- الوصية باستيطان الأرض
إن وصية استيطان الأرض تتكون من شقين: شق عام وشق خاص. أما الوصية العامة فتُلقَى على عاتق جميع بني إسرائيل، ومضمونها: احتلال الأرض واستيطانها من قبل بني إسرائيل. وأما الوصية الخاصة، فتُلزم كل فرد من بني إسرائيل بالسكن في الأرض، والمشاركة في استيطانها.سنبدأ أولًا بمناقشة الشق الأول، وهو الشق الخاص بالوصية الملقاة على عاتق الأمة ككل، أي احتلال الأرض والسيطرة عليها والاستيطان فيها.
لقد ذكر موسى بن ميمون الآتي:"لقد أُمِرْنا أن نرث الأرض التي وهبها الله تعالى لآبائنا؛ لإبراهيم وإسحاق ويعقوب، وألا نتركها في يد غيرنا من الأمم أو أن نتركها خرابًا. عملا بما ورد في سفر العدد (33: 53-54): "وَتَرِثُونَ الْأَرْضَ وَتَسْكُنُونَ فِيهَا، لِأَنِّي أَعْطَيْتُكُمُ الْأَرْضَ لِتَرِثُوهَا". (השמטות לספר המצוות, מצווה ד)
وإذا أمعنا النظر في كلامه، سنجد أن الوصية العامة لإعمار الأرض لها جانبان:
الأول: أن تكون الأرض تحت سيطرة بني إسرائيل، لا تحت حكم أجنبي.
الثاني: أن الاحتلال وحده لا يُكمل الوصية، بل يجب أيضًا استيطان الأرض بالكامل، بحيث لا تبقى فيها مناطق مهجورة.
ومن الواضح أن الاستيطان في المدن وحدها، وبناء المنازل فيها لا يكفي، لأن ذلك سيترك أجزاء من الأرض مهجورة، بل إن الوصية تقتضي إنماء جميع الأراضي المهجورة، بحيث تظهر بركتها بأفضل صورة.
وقد أكد موسى بن ميمون على أن هذه الوصية سارية في جميع الأجيال، فبنو إسرائيل مأمورون بوراثة الأرض، واستيطانها على مدار الزمان، وليس فقط وقت احتلالها بعد الخروج من مصر. لكننا كنا على مدى أجيال عديدة، في حالة عجز؛ بسبب وجودنا في الشتات، ومن ثم لم نكن قادرين على تنفيذ الوصية. أما في الآونة الأخيرة، فقد غرس الله نبتة خلاصنا، وتغير وضعنا، وأصبحنا قادرين على تنفيذ هذه الوصية.
- مشاركة الفرد في الوصية العامة
هناك درجات متفاوتة في مشاركة كل فرد في الوصية العامة بشأن باستيطان الأرض. فكل يهودي يقيم في أرض إسرائيل يكون شريكًا في وصية استيطان الأرض؛ لأن إقامته تعزز تمسك بني إسرائيل بأرضهم. بل إن من يسكن في أماكن مهجورة نسبيًا، كمنطقة النقب والعربة، يكون له نصيب أكبر في هذه الوصية؛ لأن وجوده فيها يساهم في إعمار الأرض، ومنعها من أن تظل قاحلة. وكذلك، فإن من يستوطن مناطق يهدد فيها السكان العرب السيادة الإسرائيلية، كمنطقة الجليل مثلًا، يكون له نصيب أكبر في تنفيذ هذه الوصية. أما من يستوطن الضفة الغربية، فإنه يؤدي بهذا الاستيطان وصية أعظم، لأن استيطانه في هذا المكان يحقق فائدتين:
أولًا: تعزيز السيطرة الإسرائيلية على المناطق التي يسعى العرب إلى انتزاعها
ثانيًا: المساهمة في إعمار الأرض، ومنعها من أن تظل قاحلة.
وكلما كان الاستيطان في مكان يفتقر إلى الوجود اليهودي، وكان الأعداء يبذلون جهودًا أكبر للسيطرة عليه، كلما زاد فضل الوصية لمن يسكن فيه؛ فقد قال الحكماء "إن أرض إسرائيل قد منيت بالمعاناة، لذلك بقدر المشقة يكون الأجر." (אבות ה, כג).
وعلاوة على ذلك، فقد تعلمنا أن وصية استيطان الأرض يجب أن تُنفَّذ بشكل تدريجي، وأن الأماكن الأكثر قدسية لها الأولوية، وأن الضفة الغربية تعد المنطقة الأكثر قدسية، حيث تجلّت فيها كرامات النبوة للآباء والأنبياء، وحيث يوجد بها هيكل القدس. ولهذا، بذل العائدون من بابل جهدهم للتمسك بها أولًا. وبالمثل، عندما تجلّى الله ليعقوب أبينا في بيت إيل، القريبة من القدس، قال له: "الأرض التي أنت مضطجع عليها، لك أعطيها ولذريتك... وستمتدّ غربًا وشرقًا، وشمالًا وجنوبًا، ويتبارك بك جميع شعوب الأرض وبذريتك" (التكوين 28: 13-14). من هنا، يجب أن يبدأ الاستيطان من مركز الأرض، ثم يمتدّ إلى بقية أنحائها.
ولوصية استيطان الأرض خصوصية فريدة؛ فبمجرد إقامة اليهودي في مكان موصى باستيطانه فهو بذلك يكون قد أدى الوصية. أما في بقية الوصايا، فيجب القيام بفعل ما ليكون قد أداها؛ مثل وضع التفلين أو التصدق أو الصلاة. أما في وصية استيطان الأرض، فإن السكن في حد ذاته يُعدّ تنفيذا للوصية. وبالتالي، فإن كل من يسكن في أرض إسرائيل، وخاصة في مستوطنات الضفة الغربية، فإن روتين حياته اليومية؛ من طعام ونوم، وحتى كل نفس يتنفسه، يتحوّل إلى فعل من أفعال تنفيذ الوصية.
حتى أولئك الذين يقيمون خارج أرض إسرائيل، ويتبرعون بالأموال لدعم الاستيطان فيها، أو يشاركون في الاستثمارات لتنمية الاقتصاد والعلوم في البلاد، فإنهم شركاء بدرجة ما في الوصية العامة الخاصة باستيطان الأرض. لكنهم يشاركون فيها بأموالهم، لا بأجسادهم. وكذلك، فإن سكان البلاد الذين يدعمون مستوطنات الضفة الغربية يُعتبرون شركاء في الوصية العامة بشأن استيطان هذه الأماكن المقدسة، ويكون حجم أدائهم للوصية على قدر دعمهم.
- وصية استيطان الأرض بشكل فردي
بالإضافة إلى الوصية العامة التي تقتضي أن تكون الأرض تحت سيادة بني إسرائيل، هناك وصية فردية تلزم كل يهودي بالسكن في أرض إسرائيل. ولذلك، حتى لو كانت الأرض كلها تحت سيطرة بني إسرائيل، وكان عدد كبير من اليهود يقيمون فيها، من نهر مصر إلى نهر الفرات، فإن الوصية ستظل ملزمة لكل فرد يهودي بأن يسكن فيها. وحتى في الأوقات التي كان فيها غير اليهود يحكمون الأرض، وكان يبدو ظاهريًا أنه لا فائدة من إقامة فرد واحد فيها لتنفيذ الوصية العامة، فقد ظلت هناك وصية فردية تلزم كل يهودي بالسكن فيها. فقد ذكر الحكماء الآتي: "يجب على الإنسان أن يسكن دائمًا في أرض إسرائيل، حتى لو كانت المدينة التي يسكن فيها ذات أغلبية من الأغيار، لا أن يسكن خارج أرض إسرائيل، حتى لو كانت المدينة التي يسكن فيها ذات أغلبية يهودية؛ لأن كل من يسكن في أرض إسرائيل له إله، أما من يسكن خارجها فكأنه لا إله له"، وذلك استنادا لما ورد في (لاويين 25:38) "لأعطيكم أرض كنعان، لتكونوا لي شعبًا."
