، حتى لو كان قريبًا له. لكن من يتبرع فإنه يؤدي مكرُمة عظيمة، وهي درجة من الزهد والورع.
- التبرع بكلية من شخص حي
تُطرح نفس المسألة فيما يتعلق بالتبرع بكلية، وإن كان هناك بعض الفروق التي توضع في الاعتبار. فمن ناحية، فإن عملية استئصال الكلية أسهل من عملية استئصال فصٍّ من الرئة أو جزء من الكبد، مما يجعل نسبة الخطر على المتبرع أقل. فاحتمالية الوفاة المباشرة نتيجة الجراحة تبلغ 0.2% فقط. ومع ذلك، هناك احتمال بنسبة 30% لحدوث مضاعفات متأخرة بعد الجراحة، و2.5% منها قد تكون خطيرة ومهددة للحياة.
لكن من ناحية أخرى، فإن ضرورة هذا التبرع أقل إلحاحًا، حيث يمكن الإبقاء على حياة المريض عن طريق الغسيل الكلوي (تنقية الدم عبر أجهزة طبية). صحيح إن هذا العلاج يسبب معاناة كبيرة للمريض، ويؤدي إلى قيود صحية صارمة، ويتطلب زيارات منتظمة للمستشفى (3-4) مرات أسبوعيًا، كما أنه يؤثر على الخصوبة. بالإضافة إلى ذلك، فإن معدل الوفيات بين مرضى غسيل الكلى أعلى قليلًا مقارنة بمن خضعوا لعملية زراعة كلية.
علاوة على ذلك، ليس من الضروري أن يكون التبرع بالكلية من شخص حي، إذ يمكن أخذها من متوفى، علما بأن نسبة نجاح زراعة الكلية من شخص متوفى أقل بنسبة قليلة من نسبة نجاح الزراعة من متبرع حي.
الخلاصة:
على الرغم من هذه الفروق، فإن الحكم الشرعي يبقى كما هو؛ يقضي بأنه "لا يوجد إلزام بالتبرع بكلية لإنقاذ صديق أو قريب، ولكن التبرع بها يُعتبر عملًا فاضلًا.
زراعة الأعضاء من جثة متوفى
السؤال:
هل يجوز أخذ كلية من جثة شخص متوفى وزرعها في جسم مريض يعاني من فشل كلوي في مراحله الأخيرة، ويواجه خطر الموت؟
الإجابة:
بحسب رأي غالبية الفقهاء، فإن الأمر مسموح به، بينما هناك من منعه. وتوضيحًا لذلك نذكر الآتي:
هناك ثلاثة محاذير شرعية تمنع أخذ عضو من جسد الميت:
- تحريم الانتفاع بجسد الميت (תלמוד, עבודה זרה,29,ב). 
- تحريم إهانة الميت؛ إذ إن انتهاك حرمة جسده يُعتبر مساسًا بكرامته وكرامة عائلته. 
- وجوب دفن جسد الميت كاملًا، ومن ثم فانتزاع عضو من جسده يعد إخلالا بهذه الفريضة. 
لكن في حالة وجود خطر على الحياة، فإن القاعدة الفقهية تقضي بأن حفظ النفس مقدم على جميع أحكام التوراة، بما في ذلك هذه الأحكام الثلاثة. لذلك، إذا وُجد مريض في حالة حرجة، يحتاج إلى زراعة عضو من متوفى لإنقاذ حياته، فإنه يجوز أخذ العضو منه وزراعته في الحي.
شروط الجواز
- موافقة عائلة المتوفى؛ لأن الجثة تقع تحت مسؤوليتهم، وكما أنه لا يُجبر أحد اليوم على التبرع بماله لإنقاذ حياة، فكذلك لا يمكن إجبار العائلة على التبرع بأعضاء فقيدهم. 
- استحباب التبرع؛ فبحسب رأي عدد كبير من الفقهاء، من الواجب على العائلة التبرع، كما يجب تشجيعهم على ذلك.
حجة المانعين للتبرع بأعضاء المتوفى
يرى أولئك الذين يمنعون التبرع بأعضاء الميت أن الميت ليس مُلزَمًا بأي من وصايا التوراة، وبالتالي لا يتوجب انتهاك جسده لإنقاذ شخص آخر، لذا لا يجوز أخذ أي عضو من أعضائه.
