موقع يهتم بالدراسات السامية، ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودي

موقع يهتم بالدراسات السامية بشقيها اللغوي والفكري. ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودية

إعلان الرئيسية

مسألة تشريح الموتى
إن إحدى المسائل الفقهية الصعبة هي مسألة تشريح الموتى. فعلى مدار مائتي سنة مضت، تطلبت مهنة الطب إجراء عمليات تشريح للموتى. وكان الهدف الأول هو دراسة علم التشريح، أي فهم تركيب جسم الإنسان. لهذا الغرض تم إجراء العديد من العمليات التي تم فيها تشريح الجثث لمعرفة تكوين الأعضاء والعظام وغير ذلك. الهدف الثاني هو دراسة علم الأمراض، أي التعرف على الأمراض، وطرق تأثيرها على الجسم، من أجل تطوير أساليب العلاج. بالإضافة إلى ذلك، كانت مدارس الطب بحاجة إلى جثث كثيرة حتى يتمكن الطلاب من ممارسة العمليات الجراحية التي ستنفذ لاحقًا على الأشخاص الأحياء.
السؤال المطروح هو: هل يجوز وفقًا للفقه إجراء عمليات تشريح للموتى؟
قبل الإجابة، نذكر أنه من الناحية الفقهية، هناك العديد من المحظورات المتعلقة بتشريح جثة المتوفى. أولاً، نحن مطالبون بدفن الميت واحترام جثته، ومن المؤكد أن التشريح يهين الجثة. كما أن وصية "وَأَحِبَّ لِصاحبك مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ" (لاويين 19:18) تطالبنا بالتعامل مع الميت باحترام. وإذا تأخر دفن الجثة بسبب التشريح ليوم كامل، فإننا نرتكب محظور "فَلاَ تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، بَلْ تَدْفِنُهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ" (تثنية 21:23). بالإضافة إلى ذلك، هناك محظور الاستفادة من جسد الميت، وفقًا لبعض الفقهاء، فإن من يشرّح الجثة يخالف هذا المحظور.
إذاً، من الواضح أنه بشكل عام لا يجوز إجراء عمليات تشريح للجثث. ومع ذلك، في حال كان التشريح سيساهم في إنقاذ حياة إنسان، فإنه يجوز، لأن الحفاظ على حياة الإنسان، أي إنقاذ الأرواح، مقدم على معظم القوانين الدينية. وبالتالي في بعض الحالات المتعلقة بإنقاذ الأرواح، يمكن التخفيف من القيود الخاصة بتشريح الموتى.
التشريح من أجل إنقاذ حياة مريض
وفقًا لأحكام التوراة، يحظر تشريح الجثة؛ لأن ذلك يعد إهانة للمتوفى وتأخير للدفن.
لكن المسألة التي نناقشها في هذا الموضع تتعلق بالتشريح من أجل إنقاذ حياة. على سبيل المثال، ما الحكم في حالة مرض شخصين بنفس المرض، توفي أحدهما، وبقي الآخر في حالة خطر شديد يهدد حياته؟ هل يجوز للطبيب في هذه الحالة تشريح جثة المريض المتوفى لمعرفة خصائص المرض بشكل دقيق، وبالتالي قد يتمكن من إنقاذ حياة المريض الآخر؟
ذكر الفقيه الكبير، الحاخام يحزقيال لندا، حاخام مدينة براغ قبل أكثر من مئتي سنة، أنه على الرغم من عدم جواز تشريح الموتى، فإن هناك قاعدة متبعة مفادها أن إنقاذ الحياة يعطل جميع الوصايا. وبالتالي، فمن أجل إنقاذ حياة المريض الثاني، يجوز تشريح جثة المريض الذي توفي.