وورد ذلك أيضًا في (תוספתא,ע"ז, ה- ב)، وأقره موسى بن ميمون (הלכות מלכים ה, יב) بقوله :"وكذلك تعلمنا أنه حتى في الفترة التي أعقبت تدمير الهيكل الثاني، وفشل ثورة بار كوخبا، عندما حكم الرومان الأرض بيد قاسية وظالمة، واضطر كثير من أبناء الشعب إلى مغادرتها بسبب الجوع والقتل، كان موقف الحكماء هو أن هناك وصية تلزم ببذل الجهد للبقاء في الأرض". وقد روي أن رابي يهودا بن بتيرا، ورابي متيا بن حاراش ورابي حننيا ورابي يوناتان كانوا في سفر خارج أرض إسرائيل، وعندما وصلوا إلى منطقة "بلطوم"، تذكروا أرض إسرائيل، فرفعوا أعينهم وأجهشوا بالبكاء، ومزقوا ثيابهم، وقرأوا هذه الفقرة (التثنية 11:31-32): "وَتَرِثُونَهَا وَتَسْكُنُونَ فِيهَا، وَتَحْفَظُونَ لِتَعْمَلُوا كُلَّ الْفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ" فقالوا: "إن السكنى في أرض إسرائيل تُعادِل جميع الوصايا في التوراة"، ثم عادوا إلى أرض إسرائيل (ספרי ראה פ).
وعلى الرغم من أنه عندما كان الحكم بيد غير اليهود لم يكن بالإمكان تنفيذ الوصية العامة القائلة: "يجب أن تكون الأرض في أيدينا، وليس في يد أمة أخرى"، فإن كل يهودي كان يسكن الأرض آنذاك كان يُنفِّذ بدرجة ما هذه الوصية العامة، لأن مجرد سكناه في الأرض كان يُساهم في الحفاظ على العلاقة بين بني إسرائيل وأرضهم رغم سنوات الشتات الطويلة.
بالإضافة إلى ذلك، كانت إقامته في الأرض تُساهم في توسيع نطاق الاستيطان تمهيدًا لتحقيق السيادة الإسرائيلية. وإذا كان المرء يسكن في الأرض ويعمل عن قصد من أجل هذه الغاية، كما فعل تلاميذ الجاءون رابي إلياهو، الذين هاجروا إلى البلاد، بتضحية عظيمة، وأعادوا بناء أنقاضها بهدف تقريب الخلاص، فإنه يصبح شريكًا حقيقيًا في تنفيذ الوصية العامة.
احتلال الأرض وإنقاذ الحياة
هناك قاعدة أساسية مفادها: "ليحيا بِها – لا أن يموت بسببها" (יומא פה, ב)؛ أي أن التوراة أُعطيت للإنسان لكي يحيا بها، لا ليموت بسببها. وبناءً على ذلك، تم تقرير القاعدة الفقهية الشهيرة: "إنقاذ حياة مقدم على مراعاة قدسية السبت"؛ أي أنه يجوز انتهاك قدسية السبت لإنقاذ مريض في خطر.
وليس السبت فقط هو الذي يجوز انتهاك قدسيته بسبب وجود خطر على حياة، بل إن جميع وصايا التوراة يجوز انتهاكها عند مواجهة خطر على الحياة. لذلك، إذا قال شخص غير يهودي مستبد ليهودي: "إما أن تخالف إحدى وصايا التوراة وإما أن نقتلك"، فيجوز له أن يخالفها حتى لا يُقتل، باستثناء ثلاث خطايا: عبادة الأوثان، والعلاقات المحرمة، وسفك الدماء. فإذا قيل لشخص: "اقتل صاحبك أو سنقتلك"، فعليه أن يُقتل ولا يقتل صاحبه. وكذلك إذا قيل له: "اعبد هذا الصنم أو سنقتلك"، فعليه أن يُقتل ولا يعبد، والأمر نفسه ينطبق على العلاقات المحرمة. أما في باقي الوصايا، فلا يجب على الإنسان أن يضحي بحياته من أجلها (סנהדרין עד, א).
إلا أن كل هذا ينطبق على الوصايا الفردية، أما وصية استيطان الأرض، وهي وصية ملزمة لجميع بني إسرائيل، فمقدمة على إنقاذ حياة في خطر. فطالما أن التوراة قد أمرتنا باحتلال الأرض، فينبغي المخاطرة بالأرواح من أجل تنفيذ هذا الأمر؛ إذ لا توجد حرب بدون خسائر، ومن المؤكد أن التوراة لم تقصد أن نعتمد في هذه الحرب على المعجزات. بل على العكس، إن وصية استيطان الأرض، باعتبارها وصية قومية عامة، تتطلب التفاني الكامل والتضحية بالنفس. وهذا هو ما فعله شعب إسرائيل خلال احتلال الأرض في أيام يشوع وداود، وكذلك أثناء إعادة بناء الهيكل الثاني، وبعد ذلك خلال حكم الحشمونيين.
صحيح إن الوصية الجماعية تخضع لقاعدة "ليحيا بها – لا أن يموت بسببها"، إلا أنه بما أن هذه الوصية تتعلق بالأمة ككل، فإن الحسابات تُجرى على مستوى الأمة، وليس على مستوى الجنود الأفراد. لذلك، في حال كانت هناك احتمالية كبيرة للهزيمة في الحرب، مما قد يؤدي إلى خسارة الأراضي التي بحوزتنا، ويضع حياة الأمة بأكملها على المحك، فلا يجوز بدء حرب لاحتلال الأرض. فالتوراة شريعة حياة، وليست شريعة تأمر بشن "حرب انتحارية". لكن عندما تكون احتمالية النصر عالية، حتى لو كان من المؤكد أن بعضنا سيفقدون حياتهم، فإننا ملزمون باحتلال الأرض، أو على الأقل الحفاظ على ما هو بحوزتنا بالفعل.
ومن الضروري الإشارة إلى أن الأمة التي لا تكون مستعدة للقتال بتفانٍ من أجل أرضها، فإنها بذلك تعرض أبناءها لخطر الزوال بسبب جيرانها. فأي شعب يفشل في حشد أبنائه للقتال بإخلاص من أجل أرضه ووطنه، ستكون عاقبته أن يُحتل، وسيتحول أبناؤه وبناته إلى غنيمة للأعداء؛ لذلك، فإن الوصية بالقتال من أجل أرض إسرائيل بتفانٍ تتواءم واعتبارات الحفاظ على حياة الإنسان. وهكذا، فإن من يحارب دفاعًا عن حدود إسرائيل، فإنه بذلك ينفذ وصيتين في آن واحد: ١- استيطان الأرض ٢-حماية شعب إسرائيل
دولة إسرائيل
عند إعلان قيام دولة إسرائيل، تمكن شعب إسرائيل، بعد ألفي عام من الشتات، من العودة إلى تنفيذ وصية استيطان الأرض. ففي لحظة إعلان قيام الدولة، تم فرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من أرض إسرائيل، وبذلك بدأنا بتنفيذ الوصية التي تقضي بأن تكون الأرض في أيدينا، لا في يد أمة أخرى.
وحتى قبل إقامة الدولة، كان كل يهودي يقيم في الأرض يحقق بنفسه وصية فردية من خلال العيش فيها، أما الوصية الأساسية، وهي الوصية العامة بأن تكون الأرض تحت سيادتنا، لا تحت سيادة أمة أخرى، فلم نتمكن من تنفيذها. وحتى في الفترات التي كان فيها العديد من اليهود يقيمون في الأرض، لم يكن بالإمكان تحقيق الوصية العامة بالكامل، حيث كانت الأرض تحت حكم أجنبي.
كذلك وجدنا الحكماء قد قرروا أنه يجب على كل من يرى مدن يهودا في خرابها أن يقول: "مُدُن قُدْسِكَ صَارَتْ قَفْرًا"، ثم يمزق ثيابه.
وتقر القاعدة بأنه حتى لو كان معظم سكان تلك المدن يسكنها يهود، فإنها في حكم المدن الخربة، ويجب تمزيق الثياب عند رؤيتها، ما دامت تحت سلطة أجنبية. أما إذا كانت تحت سيادة إسرائيلية، حتى لو كان أغلب سكانها من غير اليهود، فإنها لا تُعتبر خربة، ولا يُمزق الثياب عند رؤيتها. (בית יוסף וב"ח או"ח תקסא, מ"ב תקסא, ב)
على مدى أجيال عديدة، لم نتمكن من تنفيذ الوصية، رغما عنا؛ لأننا لم نكن نملك جيشًا أو أسلحة تمكننا من احتلال الأرض، وفرض السيادة عليها، لكن إقامة قوة عسكرية لإسرائيل قبل قيام الدولة، ومن ثم تعزيزها من خلال الجيش الإسرائيلي، مكنتنا من تنفيذ الوصية.
إذن، وجود الجيش في حد ذاته هو أداة ضرورية لتنفيذ وصية استيطان الأرض، بالإضافة إلى وصية حماية إسرائيل من أعدائها.