وعلى الرغم من أن الشريعة تجيز للإنسان الذي يواجه خطر الموت أن يسرق من غيره لإنقاذ نفسه، إلا أن هذا الجواز مشروط بإمكانية إعادة المسروق لاحقًا. أما في حالة نقل الأعضاء من متوفى، فلا يمكن إعادة العضو إليه، ولذلك لا يجوز أخذ عضو منه حتى لو كان ذلك لإنقاذ حياة إنسان آخر.
الوضع القانوني الحالي:
ينص القانون الآن على عدم جواز أخذ أعضاء من جسد متوفى دون موافقة عائلته.
رأي غالبية الفقهاء: 
من الواجب على العائلة الموافقة على التبرع. 
رأي الأقلية:
 لا يجوز للعائلة الموافقة.
وبما أن الأمر متروك لقرار كل عائلة على حدة، فإذا كان المتوفى قد أعرب خلال حياته عن رغبته في التبرع بأعضائه لإنقاذ الآخرين، فعلى عائلته احترام رغبته والموافقة على التبرع.
إنشاء بنك للجلد
عندما يتعرض شخص لحروق خطيرة، فإنه يكون في خطر كبير؛ لأن فقدان الجلد يؤدي إلى خسارة السوائل والبروتينات، كما يجعله عرضة للعدوى الشديدة.  حتى الآن، لم يتم تطوير ضمادة توفر حماية كافية لمناطق الحروق. أما الطريقة الأكثر فاعلية لإنقاذه فهي تغطية الحروق بجلد بشري.
يستمر الجلد المزروع حوالي أسبوعين قبل أن يرفضه الجسم، مما يستدعي استبداله بجلد جديد، وتكرار ذلك حتى يتماثل الحرق للشفاء. يمكن نزع الجلد من المتوفى باستخدام أداة تقوم بإزالة طبقة رقيقة جدًا بسمك 1.5 ملم من السطح الخارجي للجلد. وبما أن الطبقة المزالة تكون دقيقة للغاية، فإن أثرها على الجثة لا يكاد  يُلاحظ.
السؤال:
هل يجوز أخذ طبقة رقيقة من جلد الميت لإنقاذ ضحايا الحروق؟
الحكم الفقهي:
بحسب رأي غالبية الفقهاء، فإن واجب إنقاذ الحياة مقدم على واجب دفن الميت، وتحريم الانتفاع بجثته، وتحريم انتهاك حرمته. لذلك، يجوز أخذ الجلد من الميت لإنقاذ المصاب.
استثناءات:
يسمح الفقهاء الذين يحرمون أخذ أعضاء من الميت لإنقاذ حياة إنسان بأخذ الجلد لعدة أسباب:
- إن حكم أخذ الجلد أخف من بقية الأعضاء، فهناك رأي فقهي يرى أنه لا ينطبق عليه تحريم الانتفاع مثل بقية أعضاء الميت (תוספות، נדה,55, א). 
- يرى بعض الفقهاء أن واجب الدفن وتحريم الانتفاع لا ينطبقان على الأجزاء التي تقل عن حجم زيتونة. 
- فيما يخص تحريم إهانة الميت، قد يُقال إن إزالة طبقة رقيقة غير ملحوظة لا تُعد انتهاكًا لحرمة الميت.
 إقامة بنك للجلد
ظهرت مسألة جديدة: هل يجوز إنشاء بنك للجلد، بحيث تخزن فيه  الطبقات الرقيقة من جلد الإنسان؛ ليتم استخدامها لعلاج ضحايا الحروق فور وصولهم إلى المستشفى؟ ذلك أن التأخر في توفير الجلد لحماية الحرق قد يؤدي إلى وفاة المصاب. كما أن الحاجة إلى ذلك تزداد في حالات الطوارئ مثل الحروب.
الخلاف الفقهي حول إنشاء بنك للجلد
اختلف الفقهاء في هذه المسألة:
الرأي الأول: يرى بعض الفقهاء أن جواز استخدام جلد الميت لإنقاذ حياة إنسان مشروط بأن يكون المريض حاضرًا أمامنا في حالة خطر فوري. أما في حالة احتمال وقوع خطر مستقبلي، فلا يجوز استخدام جلد الميت لهذا الغرض.