ومع ذلك، كان هناك من اعترض على هذا الحكم؛  لأنه يرى أن الشخص المتوفى قد خرج من جميع الوصايا، ولا تقع عليه أية مسئولية للحفاظ على حياة الآخرين، وبالتالي يحرم إهانته من خلال تشريحه. وعلى الرغم من أنه وفقًا للفقه يجوز للإنسان سرقة الخبز أو المال لإنقاذ حياته، بشرط أن يسعى لإرجاع المسروقات عندما تتيسر أموره. لكن في حالة الميت، بما أنه لا يمكن تعويضه عن الإهانة التي لحقت به، فإنه يحرم إهانته حتى لو كان من أجل إنقاذ حياة.
لكن جمع غفير من الفقهاء قد أجازوا تشريح الجثة لإنقاذ حياة إنسان؛ لأن إنقاذ الحياة يعطل جميع وصايا التوراة، بما في ذلك الوصية الخاصة بإكرام الميت. لكن التشريح في هذه الحالة يتم بشرط مراعاة كرامة الميت، وأن يتم دفن الجثة كاملة بعد التشريح.
التشريح من أجل اختبار فعالية بعض الأدوية
مع تطور الطب واكتشاف الأدوية الجديدة، طرحت مسألة: هل يجوز تشريح جثث المرضى الذين توفوا بسبب أمراض خطيرة، مثل السرطان والإيدز وأمراض القلب، وما شابه، من أجل إيجاد طرق لعلاج تلك الأمراض؟ على سبيل المثال، في بعض الأحيان يتم تجربة دواء جديد ضد السرطان، وفي النهاية يتوفى المريض، ويريدون فحص كيف أثّر الدواء عليه. من أجل ذلك، يجب عليهم تشريح جثته. إذ يكون لهذا الفحص أهمية كبيرة، فإذا أظهرت الفحوصات لمرضى توفوا أن تأثير الدواء سلبي، يمكنهم عندئذ التوقف عن استعماله، وإذا أظهرت أن تأثير الدواء إيجابي، يمكنهم التوسع في استعماله. السؤال هو: هل يجوز تشريح الجثث لهذا الغرض؟
ذكر بعض الفقهاء أنه لا يجوز تشريح الجثة من أجل اختبار فعالية الدواء؛ لأن الإذن الذي قدموه بشأن تشريح الجثة يسري فقط على مريض في حالة خطيرة ماثل أمامنا. فقط في هذه الحالة يمكن أن يقدم إنقاذ الحياة على محظور إهانة الجثة. لكن من أجل مرضى في مستشفيات أخرى،  لا نعلم بوجودهم، فغير جائز.
ووفقًا لرأي مجموعة أخرى من الفقهاء، ففي حالة الأمراض الشائعة، حتى عندما لا يكون هناك مريض حالته خطيرة ماثل أمامنا، يجوز التشريح ؛ لأنه في مثل تلك الحالات سيكون في مستشفيات أخرى مرضى يعانون من نفس المرض. وبما أن الأمر يتعلق بإمكانية الإعلان عن اكتشاف دواء جديد، يعتبر جميع المرضى المصابين بنفس المرض كأنهم ماثلون أمامنا، لذا، من أجل إنقاذهم يجوز تشريح الجثة.
من الجدير بالملاحظة أنه في كثير من الأحيان يذهب بعض الأطباء إلى أن هناك ضرورة للتشريح من أجل إنقاذ الحياة، بينما يذهب بعض الأطباء المتدينين ذوي السمعة الطيبة إلى عدم وجود ضرورة لذلك. ففي مثل تلك الحالات، يمكن الاعتماد فقط على رأي الأطباء الأتقياء الذين يفهمون قيمة احترام الميت. فإذا قال هؤلاء الأطباء إنه من الضروري تشريح الجثة من أجل إنقاذ حياة إنسان، فيجوز ذلك، بل ويُعتبر من الواجب، وفقًا لآراء أغلب الفقهاء، أن نسمع لهم، ونوافق على إجراء التشريح.