وهكذا سيستمر الحال حتى يأتي الزمن الذي تتحقق فيه النبوءة الواردة في سفر إشعياء (2: 2-4): "وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتًا فِي رَأْسِ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ، وَتَجْرِي إِلَيْهِ كُلُّ الأُمَمِ ٣ وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، إِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ؛ لأنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ الشَّرِيعَةُ، وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ الرَّبِّ. فَيَقْضِي بَيْنَ الأُمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ، فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ".
- مكانة الوصية من منظور الفقه
لقد قال الحكماء عن وصية استيطان الأرض (ספרי ראה נ"ג, תוספתא ע"ז ה, ב): " إن العيش في أرض إسرائيل يعادل جميع الوصايا في التوراة". نعم لقد قالوا بالفعل عن بعض الوصايا الأخرى إنها تعادل جميع الوصايا، لكن من الناحية الفقهية، فإن وصية استيطان الأرض لها أولوية تتقدم جميع الوصايا الأخرى، فهي الوصية الوحيدة التي أمرنا بالقيام بها بتفانٍ؛ لأننا قد أمرنا باحتلال الأرض، وحمايتها من أعدائنا.
بالإضافة إلى ذلك، إنها الوصية الوحيدة التي تبطل ماهو محرم فعله يوم السبت. فـالتحريم هو مجموعة من التحفظات التي فرضها الحكماء لتقديس يوم السبت. وقد تشددوا في ذلك، حتى أنهم قرروا أنه إذا حدث تعارض بين أداء وصية من التوراة وبين المحافظة على تقديس يوم السبت، يجب احترام تقديس السبت، وعدم الاكتراث بتنفيذ الوصية الأخرى التي تقضي بها التوراة. لذلك، إذا كان من الضروري إجراء عملية ختان في يوم السبت، وكان من الضروري نقل السكين في مكانٍ كان ممنوعًا من قبل الحكماء، فإنه يتم إلغاء الختان، ولا يتم انتهاك أوامر الحكماء.
علاوة على ذلك، ولتجنب أي احتمال لانتهاك قدسية يوم السبت، قرر الحكماء أنه عندما يوافق يوم رأس السنة يوم السبت، لا يتم النفخ في "الشوفار" (البوق)، حتى لا يحدث نقل "الشوفار" لمسافة أربع أذرع في الشارع العام خرقا لوصية التوراة. وبالمثل، عندما يوافق اليوم الأول من عيد العرائش يوم السبت (حيث توجد وصية في التوراة لأخذ الأغصان في كل مكان)، لا يتم أخذ الأغصان، حتى لا يحدث نقلها في الشارع العام خرقا لوصية التوراة.
وهكذا نجد أن جميع شعب إسرائيل يتخلى عن وصية النفخ في "الشوفار" (البوق)، ووصية أخذ الأغصان بسبب تحريم حكماء. لكن من أجل وصية استيطان الأرض فقط، ألغى الحكماء أمورا تتعلق بتقديس يوم السبت. فمثلا إذا كان من الممكن لليهودي شراء منزل من شخص غير يهودي في يوم السبت، وكان هناك تخوف من أنه إن أجل الشراء لبعد يوم السبت فإنه سيضيع الفرصة، ففي هذه الحالة يجوز له إتمام عملية الشراء، كما يجوز له أن يطلب من غير اليهودي كتابة عقد له في يوم السبت، ويُخبر غير اليهودي بمكان المال ليأخذه، دون أن يخشى من أن يؤدي ذلك إلى انتهاك كامل ليوم السبت، سواء عن طريق الكتابة أو من خلال نقل الأشياء. ولا يتعلق الأمر ههنا بإنقاذ الأرض كلها، بل بفداء منزل واحد مساحته أربع أذرع في أربع أذرع. ففي هذه الحالة سمح الحكماء بانتهاك بعض التحريمات من أجل فداء هذا البيت، الأمر الذي لم يسمحوا به في وصايا أخرى.
- الخلاف بين زوجين بشأن الإقامة داخل الأرض
هناك قاعدة عامة، مفادها أنه عندما يكون هناك خلاف بين زوجين حول مكان السكن، ففي هذه الحالة لا يمكن لأي طرف أن يفرض على الآخر الانتقال من مكانه إلى مكان آخر. ولذلك يمكن للطرف الذي يريد البقاء أن يعرب عن أن المكان الذي ألف الإقامة فيه أفضل بالنسبة له، ولا يمكن للطرف الآخر أن يفرض عليه أن يغير ما يألف. ولكن إذا كان الزوجان يقيمان في مستوطنة يقطنها غالبية من غير اليهود، ففي هذه الحالة يجوز لأحد الزوجين أن يفرض على الآخر الانتقال إلى مكان يقطنه غالبية من اليهود. وكان هذا الأمر يسري عند وجود خيار في السكن بين مكانين في الخارج أو مكانين في الداخل، لكن عندما يرغب أحد الطرفين في الهجرة إلى أرض إسرائيل، فلا يهم في هذه الحالة التعرف على رغبة الطرف الآخر في البقاء خارج البلاد من عدمه. فمن كان يرفض منهما يتوجب عليه تغيير رأيه، والهجرة إلى أرض إسرائيل. وحتى إذا كانا يعيشان في الخارج في مكان يقطنه غالبية من اليهود، وفي أرض إسرائيل سيتعين عليهما العيش في مكان يقطنه غالبية من غير اليهود، فإن وصية الاستيطان في الأرض أحق بالتنفيذ. أما إذا رفض الطرف الذي يريد البقاء في الشتات الهجرة، رغم الوصية الشرعية، وبلغ الأمر إلى حد الطلاق، فبما أن التسبب في الطلاق يقع على عاتق من يرفض الهجرة، قرر الحكماء أنه لا حق له في كامل المهر؛ أي إذا كان الزوج هو الذي يرفض الهجرة، عليه دفع كامل المهر، وإذا كانت الزوجة هي التي ترفض الهجرة، فإنها تخسر مهرها بالكامل.
ونتبين من ذلك مدى أهمية هذه الوصية، فالشريعة ترشد إلى ضرورة بذل الجهد للحفاظ على السلام بين الزوجين، لكن عندما يتعارض السلام الزوجي مع وصية الاستيطان في الأرض، تكون وصية الاستيطان في الأرض هي الأحق بالتنفيذ.
- طاعة الوالدين واستيطان الأرض
سؤال: عندما يرغب الابن أو الابنة في الهجرة إلى أرض إسرائيل، ويرفض والداهما ذلك بشدة، هل تجب طاعة الوالدين والبقاء خارج إسرائيل، بناءً على الوصية الخاصة باحترام الوالدين، أم أن وصية استيطان الأرض لها الأولوية، وعليهم الهجرة إلى هناك؟
جواب: إن الشرط الأساس في وصية طاعة الوالدين هو ألا تتعارض تلك الطاعة مع أية وصية من وصايا التوراة، ولا حتى وصية من وصايا الحكماء. فإذا طلب منه الوالدان أن ينتهك وصية من وصايا التوراة، أو طلبا منه ألا يؤدي وصية من وصايا التوراة، فلا يجوز له أن يسمع إليهما، لأنهما أيضًا ملزمان بطاعة الله، والالتزام بما جاء في التوراة.
وبناء على وجود وصية تقضي بضرورة الاستيطان في الأرض، فلا يجب على الابن أن يسمع لوالديه، بل عليه الهجرة إلى أرض إسرائيل، حتى ولو كان ذلك ضد إرادتهما. فهي من أولى الوصايا بالتنفيذ، إذ قال عنها الحكماء: "إنها تعادل كل الوصايا". لكن عليه أن يبذل جهدًا لإرضائهما.
وكذلك، من يريد الاستيطان في مستوطنة في الضفة الغربية، من أجل أن تبقى الأرض في يدنا، ولا تقع في يد أمة أخرى، فإذا كان والداه قلقين، ويطلبون منه عدم الاستيطان في المكان الذي اختاره، فبما أن الاستيطان في هذه المنطقة يعد وصية، فلا يجب عليه سماع رأي والديه. لكن عليه أيضا أن يبذل جهدًا لإرضائهما. ومن الجدير بالذكر أنه من خلال دراسة شاملة، قد تبين أن متوسط العمر في مستوطنات الضفة الغربية، عبر جميع الفئات العمرية، أعلى من باقي مناطق البلاد.
