يعد استخدام الصيغ اللغوية للتعبير عن الأزمنة من أبرز الظواهر فى عبرية العهد القديم التى تميزها عن العبرية المعاصرة، حيث يشيع الأمر فى تلك اللغة لدرجة دفعت الكثيرين إلى المطالبة بالكتابة بعبرية العهد القديم. إلا أن هؤلاء يكتفون - فى الغالب - باستخدام (واو القلب) التى تُعتبر فى نظر الكثيرين أكثر الخواص المميزة للغة المقرائية. لكن الحديث عن هذا الأمر ليس بسيطاً، فمنظومة الأزمنة فى العبرية المقرائية منظومة معقدة للغاية اختلف الباحثون فى تفسيرها. وعلى أية حال، فمسألة الأزمنة لا تقف عند استخدام (واو القلب)، فكل من يتحدث العبرية المعاصرة سيشعر باختلاف وظيفة الفعل المقرائى فيما يتعلق بالدلالة الزمنية، حيث إن هذه الوظيفة تتعارض كليةً مع العبرية المعاصرة. ويتضح هذا الأمر من خلال الجمل الآتية:
- אָז יָשִׁיר משֶׁה (الخروج 15/ 1)
- حينئذ رنم موسى
- בְטֶרֶם תֵּצֵא מֵרֶחֶם (إرميا 1/ 5)
- قبل أن تخرج من الرحم
- מִן אֲרָם יַנְחֵנִי בָלָק מֶלֶךְ מוֹאָב (العدد 23 / 7)
- من آرام أتى بي بالاق ملك موآب
إن دلالة الصيغ الفعلية فى الجمل السابقة هى الماضى، ويتعارض ذلك بوضوح مع وظيفة الصيغ الفعلية التى ترد على وزن (יִקְטֹל) فى العبرية المعاصرة. ففى العبرية المعاصرة يُعبَّر - بشكل مضطرد - عن الجمل السابقة على النحو التالى :
אָז שָר משה
לִפְנֵי שיָצָאתִי מֵרֶחֶם
מִן אֲרָם הִנְחָה אתי בָלָק
ومن المعلوم أن كل من يتحدث العبرية يشعر بهذه الظاهرة الأساسية الخاصة بمنظومة الأزمنة فى عبرية العهد القديم، فبدلاً من صيغ كـ (אָכַל)(أكل) و(שָתָה)(شرب) (קָם)(قام) و(הָלַךְ)(ذهب) الدالة فى العبرية المعاصرة على الزمن الماضى ترد فى العبرية المقرائية فى قوالب تركيبية خاصة نحو (וַיאכל) و(וַישת) و(וַיקם) و(וַילךְ). فهذا الاستخدام الخاص بالفعل المقرائى قد يستخدمه الشخص غير المتخصص فى اللغة من خلال قاعدة بسيطة، فبدلاً من تعبيره عن الزمن الماضى بصيغة (קָטַל) فإنه يستخدم الصيغة المخصصة للتعبير عن المستقبل مع إضافة (واو القلب) قبلها.
والتكهن بأن النظرة العميقة فى لغة العهد القديم قد كشفت ما بهذه المسألة من إشكال أمر خاطئ، فهى نظرة توضح جزءاً من أجزاء المنظومة دون أن تضع قاعدة لها. ويعد بيان تلك المسألة أمراً بديهياً بالنسبة للمسيطر على صيغ لغة أجنبية من وجهة النظر الخاصة بلغته، فمن تُستخدم فى لغته صيغة (קָטַל) للتعبير فقط عن الزمن الماضى سيربط- تلقائياً- بين الواو (ו) المسماة بـ (ו' הַהִיפּוּךְ) (واو القلب) وبين قوة القلب المتمثلة فى قلب زمن الفعل. وتستوجب النظرة الجادة لمنظومة الأزمنة فى عبرية العهد القديم تحديد السياقات الخاصة التى ترد بها تلك الظاهرة، وتستوجب كذلك تفسيراً لهذه الظاهرة الخاصة.
ولكى نقف على خصوصية منظومة الأزمنة فى لغة العهد القديم يجب الوقوف على بعض أسس النظام الزمنى، فمن الطبيعى أن يميل المرء إلى أن يرى قوانين ما من قوانين لغته موجودة كظواهر مألوفة فى اللغات الأخرى منها ما يتعلق بدلالة الزمن فى اللغة.
ويربط المتحدث بالعبرية المعاصرة صيغ الفعل بثلاثة أزمنة، أى أنه يضع ثلاث صيغ مقابل ثلاثة أزمنة: ماضى وحاضر ومستقبل. وطبيعى أن يعى المتحدث بالعبرية المعاصرة أن دلالة هذه الصيغ تكشف حقاً عن قاعدة لغوية، فمن يجد فى لغته ثلاثة أزمنة فسيتوقع وجودها كذلك فى لغات أخرى. وهذه الرؤية ربما تكون صحيحة أيضاً من خلال النظرة المتعمقة خارج السياق اللغوي، فبديهى أن يعقل المرء فى لغته ثلاثة أزمنة محددة هى: زمن لحظة التكلم (הווה)(الحاضر)، والزمن السابق على لحظة التكلم (הֶעָבָר)(الماضى)، والزمن اللاحق للحظة التكلم (הֶעָתִיד)(المستقبل). إذن فمنظومة الأزمنة هذه ربما تبدو طبيعية ولكنها لا تمثل قاعدةً فى اللغات المختلفة.