الرأي الثاني: يرى العديد من الفقهاء أنه طالما زاد احتمال حدوث إصابات بحروق في المستقبل، وأن هذه الحالات تندرج تحت حكم إنقاذ الحياة، فإنه يجوز إنشاء بنك للجلد.
مراعاة الجوانب الأخف في حكم الجلد
يُضاف إلى ذلك أن أخذ الجلد من الميت يُعد أخف حكمًا من أخذ الأعضاء الأخرى، فهناك عدة اعتبارات تجعل حكمه أقل صرامة من غيره من الأعضاء.
التطبيق العملي في المستشفيات
تعتمد المستشفيات فعليًا على وجود مخزون معين من الجلد، ويتم أخذه بعد موافقة عائلة المتوفى أو إذا كان المتوفى قد أعطى موافقته قبل وفاته. وكما رأينا، فإن العديد من الفقهاء يرون أن التبرع بهذا الشكل يُعتبر عملًا صالحًا ومأجورًا شرعًا لأنه يساهم في إنقاذ الأرواح.
زراعة قرنية من ميت
يمكن إنقاذ نظر الشخص الذي فقد بصره بسبب تلف في القرنية من خلال أخذ قرنية من عين ميت وزرعها في العين المصابة. وتعد زراعة القرنية من أكثر العمليات الشائعة اليوم.
السؤال:
هل يجوز شرعًا أخذ قرنية من ميت لإنقاذ بصر شخص حي؟
الجواب الظاهر:
يبدو أنه لا يجوز، لأن حفظ النفس فقط هو ما يجيز انتهاك القوانين المتعلقة بحرمة الميت ودفنه، بينما الأمر هنا يتعلق بفقدان البصر ليس أكثر. لذا فقد أفتى عدة فقهاء بعدم جواز أخذ قرنية من ميت.
الرأي الآخر:
من جهة أخرى، يرى بعض الفقهاء جواز أخذ قرنية من الميت، ولهذا الرأي مجموعة من الأسباب تتمثل فيما يلي:
- بعض الفقهاء يعتبرون فقدان البصر من حالات حفظ النفس؛ لأنهم  يرون أن فقدان أي عضو يعتبر حالة من حالات حفظ النفس. لذا فبحسب رأيهم، لا يُعتبر أخذ القرنية من الميت إهانة له، لأن ذلك يساعد في إنقاذ نظر شخص آخر. 
زراعة القلب والكبد
إن إحدى القضايا الأكثر تعقيدا في فقه زراعة الأعضاء هي قضية زراعة القلب والكبد. ذلك أن القلب والكبد يصلحان للزراعة فقط إذا تم أخذهما من شخص لا يزال قلبه ينبض. وهنا فإننا لا نواجه مسألة كرامة الميت فحسب، بل نواجه مسألة أصعب بكثير؛ مسألة تتعلق بحياة أو موت . 
هل الشخص الذي توقف دماغه عن العمل، لكن قلبه لا يزال ينبض يُعتبر ميتًا، وبالتالي يجوز أخذ قلبه لإنقاذ حياة شخص آخر؟ أم أنه يُعتبر حيًا، وفي هذه الحالة، من الواضح أنه لا يجوز قتله لإنقاذ حياة شخص آخر؟
من اللحظة التي يتوقف فيها دوران الدم، تبدأ عملية التحلل في جميع الأعضاء. ولذلك، يحاول الأطباء أخذ الأعضاء لزراعتها في أقرب وقت ممكن بعد الوفاة. لكن هناك أعضاء تتضرر بسرعة كبيرة، في حين تتضرر أخرى ببطء. على سبيل المثال، الكلى تتضرر ببطء، ولهذا يمكن أخذها وزراعتها في جسم المريض حتى بعد الوفاة ببضع ساعات. لكن القلب والكبد يصلحان للزراعة فقط إذا تم أخذهما أثناء استمرار تدفق الدم.