-السفر إلى خارج البلاد لضرورة أو لنزهة
إن السؤال المركزي في أحكام استيطان الأرض يتمثل في التعريف الدقيق للوصية. هل تقوم الوصية في الأساس على ضرورة الإقامة الدائمة في الأرض، مع عدم إلزام اليهودي بالتواجد في الأرض في كل لحظة؟ أم أن أساس الوصية هو أن يعيش الإنسان دائمًا وأبدا داخل الأرض؟
وفقًا لما ورد في التلمود (ע"ז יג, א) فقد أفتى موسى بن ميمون (הל' מלכים ה, ט) بأنه لا يجوز الخروج من أرض إسرائيل إلى خارج البلاد مطلقا. لكن لأغراض ثلاثة يجوز السماح بالخروج: دراسة التوراة والزواج والتجارة، بشرط أن يعود إلى الأرض عند الانتهاء من مهمته، أما الإقامة الدائمة في الخارج فلا تجوز. وإذا كان هناك مجاعة شديدة في الأرض، يجوز الذهاب إلى الخارج لفترة طويلة. علما بأن إيثار البقاء داخل الأرض في حالة المجاعة الشديدة يعد من درجات التقوى، كما أمر الله إسحاق أبينا في وقت المجاعة: "أقم في الأرض" (التكوين 26، 2). ويجب على الشخصيات العامة أن تحذر من ذلك أكثر؛ لأن تركهم الأرض في تلك الفترات يضعف من معنويات العامة، ولهذا عوقب أليمالك الذي ذهب إلى موآب في وقت المجاعة بالموت هو وابناه (רות,א; ב"ב צא, א)
إذن يتبين أن هناك درجتين في الوصية الخاصة باستيطان الأرض. الأولى تتعلق بتحديد مكان الاستيطان، وفي حالة المجاعة الشديدة فقط للدرجة التي يصعب فيها الإقامة في الأرض، يجوز الإقامة في الخارج. لكن بخلاف ذلك، يتوجب على اليهودي الإقامة في أرض إسرائيل. وبفضل الله، في الأجيال الأخيرة، حتى في سنوات الأزمات، أصبح الوضع في الأرض أكثر استقرارا؛ لذلك فمن الواجب على كل يهودي الإقامة داخل الأرض، ويحرم عليه الهجرة منها.
الدرجة الثانية هي الإقامة في الأرض، التي لا يجوز التنازل عنها. ومع ذلك، يجوز الخروج منها لفترة محدودة بغرض التجارة والتكسب، كما يجوز لمن لم ينجح في العثور على زوجة مناسبة في الأرض أن يخرج خارج البلاد للبحث عن شريكة حياة ثم يعود إلى الأرض. وكذلك يجوز لمن يرغب في التعلم عند معلم معين يعيش في خارج البلاد أن يخرج للتعلم عنده، بشرط أن يعود بعد ذلك. ولكن في الفترة الأخيرة، يعيش معظم علماء الدين داخل الأرض، لذلك لا توجد أسباب للخروج إلى خارج البلاد للتعلم هناك. ومع ذلك، كثيرا ما يُطلب من العلماء والمعلمين في الأرض الخروج إلى خارج البلاد لتعليم التوراة، وتشجيع الهجرة إلى الأرض. وهذا جائز ومستحب، كما يجوز الخروج من البلاد لأغراض طبية، وأيضًا يجوز الخروج لفترة قصيرة لأغراض تتعلق ببر الوالدين.
أما الخروج من الأرض لغرض السياحة فيرى العديد من العلماء أنه لا يجوز، فمن الأمور الراسخة أن الخروج مسموح به فقط لأغراض ضرورية مثل تعلم التوراة والتكسب والزواج، وليس للسياحة. لكن إذا كان الخروج لفترة قصيرة، كأن تكون مدة أقل من شهر، وكان لدى الشخص "تذكرة ذهاب وعودة" فجائز. ذلك أن هذا الخروج يختلف تمامًا عن الخروج الذي ورد ذكره في التلمود، وتحدث عنه موسى بن ميمون وفقهاء اليهود. ففي تلك الأيام، كان الشخص الذي يخرج خارج البلاد يخرج لفترة طويلة، حيث كانت الرحلة نفسها تستغرق شهورًا، وبالتالي كان من يخرج إلى الخارج يبقى لفترة طويلة، وكان هناك أيضًا قلق من عدم العودة، كما أن الأسباب التي سمح بها العلماء للخروج من الأرض كانت تتطلب الخروج لفترة طويلة تمتد إلى سنة أو أكثر. فالشخص الذي يخرج للزواج كان بحاجة إلى العثور على عروس، والاتصال بها والزواج منها. وكذلك الشخص الذي يخرج لتعلم التوراة كان يحتاج للجلوس لدى معلمه لفترة طويلة، عادة ما تكون عدة سنوات. أيضًا من أراد الخروج للسياحة خارج البلاد في تلك الأيام كان يغادر لفترة طويلة تمتد لعدة شهور، ولم يكن وقت العودة محددا. لذا فإن جميع أحكام الخروج التي ناقشها العلماء تتعلق بالخروج لفترة طويلة، ولم يتحدثوا عن الخروج لفترة قصيرة. وبالتالي، لا يوجد تحريم في الخروج للسياحة لفترة قصيرة. خاصة عندما يضاف إلى الرحلة هدف ديني، مثل لقاء اليهود في الخارج، وربطهم بمبادىء اليهودية وبالأرض، أو من أجل اكتساب المعرفة من خلال رؤية أشخاص وأماكن مختلفة.
ومع ذلك، فكل لحظة يكون فيها اليهودي في أرض إسرائيل، فإنه يقوم بواجب ديني. ويتعاظم فضل الفرائض عند إتمامها داخل الأرض. وبالتالي، فإن الشخص الذي يغادر الأرض، رغم أنه لا يرتكب أمرا محرمًا، فإنه يفقد خلال فترة وجوده في الخارج جزءًا كبيرًا من فضل الفرائض وأجرها، لذلك من الأفضل أن يكون دائما داخل الأرض.
محبة الأرض
تعلمنا من التوراة ضرورة تقدير خيرات الأرض، وشكر الله عليها، كما ورد في التوراة (تثنية 8: 7-10): "لأن الرب إلهك يأتي بك إلى أرض طيبة، أرض أنهار من عيون وينابيع تنبع في السهول والجبال. أرض قمح وشعير، وكرمة وتين ورمان، أرض زيت زيتون وعسل. أرض لا تفتقر فيها إلى الخبز، ولا ينقصك فيها شيء، أرض حجارتها حديد ومن جبالها تستقطع النحاس. فمتى أكلت وشربت فلتبارك الرب إلهك على الأرض الطيبة التي أعطاك". إذاً التوراة تعلمنا أن نحب أرض إسرائيل، ومن ثم نشكر الله عليها.
ورد في التلمود (כתובות קיב, א-ב) أن رابي أبا عندما كان يصل إلى حدود أرض إسرائيل، كان يقبل حجارتها من شدة محبته لها. وكان رابي حيّا بن غمدى يمرغ جسده في ترابها من شدة محبته لها، وكان يفعل ذلك ليحقق ما ورد في (مزامير 102: 14-15): "لأنَّ عَبِيدَكَ قَدْ سُرُّوا بِحِجَارَتِهَا، وَحَنُّوا إِلَى تُرَابِهَا ١٥ فَتَخْشَى الأُمَمُ اسْمَ الرَّبِّ، وَكُلُّ مُلُوكِ الأَرْضِ مَجْدَكَ". كذلك قال موسى بن ميمون في (הל' מלכים ה, י): "كان كبار العلماء يقبلون حدود أرض إسرائيل، ويقبلون حجارتها، ويمرغون أجسادهم في ترابها، عملا ب: لأن عبيدك قد سروا بحجارتها وحنوا إلى ترابها".
كما نجد أن كبار شعراء اليهود، خلال فترة الشتات، قد تغنوا بأغانٍ عديد؛ تعبيراً عن شوقهم وحنينهم إلى أرض إسرائيل، مثلما فعل رابي يهودا اللاوي في قصيدته "صهيون ألا تسألين!".
الوصية بامتداح الأرض وتحريم ذمها
لقد كان أساس خطيئة الجواسيس أنهم لم يحبوا الأرض، كما ورد في (مزامير 106: 24): "وَرَذَلُوا الأَرْضَ الشَّهِيَّةَ. لَمْ يُؤْمِنُوا بِكَلِمَتِهِ". ومن ثم فقد قاموا بذمها، كما ورد في سفر العدد (13: 32): "فَأَشَاعُوا مَذَمَّةَ الأَرْضِ الَّتِي تَجَسَّسُوهَا، فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلِينَ: «الأَرْضُ الَّتِي مَرَرْنَا فِيهَا لِنَتَجَسَّسَهَا هِيَ أَرْضٌ تَأْكُلُ سُكَّانَهَا".
