د.عزة محمد سالم، كلية الألسن. جامعة عين شمس
في أعقاب العودة من السبي البابلي(1) أصبحت التوراة هى الأساس العام الذى ينظم الحياة اليهودية، وركز عزرا وأتباعه(2)كل جهودهم لكتابة التوراة وشرح ما يغمض فيها، ونهج من جاء بعده نفس النهج، واستمر الاهتمام بالتوراة ونصوصها الشغل الشاغل للأجيال التالية، حتى جاءت فترة، فكر فيها أحبار اليهود في إرساء قواعد وأساليب ثابتة للأجيال القادمة يهتدون بها في فهم النص وما يتطلبه من استنباط الأحكام، فأخذوا يستخرجون من هذه النصوص ما يتصل بالتشريع والقانون، وما يتصل بالقصص والأساطير والأمثال، وهو ما شكل فيما بعد ثاني أعظم عمل كتابي في تاريخ اليهود، تفوق قدسيته في كثير من الأحيان التوراة نفسها، وهو التلمود(3).(4) ثم جاءت مدرسة الجاءونيم، التى تلت فترة تدوين التلمود لكى يوضع في مكانة مساوية لنصوص العهد القديم. ونتجت مدرسة الجاءونيم كأولى روافد التفاعل الاجتماعي والفكرى والثقافي بين اليهود والمسلمين. وتميزت هذه الفترة بوجود أكبر مركزين للديانة اليهودية، سورا وبومبادثيا(5). وأبرز من ظهر في هذه الفترة سعديا جاءون(6) وصموئيل بن حفني(7).
كانت هذه الفترة هى فترة ازدهار علم الكلام اليهودي استنادا إلى أفكار أفلاطون وأرسطو ولكن هؤلاء المتكلمين اليهود لم يستقوا أفكار أفلاطون وأرسطو من منبعها اليوناني بل من خلال التراجم العربية ،التى انتشرت أيما انتشار، في العالم العربي، الذى تشبع بهذه المؤثرات اليونانية من خلال حركة التجارة التى ازدادت في هذه الفترة بين الشرق والغرب، ثم انتقلت للجماعات اليهودية التى تعيش بين العرب.(8)
لكن تجدر الإشارة إلى أن المتكلمين اليهود عندما أخذوا تلك الأفكار الفلسفية الجديدة، من خلال التراجم العربية لها، أخذوها بالصبغة الإسلامية، نظرا لأن الدين الإسلامي دين توحيدي مثل اليهودية بعيد عن الوثنية اليونانية، فحاول المتكلمون المسلمون التوفيق بين الفلسفة والدين ونجحوا في ذلك. ثم أخذ اليهود هذا النتاج الميسر ليحاولوا الارتقاء بالفكر الديني اليهودي إبان تلك الفترة من طبيعته الجامدة التى اقتصرت على محاورات التلمود والمدراشيم، ليطرق آفاقاً جديدة فرضتها عليه الظروف منها: الخلاف بين القرائين والربانيين(9) وظهور الملاحدة وكتب الطعن التى زادت في هذه الفترة على الديانة اليهودية(10).
وتمثل اتجاه التفسير في تلك الفترة في وضع أسس للعقيدة اليهودية تتوافق مع الوحي، لظهور علوم دينية ودنيوية جديدة، ورأى علماء الكلام اليهودي أن ما في كتبهم من توراة وتلمود لا يتناسب مع المعارف العقلية التى توصل إليها الفكر البشري في مجال ما وراء الطبيعة، كما إنه لا يتلاءم مع الفهم الفلسفي للأمور المجردة، فكان لابد لهم من إعمال العقل لإيجاد مخارج تأويلية للنصوص التى لا تتلاءم مع هذه المعارف والتى تظهر متناقضة مع العقل وعلى رأس هذه الأمور الذات الإلهية والصفات والأفعال التى ينسبونها له تعالى، فظهر جماعة من الفلاسفة اليهود وعلماء الكلام اليهودي من أمثال موسي بن ميمون(1135-1204م)، فركزوا اهتماماتهم على إعادة طرح الفكر اليهودي بطريقة عقلية حديثة وأولوا ما ظاهره خلاف ذلك. وتميز موسي بن ميمون بمنهج فلسفي وعقائدي يمزج بين العقل والنقل، وكان لهذا المنهج تأثير عظيم في الفكر الديني اليهودي نتج عنه صياغة نظرية في أصول الدين اليهودي، تأثرا بالثقافية الإسلامية التى سادت قبل عصر بن ميمون وأثنائه وخصوصا آراء المعتزلة، والفلسفة المشائية الإسلامية(فلسفة ابن رشد وابن سينا والفارابي) التى لعبت دورا بارزا في إنقاذ التراث الديني التلمودي من تناقضات الآراء الحاخامية التى سيطرت على مجمل التراث الديني اليهودي قبل ابن ميمون.