وحتى عام 1980 تقريبًا، كان معظم الحاخامات يحظرون زراعة القلب بسبب الخطر الكبير جراء إجراء هذا الأمر. والواقع أن غالبية الذين تم زرع قلوب لهم قد ماتوا في وقت قصير بسبب رفض أجسامهم للقلب المزروع. لكن منذ عام 1980، حدث تقدم كبير في القدرة الطبية على منع رفض الأعضاء المزروعة، لدرجة أن حوالي 80% من المرضى عاشوا لمدة عام بعد الزراعة، وحوالي 60% عاشوا خمس سنوات أو أكثر.
يستنتج من هذا أنه من المؤكد أن العمر المتوقع لمرضى القلب الحاد قد تم تمديده من خلال الزراعة، وعاد معظم المرضى إلى حياة طبيعية تقريبًا كن دون قيود. ولكن الفقهاء اختلفوا في مسألة: هل يجوز أخذ القلب من شخص مات دماغيًا أم لا؟
يقول البعض: ما دام القلب لا يزال ينبض، فإن الشخص يعتبر حيًا، لذلك فمن يأخذ قلبه فإنه يرتكب جريمة قتل. بينما يرى آخرون أنه بما أن الدماغ قد مات، والشخص غير قادر على التنفس بمفرده، بل يُستنشق الهواء بواسطة جهاز، وبفضل هذا الجهاز يستمر قلبه في النبض، فإنه يُعتبر ميتًا، وبالتالي يجوز أخذ قلبه لإنقاذ حياة شخص آخر.
بعد مناقشات مطولة، قرر مجلس الحاخامية في عام 1987، برئاسة الحاخام الجليل أفراهام شابيرا والحاخام الجليل مردخاي إلياهو، السماح لمستشفى "هداسا" بزراعة القلب، بعد استيفاء مجموعة من الشروط. وفي نفس العام، تم إجراء أول عملية زراعة قلب ناجحة في إسرائيل في مستشفى هداسه. للأسف، ولأسباب سياسية، لم يتم تلبية جميع الشروط التي طلبتها الحاخامية.
إن القانون الحالي يسمح فعليا بإجراء عملية الزرع فقط إذا وافقت العائلة أو إذا كان المتبرع قد أبدى موافقته أثناء حياته. وفي الواقع، يمكن لكل عائلة أن تتصرف وفقًا للفتاوى التي تقبلها.
في الفتاوى التالية، سنشرح جذور الخلاف.
رأي القائلين بالجواز:
إن السؤال حول وضع الشخص الذي مات دماغيًا، لكن قلبه لا يزال ينبض لم يُطرح في العصور السابقة، لأنه من غير الممكن أن يستمر القلب في النبض بعد أن يموت الدماغ، سوى لبضع دقائق. السبب في ذلك هو أن جذع المخ هو الذي يشغل نظام التنفس، ومنذ اللحظة التي يتلف فيها جذع المخ، لا يكون لدى الشخص القدرة على التنفس بمفرده. ومن اللحظة التي يتوقف فيها التنفس، يتوقف تبادل الأوكسجين والمواد في الجسم، فتبدأ كل الأعضاء والخلايا بالموت والتدهور، ثم تبدأ عملية التحلل. ولكن في الوقت الحاضر، حيث يمكن التنفس آليًا، يمكن استمرار نبض القلب لفترة طويلة حتى وإن كان الدماغ قد تضرر وتوقف عن العمل. وبالتالي، يثار السؤال: على أي أساس يتم تحديد حياة الإنسان، هل بناءً على نشاط القلب أم على نشاط الدماغ؟
وفقًا لما ذهب إليه حكماؤنا، فإنه يتم الحكم بموت الإنسان بناءً على عملية التنفس، كما ورد في التوراة (تكوين 7:22): "كُل مَا فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ فِي أنفه". من هنا تم تحديد حكم في ( מסכת יומא, פה,א) أنه إذا انهار بناء على شخص، يتم إلغاء السبت من أجل إنقاذه، ويتم رفع حجارة البناء عنه، فربما لا يزال على قيد الحياة. فإذا بدأوا بكشفه من قدميه ووصلوا إلى القلب وتبين أن القلب توقف عن العمل، فلا يعد هذا دليلا على وفاته، بل يجب عليهم مواصلة محاولات إنقاذه حتى يصلوا إلى أنفه، ويتبين أنه لم يعد يتنفس. أما إذا بدأوا بكشفه من رأسه، ووصلوا إلى أنفه، ووجدوا أنه لا يتنفس، يتم إيقاف عملية الإنقاذ، إذ لا يكون هناك داع للتحقق من نبض قلبه من عدمه؛ لأنه بمجرد أن يتبين أن التنفس قد توقف، وفقًا للفقه، فإنه يحكم بوفاة الشخص بشكل قاطع. هكذا ورد في (הרמב"ם (הלכות שבת ב, יט), וה'שולחן-ערוך' (או"ח שכט, ד).