تعال وانظر إلى مكانة أرض إسرائيل. معلوم أن الكلام السيء محرم قوله على البشر فقط، لكي لا يتسبب ذلك في أذيتهم، ومن ثم لا يوجد تحريم في قول كلام سيء على الأشجار والحجارة، لأنها لا تشعر بالألم. إلا أنه رغم ذلك، فإنه يُحظر ذكر أرض إسرائيل بكلام سيء، لأن من يتحدث عنها بسوء يكفر بالتوراة التي امتدحت الأرض. ولذلك فإن عقوبة من يتحدث عن الأرض بسوء شديدة بشكل خاص. حتى أبناء الجيل الذي تلقى التوراة في سيناء لم تنفعهم مكانتهم، وبما أنهم سمعوا عنها الكلام السيء فاحتقروها، فقد صدر الحكم عليهم بالموت، وتأجل دخول بني إسرائيل إلى الأرض لمدة أربعين عامًا.
كما يروى في التلمود (כתובות קיב, א) عن كبار الحاخامات أنهم كانوا يبذلون الجهد لئلا يقال شيء سيء عن أرض إسرائيل؛ فكان رابي حننيا، عندما يسير في أرض إسرائيل، ويرى عقبة في الطريق، يقوم بإزالتها. وقد فسر راشي أن فعله هذا كان نابعا من محبته للأرض، فقد كانت عزيزة عليه، وكان دائمًا يزيل العقبات من طرقها كي لا يشاع أن طرقها رديئة، وكان رابي امي ورابي آسي يهتمون بأن يجلس طلابهم في المكان الأكثر راحة، في الصباح عندما يكون الجو باردًا، كانوا يجلسونهم تحت أشعة الشمس، وعند الظهيرة عندما يصير الجو حارًا، كانوا يجلسونهم في الظل، لكي لا يسببوا لمن يسكنها إزعاجًا.
علينا أن نصحح خطيئة الجواسيس، وأن نمتدح الأرض، ونشكر الله على العطية الجيدة التي منحها لآبائنا ولنا. وبشكل خاص في عصرنا هذا، حيث تمكن ملايين اليهود من الهجرة إلى الأرض واستيطانها، وهو ما لم يتحقق لأجيال عديدة من الصالحين والقديسين الذين سبقونا. من هنا، فإن واجبًا مضاعفًا يقع علينا، وهو أن نحرص على امتداح أرض إسرائيل، وأن نحب مناظرها، ونزينها بالأشجار والزهور، وننظفها من النفايات، ونصلح طرقها، ونبني فيها بيوتًا مريحة وجميلة. وأن نكرر دائمًا كلام يوشع وكالب، الذين وقفا ضد كل من هم ضد الأرض، وقالوا: "فَإِنَّ الأَرْضَ جَيِّدَةٌ جِدًّا جِدًّا" (العدد 14:7). وبهذا نصحح خطيئة الجواسيس. من خلال ذلك، سيرتفع عدد اليهود المهاجرين إليها، ويقل عدد اليهود المهاجرين منها، وننال شرف إتمام الوصية الكبرى "استيطان الأرض".
كتب الحاخام الرئيس راف كوخ: "إن سبب الشتات أنهم لا يجلون حقيقة أرض إسرائيل؛ لا يجلون قيمتها وحكمتها، ولا يصلحون خطيئة الجواسيس، الذين افتروا على الأرض، برد فعل مناسب، كأن يُعلنوا في العالم كله عن عظمتها وكرامتها، وقداستها وشرفها. ويا ليتنا نوفق بعد كل الجهود التي بذلناها في أن نعبّر حتى عن جزء واحد من ألف جزء من حب أرض الخير، ومن تألق نور تعاليمها، ورقيّ حكمتها، وروح القدس التي ترفرف في قلبها.
استيطان الأرض بزراعة الأشجار وتطوير الاقتصاد
إن وصية استيطان الأرض لا تتعلق باحتلال الأرض فقط لتكون تحت السيطرة الإسرائيلية، بل إنها تقضي بالاستقرار في الأرض على طولها وعرضها، بحيث لا تبقى قاحلة. فقد قال موسى بن ميمون: "ألا نتركها بيد غيرنا من الأمم أو أن نتركها قاحلة، وهذا تفسير العبارة: "وَترثون الْأَرْضَ وَتستوطنون فِيهَا".
وبذلك تتميز أرض إسرائيل، ففي خارجها لا توجد وصية لليهود بزراعة الأشجار وتطوير الاقتصاد بما يتجاوز احتياجاتهم المعيشية. ولكن بداخلها، حتى لو كانت معيشة الشخص مستقرة، فهو ملزم بزراعة الأشجار المثمرة والمشاركة في تطوير الاقتصاد؛ لأن أرض إسرائيل أرض مقدسة، بمعنى أنه حتى في مادياتها هناك قداسة، وكل من يساعد في بنائها وتطويرها وازدهارها يكون شريكًا في بناء شيء مقدس.
قال الحكماء: "ورد في التوراة (تثنية 13:29): "اتَّبِعُوا الرَّبَّ إِلٰهَكُمْ"، فهل يمكن لبشر من لحم ودم أن يسير خلف القدوس المبارك؟ وكذلك قيل في (تثنية 13:5): "وَبِهِ تَلْتَصِقُونَ"، فهل يمكن لبشر من لحم ودم أن يلتصق بحضرة الذات الإلهية؟ بل المعنى أن يسير في طرقه، ويلتزم بمنهجه. فكما أن القدوس المبارك، منذ بداية خلق العالم، قد بدأ بالزراعة، كما ورد في (تكوين 2:8): "وَغَرَسَ الرَّبُّ الإِلٰهُ جَنَّةً فِي عَدْنٍ"، فكذلك أنتم، عندما تدخلون الأرض، لا تنشغلوا إلا بالزراعة أولًا. وهذا ما ورد في (لاويين 19:23): "وَعِنْدَمَا تَدْخُلُونَ الأَرْضَ وَتَغْرِسُونَ". من هنا نتعلم أن من يغرس شجرة في أرض إسرائيل فإنه بذلك يتبع منهج القدوس المبارك".
التدرج في تنفيذ وصية استيطان الأرض
تسري وصية استيطان الأرض مبدئيًا على جميع حدود أرض إسرائيل التي وعد بها الله إبراهيم عليه السلام، كما جاء في:" فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلًا: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ" (تكوين 15:18).
وكذلك ورد: " وَأَجْعَلُ تُخُومَكَ مِنْ بَحْرِ سُوفٍ إِلَى بَحْرِ فِلِسْطِينَ، وَمِنَ الْبَرِّيَّةِ إِلَى النَّهْرِ. فَإِنِّي أَدْفَعُ إِلَى أَيْدِيكُمْ سُكَّانَ الأَرْضِ، فَتَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ." (خروج 23:31). وكذلك ورد: "كُلُّ مَكَانٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ يَكُونُ لَكُمْ. مِنَ الْبَرِّيَّةِ وَلُبْنَانَ. مِنَ النَّهْرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ، إِلَى الْبَحْرِ الْغَرْبِيِّ يَكُونُ تُخْمُكُمْ" (التثنية 11:24). وجاء في سفر يشوع: "كُلَّ مَوْضِعٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ لَكُمْ أَعْطَيْتُهُ، كَمَا كَلَّمْتُ مُوسَى ٤ مِنَ الْبَرِّيَّةِ وَلُبْنَانَ هذَا إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ نَهْرِ الْفُرَاتِ، جَمِيعِ أَرْضِ الْحِثِّيِّينَ، وَإِلَى الْبَحْرِ الْكَبِيرِ نَحْوَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ يَكُونُ تُخْمُكُمْ" (يشوع 1:3-4).
وجدير بالذكر أنه يجب تنفيذ وصية استيطان الأرض بشكل تدريجي، وفقا لقدرة بني إسرائيل. ولهذا كان التوجيه الإلهي بأن يبدأ الاحتلال أولًا من غرب نهر الأردن، وفقًا للحدود الواردة في سفر العدد، حيث إن هذه المناطق أكثر قداسة من غيرها. وبعد استيطانها بالكامل يمكن التوسع تدريجيًا شرقًا إلى ما وراء نهر الأردن ليشمل جميع أراضي إسرائيل.