اضطر الكُتاب اليهود للجوء لاختراع الكتابة العربية اليهودية حيث إنها أسهل وأيسر من اللغة العبرية، التى اقتصرت على كونها لغة معابد فقط، حتى يتم غلغلة مثل هذه المؤثرات الجديدة، للطوائف اليهودية سواء الربانية أو القرائية.(11)فضلا عن أن العربية كانت في ذلك الوقت لغة الحضارة والتأليف في كل المجالات، واللغة الدارجة على ألسنة معظم اليهود في البلاد العربية التى تم فتحها، وكذلك لأن الكُتاب اليهود في ذلك الوقت كانوا بالتأكيد برغبون في انتشار أعمالهم الأدبية بين كل طبقات اليهود.
ثم أفل نجم الدراسات الدينية في الشرق وانتقال الفكر والثقافة اليهودية كلها إلى مواطن أخرى في شمال أفريقيا والأندلس الإسلامية حيث تطور التفسير هناك ووجدت مدارس تفسيرية أكثر تخصصية في مجال التفسير، وكانت أهم تلك المدراس هى المدرسة اللغوية التى ازدهرت على يد مروان بن جناح القرطبي(12)،إلى جانب مدارس أخرى اعتنت بنص العهد القديم وما يشتمل عليه من تشريع وفلسفة وروحانيات مثل ابن فاقودة (13)، (14).
أما في مصر، وعلى الأخص في العصرين الفاطمي والأيوبي، فقد عاش اليهود عيشة كريمة ومنظمة، فتولوا بعض المناصب المهمة دون غضاضة، مما جعلهم ذوى حيثية ونفوذ في المجتمع المصري في ذلك الحين، وهذا الاستقرار والرغد من العيش أثر أكبر التأثير في الروح الابداعية مماجعلهم يشكلون جزءا من تاريخ الثقافة المصرية في العصر الأيوبي، ومن هذه البيئة خرج أفراهام بن ميمون(15) ابن موسي بن ميمون، أعظم فلاسفة اليهود على الإطلاق، ربيب الفكر اليهودي المتأثر والمشبع بالفكر العربي الإسلامي، ومتأثرا بالفكر الصوفي الإسلامي متمثلاً في الغزالى والقشيري والسلمي والطوسي(16).
ولم تحظ التفاسير اليهودية في العصر الوسيط باهتمام الباحثين بشكل كاف، ولم يُسلط الضوء على فضل الثقافة العربية الإسلامية في التفاسير اليهودية، باسثناء سعديا الفيومي وموسي بن ميمون، أما أغلب المفسرين اليهود فلم تتم دراستهم كما ينبغي، مثل افراهام بن ميمون لم يحظ بالدراسة من قبل الباحثين، אפ רים יהודה בן שרגא ויזנברג(افرايم يهودا بن شرجا فيزنبرج) الذى حقق تفسيره لسفري التكوين والخروج، وترجمة نسيم دانا لكتابه "كفاية العابدين".
تتطرق هذه الدراسة إلى تفسير أفراهام بن ميمون لقصة الخلق، نظراً لمركزية هذه القصة في سفر التكوين خاصة والتوراة عامة، ولما تحتويه من قضايا إشكالية، تستوجب الوقوف عليها. أما أفراهام بن ميمون، فتعود أهميته إلى أنه مثال للثقافة اليهودية المصرية في العهد الأيوبي، وكذلك لكونه يجمع بين أطراف مختلفة منها مرجعيته الفلسفية المتمثلة في والده، وميوله الصوفية، وتأثره بالمنهج العقلي المستمد من الفكر العربي الإسلامي(مثل سعديا وصموئيل بن حفني)، وتمسكه بالمنهج النقلي المعتمد على الموروث اليهودي التقليدي، وتأرجحه بين كل هذه الأطراف. ومن هنا وقع الاختيار عليه مادة للبحث، للوقوف على المناهج العقلية والنقلية في تفسيره لقصة الخلق.
أماعن المنهج المتبع في الدراسة فهو منهج تحليلي مقارن، من خلال تحليل التفسير مع مقارنته بمصادر التأثير الإسلامية واليهودية، وتبدأ الدراسة بالتعريف بأفراهام بن ميمون، وتعريف التفسير والتأويل والعقل والنقل لارتباط التفسير بالنقل وارتباط التأويل بالعقل، ثم كانت هناك ستة محاور للدراسة هي:
1-التفسير بالدليل النقلي عند أفراهام بن ميمون ومراحله.
2-التفسير بالدليل العقلي ومداركه وطرق القياس العقلي.
3-استخدام الدليل العقلي لتأييد آرائه.
4-استخدام منجزات العصر في التفسير.
5-استخدام اللغة في التفسير.
6-أثر الفكر الصوفي في التفسير.