وثمة لغات تشتمل على زمنين أساسين، فتميز هذه اللغات تمييزاً رئيساً بين الزمن الماضى وبين ما ليس ماضياً، ومن ثم تستخدم صيغة واحدة للدلالة على الحاضر والمستقبل. ومن المؤكد أن المتحدث بلغة كهذه يدرك ما هو حاضر وما هو مستقبل، غير أن لغته لا تترجم هذا الفارق ترجمة لغوية.
وعلاوة على ذلك توجد الآن لغات تمتلك ثلاثة أزمنة رئيسة، غير أن نظامها اللغوى هذا يعد نظاماً لغوياً متأخراً وليس أصيلاً. واللغة الإنجليزية خير دليل على ذلك، حيث يرد الفعل المساعد (will) فـى اللغة الإنجليزية للدلالة على المستقبل، وهو فعل يعبر عن رغبة عندما لا يكون فعلاً مساعداً. لذلك هناك سؤال يطرح نفسه ههنا: ما علاقة الرغبة بالدلالة على الزمن المستقبل؟.
من هنا نتوصل إلى فرضية وهى أن الزمن المستقبل فى اللغة الإنجليزية كزمن مستقل يعد زمناً ثانوياً وليس زمناً رئيساً، وأن التركيب (will do it) لم يستخـدم فى بداية الأمر إلا للتعبير عن نمط معين وهو التعبير عن رغبة.
وثمة لغات لا تنضوى على منظومة زمنية خاصة يكون معيارها هو لحظة التكلم. ومن اللغات كذلك ما ليس بها نظام واضح فيما يخص الأزمنة فى الماضى والحال والاستقبال. لذلك علينا أن نعى الواقع اللغوى الذى يمكن من خلاله استنتاج الدلالات الزمنية ليس من خلال الصيغ الفعلية المختلفة ولكن من خلال السياق. فثمة ظاهرة شائعة تتمثل فى أن ما تُعبِّر عنه لغة ما من خلال التركيب تنقله لغة أخرى للسامع أو للقارئ من خلال سياق الأحداث فحسب. ومن المعلوم أن المشكلة التى تواجه المترجم من لغة إلى أخرى تتمثل غالباً فى أن اللغة المصدر يكون التعبير فيها بالصيغ النحوية أقل مما هو متبع فى اللغة الهدف أو العكس، لذا فكل من يتطرق لتراجم العهد القديم للغات تختلف عنه إلى حد كبير سيدرك حجم التخبط الذى يقع فيه المترجم عند محاولته الموائمة بين النظام الزمنى فى تلك اللغات وما يُعبَّر عنه فى العهد القديم من خلال منظومة زمنية مختلفة تمام الاختلاف.
وعلى ضوء ذلك، علينا أن نفحص صيغ الفعل المقرائى وأن نحكم على الحقائق التى تبدو لنا انحرافاً أتعد حقاً شذوذاً عن القاعدة، أو أن غرابتها ربما تكون ناتجة عن رؤية غير صائبة لنظام اللغة المقرائية ؟. فالرؤية المتأنية من شأنها أن توضح أن هذا الاضطراب لا يرجع إلى ذات النص المقرائى، لكنه يرجع إلى مُتلقيه من القراء المُحدَثين، وذلك من خلال تطبيق قوانين العبرية المعاصرة على لغة لم تعرف مثل هذه القوانين.
وهناك من يزعمون أن العبرية المقرائية لا توجد بها أزمنة خاصة، أى أن التعارض الشكلى بين صيغتى (שָמַרְתִי) و(אֶשְמור) لا يُعبر عـن تعارض بين زمنين مستقلين. ووفقاً لهذه الرؤية، فصيغ الفعل المقرائى تعبر عن (جهات) مختلفة للحدث ولا تعبر عن زمنه، لذلك تكثر فى العهد القديم صيغ (יִקְטֹל) نحو (יעזב) و(יצא) و (יסע)، لكنها لا تُفسَّر - وفقا لسياقاتها فى النص - كدوالٍ على الزمن المستقبل، لكنها تفسر كدوالٍ على عدم تمام الحدث، سواء أكان فى الزمن الماضى أم فى الزمن المستقبل أم فى الزمن الحاضر. وغالباً ما تحمل صيغة (יִקְטֹל) الدلالة على حدث متكرر وثانوى. ويتضح ذلك من خلال الجمل الآتية :
- מִן הַבְּאֵר הַהִיא יַשְׁקוּ הָעֲדָרִים ( التكوين 29 / 2)
- كانوا من تلك البئر يسقون القطعان
- וְאַחֲרֵי כֵן יִסְעוּ ( العدد 9 / 17)
- كانوا بعد ذلك يرتحلون
- וּלְחַנָּה יִתֵּן מָנָה אַחַת אַפָּיִם (صموئيل الأول 1 / 5)
- أما حنة فأعطاها نصيب اثنين
من الواضح أن الجملة الأولى لا تذكر حدثاً سيحدث، لكنها تسرد حدثاً عاود الحدوث فى الماضى، وتصاغ مثل هذه الجملة فى العبرية المعاصرة على النحو التالى:
שָם הָיו רְגִילִים לְהַשְקות את הָעֲדָרִים
كانوا معتادين أن يسقوا القطعان هناك
وأيضاً لا تذكر الجملة الثانية حدثاً سيحدث، لكنّ دلالتها هى: وبعد ذلك - وفقاً للملابسات المفصلة فى النص – كان بنو إسرائيل معتادي السفر. ولاتعرض لنا الجملة الثالثة وعداً بالمستقبل، لكنها تحدد أن نظام (אֶלְקָנָה) كان يقضى بإعطاء (חַנָּה) نصيباً مضاعفاً. ويتضح هذا الأمر بالفعل من خلال تتابع الأحداث (וְכֵן יַעֲשֶׂה שָׁנָה בְשָׁנָה)( وهكذا فعل سنة تلو أخرى).