لهذا، لم يكن موسى عليه السلام ينوي في البداية احتلال أراضي سيحون وعوج، لكن بعد أن رفضا عرض السلام الذي قدمه بنو إسرائيل وخرجا لمحاربتهم، استولى بنو إسرائيل على أراضيهم. وبعد ذلك، طلب أبناء سبط رأوبين وجاد الاستقرار شرق نهر الأردن، فاستجاب لهم موسى عليه السلام بشرط أن يشاركوا أيضًا في احتلال القسم الأكثر قداسة من الأرض، الواقع غرب نهر الأردن.
وقد ذكر الحاخام شمعون بن تسيماح أنه من حيث القداسة وحلول الحضرة الإلهية (شخينا)، فإن مقام الضفة الغربية لنهر الأردن أعلى، ولهذا تمنى موسى عليه السلام عبور نهر الأردن.
وكذلك ما قاله حكماء التلمود (כתובות, קיא,א): "كل من يُدفن في أرض إسرائيل فكأنه مدفون تحت المذبح"، وبذلك تُكفَّر ذنوبه – قيل ذلك عن الضفة الغربية لنهر الأردن.
وورد كذلك في (יבמות, סד,א) "إن الزوجين اللذين لم يُرزقا بأبناء لمدة عشر سنوات قد يُنعم عليهما بالأبناء بفضل أرض إسرائيل – المقصود بالأرض ههنا الضفة الغربية.
وكذلك قال حكماء التلمود (במדבר רבה 7:8):"إن أرض كنعان أقدس من الضفة الشرقية لنهر الأردن، فأرض كنعان صالحة لحلول الحضرة الإلهية، بينما الضفة الشرقية غير صالحة لذلك"، أي لا يمكن إقامة الهيكل في الضفة الشرقية بشكل دائم.
لكن من حيث وصية استيطان الأرض، لا فرق بين الضفة الشرقية والضفة الغربية لنهر الأردن، لذا يمكن للزوج أو الزوجة إجبار شريك حياته على الانتقال من خارج أرض إسرائيل إلى الضفة الشرقية، لكن لا يمكن إجباره على الانتقال من الضفة الشرقية إلى الغربية، لأن الضفة الشرقية، من حيث الوصايا المرتبطة بالأرض، مساوية للضفة للغربية.
التدرج في الاستيطان في الضفة الغربية
هناك درجات في أولوية الاستيطان غرب نهر الأردن، حيث يجب استيطان الضفة الغربية أولًا، لأنها أقدس المناطق، فقد مشى فيها الآباء، وتجلت فيها كرامات النبوة للأنبياء، وكانت مركز الحياة اليهودية في الأرض المقدسة، وفيها أقيم الهيكل في القدس.
لهذا السبب، بذل العائدون من بابل جهدًا كبيرا من أجل الاستيطان فيها أولًا، ثم امتدت الوصية تدريجيًا إلى كامل الحدود المذكورة في سفر العدد، وبعد ذلك إلى جميع حدود أرض إسرائيل.
حدود الجنوب – نهر مصر
الحد الجنوبي-الغربي لأرض إسرائيل بالكامل هو "نهر مصر"، كما جاء في (سفر التكوين 15:18): "لِذُرِّيَّتِكَ أَعْطي هَذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ".
يتفق المفسرون على أن "نهر مصر" هو الفرع الشرقي لنهر النيل، أي المنطقة الواقعة عند قناة السويس اليوم.
أما بالنسبة للحد الجنوبي، فقد جاء في (سفر الخروج 23:31): "وَأُجْعَلُ تُخُومَكَ مِنْ بَحْرِ سُوفٍ إِلَى بَحْرِ فلسطين"، مما يعني أن شبه جزيرة سيناء بأكملها تقع ضمن حدود إسرائيل، حيث يحيط بها بحر سوف (البحر الأحمر)، وقد تم تحديده كحد جنوبي.
اختلاف الآراء حول تحديد الحد الجنوبي
اختلف الفقهاء حول الحد الجنوبي الذي أُمِر الخارجون من مصر باحتلاله، ويعتمد ذلك على تحديد المواقع المذكورة في سفر العدد بين جنوب البحر الميت ووادي مصر.
هناك من يقول إن الحد ينحني قليلًا جنوب البحر الميت، ليشمل مدينة يروحام وسديه بوكر، ثم يعود ليتجه شمالًا حتى وادي مصر.
وهناك من يرى أنه يمتد جنوبًا حتى "عين ياهف" في وادي عربة و"متسبيه رامون" في النقب، ثم يصل إلى وادي مصر.
وهناك من يعتقد أنه يمتد حتى إيلات، ومنها يصل إلى وادي مصر.
الخلاف حول تحديد "وادي مصر"
اختلفت الآراء حول "وادي مصر" (נחל מצרים)؛ فمعظم المفسرين الأوائل، وبعض المتأخرين، يرون أن "وادي مصر" هو نفسه "نهر مصر"، وهو الفرع الشرقي لنهر النيل (كما ورد في ترجوم يوناثان والتلمود الأورشليمي، وعند راشي وموسى بن ميمون وفي إضافات المشنا "توسافوت". لكن العديد من الفقهاء المتأخرين، استنادًا إلى آراء بعض المفسرين الأوائل، يرون أن "وادي مصر" هو وادي العريش.
الحدود الشمالية – جبل "جبل هور"
يبدأ الحد الشمالي من الغرب عند البحر، بالقرب من "جبل هور"، كما ورد في (سفر العدد 34:7): "وَهَذَا يَكُونُ لَكُمْ حَدًّا شِمَالِيًّا: مِنَ البَحْرِ الكَبِيرِ تَرْسِمُونَ لَكُمْ إلى جبل هور". لكن هناك خلافًا حول موقع "جبل هور"، وما إذا كان يمثل الحد الشمالي للأرض المقدسة بالكامل، أو مجرد حدود الشمال للخارجين من مصر، الذين كان عليهم لاحقًا التوسع حتى نهر الفرات عندما تشتد قوتهم.
هناك خمسة آراء حول موقع "جبل هور ":
- وفقًا لترجوم يوناثان والترجوم الأورشليمي (سفر العدد 34:7)، يقع الجبل في سلسلة جبال تُعرف باسم "طوروس أومينوس"، وهي جبال "أَمَنُوس" جنوب تركيا، شمال خط العرض 36.
- وفقا لما ورد في "כפתור ופרח" (الفصل 11)، هو جبل يُعرف باسم "أَكْرَا"، ويُعرف اليوم باسم "جبل كَل"، على الحدود بين تركيا وسوريا عند خط العرض 36.
- وفقا لرأي موسى بن ميمون، إن الحد الشمالي يقع عند خط العرض 35 . ويبدأ في الغرب من جبل قريب من مدينة "بانياس".
- ثمة رأي يقول إن هذا الجبل يقع جنوب طرابلس قليلًا.
- ثمة رأي يقول إنه يقع بالقرب من بيروت، من الناحية الشرقية، عند جبل يُعرف اليوم باسم "جبل حَمّانَا".
الحدود الشمالية – رأي مرجح
يبدو أن الرأيين الرابع والخامس يحددان موقع " جبل هور" كحدود تم تحديدها للخارجين من مصر، حيث كان عليهم احتلالها وتوزيعها بين الأسباط. لكن يصعب القول بأن هذه الحدود هي حدود الأرض المقدسة بالكامل، لأنه لا يمكن رسم حد طبيعي بين نهر الفرات و"جبل هور" وفقًا لهذين الرأيين. ولذلك، فمن المرجح أن حدود الأرض المقدسة بالكامل تتماشى مع الرأي الأول أو الثاني.
من ناحية أخرى، وفقًا للرأي الأول، فإن "جبل هور" يمثل بالفعل الحد الشمالي للأرض المقدسة بالكامل، ويمكن رسم حد طبيعي بطول حوالي 180 كيلومترًا وصولًا إلى نهر الفرات. لكن، يبدو أن ما أُمر به الخارجون من مصر يتعلق فقط بجبال لبنان.
وبالتالي، لا يوجد خلاف جوهري حول الحدود الشمالية، حيث إن الآراء التي تضع حدًّا أصغر تتحدث عن الحدود الخاصة بالخارجين من مصر، بينما الرأي الذي يحدد حدًّا أوسع يتحدث عن الحدود الكاملة للأرض المقدسة.
الحدود الشرقية للأرض المقدسة بالكامل
لم يتم تحديد الحد الشرقي للأرض المقدسة بوضوح في التوراة، بل ورد فقط أن أرض إسرائيل تمتد حتى نهر الفرات. لكن هناك خلافًا حول ما إذا كان الحد الشرقي يصل فقط إلى الجزء الشمالي القريب من الأرض الأساسية، أم إذا كان يمتد بطوله الكامل حتى الخليج الفارسي.