التشريح من أجل مرضى  قد يظهرون في المستقبل
في هذا الموضع يطرح السؤال التالي: هل يجوز تشريح الجثث من أجل إنقاذ حياة المرضى الذين قد يظهرون في المستقبل؟ على سبيل المثال، إذا استمر البحث الذي يتم في الوقت الحالي لفترة طويلة، وكان من الواضح أن نتائج تشريح الجثة الحالية لن تساعد في إنقاذ الأشخاص الموجودين في خطر الآن. أو على سبيل المثال، عندما يظهر مرض جديد وخطر في العالم، والذي لا يزال غير شائع، وبالتالي لا نعرف ما إذا كان يوجد مرضى يعانون منه في مستشفيات أخرى في البلاد. ويرغب الأطباء في دراسة المرض وطرق علاجه، لتعلم كيفية علاج المرضى الذين قد يظهرون في المستقبل. والسؤال هو، هل مثل هذا الدافع يسمح بتشريح جثة؟
في هذه الحالة، هناك خلاف:
هناك رأي يقضي بأنه إذا لم نعلم عن وجود مرضى آخرين يعانون من نفس المرض في الوقت الحالي، فإنه لا يجوز تشريح الجثث من أجل إنقاذ المرضى الذين قد يظهرون في المستقبل. وحتى إذا كان لدينا مرضى يعانون من نفس المرض، ولكن من الواضح أن تشريح الجثث الذي سيتم الآن لن يفيدهم، لأن البحث سيستغرق وقتًا طويلاً، وفي غضون ذلك سيموت المرضى الماثلون أمامنا - في هذه الحالة أيضًا، لا يجوز تشريح الجثث. والسبب في ذلك، وفقًا لهذا الرأي، أن مبدأ "حفظ النفس" ينطبق فقط عندما يتعلق الأمر بإنقاذ حياة شخص ماثل أمامنا الآن. ولكن من أجل إنقاذ من قد يظهرون في المستقبل، لا يجوز تجاوز وصايا التوراة.
ولكن وفقًا لبعض الآراء الأخرى، لا يهم إذا كان هناك مريض حاليًا في أحد المستشفيات يعاني من نفس المرض، بل يعتمد الأمر على مدى احتمالية انتشار المرض في المستقبل. إذا كان هناك خوف من أن المرض سينتشر، فيجوز تشريح الجثث التي توفيت بسبب ذلك المرض، لدراسة كيفية علاج الأشخاص الذين قد يصابون به في المستقبل.
ووفقا لرأي آخر،  لا يجوز تشريح جثة من أجل مريض قد يظهر في المستقبل، كان هذا في سياق الأطباء الخاصين الذين لا ينتمون إلى مؤسسة طبية كبيرة، مثل الأطباء قبل مائتي سنة. بالنسبة لطبيب خاص، لا يجوز له تشريح جثة لأمل أن ينقذ مريضًا قد يظهر في المستقبل. ولكن بالنسبة للمؤسسات الطبية في دولة إسرائيل، فهي مسؤولة عن ملايين اليهود، ولذلك يجب عليها أن تأخذ في اعتبارها المرضى المستقبليين أيضًا، ويعتبر ذلك حفظًا للنفس. ولذلك، يجوز تشريح الجثث إذا كان من خلال ذلك يمكنهم اكتشاف طرق لعلاج المرضى في المستقبل.
ومن المهم أن نؤكد مرة أخرى أن التجربة تثبت أنه في هذا المجال يمكن الاعتماد فقط على الأطباء المتدينين. فقط هم الموثوقون في القول ما إذا كان هناك حاجة لتشريح الجثة من أجل الحفاظ على الحياة.
ومن المهم أيضًا أن نلاحظ أنه في الواقع، وفي حالات قليلة للغاية، تكون هناك حاجة فعلية لتشريح الجثث من أجل إنتاج أدوية للأمراض التي قد تظهر في المستقبل؛ لأنه بشكل عام، من خلال الفحوصات التي لا تتطلب تشريحًا، يمكن معرفة معظم الأشياء. وهذه الفحوصات يجوز القيام بها أيضًا وفقًا للرأي المتشدد. على سبيل المثال، يجوز لجميع الآراء إدخال إبرة في الجثة، وسحب قليل من الدم أو الأنسجة، وكذلك يجوز إدخال جهاز داخل الجثة لرؤية ما يحدث في داخلها. وبعد هذه الفحوصات، في معظم الحالات، لا يكون هناك حاجة لإجراء عملية تشريح.