وتقترب من هذه الحالة الجمل التى يُعبِّر فيها الفعل عن حدث متكرر، لكنها تعبر عن أعمال مُفرغة من الزمن، أى الأعمال التى تمثل قانوناً وعادة :
- עַל כֵּן יַעֲזָב אִישׁ אֶת אָבִיו וְאֶת אִמּוֹ (التكوين 2/ 24)
- لذلك يترك الرجل أباه وأمه
وتقدير الجملة : وبناءً على ذلك يعتاد الرجل أن يترك أباه وأمه.
ومن ثم فإن التقابل الشكلى بين صيغتى (קָטַל) و (יִקְטֹל) قد لا يعبر عن تقابل زمنى، لكنه يعبر عن تقابل بين حدث فردى وآخر متكرر أو حدث دال على عادة. وتُفسَّر الجملة المقرائية :
- אַחַת לְשָׁלֹשׁ שָׁנִים תָּבוֹא אֳנִי תַרְשִׁישׁ (ملوك الأول 10/ 22)
فكانت سفن ترشيش تأتى مرةً كل ثلاث سنوات على:
كان من المعتاد أن تأتى سفينة إلى ترشيش مرة كل ثلاث سنوات، فاستبدال الفعل (בָּאָה) بالفعل (תָּבוֹא) ما كان ليغير الدلالة الزمنية للحدث، لكنه كان سيعرض الحدث كحدث فردى وقع فى زمن محدد.
وإذا تبنينا التوجه الخاص بدلالة الصيغ الفعلية فى العهد القديم على (جهات) وليس عن أزمنة - على العكس تماماً من العبرية المعاصرة - ستقف أمامنا العديد من الجمل التى تبدو من وجهة نظرنا جملاً غريبة، إلا أن ذلك التوجه ليس هو توجه جميع الباحثين، لأن شيوع صيغ (יִקְטֹל) فى العهد القديم يتعارض معه، وربما يشير كذلك - على الأقل - إلى أن هذا الوضع لا ينطبق على جميع الجمل فى العهد القديم، حيث ترد صيغة (יִקְטֹל) فى جمل عديدة دون أن تدل على عادة أو حدث متكرر، أى دون أن يعبر الحدث فيها عن جهة محددة، ففى مثل هذه الحالات المتعددة كان الكاتب يقصد الحدث الفردى، وهذا ما تعبر عنه الجمل الآتية:
- אָז יָשִׁיר מֹשֶׁה
- حينئذ رنم موسى
- בְטֶרֶם אֵצֵא מֵרֶחֶם
- قبل أن أخرج من الرحم
- מִן אֲרָם יַנְחֵנִי
- من آرام أتى بي
فهذه الجمل لا تعبر عن أن (موسى) فى – فى ظروف معينة - كان معتاد الغناء، أو أن (بالاق) - فى ظروف معنية - كان معتاد الإتيان بـ (بلعام) من آرام، فدلالة صيغة (יִקְטֹל) فى الجمل السابقة هى الماضى، حيث تعبر عن حدث فردى محدد فى الزمن الماضى.
وكذلك لا تتواءم الصيغ (וַיִקְטֹל) نحو (וַיֵלֵךְ) المسماه بالصيغ المقلوبة أو الصيغ المصاحَبة بواو القلب وأشباهها مطلقاً مع نظرية (الجهات)(אַסְפֶּקְטִים)، إذ إن هذه الصيغ لا تعبر - بشكل عام - عن أحداث متكررة، لكنها تعبر عن أحداث فردية فى الزمن الماضى، فهى تعبر عن حدث وقع فى الزمن الماضى ضمن سلسلة من الأحداث الأخرى المتعاقبة الواحد تلو الآخر.
ووفقاً لنظرية أخرى، فما نظام الفعل فى عبرية العهد القديم – إذا جاز لنا أن نطلق على هذا الكيان المعقد نظاماً (מַעֲרֶכֶת) – إلا نتيجة تطور ناجم عن نظام أبسط. واستناداً إلى هذا الرأى، يكمن أصل النظام الزمنى المقرائى فى نظام لغوى اُستخدمت فيه صيغة فعلية واحدة هى الصيغة (יִקְטֹל)، ولم تُستخدم صيغة (קָטַל) - المستعملة فى العبرية المعاصرة وفى مواضع عديدة من لغة العهد القديم كذلك كصيغة فعلية مقابلة زمنياً لصيغة (יִקְטֹל) - فى المراحل المبكرة من تاريخ اللغة، ومن ثم فلم تكن تدل على زمن. عندئذ اُستخدمت صيغة (יִקְטֹל) للدلالة على جميع الأزمنة: الماضى والحاضر والمستقبل. هذا هو أصل استعمال صيغة (יִקְטֹל) التى تبدو لنا شاذة للغاية عند مقارنتها بما هو متبع فى العبرية المعاصرة. ومن هنا تستعمل صيغة (יִקְטֹל) القديمة للدلالة على الزمن الماضى بعد بعض الكلمات مثل (אָז) و(בְּטֶרֶם) كما فى:
אָז יָשִׁיר
בְּטֶרֶם אֵצֵא
وهكذا الأمر فى حال استخدام صيغة (יִקְטֹל) للدلالة على الماضى بعد (ו' החיבּוּר) (واو الربط).