إن وجهة النظر التي تحدد الحد في الجزء الشمالي تستند إلى أن المساحة بين شرق نهر الأردن ونهاية نهر الفرات عبارة عن صحراء شاسعة لم يكن من المعتاد الاستيطان فيها. ومن الممكن أن تكون هذه الصحراء هي "الحد الذي تمت الإشارة إليه كحدود لأرض إسرائيل"، كما ورد في (سفر الخروج ٢٣ - ٣١): "وَأَجْعَلُ تُخُومَكَ مِنْ بَحْرِ سُوفٍ إِلَى بَحْرِ فِلِسْطِينَ، وَمِنَ الْبَرِّيَّةِ إِلَى النَّهْرِ".
لكن هناك وجهة نظر أخرى تقول إن كامل نهر الفرات حتى الخليج الفارسي هو الحد الشرقي للأرض المقدسة، لأنه إذا لم يكن الأمر كذلك، فلن يكون هناك حد واضح يحدد نهاية أرض إسرائيل، بينما الحد الطبيعي للصحراء يقع إلى الجنوب من ذلك.
خلاف بين العلماء حول الحد الشرقي
هناك خلاف بين العلماء الأوائل حول هذه المسألة:
بعضهم يقول إن نهر الفرات يمثل فقط الحد الشمالي للأرض المقدسة. والبعض الآخر يرى أنه يشكل أيضًا الحد الشرقي بكامله.
الفرائض المرتبطة بأرض إسرائيل
إن التوراة أنزلت على بني إسرائيل لكي يتعلموها ويطبقوا أوامرها داخل أرض إسرائيل؛ إذ في هذه الأرض يتجلى ملكوت الله ورعايته. جاء في سفر (التثنية 11:31 – 12:1): "لأنكم تعبرون الأردن لكي تدخلوا وتمتلكوا الأرض التي يعطيكم الرب إلهكم، فتمتلكونها وتسكنون فيها. فاحفظوا جميع الفرائض والأحكام التي أنا واضع أمامكم اليوم. هذه الفرائض والأحكام التي يجب أن تحفظوها وتعملوا بها في الأرض التي أعطاها الرب إله آبائكم لكم لترثوها، كل الأيام التي تحيون على وجه الأرض".
ويُفهم من ذلك أن الالتزام بالفرائض مرتبط أساسًا بأرض إسرائيل.
الفرائض أثناء الشتات
لكن في المقابل، جاء في (سفر التثنية ١١ / ١٦ - ١٨) "احذروا لئلا تنخدع قلوبكم فتزيغوا وتعبدوا آلهة أخرى وتسجدوا لها. فيشتد غضب الرب عليكم... وتهلكون سريعًا من الأرض الطيبة التي يعطيكم الرب. (ومع ذلك، حتى عندما تكونون في الشتات) ضعوا كلماتي هذه في قلوبكم ونفوسكم، واربطوها علامة على أيديكم، ولتكن عصائب بين أعينكم".
وهذا يعني أنه حتى في الشتات، لا يزال هناك التزام بالفرائض. وقد فسر الحكماء ذلك بأن:
- الفرائض المرتبطة بالأرض (أي تلك المتعلقة بالزراعة أو الملكية في أرض إسرائيل) لا تُطبق إلا داخل البلاد.
- الفرائض غير المرتبطة بالأرض، يجب تنفيذها حتى في الشتات، لكي تظل محفوظة، ويتم تطبيقها عند العودة إلى الأرض.
إضافةً إلى ذلك، فإن الالتزام بهذه الفرائض أثناء الشتات يساعد على التوبة، والقرب من الخلاص النهائي.
أهم الفرائض المرتبطة بأرض إسرائيل
الفرائض المتعلقة بأرض إسرائيل تشمل بالدرجة الأولى الأمور التي تخص الأمة بأكملها، ومن أبرزها:
- إقامة الملكية أو نظام الحكم وفقًا لتوجيهات التوراة، بما في ذلك تأسيس جيش يعمل وفقًا للشريعة.
- بناء الهيكل وتنظيم جميع الفرائض المرتبطة به، مثل:
- واجبات الكهنة واللاويين.
- مدن اللاويين ومدن الملجأ.
- أحكام نجاسة المنازل.
- حكم "עגלה ערופה" (التي تُستخدم في قضايا القتل غير المحسوم).
- إزالة عبادة الأوثان من الأرض.
- إقامة نظام قضائي عادل: يكون على رأسه السنهدرين، التي تفصل في القضايا الكبرى والمهمة، كما أنها كانت تحدد بداية الأشهر.
- تعيين المحاكم في كل مدينة، بالإضافة إلى تعيين رجال شرطة لإنفاذ القوانين.
- إرساء قوانين القضاء، بما في ذلك إجراءات التقاضي وإصدار الأحكام والعقوبات.
نظام القضاء في الشتات
لكي يتم تعيين قضاة لديهم السلطة الكاملة للحكم وفقًا للشريعة، يجب أن تتم إجازتهم من أسلافهم، بحيث تمتد سلسلة توثيقهم وصولًا إلى النبي موسى. لكن إجازة القضاة هذه لا يمكن إجراؤها إلا داخل أرض إسرائيل.
وفي الشتات، فلا يزال هناك التزام بإقامة نظام قضائي وفقًا للشريعة اليهودية، لكنه يتم من خلال حاخامات ليس لديهم إجازة وفقا للنظام التقليدي. والهدف من هذا النظام في الشتات هو حماية المجتمع اليهودي والحفاظ على تقاليده الدينية، لكنه لا يحمل الطابع المثالي لنظام العدالة التوراتي.
لذلك، فإن سلطة المحاكم اليهودية في الشتات تقتصر على القضايا الشائعة في الأضرار والتعويضات، وكذلك على العقوبات الرادعة الضرورية، لكنها لا تمتد إلى الأحكام غير الشائعة أو العقوبات التي تهدف إلى بناء أمة مقدسة.
الفرائض الزراعية المرتبطة بأرض إسرائيل
هناك مجموعة من الفرائض ترتبط بالأرض، وتتعلق بالزراعة وإنتاج المحاصيل، وهذه الفرائض موجهة لكل فرد من بني إسرائيل، وتشمل:
- تحريم خلط أنواع مختلفة من البذور.
- تحريم زراعة أنواع مختلفة في العنب.
- ترك جزء من المحصول للفقراء.
- ترك ثمار العنب المتساقطة والناقصة للفقراء.
- تقديم أول الثمار إلى الهيكل.
- تقديم العشور والهبات للكهنة واللاويين والفقراء.
- تقديم أول صوف الجز إلى الكهنة.
- سنة السبت الزراعية كل سبع سنوات.
- إطلاق الأراضي في السنة الخمسين.
وبالرغم من أن الالتزام الأساسي بهذه الفرائض يقتصر على أرض إسرائيل، إلا أن العديد منها يمتد جزئيًا ليشمل مناطق خارج أرض إسرائيل.
حالة الشعب تحدد وجوب الفرائض
إن وجوب الفرائض المرتبطة بأرض إسرائيل يعتمد على إقامة بني إسرائيل فيها. وفيما يلي ملخص لتاريخ بني إسرائيل في أرضهم، بالتوازي مع وجوب الفرائض:
بعد أن غزا الخارجون من مصر أرض كنعان، وقسموها بين أسباط إسرائيل الاثني عشر، أصبحوا ملزمين بجميع الفرائض الزراعية، بما في ذلك تقديم الهبات والعشور، سنة السبت (الشميتا)، وسنة اليوبيل. أما الفرائض العامة المرتبطة بالأمة ككل، مثل إقامة الملكية، وبناء الهيكل، وإنشاء نظام قضائي متكامل، فقد تأخر تنفيذها، لأن ذلك كان يتطلب استقرار بني إسرائيل في الأرض، وتمكنهم من الحكم الذاتي. في هذه الفترة، كان القضاة يحكمون بني إسرائيل بشكل مؤقت.
بعد حوالي 400 عام، ظهر النبي (صموئيل) كقاضٍ على إسرائيل، ومن خلال قيادته:
- تم إنشاء نظام قضائي.
- أقيمت مملكة بيت داوُد.
- بنى الملك سليمان بن داود الهيكل في القدس.