تشريح الجثث لدراسة علم التشريح والطب الشرعي
على مدار مائتي عام مضت، تطور علم الطب بشكل كبير من خلال عمليات التشريح. وعبر هذه العمليات، تطور علم التشريح، أي التعرف على جسم الإنسان بكل أعضائه وشرايينه وأوتاره. وكما أن تشريح الجثث التي توفيت بسبب مرضها أدى إلى تطوير علم الطب الشرعي، أي دراسة الأمراض، كذلك تطور علم الجراحة من خلال ذلك. في الواقع، وعلى مدار عقود، كان من المعتاد في إسرائيل والدول الغربية تشريح نصف المرضى الذين توفوا في المستشفيات.
وبما أنه يوجد حظر من التوراة على إهانة الميت، والتسبب في أذى لجسده، فقد نشأت مسألة صعبة: هل يجوز تشريح الجثث من أجل تطوير علم الطب وتدريب الجراحين؟
وفقًا لرأي غالبية الفقهاء، يحظر تعلم التشريح من خلال تشريح الجثث. ورغم أن هناك قاعدة معروفة أن إنقاذ الحياة يبرر تجاوز جميع الوصايا في التوراة، بما في ذلك الحظر على تشريح الجثث، إلا أن ذلك يقتصر على الحالات النادرة التي يعتقد فيها الأطباء أن التشريح سيكشف عن معلومات جديدة بشأن المرض، مما قد يساعد في إنقاذ الأرواح. ولكن تشريح نصف الجثث بشكل جماعي كما كان يحدث في السابق، هو أمر غير مقبول. صحيح أن إنقاذ الحياة يبرر تجاوز الوصايا، لكنه لا يبطلها تمامًا. وبالتالي، يمكن إجراء تشريح الجثث فقط في الحالات الخاصة التي يوجد فيها احتمال معقول أن التشريح سيؤدي إلى إنقاذ حياة شخص ما. لكن تعليم طلاب الطب التشريح باستخدام الجثث غير جائز؛ لأنه يمكن تعليمهم ذلك من خلال وسائل التصوير، ولا حاجة لإهانة الجثث لهذا الغرض.
أما إذا جاء شخص وسأل: " أليس من أجل التقدم في علم التشريح والطب الشرعي يجب تشريح العديد من الجثث؟"، فيمكن الرد عليه بأن هذا سيقوم به غير اليهود، الذين ليس لديهم حظر على تشريح الجثث. أما نحن فيجوز لنا تشريح الجثة فقط لأغراض إنقاذ لحياة.  ولقد ذكر الحاخام كوك أنه لا يجوز أخذ جثث من اليهود لتدريس الطب. وفي حالة الضرورة، يجب شراء جثث من غير اليهود؛ لأن لدى اليهود احترامًا خاصًا لقداسة الجسد، ولذا قبل الشعب اليهودي على نفسه العديد من المحظورات، بما في ذلك حظر تناول الأطعمة المحرمة. صحيح إن أعداء إسرائيل لن يفهموا ذلك، لكن أفضل الأمم في العالم سيفهمون أننا لا نستطيع تشريح جثث اليهود لأغراض تدريس الطب وتقدم علم التشريح.
في جميع أنحاء العالم الغربي، كانت هناك عادة على مدار عشرات السنين بتشريح حوالي نصف المرضى الذين توفوا في المستشفيات، وذلك بحجة أن هذه العمليات تتم بهدف إنقاذ الأرواح، حيث يتم فحص ما إذا كان الأطباء قد شخصوا المرض بشكل صحيح. كما قد يظهر في إحدى هذه العمليات اكتشاف جديد يمكن أن يساعد في إنقاذ حياة إنسان. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه العمليات تساعد في تدريب طلاب الطب على مهارات الجراحة.