تلك هى الحالات التى ترد فيها صيغة (יִקְטֹל) القديمة فى العبرية المقرائية، فالواو (ו') لا تقلب زمن صيغة (יִקְטֹל) كما يبدو الأمر لمتحدث العبرية المعاصرة، لكن هذه الصيغة القديمة (יִקְטֹל) ترد بعد الواو (ו')(واو الربط) التى تربط أفعالاً دالة على أحداث متعاقبة، كما ترد بعد (אָז) و(בְּטֶרֶם)، وهذه هى شروط استعمالها.
وما حدث من تطورات بعد ذلك أدى إلى إنتاج المقابل (קָטַל) لصيغة (יִקְטֹל) و(שָמַר) لصيغة (יִשְמֹר)، فمن خلال هذا التقابل الشكلى خُصصت صيغة (קָטַל) للدلالة على الماضى وصيغة (יִקְטֹל) للدلالة على المستقبل. وكذلك يعد التقابل الدلالى بين صيغتى (קָטַל) وصيغة (יִקְטֹל) – الذى يعتبر أساساً فى العبرية المعاصرة – ليس إلا نتيجة تباين ثانوى. وهكذا تساعد هذه النظرية فى فهم الدلالة الغامضة لاستعمالات الأزمنة، حيث استخدمت العبرية المقرائية نظاماً مزدوجاً عبَّر فيه المقابل (קָטַל) – (יִקְטֹל) عن تقابل زمنى بيـن الماضى والمستقبل. وقد ظلت بقايا النظام القديم – الذى لم يكن معتمداً على التقابل بين صيغتى (קָטַל - יִקְטֹל) – مستخدمةً فى اللغة، لكن هذه الأمور لم يتم الانتهاء بعد من تفسيرها، فما زال كثير منها قابلاً للإيضاح والتفسير والنقاش.
وتتجلى صعوبة كبيرة فى استعمال صيغة (וְקָטַל)، تلك الصيغة المقلوبة من الماضى إلى الاستقبال، كما يُطلق عليها. فإذا كان من اليسير علينا أن نفهم على ضوء النظرية مغزى استخدام صيغة (וַיִקְטֹל)(المستقبل المقلوب) بدلالة الماضى من خلال ربطنا هذه الدلالة بالاستعمال القديم لصيغة (יִקְטֹל) الذى اُستخدم فى مرحلة مبكرة للدلالة على جميع الأزمنة، فمن الصعب أن نُفسرَ استخدام (וְקָטַל) (الماضى المقلوب) للدلالة على المستقبل، حيث لا نرى فى هذا الموضع استخداماً قديماً، فلم تكن تستخدم هذه الصيغة مطلقاً فى المراحل المبكرة للإشارة إلى زمن.
وقد فـَسَّرَ بعض الباحثين هـذا الاستخدام الغامض لصيغة (וְקָטַל) كنتيجة للقياس، حيث إنه إذا كانت صيغة (יִקְטֹל) تدل على الاستقبال وتدل صيغة (וַיִקְטֹל) على الماضى، فكذلك لمّا كانت صيغة (קָטַל) تدل على الماضى فإن صيغة (וְקָטַל) تدل على الاستقبال. أى أن استخدام صيغة (וְקָטַל) المقرائية يعد قياساً على استخدام (וַיִקְטֹל) الموضوعة فى غير دلالتها الزمنية.
وهنا يُطرح هذا التساؤل بشكل مُلِحٍّ: كيف يمكن لنظريتين متعارضتين أن توضحا بجلاء كثيراً من الحقائق اللغوية ؟.
رأينا أنه قد تكشفت لنا حقائق اللغة المقرائية من خلال نظرية (الجهات) أو من خلال نظرية الاستخدام القديم لصيغة (יִקְטֹל). فالنظرة المتعمقة لماهية اللغة المقرائية قد تُسِّهل فى حل هذا الأمر. فاللغة المقرائية ليست قالباً واحداً، إذ لم يُستخدم بها نظام لغـوى واحد منذ أيام موسى وحتى أيام (نحميا)، وليست هناك إمكانية فى الوقت الحالى لتحليل العهد القديم على نحوٍ يُمكِّنُ من إنشاء أنظمة منسقة وواضحة يمكننا ربطها بفترات محددة، ولا يمكن الآن ربط قواعد لغة "جدعون" وقواعد لغة الشعب فى أيام "داود" وقواعد لغة أولئك الذين خرجوا إلى بابل بفترات بعينها. وهكذا نجد أنه من جراء كثرة استخدامات الفعل المقرائى فليست هناك إمكانية لبناء نظام واضح لاستعمالات الأزمنة فى الفترات المختلفة للغة المقرائية، فعدم التجانس فى عبرية العهد القديم يسوغ لنا القول إن نظرية (دريفر) الخاصة بـ (الجهات)(אַסְפֶּקְטִים) ونظرية (باور) الخاصة بالنظام الزمنى منظومة الأزمنة فى لغة العهد القديم