إذاً يتبين لنا بشكل قاطع أن المخ وجذعه قد تدمرا تمامًا، ولا يستطيع الشخص التنفس بشكل مستقل، فإنه يُعتبر ميتًا. وحتى وإن كان قلبه لا يزال ينبض، فإن هذا ليس لأنه حي، بل هي حركة انعكاسية ناتجة عن التنفس الاصطناعي.
ونجد في المشنا (מסכת אהלות,א-ו), أن الشخص الذي تم فصل رأسه، حتى وإن كانت أعضاء جسده ترتعش، فمن لحظة قطع رأسه فإنه يُعتبر ميتًا بشكل يقيني، ويعتبر كل من يمس جسده نجسا. ومن الأمور الطبيعية أنه عندما يتم قطع رأس إنسان، فإن قلبه يستمر في النبض لبضع لحظات، وقد تعتري أعضاءه تشنجات، ورغم ذلك، فإنه بمجرد قطع رأسه يُعتبر ميتًا. وبالمثل، فإن من دُمِّر دماغه وتوقف عن العمل، يُعتبر مثل من لا رأس له، حتى وإن كانت أعضاء جسده ترتعش، وقلبه ينبض بمساعدة التنفس الاصطناعي. فإن حكمه هو حكم الميت، ويُسمح بأخذ قلبه لإنقاذ حياة شخص آخر.
خلاصة القول، إن رأي الميسِّرين يقضي بأنه من لحظة التيقن من أن الدماغ، بما في ذلك الجذع، قد مات، يُسمح بأخذ الأعضاء من الجسد لإنقاذ حياة شخص آخر. هذا ما أقره مجلس الحاخامية. فمعنى موت الدماغ أنه لم يعد يعمل، ولا يستجيب لأي محفزات، ولا يوجد فيه تدفق للدم، وبدأ عملية التحلل تعتريه، ولم تعد هناك أية إمكانية لأن يتنفس الشخص من دون مساعدة.
ومن أجل إزالة أي شك، فقد تم تحديد شروط فحص دقيقة من قبل مجلس الحاخامية، والتي من خلالها يمكن التيقن من موت الدماغ، بما في ذلك جذعه. وبعد استيفاء هذه الشروط، فقد تم السماح بأخذ الأعضاء للزراعة. في ذلك الوقت، تم منح التصريح فقط لمستشفى "هداسا"، بناءً على الثقة الخاصة التي منحها مجلس الحاخامية له.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه، وللأسف، لأسباب سياسية تتعلق بالمؤسسة الطبية، لم يتم استيفاء بعض من الشروط التي وضعتها الحاخامية. لذلك، فإنه حتى بالنسبة لأولئك الذين يجيزون الأمر، وعلى الرغم من أن المسألة تتعلق بإنقاذ حياة، لا يجوز السماح بأخذ القلب من دون إذن صريح من الحاخام الذي قام بفحص الموضوع، واطمأنت نفسه لرأي الأطباء وفحوصاتهم.
