موقع يهتم بالدراسات السامية، ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودي

موقع يهتم بالدراسات السامية بشقيها اللغوي والفكري. ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودية

إعلان الرئيسية

إن كل من يدخل أبواب متحف بياليك سيجد فور دخوله جدارية مكتوب عليها "حاييم نحمان بياليك - بورتريه لشخصية عظيمة"، تُعرض عليها اثنتا عشرة لوحة، توضّح كل منها بإيجاز جانبًا مختلفًا من النشاط الموسوعي للشاعر القومي: بياليك الشاعر، بياليك القاص، بياليك كاتب المقالات، بياليك المترجم، بياليك المحرر، بياليك الناشر، بياليك كاتب أدب الأطفال، بياليك الجامع، بياليك المفسر، بياليك راعي الثقافة، بياليك المعلم، وبما يخص موضوعنا - بياليك "مُحيي اللغة".

في أعلى الجدارية،  وفي الجزء المخصص للغة، تظهر الفقرة التالية من مقالة "مخاض لغة"، التي نشرها بياليك عام 1908 في المجلة الشهرية "השילוח"، والتي كان مسئولًا عن تحرير قسمها الأدبي آنذاك: "ويلٌ للغة التي لا تنمو مع أهلها ومع مخزون مفاهيمهم، بل تتخلف عنهم متقهقرة". وبالفعل، كان بياليك وفيًا لهذا المبدأ، فقد أدخل في أعماله العديد من الاستحداثات اللغوية، كما شارك في عدد من اللجان المعنية باستحداث مصطلحات جديدة في مجالات متنوعة؛ بدءًا من الكهرباء والتقنية والطباعة، وصولًا إلى أدوات المطبخ، والصحة العامة، وعلم الحيوان. وقد جمع اللغوي يتسحاق أفينيري مئات من هذه الاستحداثات في "قاموس استحداثات بياليك" (1935). ومن بين الكلمات التي أصبحت جزءًا من الاستعمال اليومي دون أن يدرك المتحدثون أن بياليك هو من استحدثها: "יבוא- استيراد"، "יצוא - تصدير"، "תגובה - رد فعل"، "ערגה - شوق"، "תאונה - حادث"، "מצלמה - كاميرا" وغيرها. ومما هو جدير بالذكر أنه استحدث كلمات جديدة أكثر من تلك التي استحدثها إليعازر بن يهودا، حيث بلغ عدد كلماته المستحدثة نحو 300 كلمة، في مقابل حوالي 220 كلمة استحدثها بن يهودا.

لماذا إذن يُطلق على بياليك في هذه الجدارية لقب "مُحيي اللغة" وليس "مُجدِّد اللغة"؟ 

إن تفضيل مصطلح "مُحيي" جاء من منطلق الوفاء لمنهجه الأساسي في تطوير اللغة، والذي يرى أن تجديد اللغة العبرية يجب أن يتم أولًا وقبل كل شيء "من داخلها ومن ذاتها"، من خلال إحياء المصادر اللغوية الكامنة والخامدة في طبقات الثقافة العبرية على مر العصور (العهد القديم والمشنا والمدراشيم وشعر العصر الوسيط وغيرها). وفقط بعد ذلك يمكن اللجوء إلى استحداث كلمات جديدة أو ترجمتها من اللغات الأخرى. ولهذا السبب، كان إنتاج تعبيرات جديدة من كلمات قديمة، مع "ملء غلافها الفارغ برصاص جديد" (وفقًا لتعبير بياليك التصويري)، كان في نظره أكثر أهمية بكثير من مجرد استحداث كلمات جديدة.

بناءً على هذا المبدأ، خالف بياليك نهج إليعازر بن يهودا، واعتبره مندفعًا بشكل مفرط نحو استحداث المفردات، دون استغلال كافٍ للثراء اللغوي الكامن في المصادر التاريخية للغة العبرية. ورأى بياليك أن الإثراء السريع وغير المنضبط للغة هو أمر معيب، حيث شبهه بمصنع لإنتاج كلمات غير ضرورية، ووصف بن يهودا بأنه "مُفسد" قام "بتقويض قلعة اللغة، وفتح فيها ثغرات لكل أنواع الشياطين وأشباح الخراب". ولهذا السبب، رفض بياليك صحف بن يهودا التي كانت تعجُّ بالمستجدات الدخيلة، والتي اعتبرها "منبوذة وممقوتة".

وجدير بالذكر أنه لم يتم تبنّي جميع الاستحداثات اللغوية التي اقترحها بياليك في العبرية. صحيح إن مصطلحي "מטוס" (طائرة) و"טייס" (طيّار) اللذين استحدثهما بياليك قد أزاحا كلمتي "אוירון" و"מעופף"، لكن في مقابل ذلك، فإن الأطفال في عيد "حانوكا " يلعبون ب "סביבון" (دوّامة) وليس بـ"כרכר" كما اقترح بياليك، ويتناولون "סופגניות" (فطير مقلي) وليس "אספוגים" (وهو مصطلح اشتقه بياليك على وزن "אתרוג" أي الأترج). كذلك، يحتمي الناس من المطر باستخدام "מטריה" (مظلة) التي اقترحها بن يهودا، وليس "סוכך" التي اقترحها بياليك.