يعد استخدام الصيغ اللغوية للتعبير عن الأزمنة من أبرز الظواهر فى عبرية العهد القديم والتى تميزها عن العبرية المعاصرة، حيث يشيع الأمر فى تلك اللغة لدرجة دفعت الكثيرين إلى المطالبة بالكتابة بعبرية العهد القديم. إلا أن هؤلاء يكتفون - فى الغالب الأعم - باستخدام (واو القلب) التى تُعتبر فى نظر الكثيرين أكثر الخواص المميزة للغة المقرائية. لكن الحديث عن هذا الأمر ليس بسيطاً، فمنظومة الأزمنة فى العبرية المقرائية منظومة معقدة للغاية اختلف الباحثون فى تفسيرها. وعلى أية حال، فمسألة الأزمنة لا تقف عند استخدام (واو القلب)، فكل من يتحدث العبرية المعاصرة سيشعر باختلاف وظيفة الفعل المقرائى فيما يتعلق بالدلالة الزمنية، حيث إن هذه الوظيفة تتعارض كليةً مع العبرية المعاصرة. ويتضح هذا الأمر من خلال الجمل الآتية:
- אָז יָשִׁיר משֶׁה (الخروج 15/ 1)
- حينئذ رنم موسى
- בְטֶרֶם תֵּצֵא מֵרֶחֶם (إرميا 1/ 5)
- قبل أن تخرج من الرحم
- מִן אֲרָם יַנְחֵנִי בָלָק מֶלֶךְ מוֹאָב (العدد 23 / 7)
- من آرام أتى بي بالاق ملك موآب
إن دلالة الصيغ الفعلية فى الجمل السابقة هى الماضى، ويتعارض ذلك بوضوح مع وظيفة الصيغ الفعلية التى ترد على وزن (יִקְטֹל) فى العبرية المعاصرة. ففى العبرية المعاصرة يُعبَّر - بشكل مضطرد - عن الجمل السابقة على النحو التالى :
אָז שָר משה
לִפְנֵי שיָצָאתִי מֵרֶחֶם
מִן אֲרָם הִנְחָה אתי בָלָק
ومن المعلوم أن كل من يتحدث العبرية يشعر بهذه الظاهرة الأساسية الخاصة بمنظومة الأزمنة فى عبرية العهد القديم، فبدلاً من صيغ كـ (אָכַל)(أكل) و(שָתָה)(شرب) (קָם)(قام) و(הָלַךְ)(ذهب) الدالة فى العبرية المعاصرة على الزمن الماضى ترد فى العبرية المقرائية فى قوالب تركيبية خاصة نحو (וַיאכל) و(וַישת) و(וַיקם) و(וַילךְ). فهذا الاستخدام الخاص بالفعل المقرائى قد يستخدمه الشخص غير المتخصص فى اللغة من خلال قاعدة بسيطة، فبدلاً من تعبيره عن الزمن الماضى بصيغة (קָטַל) فإنه يستخدم الصيغة المخصصة للتعبير عن المستقبل مع إضافة (واو القلب) قبلها.
والتكهن بأن النظرة العميقة فى لغة العهد القديم قد كشفت ما بهذه المسألة من إشكال أمر خاطئ، فهى نظرة توضح جزءاً من أجزاء المنظومة دون أن تضع قاعدة لها. ويعد بيان تلك المسألة أمراً بديهياً بالنسبة للمسيطر على صيغ لغة أجنبية من وجهة النظر الخاصة بلغته، فمن تُستخدم فى لغته صيغة (קָטַל) للتعبير فقط عن الزمن الماضى سيربط- تلقائياً- بين الواو (ו) المسماة بـ (ו' הַהִיפּוּךְ) (واو القلب) وبين قوة القلب المتمثلة فى قلب زمن الفعل. وتستوجب النظرة الجادة لمنظومة الأزمنة فى عبرية العهد القديم تحديد السياقات الخاصة التى ترد بها تلك الظاهرة، وتستوجب كذلك تفسيراً لهذه الظاهرة الخاصة.
ولكى نقف على خصوصية منظومة الأزمنة فى لغة العهد القديم يجب الوقوف على بعض أسس النظام الزمنى، فمن الطبيعى أن يميل المرء إلى أن يرى قوانين ما من قوانين لغته موجودة كظواهر مألوفة فى اللغات الأخرى منها ما يتعلق بدلالة الزمن فى اللغة.
ويربط المتحدث بالعبرية المعاصرة صيغ الفعل بثلاثة أزمنة، أى أنه يضع ثلاث صيغ مقابل ثلاثة أزمنة: ماضى وحاضر ومستقبل. وطبيعى أن يعى المتحدث بالعبرية المعاصرة أن دلالة هذه الصيغ تكشف حقاً عن قاعدة لغوية، فمن يجد فى لغته ثلاثة أزمنة فسيتوقع وجودها كذلك فى لغات أخرى. وهذه الرؤية ربما تكون صحيحة أيضاً من خلال النظرة المتعمقة خارج السياق اللغوي، فبديهى أن يعقل المرء فى لغته ثلاثة أزمنة محددة هى: زمن لحظة التكلم (הווה)(الحاضر)، والزمن السابق على لحظة التكلم (הֶעָבָר)(الماضى)، والزمن اللاحق للحظة التكلم (הֶעָתִיד)(المستقبل). إذن فمنظومة الأزمنة هذه ربما تبدو طبيعية ولكنها لا تمثل قاعدةً فى اللغات المختلفة.
وثمة لغات تشتمل على زمنين أساسين، فتميز هذه اللغات تمييزاً رئيساً بين الزمن الماضى وبين ما ليس ماضياً، ومن ثم تستخدم صيغة واحدة للدلالة على الحاضر والمستقبل. ومن المؤكد أن المتحدث بلغة كهذه يدرك ما هو حاضر وما هو مستقبل، غير أن لغته لا تترجم هذا الفارق ترجمة لغوية.