ومع ذلك، وفقًا للفقه، لا يوجد حظر على تشريح جثث غير اليهود، لكن من الواضح أن معظم العمليات التي تم إجراؤها على جثث يهودية كانت غير قانونية، وتضمنت انتهاكًا لحظر إهانة الموتى، وتأخير الدفن، والاستفادة من الجثة.
الآن، سنتناول بعض الحجج التي تؤيد تشريح الموتى:
قال البعض إنه من خلال تشريح الجثث بعد الموت، يمكن للأطباء أن يعرفوا ما إذا كانوا قد شخصوا المرض بشكل صحيح، وبالتالي تحسين علاجهم للمرضى الآخرين. كان يمكن الرد على هذه الحجة إذا كان الأطباء المعالجون يشاركون في التشريح أو على الأقل يحصلون على نتائج دقيقة من هذه العمليات. ولكن في الواقع، إن الأطباء يتلقون  إجابات عامة وغير دقيقة بعد فترة طويلة، الأمر الذي لا يفيدهم.
حجة أخرى تؤيد تشريح الموتى مفادها أن الطلاب يتدربون على مهارات الجراحة من خلال هذه العمليات، وبذلك سيكونون أكثر نجاحًا في عمليات الجراحة المستقبلية. ولكن إنقاذ الحياة يمكن أن يبرر تجاوز وصية احترام الموتى فقط عندما لا يكون هناك بديل، وبما أنه يمكن التدريب باستخدام وسائل التصوير الحديثة، فلا يجوز إهانة الجثث لأغراض التدريب.
حجة أخرى مفادها أنه ربما يكتشف شيء جديد قد يساعد في إنقاذ حياة إنسان في إحدى عمليات التشريح هذه. مثل إن مثل هذا الاحتمال لا يمكن أن يُعتبر، بأي حال من الأحوال، إنقاذا للحياة؛ لأنه إذا بالغنا في مسألة إنقاذ الحياة، سنضطر إلى منع الناس من قيادة السيارات خوفًا من الحوادث، وكذلك السماح للمصانع بإنتاج الأدوية في يوم السبت، لأن الكثير من المرضى قد يحتاجون إلى الأدوية. كما سنحتاج للسماح للمصانع العسكرية بالعمل يوم السبت، وللجنود بالتدريب يوم السبت، حتى وإن لم تكن هناك احتمالية قريبة لحدوث حرب، لأن الحرب قد تندلع فجأة. بل يجب أن نلزم الناس بتوفير المال في حال واجهوا فقراء قد يموتون، وكذلك يجب أن نلزم الجميع بتعلم الطب، لأنهم قد يواجهون مرضى ولا يعرفون كيفية معالجتهم.
من الواضح أن الحياة الطبيعية لا يمكن أن تتأثر بالخوف المبالغ فيه بشأن إنقاذ حياة الناس. وكذلك لا يمكن ننتهك وصية احترام الموتى بسبب احتمال بعيد قد يؤدي إلى إنقاذ حياة شخص آخر. إن القاعدة تقضي بأن حفظ الحياة يبرر تجاوز وصايا التوراة فقط في حال وجود خطر قريب ومباشر، وعندما يكون هناك احتمال معقول لإنقاذ حياة من خلال خرق وصية. ولكن في حال كانت الاكتشافات الجديدة ممكنة فقط في واحد من بين آلاف عمليات تشريح الجثث، فلا يمكن السماح بتشريح جثث آلاف الموتى وإهانتها.
موقف عائلة المتوفى من عملية التشريح
إن إحدى الأسئلة المركزية في مسألة تشريح الموتى تتعلق بموقف أفراد الأسرة. من جهة، من الواضح أنه لا ملكية لأفراد الأسرة على جثة قريبهم، وبالتالي ليس لديهم الحق في بيعها أو التبرع بها من أجل العلم. وإذا قام أفراد الأسرة بإهانة جثته، فإن الواجب يقع على المجتمع لضمان دفنه بشكل لائق.