لكن بعد حوالي 140 عامًا من بناء الهيكل الأول، قام ملك آشور بنفي الأسباط التي كانت تعيش في شرق الأردن وشمال الأرض. ومنذ ذلك الحين، لم يعد وجوب "سنة السبت" و"سنة اليوبيل" مستندا إلى التوراة نفسها، بل أصبح مستندا إلى اجتهاد الحكماء؛ لأن هاتين الفريضتين تتطلبان وجود جميع بني إسرائيل في الأرض، كل سبط في نصيبه.
وبعد أن نُفيت الأسباط العشرة بالكامل، أصبح معظم بني إسرائيل خارج الأرض، فتوقف وجوب "الهبات والعشور" و"فريضة الحَلَّة" من التوراة، لكنها استمرت كتشريع حاخامي.
وعند دمار الهيكل الأول، أُلغيت تمامًا جميع الفرائض العامة المرتبطة بأرض إسرائيل، مثل سنة السبت وسنة اليوبيل والعشور.
العودة إلى صهيون وإعادة بناء الهيكل الثاني
بعد انقضاء مدة السبي البابلي، بدأ مسار عودة بني إسرائيل إلى الأرض وإعادة بناء الهيكل الثاني. في تلك الفترة، تأسس (المجمع الكبير)، وهو أعلى محكمة دينية، تألفت من 120 شيخًا، بينهم أنبياء، وكان يرأسه عزرا الكاتب.
ساهم هذا المجمع في تنظيم شئون القضاء، وصياغة نصوص البركات والصلوات، وتحديد نظم الصلاة وقراءة التوراة في المعابد. كما قدسوا الأرض مجددًا لإعادة إلزام الناس بالفرائض الزراعية، مثل "سنة السبت" (الشميتا) و"الهبات والعشور". لكن، نظرًا لأن غالبية بني إسرائيل قد ظلوا في المنفى، فإن معظم الفقهاء يرون أن هذه الفرائض كانت حينها واجبة بأمر الحاخامات فقط، وليس عملا بفرائض التوراة نفسها.
تدهور الاستيطان اليهودي بعد دمار الهيكل الثاني
بعد دمار الهيكل الثاني، وعلى مدى قرون عديدة، تراجعت أعداد اليهود المقيمين في الأرض تدريجيًا. وبعد ما يقارب 300 عام من الدمار، أدرك حكماء أرض إسرائيل، وعلى رأسهم "هليل الثاني" (الذي كان الرئيس آنذاك)، أنهم لن يتمكنوا من مواصلة (إجازة القضاة) أو إدارة المحكمة التي تحدد الأشهر وتضيف السنوات الكبيسة. لذلك، قاموا بتثبيت التقويم العبري ليكون دائمًا للأجيال اللاحقة، ومنذ ذلك الحين، أصبح جميع بني إسرائيل يتبعون التقويم العبري في تحديد الأشهر والمواسم الدينية.
حدود أرض إسرائيل المختلفة من حيث الالتزام بالفرائض
هناك ثلاثة أنواع من الحدود لأرض إسرائيل، وكل منها يؤثر على نطاق تطبيق الفرائض الدينية:
١-الحدود العامة لأرض إسرائيل:
تمتد من نهر مصر إلى نهر الفرات، وهي الحدود التي تحدد واجب استيطان الأرض، كما تمت مناقشته سابقا.
٢-حدود الخارجين من مصر:
وهي الأراضي التي ورثتها أسباط بني إسرائيل الاثني عشر في زمن موسى عليه السلام ويشوع بن نون. هذا النطاق هو الذي يحدد الالتزام بالفرائض الزراعية مثل الهبات والعشور، سنة السبت (الشميتا). لكن، طالما أن غالبية بني إسرائيل لا يعيشون في الأرض، فإن معظم الفقهاء يرون أن هذه الفرائض واجبة بأمر الحاخامات فقط، وليس عملا بفرائض التوراة مباشرة.
الأراضي الواقعة خارج "حدود الخارجين من مصر"، رغم أنها ضمن الحدود الكاملة لأرض إسرائيل الممتدة من نهر مصر إلى نهر الفرات، لم تُفرض فيها هذه الفرائض الدينية.
٣- حدود العائدين من بابل
هذه الحدود تشير إلى نطاق الاستيطان اليهودي خلال فترة الهيكل الثاني، وهي أضيق من حدود الخارجين من مصر.
ضمن هذه الحدود، وضع الحاخامات أحكامًا وإجراءات إضافية مثل قوانين المحاصيل الثانوية والشك في العشور.
خلال فترة الهيكل الثاني، وبعد خرابه أيضًا، ظلت الفرائض الزراعية سارية داخل حدود الخارجين من مصر، لكن الأحكام والتشريعات الحاخامية طُبقت فقط داخل حدود العائدين من بابل، أي في المناطق التي انتشر فيها الاستيطان اليهودي خلال العصر الثاني للهيكل. وحاليًا، تسري هذه الأحكام على جميع المناطق الخاضعة لسيادة إسرائيل.
بلاد الشام (سوريا)
بالإضافة إلى الأراضي التي احتلها موسى ويشوع، قام الملك داود باحتلال مناطق في سوريا، والتي تشمل أراضي تقع ضمن الحدود الكاملة لأرض إسرائيل، مثل آرام دمشق، وكذلك أراضٍ خارج هذه الحدود، مثل آرام نهرين الواقعة بين الفرات ودجلة.
لكن، لأن احتلاله هذه الأراضي كان لأغراض عسكرية، وليس تنفيذا لوصية استيطان الأرض، فقد دار جدل حول مكانة هذه الأراضي من حيث الالتزام بالفرائض الزراعية.
في النهاية، تقرر أنه وفقًا لما أقره الحاخامات، يجب الالتزام بالفرائض الزراعية في هذه المناطق، لكن واجب استيطان الأرض ينطبق فقط على الأراضي السورية التي تقع ضمن الحدود الكاملة لأرض إسرائيل .
- تقسيم الأرض بين الأسباط
لكي نتمكن من إعادة إقامة وصية السنة السابعة وسنة اليوبيل وفقًا للتوراة، لا يكفي أن يقيم معظم بني إسرائيل في أرضهم، بل يجب أن يقيموا فيها وفق الترتيب الصحيح، أي أن يحصل كل فرد من بني إسرائيل على نصيبه في ميراث سبطه (ערכין לב, ב). ولهذا، يجب إعادة نسب كل فرد من بني إسرائيل إلى سبطه، وتحديد ميراث الأسباط من جديد (רמב"ם מלכים יב, ג)
ويتضح من نبوءة حزقيال أن موقع ميراث الأسباط الاثني عشر سيتغير في المستقبل، حيث سيرث كل سبط شريطًا يمتد من الغرب إلى الشرق، فيكون دان في الشمال، يليه أشير، ثم نفتالي، ثم منسى، ثم أفرايم، ثم رأوبين، ثم يهوذا. ثم يستمر التقسيم باتجاه الجنوب، حيث يكون بنيامين أولًا، يليه شمعون، ثم يساكر، ثم زبولون، ثم جاد، الذي ستكون أرضه في أقصى الجنوب (יחזקאל מח; ב"ב קכב, א).
وبحسب أغلب المفسرين، فإن الحدود الشمالية لميراث دان ستمتد حتى حدود تركيا عند مصب نهر الفرات. كما أن المتهودين الذين انضموا إلى بني إسرائيل في أثناء معاناتهم، سيحصلون أيضًا على نصيب في الأرض، حيث ستُمنح كل عائلة من المتهودين نصيبًا مع السبط الذي انضموا إليه.
وفقًا لهذا، بعد أن يتم تحديد نسب كل شخص من إسرائيل لسبطه وتوزيع الأرض بين الأسباط، من المفترض أن ينتقل كل فرد للعيش في النصيب المخصص له داخل سبطه. ومن وجهة نظري، سيكون من صلاحيات المحكمة العليا، تقسيم الأرض بطريقة يتمكن فيها كل فرد من إسرائيل من البقاء في مكانه أو في المكان الذي يختاره، مع الاستعداد للمشاركة في استمرارية إرثه من سبطه الذي يعيش في نطاقه. وإذا سلكوا هذا الطريق، ربما يتعين عليهم تحديد أنه كلما ارتفع الطلب على نصيب سبط معين، يتم تقسيم أراضيه إلى نصيب أصغر يكفي الجميع.
بعد تقسيم الأرض، سيُعتبر جميع بني إسرائيل مقيمين على أرضهم كما ينبغي، وتبدأ المحكمة العليا في حساب السنوات من جديد، وبذلك يمكننا الالتزام بفريضة السنة السابعة وسنة اليوبيل وفقًا للشريعة.
المصدر: אליעזר מלמד, פניני הלכה, ספר העם והארץ
