موقع يهتم بالدراسات السامية، ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودي

موقع يهتم بالدراسات السامية بشقيها اللغوي والفكري. ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودية

إعلان الرئيسية


سعيد بن يوسف الفيومي (٨٨٣-٩٤٣م)
حياته:
ولد في مصر في قرية أبو صوير بالفيوم، وتلقى في قريته تعليما عربيا، فتوفر له العديد من المعارف العربية الإسلامية في عصره، كما درس الكتاب المقدس والتلمود، ثم توجه إلى فلسطين حيث أكمل دراسته. وقد بدأ في وضع مؤلفاته في سن مبكرة، فذاعت شهرته. وحينما ذهب إلى العراق، عين في حلقة سورا التلمودية.
على ما يبدو، كان سعديا محبطا من مستوى التعليم في فلسطين، فغادر إلى العراق. وهناك لم يواجه فقط الفكر القرائي، بل واجه أيضًا تيارًا إلحاديا رفض أسس جميع الأديان التوحيدية. وكانت كتب مثل كتاب اليهودي حِوِيّ البَلْخِي التي أنكرت قدرة الله المطلقة، وعلمه الكلي وعدله، وأشارت إلى وجود تناقضات في الكتاب المقدس، شائعة في ذلك الوقت. ولمواجهة هذه التحديات، استجمع سعديا مواهبه العظيمة في الدفاع عن الدين بشكل عام، وعن التقاليد اليهودية بشكل خاص. وباستخدام نفس الأسلوب الذي استخدمه حِوِيّ البلخي، قام سعديا بالرد عليه بلغة عبرية مُعَقَّدة مقفاة. كما كتب أيضًا كتاب "الرد على عنان" مؤسس طائفة القرائين، وهو عمل مفقود.
وتعود أهمية سعيد بن يوسف إلى أنه ظهر في وقت كانت اليهودية الحاخامية تعاني فيه أزمة حقيقية، نتيجة انتشار الإسلام وازدهار الحضارة الإسلامية بكل معارفها بوتيرة سريعة، الأمر الذي أدى بالكثير من اليهود إلى اعتناق الدين الجديد، أو الشك في دينهم، أو محاولة إصلاحه، كما يتبدى في اليهودية القرائية التي رفضت التلمود ومفهوم الشريعة الشفوية. ومن مظاهر هذه الأزمة أيضا إعلان الحاخام هارون بن مائير عام ٩٢١ أن التقويم اليهودي الذي تصدره حلقات العراق خاطئ، محاولا بذلك تأكيده أهمية المركز الفلسطيني مقابل المركز العراقي. ومن هنا، فقد أصدر الحاخام هارون تقويما فلسطينيا، الأمر الذي أدى إلى انقسام الجماعات اليهودية، فكان الاحتفال بالأعياد يتم في أيام مختلفة. وقد تمكن سعيد من الرد على قيادة المركز الفلسطيني استنادا إلى معرفته بعلم الفلك.
وقد كانت حياة سعيد عاصفة، فبعد استقراره في العراق عين رئيسا (جاءون) لحلقة سورا التلمودية، ثم نشبت معركة بينه وبين رأس الجالوت. وقد ألف في هذه المرحلة كتاب "الأمانات والاعتقادات" الذي ألفه بالعربية (ثم ترجم إلى العبرية فيما بعد)، وهو كتاب يهدف إلى الرد على القرائين، وإلى جعل اليهودية عقيدة مقبولة لليهود المتعلمين من خلال تقديم تفسير عقلاني لها. ويبدو أنه كان يهدف أيضًا إلى تقديم عقائد اليهودية للعالم الإسلامي، فاتبع في مؤلفه هذا أسلوب المتكلمين الإسلاميين ومنهجهم، كما مزج التوراة بالحكمة اليونانية حسب قواعد علم الكلام. وقد كان سعيد بن يوسف يرى أنه لا يوجد أي صراع بين العقل والوحي. كان سعيد بن يوسف جزءا من الخطاب الحضاري العربي الإسلامي، ولذا فلم يكن يجد أي حرج في الإشارة للتوراة باعتبارها «الشريعة» وللعهد القديم باعتباره «قرآنا»، والاتجاه نحو القدس أثناء الصلاة بأنه «قبلة» ، أما المرتل «حزان» فكان يشير له بأنه «الإمام» .