من جهة أخرى، يثار السؤال، إذا كانت هناك ضرورة لتشريح جثة المتوفى من أجل إنقاذ حياة، مثل اكتشاف علاج لمرض خطير من خلال ذلك، هل يمكن إجراء التشريح رغم معارضة أفراد الأسرة؟
وفقًا لمعظم الفقهاء، حتى من أجل إنقاذ الحياة، يُمنع تشريح جثة المتوفى من دون إذن أسرته؛  لأن الجثة تخصهم، وهم المسئولون عن دفنها بشكل لائق، وإذا تم إهانتها فإنهم أيضًا يهانون معها. ولذلك، إذا وصى شخص في حياته بعدم دفنه، فلا يُؤخذ برغبته، بل يتم دفنه؛ لأن الأمر يتعلق بأقاربه الذين سيتعرضون للإهانة إذا لم يُدفن. كما أنه لا يمكن إجبار شخص على التبرع بأمواله من أجل إنقاذ حياة آخر، وبالتالي لا يمكن إجبارهم على إهانة أنفسهم من أجل إنقاذ حياة آخر. ومع ذلك، فقد أوصى بعض الحاخامات بمحاولة إقناع أفراد الأسرة بالموافقة. ولكن حال رفضهم، فلا يجوز إجراء التشريح دون إذنهم.
هناك بعض القوانين السلبية التي كانت سائدة في البلاد حتى عام 1981 بشأن هذه القضية، إذ كان الأطباء يحق لهم تشريح الجثث دون موافقة الأسرة. وكان الشرط أن يوقع ثلاثة أطباء على استمارة تؤكد أن هناك حاجة لذلك من أجل تحديد سبب الوفاة، أو لاستخدام جزء من الجثة لعلاج شخص آخر. ونتيجة لذلك، وقعت حالات عديدة تم فيها التشريح دون احترام لكرامة المتوفى، حيث وقع الأطباء على استمارات دون فحص الحالة، مما أدى إلى تشريح نصف المتوفين في المستشفيات بعد وفاتهم. وهذه النسبة بالتأكيد تتجاوز بكثير أي شيء يمكن السماح به من أجل حفظ الحياة. لا يمكن وصف الحزن الشديد لعائلة المتوفى عندما كانوا يكتشفون أن جثة أحبائهم قد تم تشريحها، بل وتم أخذ أجزاء منها لأغراض البحث. كان العديد من الناس يخشون الموت في المستشفيات خوفًا من أن يتم تشريح جثتهم بعد وفاتهم. وعندما كان شخص من عائلة متدينة يتوفى في المستشفى، كان أفراد الأسرة يقومون فورًا بتنظيم حراسة بجانب الجثة لمنع تشريحها بالقوة.
وعند وصول حزب الليكود إلى السلطة في عام 1981، تم تعديل القانون، وتم الإقرار بأنه دون موافقة الأسرة، لا يجوز إجراء تشريح لتحديد سبب الوفاة. وإذا كان الأمر يتعلق بأخذ عضو لإنقاذ حياة آخر، يمكن إجراء التشريح، بشرط بذل الجهد لإقناعهم بذلك. ولكن إذا عبرت الأسرة عن اعتراضها، حتى من أجل إنقاذ حياة آخر، فلا يجوز إجراء التشريح.