- أفراهام بن ميمون
وُلد الحاخام إبراهيم أبو المنى ابن الرئيس موسى الميموني في الفسطاط في مصر عام ١١٨٦م وتوفي عام ١٢٣٧م، عن عمر يناهز واحداً وخمسين عاماً(17)نشأ أفراهام في عالم متعدد الثقافات حيث تعايش المسلمون واليهود والمسيحيون مع بعضهم البعض. فاطلع على كتب أبي نصر الفارابي، وابن سينا وابن رشد(18). (19)
صار رئيسَ يهود مصر بعد وفاة والده (موسي بن ميمون) لمدة ثلاثين عاماً، ومن المعروف أن عائلته استمرت في قيادة يهود مصر جيلاً بعد جيل حتى الجيل الخامس. وكان يعمل طبيبا للسلطان الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب الذي حكم مصر من ٦١٥ هـ حتى ٦٣٥ هـ (١٢١٨م حتى ١٢٣٨م) بينما كان والده الحاخام موسى بن ميمون طبيباً للسلطان صلاح الدين الأيوبي. مما جعله يتمتع بنضوج فكري منذ سن صغيرة مما مكنه رغم قصر عمره من ترك العديد من المؤلفات المهمة، وهذا ما جعل يهودا الحريزي(20)يمدحه عند وصوله إلى مصر والتقائه به.(21).
فكره
- التشريع
ذاع صيت الحاخام أفراهام بين اليهود في مختلف أرجاء الخلافة الإسلامية، وأصبح الناس على تواصل دائم معه، حيث كانوا يرسلون له الأسئلة المتعلقة بالخلافات الدينية، والمسائل الشرعية اليهودية والاجتماعية والمسائل العائلية المتعلقة بالزواج والطلاق وكان يرسل لهم الأجوبة الصحيحة.(22)
- التصوف
شهدت حياة أفراهام بن ميمون تحولاً في ميله إلى الصوفية، نظراً لانتشار الطرق الصوفية في مصر في ذلك الحين(23) ، ورواج الفكر والكتابات الصوفية مثل كتب الغزالى والحلاج(24).(25)فاعتقد أن الممارسات الصوفية الموجودة عند بعض المسلمين في أيامه كانت طريقة العبادة عند الأنبياء عليهم السلام. لذلك رأى أنه يجب تطبيقها على الشعائر والطقوس اليهودية في الصلاة والصوم والكثير من العبادات ليصل العابد إلى كمال العبادة بالاتحاد مع الله، وقد خصص أفراهام بن ميمون كتابه "كفاية العابدين" للتحدث باستفاضة عن هذا الموضوع.(26)
على الرغم من أن هدفه الكبير كان نشر أجواء روحانية في العبادة اليهودية مع أشكال جديدة من آداب الصلاة، فإن بعض يهود مصر لم يتقبلوا أفكاره الجديدة لأنها تتعارض مع أصول الشريعة والطقوس اليهودية التي كانت تمارس قبل أن يأتي الحاخام أفراهام بأفكاره الجديدة. واعتبروا أن هذه الممارسات بدعة جديدة في الدين والعادات، ولكن البعض الآخر اتبع أفكاره ونهجوا طريقه الجديد وأُطلق عليهم اسم «الحاسيديم»(27) لذلك يعد أفراهام بن ميمون مؤسس فرقة الحسيدية وما ساعده على ذلك، مكانته، حيث كان من الشخصيات التى تسيطر على مقادير اليهود العامة والدينية، ولمكانة والده موسي بن ميمون.(28)
- الفلسفة والمنطق
تحدث الحاخام أفراهام بن ميمون عن الفلسفة والأخلاق جنبا إلى جنب في معظم كتبه. مثل إيمانه بفكرة حداثة العالم ومناقضة من قال بقدمه، فنراه في تفسير الفقرة (التكوين 2: 5) يستشهد بها على أن الله خالق كل شيء على وجه الأرض وإن الأشياء لم توجد بفعل قانون طبيعي قديم ولذلك قال "לא המטיר (لم يكن قد أمطر)ولم يقل כי לא ירד המטר (لم ينزل المطر) لأن في مشيئته تعالى عند خلقه للعالم أنه حكم بنزول المطر وسقي الأرض، وذلك يدل على حداثة العالم.
- التفسير
له كتب تشتمل على تفاسير التوراة، ولم يصل إلينا منها إلا تفسير سفر التكوين وسفر الخروج فقط. كما يوجد جزء من تفسيره للتلمود وتفسيره لكتاب الشريعة اليهودية الذي ألفه والده «التثنية». وله كتب طبية باللغة العربية.