ويعد سعيد أول من وضع فلسفة دينية يهودية متكاملة حول أسس العقيدة اليهودية، فقد كانت هذه العقيدة من قبل مجموعة من الممارسات والفتاوى التي تصدر حسب الحاجة. وقد لخص سعيد العقيدة اليهودية في تسعة مبادئ (الإله خلق العالم من العدم ـ الإيمان بوحدة الإله وعدالته ـ حرية الإرادة ـ الثواب والعقاب ـ خلود الروح ـ البعث ـ خلاص يسرائيل ـ الخلود في الآخرة ـ صفات الإله مطابقة لذاته ولا يمكن فصلها) . وفي هذا، وفي غيره من الأفكار، يتضح تأثير الفكر الديني الإسلامي بشكل عام والمعتزلة بوجه خاص، وبخاصة في قبولهم خمسة مبادئ عرفت باسم «الأصول» : التوحيد ـ العدل ـ الوعد والوعيد (أي الثواب والعقاب) ـ المنزلة بين المنزلين ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والإله ـ حسب تصور سعيد الفيومي ـ هو وحده مصدر الحق، ولكن الحق الذي يرسل به يتفق مع ما قد يتوصل إليه العقل. وقد أكد سعيد بن يوسف أن الإيمان بعقيدة موسى لا يستند إلى الإيمان بالمعجزات التي أتى بها، وإنما يستند إلى الإيمان بالقيمة الأخلاقية الذاتية لهذه العقيدة. وقسم سعيد وصايا اليهود إلى وصايا أخلاقية وأخرى احتفالية امتزجت معا، الأمر الذي يعطي ـ في تصوره ـ مزية تنفرد بها تجربة اليهود الدينية.
أعماله:
لا يمكن تحديد التسلسل الزمني الدقيق للعديد من أعمال سعديا. إلا أنه من أهم أعماله ما يلي:
- معجم (ها – إجارون) "الجامع"، وهو معجم عبري – عربي.
- كتب اللغة: التي نُشرت منها أجزاء بواسطة شلومو سكوس.
- تفسير السبعين لفظة: تلك الألفاظ التي وردت مفردة في العهد القديم، وقد نشر أجزاء منه (ن. ألوني).
- تفسير التوراة: قام سعديا بإعداد ترجمة عربية للتوراة (نشرها جوزيف ديرينبورج)، وترجمة مع تعليق موسع على سفر التكوين (1-28) والخروج واللاويين. أما ترجماته وتعليقاته على إشعياء والأمثال وأيوب والمزامير فهي موجودة بكاملها، كما توجد أجزاء من تفسيره لأسفار دانيال ونشيد الإنشاد وإستير ومراثي إرميا في مجموعة الجنيزا القاهرية. وقد ضَمَّنَ الجاءون تفسيراته للعهد القديم مبادىء جديدة مستوحاة من البلاغة اليونانية – العربية.
- أعمال مناهضة للقرائين: وتشمل كتاب "الرد على ابن ساكويهي"، وكتاب "تحصيل الشرائع السماعية". في هذا العمل الأخير، ذهب الجاءون إلى أن الأمور المتعلقة بالوصايا غير المعقولة في الشريعة الموسوية لا يمكن أن تُقرَّر بواسطة القياس، بل فقط بواسطة القوانين المنقولة عبر التقليد الشفوي. لذلك، فإنه يعتبر أن التقليد التلمودي لا غنى عنه. وثمة عمل آخر مناهض للقرائين هو "مقالة في سراج السبت"، التي تَرُد على تعليمات القرائين التي تمنع تحضير الضوء ليوم السبت.
- كتاب الأمانات والاعتقادات: وقد تأثر فيه بمبادىء علم الكلام في الإسلام.
- في الفلسفة، كتب تعليقًا فلسفيًا على الكتاب الصوفي: "ספר יצירה". لكن على عكس كتاب "الأمانات والاعتقادات"، لا يظهر في هذا العمل أي تأثير من علم الكلام الإسلامي.

المصدر: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، عبد الوهاب المسيري

 Encyclopedia Britannica, Saʿadia ben Joseph-
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button