التبرع بالجسد للاستفادة منه في مجال التشريح والطب الشرعي
سؤال: في الآونة الأخيرة، ومع تطور علم الطب، هناك أشخاص يتبرعون بجسدهم للاستفادة منه في مجال التشريح والطب الشرعي. فما موقف الشريعة اليهودية من ذلك؟
جواب: وفقًا للشريعة، هناك وصية لتكريم جثة المتوفى، ودفنها في أسرع وقت ممكن. الإهانة التي تحدث عند تشريح المتوفى لا تتعلق فقط بالمتوفى نفسه، بل أيضًا بأسرته، بل وبجميع بني إسرائيل؛ لأن الروح الإلهية تسكن في كل يهودي، وبالتالي تم الأمر بتكريم جثة المتوفى التي سكنت فيها الروح الإلهية. من هنا، من الواضح أنه لا يجوز التبرع بالجسد من أجل تطوير العلم؛ لأن ذلك سيؤدي إلى تأخير الدفن وإهانة الجثة. ومع ذلك، فإن إنقاذ النفس يبرر انتهاك حرمة المتوفى، وبالتالي في حالات خاصة، حيث يمكن من خلال التشريح إنقاذ حياة شخص، يجوز تشريح الجثة. لكن هذا فقط في حالة الضرورة. أما الشخص الذي يتبرع بجسده من أجل العلم،  ويتم تشريحه في غير ضرورة إنقاذ النفس، فهذا محرم. 
سؤال: ما هو الحكم إذا قام شخص بالتبرع بجسده من أجل العلم رغم ذلك، ما موقف الشريعة من وصية كهذه؟
جواب: للتبرع بالجسد دلالتان. الأولى تتمثل في إلغاء الدفن أو تأخيره، مثل ترك الهيكل العظمي في متحف لعدة سنوات، أو فحص الأعضاء الأخرى لعدة أسابيع. والثانية هى الموافقة على تشريح الجثة، ودراسة جميع أجزائها.
فيما يتعلق بالدفن، هناك قاعدة فقهية عند موسى بن ميمون تقضي  بأنه حتى إذا وصى الشخص بعدم دفنه، لا يُعمل بوصيته؛ لأن في ذلك إهانة للعائلة، ولجميع بني إسرائيل. لذلك، فإن موافقة الشخص على إلغاء الدفن أو تأخيره لا يفيد في شيء.
لكن فيما يتعلق بالموافقة على تشريح الجثة، ثم دفنها بعد ذلك مباشرة، فقد اختلف الفقهاء:
وفقًا لمعظم الفقهاء، حتى الشخص نفسه ليس له الحق في السماح بإهانة جثته، لأن التحريم ينشأ من أن الإنسان خُلق على صورة الله، وفي جسده سكنت الروح الإلهية. لذلك أمرنا بأن نعامل جثة المتوفى باحترام، ولا نستفيد منها في دراسة التشريح والطب الشرعي والجراحة. 
لكن وفقًا لبعض الفقهاء، يجوز تشريح جثة شخص وافق على ذلك في حياته. وسبب رأيهم هو أن أساس التحريم في إهانة جثة المتوفى هو تجنب إهانة الشخص، ولكن إذا وافق هو نفسه على تشريح جثته، فإن التحريم لا يصبح ساريًا.
من المهم أن نكرر أن الإذن وفقًا لرأي المجيزين هو فقط فيما يتعلق بتشريح الجثة، ولكن لا يجوز تأخير الدفن من أجل ذلك حتى ليوم واحد.
التشريح من أجل إثبات جريمة قتل أو فك امرأة "معلقة"
سؤال: في بعض الأحيان، عندما يُقتل شخص، تطلب الشرطة تشريح جثته لكي تتمكن من العثور على القاتل وإدانته ومعاقبته. هل في هذه الحالة يمكن التسهيل وإجراء التشريح؟
أجاب على ذلك الحاخام كلايتسكن ميلوبلين أنه من أجل العثور على القاتل ومعاقبته، يجوز تشريح جثة القتيل. وأنه ليس من الصواب أن يمنع الأقارب هذا التشريح، مما يؤدي إلى إخفاء جريمة القتل ومنع إمكانية معاقبة القاتل في المحكمة؛ لأن التحريم في تشريح الجثة هو لمنع الإضرار بكرامتها، ولكن في هذه الحالة فعدم الموافقة بالتشريح في حد ذاته هو الذي سينال من كرامته. 