رأي المانعين
وفقًا لرأي المانعين، فإن حياة الإنسان يحكم عليها بناءً على وضع القلب، حيث ورد في العديد من المصادر؛ في ال"زوهار" وفي المراجع القديمة والحديثة، أن القلب هو مركز الحياة في الإنسان، ومنه تنبعث الحياة لسائر الجسد. وعلى الرغم من أنه قد ورد في التلمود (יומא פה, א) أن الموت يتم تحديده بناءً على التنفس فقط، وأن الشخص الذي لا يتنفس مطلقا يعتبر ميتًا، إلا أن ذلك لا يعني عدم وضع القلب في الاعتبار؛ لأنه في تلك الأزمان كان فحص التنفس أكثر موثوقية من فحص القلب. أي أنه كانت هناك حالات لا يمكن فيها الشعور بنبضات القلب من خلال اليد، لكن كان بالإمكان ملاحظة أن الشخص لا يزال يتنفس، وعلى هذا الأساس يمكن استنتاج أن القلب لا يزال حيا. لذلك، تم الحكم بعدم الإقرار بوفاة الشخص قبل التحقق من توقف التنفس أيضًا. ولكن في حالة توقف التنفس، مع استمرار نبض القلب، فإن الشخص يعتبر حيًا. بناءً على ذلك، وبحسب رأيهم، لا يجوز أخذ القلب للزراعة. وأي طبيب يأخذ قلب شخص مات دماغه، بينما لا يزال قلبه ينبض، فحكمه حكم القاتل. 
حتى إذا ثبت أن تدفق الدم إلى الدماغ قد توقف، مما يسبب بدء عملية التحلل في الدماغ، وأنه من غير الممكن أن يعود هذا الشخص للتنفس من دون مساعدة، إلا أنه، بما أن هناك علامات حياة في القلب، فإنه يُعتبر حيًا. وعلى الرغم من أن الإصابة المدمرة في جذع المخ ستؤدي حتمًا إلى موته، إلا أنه طالما أن قلبه ينبض، فإنه يُعتبر حيًا. أو على أقل تقدير يُعتبر  "شبه حي"، لذا لا يجوز إجراء عمل يشتبه في أنه قتل إنسان، حتى وإن كان الهدف منه إنقاذ حياة شخص آخر.
كان الحاخام أويارباخ من بين المانعين، ولكن لأسباب مختلفة. فقد وافق الحاخام أويارباخ من حيث المبدأ على أن موت الإنسان يُحدَّد بناءً على التنفس، أي بناءً على الدماغ الذي يدير عملية التنفس. إلا أنه رأى أنه بالرغم من كل التطورات العلمية، فإنه يجب توخي الحذر من أن أدوات القياس التي يستخدمها الأطباء قد لا تكون دقيقة بما فيه الكفاية، فمن الممكن، بناءً على فحوصاتهم، أن يتوصلوا إلى أن الدماغ قد مات تمامًا، بينما قد يكون جزء منه لا يزال حيًا، وفي هذه الحالة سيكون من المحظور أخذ القلب. ولذلك، ومن باب الحذر، كان يحظر الاعتماد على الفحوصات الطبية المتاحة لدينا، وبالتالي كان يحظر إجراء زراعة القلب. 
باختصار، يعتمد رأي المانعين على فرضيتين رئيستين:
- طالما أن هناك علامات حياة في القلب، يُعتبر الشخص حيًا. 
- لا يجب الاعتماد بشكل أساسي على رأي الأطباء في تحديد لحظة الموت.
وعليه، يرى المانعون أنه لا يجوز أخذ قلب أو كبد من شخص مات دماغه، بينما قلبه لا يزال يعمل. ومن يفعل ذلك فحكمه حكم القتل. ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل أفتى الحاخام أويارباخ بأنه لا يجوز لمريض القلب أن يوافق على زراعة قلب مأخوذ من يهودي، لأنه بذلك يساهم في تقصير عمر المتبرع. ورغم أن رفضه لن يُطيل حياة من وافقت عائلته على منح قلبه، إذ سيتبرع به لشخص آخر، فإنه مع ذلك لا يجوز له أن يكون شريكًا في التسبب في القتل.
لكن في الخارج، يُسمح للشخص بزراعة قلب، لأن معظم المتبرعين غير يهود، وبما أنه سيتم التبرع بالقلب في جميع الأحوال، يُسمح للمريض بقبول أخذه وزراعته في جسده، لأن المشاركة في التسبب في الوفاة، في هذه الحالة، لن يكون صاحبها آثما. وحتى وإن كان هناك أيضًا يهود في الخارج، فلا خوف من ذلك، لأن إنقاذ اليهودي الذي يحتاج إلى زراعة يأتي في المقام الأول.