ومن الجدير بالذكر أن أفراهام كان من مفسري التوراة على طريقة البشط(29)، وهو تفسير الكلمة أو الفقرة حسبما سمعت واعتماداً على اللغة المكتوبة بها مع الانتباه إلى السياق والمعاني المعجمية للكلمات. وهذا لا يعنى رفضه لتفسيرات حكماء المشنا، بل اعتمد عليها كثيراً مع ذكر أوجه اختلافه معهم .(30)
- كتبه
عُثر على كثير من المخطوطات التي ألفها الحاخام أفراهام في المكتبة المسماة بالعبرية «الجنيزة» وهي تقع في كنيس ابن عزرا في الفسطاط، ومن هذه الكتب:
"كتاب المعارك": ألفه بالعبرية. كان هدفه من هذا الكتاب الدفاع عن آراء والده في المذاهب الفلسفية التي نشرها والده في كتابه «دلالة الحائرين» بعد أن سمع بأن بعض اليهود في فرنسا عارضوا كتب والده، وألفه عام ١٢٣٥م .(31)
«مقالة الخطاب على أقوال وقصص الحاخامات» وهدفه من هذا الكتاب كشف آراء والده عن القصص الموجودة في التلمود.(32)
من كتبه باللغة العربية نجد كتاب "الخواص» وأيضاً كتاب "تاج العارفين»، وكتاب الخواص كُتب بالعربية وقدم فيه تفسيراً للتوراة مع ذكر آراء المفسرين السابقين وذكر أوجه اتفاقه واختلافه معهم.(33)
كتاب "كفاية العابدين": هو الكتاب الأفضل والأهم الذي ألفه الحاخام أفراهام، حيث يتكلم فيه عن الشريعة اليهودية وطرق العبادة المثلى. يشتمل هذا الكتاب على عشرة أجزاء وهو أطول من كتاب والده «دلالة الحائرين» بأربع مرات. لم يصل إلينا من هذا الكتاب إلا ثلاثة أجزاء.(34)
"מעשה של ירושלמי": وهو كتاب أمثال (35).
بين التفسير والتأويل
التفسير مشتق من "فسر" أو من "سفر" فدلالة المادتين واحدة في النهاية وهى الكشف عن شيء مختبئ من خلال وسيط، يعد بمثابة علامة دالة للمفسر من خلالها يتوصل إلى هذا الخبئ الغامض(36). أما التأويل فارتبط في بدايته بتأويل الاحلام لما جاء في القرآن الكريم، في قصة سيدنا يوسف:"وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث"(37) ومن هنا كان التأويل هو الكشف عن الدلالة الخفية الباطنة للأفعال أو الكشف عن أسبابها الحقيقية، والكشف عن الأسباب الحقيقة، بمثابة الكشف عن الأصول وهذا يتطابق مع أصل كلمة تأويل من الأول بمعنى الرجوع، فالتأويل تفعيل من أول يؤول تأويلا وثلاثية آل يؤول أى رجع وعاد، فالتأويل إذاًالعودة إلى أصل الشيء، كما أن التأويل من الائتيال وهو الإصلاح والسياسة، ولذلك يكون التأويل أيضا متابعة الشيء بالسياسة والإصلاح حتى يصل إلى غايته ومنتهاه. ومن هنا فالتأويل عملية أوسع من التفسير، لأن التفسير يحتاج إلى وسيط، في حين أن التأويل يعتمد على حركة الذهن في الاكتشاف للدلالات الجديدة. والتفسير مختص بالجوانب الخارجية للنص مثل أسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وهى كلها علوم نقلية لا مجال للاجتهاد فيها، وبذلك يمهد التفسير للتأويل ويصبح جزءا منه؛ فالتأويل مرتبط بالاستنباط في حين يغلب على التفسير النقل، ولكن هذا الاستنباط يستند إلى حقائق النص من جهة ومعطياته اللغوية من جهة أخرى.(38)
والتأويل في كلام كثير من المفسرين، كابن جرير ونحوه، يريدون به تفسير الكلام وبيان معناه، سواء وافق ظاهره أو خالف؛ وهذا مصطلح معروف، وهذا التأويل كالتفسير، يحمد حقه ويرد باطله ، أما في كلام المتأخرين من الفقهاء والمتكلمين، هو حرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدلالة توجب ذلك. وهذا هو التأويل الذى تنازع الناس فيه في كثير من الأمور الخبرية والطلبية؛ فالتأويل الصحيح منه الذى يوافق ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وما خالف ذلك هو التأويل الفاسد.(39)
ولكن هذا لا يعنى رفض التأويل وإلا ما كان قوله تعالى "وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم"(40) ومن هؤلاء الراسخين في العلم ابن عباس رضى الله عنه فقد قال عن نفسه: أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله، فقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" (41).