سؤال آخر تم طرحه على الفقهاء في هذا الموضوع: ما هو الحكم إذا توفي شخص بعيدًا عن منزله، ولم يُعرف من هو، فتم دفنه. ومن الممكن أن يكون زوجًا لامرأة معينة، ولكن طالما لم يتم العثور على شهود يؤكدون وفاته، ستظل زوجته "معلقة"، أي أنها لن تستطيع الزواج. هل في هذه الحالة،  من أجل فك تعلقها، يجوز فتح قبر المتوفى، الذي لا يُعرف اسمه، للتحقق مما إذا كان هو زوجها؟
أجاز الفقيه المعروف، صاحب فتاوى "سؤال-وجواب" (الطبعة القديمة 1، 141) فتح القبر لفكها من تعلقها؛ لأن الأمر عندما يتعلق  بضرورة ملحة مثل فك قيد امرأة معلقة، يكون جليا أن فتح القبر لا يهدف إلى إهانة المتوفى، بل فقط لفك زوجته من قيودها.
التشريح من أجل الحصول على تعويض من شركة التأمين
 توفي شخص دفع لسنوات أقساط تأمين على الحياة، وتعرض لحادث بسيارته وسقط في نهر، فغرق ومات. وكان قد ذكر في عقد التأمين أنه إذا كانت الوفاة نتيجة حادث، فإن أفراد الأسرة سيحصلون على تعويض مضاعف من شركة التأمين. وبالفعل، قال أفراد الأسرة إن الوفاة كانت نتيجة حادث، بينما قالت شركة التأمين إن الوفاة كانت نتيجة نوبة قلبية، وبعدها انقلبت السيارة وسقطت في النهر، وإنه لا يمكن دفع التعويض المضاعف ما لم يثبت أنه لم يكن مصابًا بنوبة قلبية. هل يجوز لأفراد الأسرة الموافقة على تشريح الجثة للتحقق إذا ما كانت الوفاة بسبب نوبة قلبية، أم يجب عليهم التنازل عن التعويض المضاعف، بشرط ألا يتم إهانة جثة المتوفى؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة. هناك من أفتى أنه بما أن المتوفى دفع لشركة التأمين على مدار سنوات، فمن الواضح أن رغبته كانت أن يحصل أفراد أسرته على التعويض بعد وفاته، وبالتالي يجوز لهم الموافقة على تشريح جثته. إضافة إلى ذلك، وقع المتوفى على العقد الذي تضمن بندًا يسمح لشركة التأمين بطلب التشريح بعد الوفاة. وبالفعل، إذا كان أفراد الأسرة هم من يطالبون بتشريح الجثة، لأمكن التشديد في الأمر، لكن عندما تكون شركة التأمين هي التي تطلب التشريح بعد الوفاة، لا يتعين على أفراد الأسرة رفضه، وبالتالي خسارة التعويض.
ومع ذلك، أفتى بعض الفقهاء أنه بما أن أفراد الأسرة مكلفون بمسئولية خاصة في احترام المتوفى، وضمان عدم إهانته، فإنه لا يجوز لهم الموافقة على تشريح جثته. وعلى الرغم من أنه يوجد في التلمود (بابا باترا 147، أ) حالات يجوز فيها فحص جثة المتوفى لأغراض مالية، إلا أن الحديث هنا يتعلق بإهانة كبيرة تتمثل في تشريح الجثة، وهي محظورة، حتى وإن كانت لأغراض تتعلق بالأقارب، ويجب على الأسرة رفض التشريح حتى لو كان ذلك يعني فقدان التعويض من التأمين.
وفي جميع الأحوال، من الواضح أنه يجب تجنب هذه المشكلة من البداية، ولذلك يجب على كل يهودي يريد التأمين على حياته أن يطلب من شركة التأمين حذف البند الذي يسمح لها بطلب التشريح بعد الوفاة من وثيقته. وبذلك يحافظ على كرامته، ويجنب عائلته الألم.
المصدر: אליעזר מלמד, פניני הלכה,ליקוטים ב, יב



























ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button