وعلاوة على ذلك توجد الآن لغات تمتلك ثلاثة أزمنة رئيسة، غير أن نظامها اللغوى هذا يعد نظاماً لغوياً متأخراً وليس أصيلاً. واللغة الإنجليزية خير دليل على ذلك، حيث يرد الفعل المساعد (will) فـى اللغة الإنجليزية للدلالة على المستقبل، وهو فعل يعبر عن رغبة عندما لا يكون فعلاً مساعداً. لذلك هناك سؤال يطرح نفسه ههنا: ما علاقة الرغبة بالدلالة على الزمن المستقبل؟
من هنا نتوصل إلى فرضية وهى أن الزمن المستقبل فى اللغة الإنجليزية كزمن مستقل يعد زمناً ثانوياً وليس زمناً رئيساً، وأن التركيب (will do it) لم يستخـدم فى بداية الأمر إلا للتعبير عن نمط معين وهو التعبير عن رغبة.
وثمة لغات لا تنضوى على منظومة زمنية خاصة يكون معيارها هو لحظة التكلم. ومن اللغات كذلك ما ليس بها نظام واضح فيما يخص الأزمنة فى الماضى والحال والاستقبال. لذلك علينا أن نعى الواقع اللغوى الذى يمكن من خلاله استنتاج الدلالات الزمنية ليس من خلال الصيغ الفعلية المختلفة ولكن من خلال السياق. فثمة ظاهرة شائعة تتمثل فى أن ما تُعبِّر عنه لغة ما من خلال التركيب تنقله لغة أخرى للسامع أو للقارئ من خلال سياق الأحداث فحسب. ومن المعلوم أن المشكلة التى تواجه المترجم من لغة إلى أخرى تتمثل غالباً فى أن اللغة المصدر يكون التعبير فيها بالصيغ النحوية أقل مما هو متبع فى اللغة الهدف أو العكس، لذا فكل من يتطرق لتراجم العهد القديم للغات تختلف عنه إلى حد كبير سيدرك حجم التخبط الذى يقع فيه المترجم عند محاولته الموائمة بين النظام الزمنى فى تلك اللغات وما يُعبَّر عنه فى العهد القديم من خلال منظومة زمنية مختلفة تمام الاختلاف.
وعلى ضوء ذلك، علينا أن نفحص صيغ الفعل المقرائى وأن نحكم على الحقائق التى تبدو لنا انحرافاً أتعد حقاً شذوذاً عن القاعدة، أو أن غرابتها ربما تكون ناتجة عن رؤية غير صائبة لنظام اللغة المقرائية ؟. فالرؤية المتأنية من شأنها أن توضح أن هذا الاضطراب لا يرجع إلى ذات النص المقرائى، لكنه يرجع إلى مُتلقيه من القراء المُحدَثين، وذلك من خلال تطبيق قوانين العبرية المعاصرة على لغة لم تعرف مثل هذه القوانين.
وهناك من يزعمون أن العبرية المقرائية لا توجد بها أزمنة خاصة، أى أن التعارض الشكلى بين صيغتى (שָמַרְתִי) و(אֶשְמור) لا يُعبر عـن تعارض بين زمنين مستقلين. ووفقاً لهذه الرؤية، فصيغ الفعل المقرائى تعبر عن (جهات) مختلفة للحدث ولا تعبر عن زمنه، لذلك تكثر فى العهد القديم صيغ (יִקְטֹל) نحو (יעזב) و(יצא) و (יסע)، لكنها لا تُفسَّر - وفقا لسياقاتها فى النص - كدوالٍ على الزمن المستقبل، لكنها تفسر كدوالٍ على عدم تمام الحدث، سواء أكان فى الزمن الماضى أم فى الزمن المستقبل أم فى الزمن الحاضر. وغالباً ما تحمل صيغة (יִקְטֹל) الدلالة على حدث متكرر وثانوى. ويتضح ذلك من خلال الجمل الآتية :
- מִן הַבְּאֵר הַהִיא יַשְׁקוּ הָעֲדָרִים ( التكوين 29 / 2)
- كانوا من تلك البئر يسقون القطعان
- וְאַחֲרֵי כֵן יִסְעוּ ( العدد 9 / 17)
- كانوا بعد ذلك يرتحلون
- וּלְחַנָּה יִתֵּן מָנָה אַחַת אַפָּיִם (صموئيل الأول 1 / 5)
- أما حنة فأعطاها نصيب اثنين
من الواضح أن الجملة الأولى لا تذكر حدثاً سيحدث، لكنها تسرد حدثاً عاود الحدوث فى الماضى، وتصاغ مثل هذه الجملة فى العبرية المعاصرة على النحو التالى:
שָם הָיו רְגִילִים לְהַשְקות את הָעֲדָרִים
كانوا معتادين أن يسقوا القطعان هناك
وأيضاً لا تذكر الجملة الثانية حدثاً سيحدث، لكنّ دلالتها هى: وبعد ذلك - وفقاً للملابسات المفصلة فى النص – كان بنو إسرائيل معتادي السفر. ولاتعرض لنا الجملة الثالثة وعداً بالمستقبل، لكنها تحدد أن نظام (אֶלְקָנָה) كان يقضى بإعطاء (חַנָּה) نصيباً مضاعفاً. ويتضح هذا الأمر بالفعل من خلال تتابع الأحداث (וְכֵן יַעֲשֶׂה שָׁנָה בְשָׁנָה)( وهكذا فعل سنة تلو أخرى).
وتقترب من هذه الحالة الجمل التى يُعبِّر فيها الفعل عن حدث متكرر، لكنها تعبر عن أعمال مُفرغة من الزمن، أى الأعمال التى تمثل قانوناً وعادة :
- עַל כֵּן יַעֲזָב אִישׁ אֶת אָבִיו וְאֶת אִמּוֹ (التكوين 2/ 24)
- لذلك يترك الرجل أباه وأمه
وتقدير الجملة : وبناءً على ذلك يعتاد الرجل أن يترك أباه وأمه.