لذلك نجد الفرقة المحقة من فرق المسلمين عند الغزالى، هى الجامعة بين المعقول والمنقول، الجاعلة كل واحد منهما أصلاً مهماً، المنكرة لتعارض العقل والشرع وكونه حقاً ومن كذب العقل فقد كذب الشرع، إذ بالعقل عرف صدق الشرع ولولا صدق دليل العقل لما عرفنا الفرق بين النبي والمتنبي والصادق والكاذب وكيف العقل بالشرع وما ثبت الشرع إلا بالعقل.(42)
ويوصى الغزالى بعدم تكذيب برهان العقل؛ لأن العقل لا يكذب ولو كذب العقل فلعله كذب في إثبات الشرع؛ إذ به عرفنا الشرع ، فكيف يعرف صدق الشاهد بتزكية المزكي الكاذب والشرع شاهد بالتفاصيل، والعقل مزكي الشرع وأن يكف عن تعيين التأويل عند تعارض الاحتمالات، فإن الحكم على مراد الله سبحانه ومراد رسوله(صلى الله عليه وسلم) بالظن والتخمين خطر. ولكن وجوه الاحتمالات في كلام العرب وطرق التوسع فيها كثير فمتى ينحصر ذلك فالتوقف في التأويل اسلم، والتخمين والظن جهل وقد رخص فيه لضرورة العبادات والأعمال والتعبدات التى تدرك بالاجتهاد وما لا يرتبط به عمل إنما هو من قبيل العلوم المجردة والاعتقادات.(43)
وأفراهام بن ميمون ممن يقدمون التفسير على التأويل، فيظهر في كثير من تفسيراته فيقول مثلا:"ארור אפם וג׳ (ملعون غضبهما) والقصد بـ ארור (ملعون)هنا الذم لا اللعن ومع ذلك لم يذم إلا صفة من صفاتهما لأن فيها إفراط كمال قال כי עז (لأنه شديد)وقال ابن عزرا رحمه الله إن المعنى دعاء بأن ينقص الله النزعة التى فيهم منهم أو من نسلهم وهذا نادر أو أقرب إلى التأويل منه إلى شرح النص". (44)
فهو هنا يقر أن المفسر (عزرا) لم يشرح النص بل أولّه والأولى أن يشرحه لأن هذا يجعله معنى نادراً، ويقول في موضع آخر إنه لا يقبل أن يكون التأويل بلا دليل، لأنه غزالى وأشعري المذهب فيقول:"יששכר חמור גרם (يساكر حمار جسيم)قال فيه المفسر كجسم منفرد وهو قول بلا دليل وظاهر النص حمار ذو عظم أى كبير الجسم جرم العظم مشتق من גרמיו والمعنى أن יששכר גרמו כגרם החמור (يساكر جسمه كجسم الحمار)أى صلب قوى غليظ...." (45)
ويختار أفراهام بن ميمون أقرب الطرق، ويرفض التأويل الذى يقوم به بعض المفسرين مثل سعديا ويختار الشرح المبسط الذى يقوم به أونكلوس(46)، فيقول:"ואד....(ثم كان ضباب ..). وبحسب ذلك لا ضرورة لتأويل رابي سعديا في تقدير لا قبل ואד على ما هو مشهور في تعبيره ومبسوط في شرحه المتسع ورأى انكلوس في إبقاء النص على ظاهره يعضد ما بسطته".(47)
فهنا أفراهام لم يرفض التأويل ولكنه يراه أمراً غير مرغوب فيه عندما يكون المعنى واضحاً ويبعد عن المعنى الأصلي للنص، ولكن أفراهام مثله مثل غيره من المؤلفين اليهود يلجأ لسلاح التأويل عندما يصادفه نصاً مشكلاً يطعن في صلب العقيدة اليهودية مثل فقرات التجسيم، محل الطعن الأول على العهد القديم، فيقول في الفقرة التى طالما أرهقت المفسرين اليهود "خلقنا الإنسان بصورتنا كشبهنا":"ויאמר אלהים נעשה אדם וכו״ (وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا)وهذا النص ظاهر مفهومه يخالف قواعد الشريعة ولذلك يلزم تأويله كما تتأول جميع النصوص الدالة على التجسيم ونحوه وذلك إن في ظاهره أمرين مشكلين قد تكلم في بيان استعارتهما كل أحد من معتبري علما ملتنا أحد ذنيك الأمرين قوله تعالىנעשה (نعمل)بلفظ الجمع وهو تعالى الخالق لا سواه ولا شريك له وثانيهما قوله "בצלמנו כדמותינו(على صورتنا كشبهنا) يوهم ظاهر مفهومه إن الإشارة للشكل والتخطيط وهو تعالى منزه عن الجسمانية ولذلك يستحيل أن يكون له شكل أو تخطيط ...." (48).
فهو هنا استخدم سلاح التأويل العقلي لكل الفقرات التى تعارض التوحيد التى يوهم ظاهرها مشابهة الله للبشر.
العقل والنقل
1– العقل
أ-في اللغة:
عقل الشيء فهمه فهو عقول، العَقْلُ: الـحِجْر والنُّهى ضِدُّ الـحُمْق، والـجمع عُقولٌ. ابن الأَنباري يقول: رَجُل عاقِلٌ وهو الـجامع لأَمره ورَأْيه، مأْخوذ من عَقَلْتُ البَعِيرَ إِذا جَمَعْتَ قوائمه.(49)والمَعْقُولُ: ما تَعْقِلُه في فُؤادِك. ويقالُ: هو ما يُفْهَمُ من العَقْل.(50)
العقل في اللغة العربية الربط والحجر والنّهي منعا للشرود والتسيّب. يقال يعقل النّفس يمنعها عن التصرّف على مقتضى الطّباع. والعقل العلم بصفات الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها .
ب – في الاصطلاح:
-العَقلُ: يقالُ لِلقُوَّةِ المُتَهَيِّئَةِ لِقُبُولِ العِلْمِ ويقالُ لِلْعِلْمِ الذي يَسْتَفِيدُهُ الإنْسَانُ بتلْكَ القُوَّةِعن مفردات القرآن الكريم.(51).كما أن العقل به يميز بين الأشياء ضارها ونافعه. العقل طاقة المعرفة ومرتكزها أو حامل المعرفة في مستوى الذات الإنسانية (52).
2– النقل :
أ-في اللغة :
النَّقْلُ: تـحويلُ الشيء من موضع إِلـى موضع، نَقَله يَنْقُله نَقْلاً فانتَقَل. و التَّنَقُّل: التَّـحوُّل(53)
ب- في الاصطلاح:
ما انتقل عبر الأجيال من موروث ثقافي وحضاري ويقصد به في الفكر الإسلامي خاصة القرآن والسنة ويسمى النص والسمع والوحي والشرع.
لم يختلف علماء الإسلام حول دلالة الدليل النقلي والدليل العقلي، وإنما اختلفوا حول أسبقية كل منهما، فمنهم من بدأ بالأدلة الشرعية من آيات القرآن والأحاديث النبوية ، والأخبار والآثار الواردة عن الصحابة والتابعين، ثم ينتهي بالأدلة العقلية التى تؤكد هذه القضايامثل الأشاعرة، في حين قدمت فرقة مثل المعتزلة(54) أدلة العقول على الدليل الشرعي، حيث ذهبوا إلي أن كلام الله عزوجل في كتابه لا يدل على العقليات من التوحيد والعدل فمعرفة الحسن والقبح مثلاً واجبات عقلية.بمعنى أن العقل يستطيع أن يصل إلى كليات الأحكام المتصلة بالله وصفاته من التوحيد والعدل ووجوب شكره، كما أنه يمكن أن يعرف الحسن والقبح على الجمة، وتختص الشريعة بأنها تكشف له عن الطرائق التى يستطيع عن طريقها أن يؤدى هذه الواجبات العقلية، فتختص الشريعة بأن تعرف العقل مقادير الطاعات كالصلاة والصوم والزكاةوهى أمور لا يستطيع العقل أن يعرفها.وهذا لا يعنى وجود تعارض بينهما فهما متطابقان إذ ليس في القرآن إلا ما يوافق طريقة العقل(55).
المأثور عند اليهود
أول ما يسمى بالمأثور في العقيدة اليهودية هو التوراة المكتوبة ثم يتلوها ما وضعه السلف من أحبار اليهود من شروح وتفسيرات وأحكام وقصص وأساطير تضمنتها التوراة الشفوية التى تعرف بالتلمود، ومنحها اليهود قداسة، ورأوا إنها نزلت إلى موسى، كما نزلت التوراة المكتوبة وأصبح الإيمان بها ركناً من ركائز العقيدة اليهودية.(56)
لكن تجدر الإشارة إلى أن المأثور الإسلامي يختص بأقوال الرسول وصحابته ثم أقوال التابعين بإجماع؛ ولكن في الفكر اليهودي لا توجد أقوال لسيدنا موسى، إلا إذا اعتبرنا أن النص المكتوب هو أقوال سيدنا موسى، كما أن هناك بعداً زمنياً بين موسى وجيل الكتبة من أتباع عزرا الذين بدأوا كتابة التوراة وتفسيرها. ومن هنا ينتفي مبدأ الإجماع على هذه التفاسير بل يتوفر فقط مبدأ الفردية في تقديم كل مفسر لآرائه وتوجهاته والمؤثرات التى تعرض لها.
ومن المعلوم أن اليهود بعد تدوين التلمود اعتمدوا في كل شئونهم عليه، وكان يُعد السند الأول لأى مفسر في أى عصر، فالمدارس الجاءونية لم تقم إلا لدراسة هذا المأثور، وحركة التفسير كادت تحصر عملها في شرح وتبسيط التلمود أكثر من العهد القديم.
كما يدخل تحت إطار المأثور في التراث اليهودي ترجمات العهد القديم المعتمدة التى تحتل مرتبة الإجماع بين الطوائف اليهودية مثل ترجمة اونكلوس.
ثم ينضم للتفسير بالمأثور ما سبق من تفسيرات ذات أهمية وثقة لدى طوائف اليهود مثل تفسير سعديا جاءون وصموئيل بن حفني.