لقد عارض بياليك بشدة اللاحقة الشائعة "- יה" (مثل "מטריה"). وكان يحذّر قائلًا: "عمّا قريب لن تُسمع في العبرية سوى ياه، ياه، ياه، كنهيق الحمار"، ثم كان يُقلّد هذا الصوت بصوته محذرًا: "أي حكمة في إضافة مقطع مألوف إلى كلمة قديمة، سواء كان 'יה' أو 'יון' وانتهى الأمر؟ […] عندما نسعى لاستحداث كلمة، يجب أن ننظر كيف فعل ذلك العبرانيون القدماء، وأن نعجن الجذر من داخله، وليس عبر إلصاق مقاطع صوتية".

رأى بياليك في مشروع معجم بن يهودا طموحًا فرديًا، إذ كان من الأفضل أن يُنجَز على يد نخبة واسعة من العلماء ذوي الخبرة، بمشاركة متخصصين في اللغة والأسلوب. وقال: "لدينا تراث أدبي ضخم لا يمكن لشخص واحد أن يُلِمّ به، بل من الضروري توزيع العمل بين أشخاص مختلفين وفقًا للتخصصات: العهد القديم والتلمود الأورشليمي والتلمود البابلي، والشعر الديني […]، وفقط بعد هذا العمل الجماعي يمكن إعداد المعجم الكبير". كما انتقد بياليك "التوسّع المصطنع" في معجم بن يهودا، الذي ركّز بشكل غير متوازن على المستوى اللغوي التوراتي، وكان يُغرق كل كلمة بعدد هائل من الفقرات، ليس لإبراز معانيها، بل فقط من أجل زيادة عدد المجلدات.

رفض بياليك أيضًا الاعتراف ب "بن يهودا" بوصفه "مُحيي الحديث العبري"، كما قال، بانتقاد لاذع في صيف عام 1918: " إن أبوّة 'العظيم البطل' بن يهودا للحديث العبري هي أيضًا محل شك كبير، وقد تم دحضها علنًا عدة مرات". وكان شموئيل يوسف عجنون يتبنى كذلك هذا الرأي.

جدير بالذكر أن بن يهودا كان قد تجنّب الرد على انتقادات بياليك الحادة بشكل مباشر، باستثناء رد مجهول الهوية نُشر في إحدى صحفه، ردًا على الانتقادات التي كتبها بياليك في مقالته "مخاض لغة"، إذ ورد في تلك الصحيفة: "لو كان بياليك عالمًا بارزًا في اللغة العبرية، أو مستشرقًا، أو حتى 'فيلولوجيًا' محترفًا، لربما استاء منه بن يهودا بسبب هذه الأقوال. لكن يُغفر للشاعر في كثير من الأمور، لا سيما وأنه مجرد هاوٍ في هذه المسائل".

يرى البعض في موقف بياليك تجاه بن يهودا جوانب من "الغيرة" و"الكراهية"، بل إن هناك من روّج لفكرة سخيفة، مفادها أن بياليك كان قد أخّر هجرته إلى فلسطين لأنه "رفض الاستقرار فيها في حياة بن يهودا". لكن الحقيقة أن بياليك لم يرفض بن يهودا كشخص، بل عارض منهجه. كما أنه لم يرفض كل استحداث لغوي خرج من مدرسة بن يهودا رفضًا قاطعًا؛ فعلى سبيل المثال، استعمل بياليك كلمة "בובה" (دمية) التي استحدثها بن يهودا، وأدرجها في عنوان قصيدته "בובה ועגלתה". بل إنه ذهب أبعد من ذلك، فاعتمد على هذا الاستحداث لينتج استحداثا جديدًا خاصًا به في قصيدته "שתי בנות" (ابنتان) " בובותיים".

كما تبنّى بياليك كلمة "מכונית" (سيارة) التي استحدثها إيتامار بن آفي، وأدرجها في عنوان إحدى أشهر قصائده للأطفال، مما ساهم في انتشارها الواسع في اللغة، كما يشهد بذلك بن آفي نفسه في رسالة كتبها للأديب دانيال برسكي: "كلمة מכונית هي من استحداثي، وقد أدرجها بياليك في قصيدته المشهورة، وعندما التقينا قرب البحر، وقال لي إنه كان سعيدًا بإضافة هذه الكلمة إلى معجمه الغني، أجبته: أنت من خلّدها!".

المصدر:

ביאליק ובן-יהודה מחלוקת בין מחדשים, שמואל אבנרי, האקדמיה ללשון עברית


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button