ومن ثم فإن التقابل الشكلى بين صيغتى (קָטַל) و (יִקְטֹל) قد لا يعبر عن تقابل زمنى، لكنه يعبر عن تقابل بين حدث فردى وآخر متكرر أو حدث دال على عادة. وتُفسَّر الجملة المقرائية :
- אַחַת לְשָׁלֹשׁ שָׁנִים תָּבוֹא אֳנִי תַרְשִׁישׁ (ملوك الأول 10/ 22)
فكانت سفن ترشيش تأتى مرةً كل ثلاث سنوات على:
كان من المعتاد أن تأتى سفينة إلى ترشيش مرة كل ثلاث سنوات، فاستبدال الفعل (בָּאָה) بالفعل (תָּבוֹא) ما كان ليغير الدلالة الزمنية للحدث، لكنه كان سيعرض الحدث كحدث فردى وقع فى زمن محدد.
وإذا تبنينا التوجه الخاص بدلالة الصيغ الفعلية فى العهد القديم على (جهات) وليس عن أزمنة - على العكس تماماً من العبرية المعاصرة - ستقف أمامنا العديد من الجمل التى تبدو من وجهة نظرنا جملاً غريبة، إلا أن ذلك التوجه ليس هو توجه جميع الباحثين، لأن شيوع صيغ (יִקְטֹל) فى العهد القديم يتعارض معه، وربما يشير كذلك - على الأقل - إلى أن هذا الوضع لا ينطبق على جميع الجمل فى العهد القديم، حيث ترد صيغة (יִקְטֹל) فى جمل عديدة دون أن تدل على عادة أو حدث متكرر، أى دون أن يعبر الحدث فيها عن جهة محددة، ففى مثل هذه الحالات المتعددة كان الكاتب يقصد الحدث الفردى، وهذا ما تعبر عنه الجمل الآتية:
- אָז יָשִׁיר מֹשֶׁה
- حينئذ رنم موسى
- בְטֶרֶם אֵצֵא מֵרֶחֶם
- قبل أن أخرج من الرحم
- מִן אֲרָם יַנְחֵנִי
- من آرام أتى بي
فهذه الجمل لا تعبر عن أن (موسى) فى – فى ظروف معينة - كان معتاد الغناء، أو أن (بالاق) - فى ظروف معنية - كان معتاد الإتيان بـ (بلعام) من آرام، فدلالة صيغة (יִקְטֹל) فى الجمل السابقة هى الماضى، حيث تعبر عن حدث فردى محدد فى الزمن الماضى.
وكذلك لا تتواءم الصيغ (וַיִקְטֹל) نحو (וַיֵלֵךְ) المسماه بالصيغ المقلوبة أو الصيغ المصاحَبة بواو القلب وأشباهها مطلقاً مع نظرية (الجهات)(אַסְפֶּקְטִים)، إذ إن هذه الصيغ لا تعبر - بشكل عام - عن أحداث متكررة، لكنها تعبر عن أحداث فردية فى الزمن الماضى، فهى تعبر عن حدث وقع فى الزمن الماضى ضمن سلسلة من الأحداث الأخرى المتعاقبة الواحد تلو الآخر.
ووفقاً لنظرية أخرى، فما نظام الفعل فى عبرية العهد القديم – إذا جاز لنا أن نطلق على هذا الكيان المعقد نظاماً (מַעֲרֶכֶת) – إلا نتيجة تطور ناجم عن نظام أبسط. واستناداً إلى هذا الرأى، يكمن أصل النظام الزمنى المقرائى فى نظام لغوى اُستخدمت فيه صيغة فعلية واحدة هى الصيغة (יִקְטֹל)، ولم تُستخدم صيغة (קָטַל) - المستعملة فى العبرية المعاصرة وفى مواضع عديدة من لغة العهد القديم كذلك كصيغة فعلية مقابلة زمنياً لصيغة (יִקְטֹל) - فى المراحل المبكرة من تاريخ اللغة، ومن ثم فلم تكن تدل على زمن. عندئذ اُستخدمت صيغة (יִקְטֹל) للدلالة على جميع الأزمنة: الماضى والحاضر والمستقبل. هذا هو أصل استعمال صيغة (יִקְטֹל) التى تبدو لنا شاذة للغاية عند مقارنتها بما هو متبع فى العبرية المعاصرة. ومن هنا تستعمل صيغة (יִקְטֹל) القديمة للدلالة على الزمن الماضى بعد بعض الكلمات مثل (אָז) و(בְּטֶרֶם) كما فى:
אָז יָשִׁיר
בְּטֶרֶם אֵצֵא
وهكذا الأمر فى حال استخدام صيغة (יִקְטֹל) للدلالة على الماضى بعد (ו' החיבּוּר) (واو الربط).
تلك هى الحالات التى ترد فيها صيغة (יִקְטֹל) القديمة فى العبرية المقرائية، فالواو (ו') لا تقلب زمن صيغة (יִקְטֹל) كما يبدو الأمر لمتحدث العبرية المعاصرة، لكن هذه الصيغة القديمة (יִקְטֹל) ترد بعد الواو (ו')(واو الربط) التى تربط أفعالاً دالة على أحداث متعاقبة، كما ترد بعد (אָז) و(בְּטֶרֶם)، وهذه هى شروط استعمالها.
