موقع يهتم بالدراسات السامية، ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودي

موقع يهتم بالدراسات السامية بشقيها اللغوي والفكري. ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودية

إعلان الرئيسية


مع تراجع دراسة النحو في بابل بعد وفاة سعديا، ازدهرت على أرض الأندلس. فهناك، ترسخت هذه الدراسة بعمق، واستقرت لما يقارب ثلاثمائة عام. توسعت هذه الدراسة وتعززت هناك، وعلى الأساس الذي وضعه سعديا في هذا المجال، بُني نحو متين ظل قائما حتى يومنا هذا. أما التجديدات في النحو التي جاءت بعد الحقبة الأندلسية فهي قليلة، وقليلة الأهمية.

هناك ثلاثة عوامل رئيسة أدت إلى ازدهار دراسة النحو العبري وفق منهج علمي في العصر الوسيط، وهي:

أ) تأثير دراسة اللغة العربية والقرآن الكريم، التي بدأت في القرن الثامن بين العرب، وبلغت ذروتها في عصر سعديا.

ب) الخلاف بين القرّائين والربانيين، الذي دفع كلا الطرفين إلى التعمق في دراسة العهد القديم ولغته وقواعده، وفقًا لشعار عنان، مؤسس الحركة القرائية: "ابحثوا جيدًا في التوراة".

ج) الحركة الشعرية.

وكما هو معروف، فقد بدأت أصوات الشعر تصدح في الأدب العبري في العصور الوسطى حتى قبل سعديا، وكان الشعراء اليهود، في سعيهم وراء التجديد والتنويع في أشكال اللغة، يخرجون عن المألوف، ويقعون في أخطاء نحوية. لذلك، رأى سعديا أنه من واجبه تأليف كتاب "الإجارون"؛ لإبعاد مؤلفي الأشعار والقصائد عن الأخطاء الشائعة التي وقعوا فيها. في هذا الصدد، اتبع سعديا، وفقًا لما ذكره في مقدمة هذا الكتاب، نهج بعض المؤلفين العرب، الذين سعوا إلى تعليم أبناء قومهم النطق بلغتهم الفصيحة.

كما انتقد رابي يهودا حيّوج أولئك الذين يستعملون العبرية في أمثالهم وأشعارهم بشكل غير صحيح، حيث لام أستاذه رابي مناحيم بن سَرُوق - دون أن يذكر اسمه - لاستعماله صيغة "בצרותו" (من جذر "יצר") بدلًا من "ביצרו"، واستخدامه "לעוד" (من جذر "עדה") بدلًا من "לעדות".

وكانت معرفة النحو آنذاك تعتبر قمة العلوم ورمزًا للثقافة. ومن لم تكن لديه معرفة بهذا العلم، حتى لو كان متبحرا في علوم أخرى، كان يُعد جاهلًا، ويصبح هدفًا لسخرية خصومه.

وظهر في تلك الحقبة مجموعة من شعراء اليهود العظام، الذين اهتموا بالدرس النحوي، أمثال: صموئيل بن جبيرول ويهودا اللاوي، بل إن ابن جبيرول ألّف كتابًا في النحو على شكل أبيات شعرية بعنوان "عِقد". أما صموئيل هناجيد، السياسي والقائد العسكري والشاعر، والذي كان رجلًا متعدد المواهب، فقد وجد الوقت، رغم انشغالاته العديدة، للدخول في مناظرات حادة وعنيفة مع خصمه، الطبيب مروان بن جناح، الذي ترك وراءه كنزًا زاخرًا من كتب النحو، الثرية كمًا وكيفا. وقد وصلت مؤلفات صموئيل هناجيد نحو اثنين وعشرين كتابًا في علوم اللغة، بحسب شهادة ابن عزرا.

كل من كان يدّعي الثقافة والعلم في تلك الحقبة كان يتوجب عليه إظهار براعته في نحو اللغة، وخاصة أنه كان من الشائع في التجمعات الاجتماعية عقد مناظرات حادة وعنيفة حول قضايا النحو واللسانيات.

إلى أي مدى وصل اهتمام علماء تلك الفترة بعلوم اللغة؟ 

يشهد على ذلك النزاع اللغوي الذي اندلع بين صموئيل هناجيد وابن جناح. نشأ هذا النزاع بسبب "كتاب الاعتراض" الذي ألفه ابن جناح، حيث طعن في بعض آراء يهودا حيّوج، فدافع هناجيد بشدة عن مكانة حيّوج، وكتب كتابًا للرد على اعتراضات ابن جناح.

وقبل نشر الكتاب، أرسل هناجيد رسولًا خاصًا إلى سرقسطة، حيث كان يقيم ابن جناح، ليواجهه بأخطائه أمام علماء مدينته. نزل الرسول في بيت أحد وجهاء الجالية اليهودية هناك، وهو صديق لابن جناح، حيث أُقيمت مأدبة تكريمًا له. وكان من بين المدعوين ابن جناح، الذي لم يكن على علم بالهدف الحقيقي وراء الدعوة.

خلال الحديث، حاول الرسول توجيه النقاش نحو "كتاب الاعتراض"، مشيرًا إلى بعض الأخطاء التي اكتشفها هناجيد وأصحابه فيه. حاول ابن جناح الرد على ملحوظات الرسول، لكن الأخير واصل إحراجه بأسئلة نحوية معقدة. وبسبب حدة المناظرة، يبدو أن ابن جناح قد ارتبك واضطر إلى تأجيل ردوده إلى وقت لاحق. بعد ذلك، قام بتأليف كتاب "الموازنة"، حيث عرض فيه ادعاءات خصومه، وردوده عليها، جنبًا إلى جنب.

المصدر: זאב חומסקי, הלשון העברית בדרכי התפתחותה, הוצאת ראובן מס, 1977


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button