تفسير الكتاب لبعضه بعضا: وذلك على اعتبار أن النص وحدة متكاملة يفسر بعضها بعضا.(57)
وذلك يتم عبر ثلاثة أمور:
إن ما أوجز في موضع قد يوجد له تفصيل في موضع آخر.
إن ما جاء تعاليمه مطلقاً قد يقيده نص آخر
إن ما جاء عاما في فقرة قد يدخله التخصيص في فقرة أخرى.
ولكن ذلك يتطلب الماماً تاماً باللغة
أفراهام بن ميمون بين العقل والنقل
أفراهام بن ميمون ممن يرون أن للعقل حدوداً يقف عندها في فهم النص المقدس، ولذلك يميل إلى النقل في تفسيره، فيقول مثلا عن خلق الملائكة: "والذى يجب أن تحصله هو أنهم مخلوقون بلا شك وأما متى خلقوا...فمما لا يمكن الوقوف عليه إلا بتوقيف نقلى محرر وليس هو موجود عندنا... وقول الحكماء أنهم خلقوا في اليوم الثاني ترجيح لاستناد نصي لا يدل على ذلك دلالة واضحة لا نقل منقول والحدس في ذلك لا ضرورة إليه ولا يقف منه على حقيقة" (58)
يتبين من الاستشهاد السابق أن أفراهام بن ميمون ممن ينادون بأولوية النقل والاعتماد عليه ولكنه في الوقت نفسه يعتمد على العقل في تفسير فقرات كثيرة من سفر التكوين لأنه سفر تكثر به الفقرات التى تدعو لإعمال العقل فيما يخص؛ الحداثة والقدم والمعرفة الإلهية والتجسيم، وهى أمور كلها لا يمكن الاعتماد على النقل في تفسيرها ، لأنه بالنقل يثبت أموراً عابت كثيرا الفكر اليهودي مثل اتهامه بالتجسيم، ولكن أفراهام بن ميمون استخدم منهجاً خاصاً به وهو النقل العقلي بمعنى أنه قليلاً ما قدم تفسيراً عقلانياً للفقرات التوراتية محل الخلاف، ولكنه أخذ عن سابقيه تفسيرهم العقلي الذى اعتمد على إعمال العقل واثباتهم لحقائق جديدة في التفسير اليهودي ولكنه أخذها عنهم، فاعتبرهم موروثاً ثقافياً يؤخذ منهم، وهذا يؤكد إيمانه بأفكارهم.
فيقول إيماناً منه بنظرية الكمون ورفض الطبع مثل سعديا:"وقولى الأصلية لأن الموجودات المركبة والناشئة من الأصول المخلوقة مستمرة التجدد والإبداع إلى الآن وإلى غابر الدهر...من أصول تنشئ منها فروع ..."(59)، ويقول أيضا: "وقوله في تعليل كون الأشجار لم تكن موجودة في الأرض من أول بروزها وظهورها والأعشاب لم تنبت منها כי לא המטיר יוי אלוהים על הארץ (لم يكن قد أمطر على الأرض) أفادنا بذلك أن مشيئته تعالى وحكمته في خلق عالمه اقتضت بأن نزول مطر على الأرض رويها بالماء يخرج ما في قوة الأرض التى جعلها الله تعالى فيها إلى الفعل الذى أراد تعالى انفعاله وهو تكون النبات على اختلافه على ما نحن مشاهدوه، وأكد ذلك بقوله في النص التالى ואיד יעלה וג׳ (ثك كان ضباب يطلع...)بيانا لأن هذا الأمر طبعه الله منذ أيام الخلق الستة..والرد على الدهريين بالقول بأن الأشياء وجدت بطبعها وأفاد مع ذلك تأكيد العقيدة الكلية وهى أن الحوادث والأكوان وأسبابها المشاهدة تكن بقدرته ومشيئته لا أنها كائنة بلزوم طبيعي قديم كما زعم الدهريين من الفلاسفة... وتأكيدا للعقيدة في الخلق والحدوث على ما بسطنا" (60).
فهو هنا يؤكد أن الله عندما خلق المخلوقات في أيام الخلق الستة أكمن بها طبع الوجود مع توفر أسباب الوجود، بمعنى أنه عندما يهطل المطر ستخرج الأشجار والنباتات ولكن من غير المطر لن تخرج، فهذا طبع جبله عليهم الخالق، ولكن الأشياء لم توجد بنفسها كلها في وقت واحد واختلفت في وقت ظهورها كما نادى الدهريون، فيقول:"...إنه لم يخلق حينئذ من حيوانات البحر والطيور هذه الكثرة الشخصية من كل نوع على ما نشاهده بل من كل نوع مبادئ شخصية تفرع منها أشخاص كثيرة كما خلق مبدئ نوع الإنسان آدم وحواء وتفرع منهما الكثرة المشاهدة".(61) .