التوقيع على استمارة للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة
إلى جانب رخصة القيادة الخاصة بكل مواطن في إسرائيل، توجد إمكانية للتوقيع على تصريح موافقة للتبرع بالأعضاء لأغراض الزرع. وهذا نص التصريح: "على أمل أنني سأتمكن من مساعدة الآخرين، أقر بموافقتي على التبرع بعد وفاتي بكل عضو يمكن للآخرين الاستفادة منه." والسؤال هو: هل من المناسب التوقيع على هذا التصريح؟
الإجابة: على الرغم من أنه من الواجب المشاركة في إنقاذ الأرواح، وكذلك رغم فتوى الحاخامات الكبار، الحاخام شابيرا، والحاخام إلياهو، ومعهم الحاخام إسرائيلي، وغيرهم من الحاخامات، بجواز زراعة الأعضاء، بما في ذلك القلب والكبد، إلا أنه في الواقع لا ينبغي التوقيع على هذه الاستمارة. لأن الحاخامات اشترطوا في جواز ذلك ضرورة وجود حاخام أو ممثل عنه للمشاركة في تحديد لحظة الوفاة، والتأكد من أنه قد تم إجراء كافة الفحوصات المطلوبة وفقًا للشريعة. لكن المؤسسة الطبية، لم توافق على إشراك حاخام في تحديد لحظة الوفاة، والموافقة على الزراعة. وبناءً على ذلك، لا ينبغي التوقيع بالموافقة على التبرع ولو بعضو واحد.
مع مرور الوقت، تَساهَلَت المؤسسة الطبية قليلاً، ووافقت على أن يضاف إلى الاستمارة " إن التبرع سيكون مشروطا بموافقة رجل دين تختاره العائلة بعد وفاتي". في البداية، كنت أعتقد أنه من المناسب التوقيع على استمارة معدلة كهذه، بشرط أن يكون المتبرع يعلم أنه يمكنه الاعتماد على أفراد عائلته في حالة الحاجة للموافقة على تبرعه، وأنهم سيعرفون كيفية المطالبة بالرقابة الشرعية المناسبة. لكن مع ذلك، وبعد أن اتصلت عدة مرات عائلات من المستشفى للسؤال عن الحكم الشرعي في هذه الحالة، اكتشفت أن الغالبية العظمى من الحاخامات ليس لديهم الأدوات للإجابة على أسئلة العائلات. ومن ناحية أخرى، فإن توقيع المتوفى على استمارة كهذه يخلق التزاماً يصعب على العائلات الوفاء به. ففي بعض الأحيان، وبسبب ضغط الظروف، قد تتهاون عائلة المتوفى في الوفاء به على الوجه الأمثل. وبالتالي، فإن الطريقة الوحيدة للرقابة على عمليات الزراعة بشكل شرعي هي تعيين حاخامات متخصصين في هذا المجال ليكونوا حكامًا في هذه المسائل. وقد طالبت بذلك الحاخامية الرئيسية برئاسة الحاخام شابيرا والحاخام إلياهو. وطالما أن المؤسسة الطبية لا توافق بعد على تعيين حاخامات متخصصين أو أطباء متدينين مقبولين من الحاخامية ليكونوا شركاء في القرار بشأن تحديد لحظة الوفاة وأخذ الأعضاء للزراعة، فإنه من الصعب التوقيع على مثل هذه البطاقة.
في الوقت نفسه، إذا طلب من أقارب المتوفى الموافقة على أخذ أعضاء من جثمان أحبائهم لإنقاذ حياة آخرين، يجب عليهم أن يعلموا أنه من حيث المبدأ هناك ثواب للتبرع، ولكن من أجل ضمان أن يتم التبرع بشكل شرعي، يجب عليهم استشارة حاخام ذي خبرة في مجال الطب.
في عام 2011، أنشأ مجموعة من طلاب العلوم الشرعية والأطباء هيئة مهمتها القيام بتدريب أطباء ذوي دراية بالعلوم الشرعية؛ ليكونوا مسؤولين عن تحديد لحظة الوفاة، وفقًا للشريعة، في كل مستشفى، كما تم إصدار استمارة جديدة خاصة بالتبرع بالأعضاء، بناء على الفحص الشرعي المطلوب من قبل تلك الهيئة.
المصدر: הרב אליעזר מלמד,פניני הלכה, ליקוטים ב, הוצאת מכון הר ברכה




ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button