وما حدث من تطورات بعد ذلك أدى إلى إنتاج المقابل (קָטַל) لصيغة (יִקְטֹל) و(שָמַר) لصيغة (יִשְמֹר)، فمن خلال هذا التقابل الشكلى خُصصت صيغة (קָטַל) للدلالة على الماضى وصيغة (יִקְטֹל) للدلالة على المستقبل. وكذلك يعد التقابل الدلالى بين صيغتى (קָטַל) وصيغة (יִקְטֹל) – الذى يعتبر أساساً فى العبرية المعاصرة – ليس إلا نتيجة تباين ثانوى. وهكذا تساعد هذه النظرية فى فهم الدلالة الغامضة لاستعمالات الأزمنة، حيث استخدمت العبرية المقرائية نظاماً مزدوجاً عبَّر فيه المقابل (קָטַל) – (יִקְטֹל) عن تقابل زمنى بيـن الماضى والمستقبل. وقد ظلت بقايا النظام القديم – الذى لم يكن معتمداً على التقابل بين صيغتى (קָטַל - יִקְטֹל) – مستخدمةً فى اللغة، لكن هذه الأمور لم يتم الانتهاء بعد من تفسيرها، فما زال كثير منها قابلاً للإيضاح والتفسير والنقاش.
وتتجلى صعوبة كبيرة فى استعمال صيغة (וְקָטַל)، تلك الصيغة المقلوبة من الماضى إلى الاستقبال، كما يُطلق عليها. فإذا كان من اليسير علينا أن نفهم على ضوء النظرية مغزى استخدام صيغة (וַיִקְטֹל)(المستقبل المقلوب) بدلالة الماضى من خلال ربطنا هذه الدلالة بالاستعمال القديم لصيغة (יִקְטֹל) الذى اُستخدم فى مرحلة مبكرة للدلالة على جميع الأزمنة، فمن الصعب أن نُفسرَ استخدام (וְקָטַל) (الماضى المقلوب) للدلالة على المستقبل، حيث لا نرى فى هذا الموضع استخداماً قديماً، فلم تكن تستخدم هذه الصيغة مطلقاً فى المراحل المبكرة للإشارة إلى زمن.
وقد فـَسَّرَ بعض الباحثين هـذا الاستخدام الغامض لصيغة (וְקָטַל) كنتيجة للقياس، حيث إنه إذا كانت صيغة (יִקְטֹל) تدل على الاستقبال وتدل صيغة (וַיִקְטֹל) على الماضى، فكذلك لمّا كانت صيغة (קָטַל) تدل على الماضى فإن صيغة (וְקָטַל) تدل على الاستقبال. أى أن استخدام صيغة (וְקָטַל) المقرائية يعد قياساً على استخدام (וַיִקְטֹל) الموضوعة فى غير دلالتها الزمنية.
وهنا يُطرح هذا التساؤل بشكل مُلِحٍّ: كيف يمكن لنظريتين متعارضتين أن توضحا بجلاء كثيراً من الحقائق اللغوية ؟.
رأينا أنه قد تكشفت لنا حقائق اللغة المقرائية من خلال نظرية (الجهات) أو من خلال نظرية الاستخدام القديم لصيغة (יִקְטֹל). فالنظرة المتعمقة لماهية اللغة المقرائية قد تُسِّهل فى حل هذا الأمر. فاللغة المقرائية ليست قالباً واحداً، إذ لم يُستخدم بها نظام لغـوى واحد منذ أيام موسى وحتى أيام (نحميا)، وليست هناك إمكانية فى الوقت الحالى لتحليل العهد القديم على نحوٍ يُمكِّنُ من إنشاء أنظمة منسقة وواضحة يمكننا ربطها بفترات محددة، ولا يمكن الآن ربط قواعد لغة "جدعون" وقواعد لغة الشعب فى أيام "داود" وقواعد لغة أولئك الذين خرجوا إلى بابل بفترات بعينها. وهكذا نجد أنه من جراء كثرة استخدامات الفعل المقرائى فليست هناك إمكانية لبناء نظام واضح لاستعمالات الأزمنة فى الفترات المختلفة للغة المقرائية، فعدم التجانس فى عبرية العهد القديم يسوغ لنا القول إن نظرية (دريفر) الخاصة بـ (الجهات)(אַסְפֶּקְטִים) ونظرية (باور) الخاصة بالنظام الزمنى القديم لا تناقض إحداهما الأخرى بالضرورة، لكن يحتمل أن تكون الفترة التى استخدمت فيها اللغة أحد هذين النظامين قد استخدمت فيها كذلك بقايا النظام الآخر.
إذاً فكلتا النظريتين تساعدنا على فهم الفعل المقرائى، وكذلك فإنهما تلقيان مزيداً من الضوء على اضطراب النظام الزمنى فى لغة العهد القديم، ولكن الأمر لم يتضح لنا بصورة كاملة حتى الآن، ومهما كانت رؤيتنا لقضية الأزمنة فإن الفجوة بين استعمالات الأزمنة فى العبرية القديمة وما هو متبع فى العبرية المعاصرة واضحة للغاية.
لا تناقض إحداهما الأخرى بالضرورة، لكن يحتمل أن تكون الفترة التى استخدمت فيها اللغة أحد هذين النظامين قد استخدمت فيها كذلك بقايا النظام الآخر.
إذاً فكلتا النظريتين تساعدنا على فهم الفعل المقرائى، وكذلك فإنهما تلقيان مزيداً من الضوء على اضطراب النظام الزمنى فى لغة العهد القديم، ولكن الأمر لم يتضح لنا بصورة كاملة حتى الآن، ومهما كانت رؤيتنا لقضية الأزمنة فإن الفجوة بين استعمالات الأزمنة فى العبرية القديمة وما هو متبع فى العبرية المعاصرة واضحة للغاية.
المصدر: העברית שלנו והעברית הקדומה, אליעזר רובינשטין, הוצאת משרד הבטחון, 1980
.jpg)