ولكن تجدر الإشارة إلى أن أفراهام بن ميمون لديه منهجية شبه ثابتة في تفسير الفقرات المهمة في السفر، فيعرض رأيه وخلافه أو اتفاقه مع بعض المفسرين، الذين يعتبرهم مرجعية ثابتة في التفسير، مثل سعديا جاءون وصموئيل بن حفني، ثم رأي أبيه موسى بن ميمون، وكذلك يعرض لرأى التلمود والمدراشيم، ويدافع عنهم ويحاول تبرير تفسيرهم إذا كان به ما يعيبه، وكذلك الترجمات المعتمدة مثل ترجمة اونكلوس، ولكنه لا يعرضها فقط بل يعلق عليها.وإذا كان هناك موضع آخر من الكتاب يفسر الفقرة يذكره.
التفسير بالنقل عند أفراهام بن ميمون
الدليل النقلي:
وهو ما نقل بالتواتر، كما أنه لا يعلم بالضرورة مثل الغيبيات والسمعيات لذلك نحتاج إلى الكتاب والرسول ، والغيبيات مثل رؤية الله تعالى وخلق الله تعالي للمخلوقات، والحشر والثواب والعقاب والجنة والنار، والقرآن الكريم نقل إلينا بالتواتر، كما حصل لنا العلم به وبوجوده وبنبوته وبكل الأنبياء والرسل عليهم صلاة الله أجمعين بالتواتر أيضاً.(62)
ويقول أفراهام بن ميمون، في إقرار شريعة يوم السبت:"ויברך אלוהים וג׳ (وبارك الله اليوم)هذا اخبار لنا منه تعالى الذى نحن مشرفون بالشريعة ومنعم علينا بالسبت أنه يوم قد سبق تشريفه واختصاصه وتعظيمه في سابق علمه تعالى من أول الخليقة واختصنا وشرفنا واعلمنا به وشرعنا بلوازمه"(63)
فهو يخبرنا بدليل الكتاب على شريعة السبت ثم يدلنا عليه بمصدر النقل الثاني وهو التلمود، فيقول:"وفي ذلك قالوا رحمهم الله אמר הקב״ה למשה מתנה טובה בבית גנזי ושבת שמה ואני עתיד ליתנה לישראל"(64)(قال الله تبارك وتعالى لموسي هناك هدية طيبة محفوظة لدي اسمها يوم السبت سأمنحها لبنى إسرائيل في المستقبل)
مراحل تفسير النقل عند ابن ميمون:
1-تفسير الكتاب بعضه لبعض:فما يغمض في موضع من الممكن أن يتم توضيحه في موضع آخر وما جمل في موضع من الممكن أن يفصل في موضع آخر، فيقول أفراهام بن ميمون:"وتفسير رابي سعديا رحمه الله في تقسيم חיתו וארץ ובהמה (وقال الله لتخرج الأرض ذوات أنفس حية كأجناسها، بهائم ودبابات ووحوش أرض)لا اتحققه واحتجاجه لتفسيره بقول الكتاب זאת הבהמה אשר תאכלו (هذه هى البهائم التى تأكلونها التثنية 14:4)يعارضه قوله في النص الآخرזאת החיה אשר תאכלו (هذه هى الحيوانات التى تأكلونها اللاويين 11: 2)لأ ن الأسامي تستعار بعضها لبعض في كل المباينة كالصحراوي والأهلى الذى القول فيهم וחיתו ארץ معناه וחיתו الأرض والواو الزائدة مثله في בנו בעור (بلعام بن بعور)كما بين اللغويين رحمهم الله وإعادة למינה (كأجناسها)عاطف على בהמה ורמש וחיתו ארץ التقدير בהמה למינה ורמש למינו וחיתו ארץ למינה لأنه في كل صنف من الثلاثة أصناف أنواع لا يحصرها سوى خالقها والدليل على أن למינה عائد على كل صنف وصنف من الـ3 أصناف تصريحه بهذا التفصيل في النص التالى لذلك الذى وصف فيه بروز ما اقتضت المشيئة الآلهية".(65)
وكذلك الكتاب يفسر بعضه بعضا فما يأتى مجملا أو عاما في موضع ويثير اللبس قد يأتى في موضع آخر مفصلا أو مخصصا فيحل هذا اللبس، كما يلجأ أفراهام بن ميمون لحل لبس فقرة مثل:"نصنع الإنسان بصورتنا كشبهنا" بتجميع فقرات أخرى من العهد القديم للدلالة على عموم الأمر في هذه الفقرة الصادمة، فيقول:" فلكونه قال ויברא אלוהים את האדם בצלמו בצלם אלוהים ברא אותו (فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه) فلم يقل في هذا النص لفظ דמות أصلا ودلك بذلك أن قوله أولا כדמותינו استعارة ولذلك أسقط في النص الثاني وقال في نص آخر זה ספר תולדות אדם וכו״ בדמות אלוהים עשה אותו (هذا كتاب مواليد آدم، يوم خلق الله الإنسان على شبه الله عمله التكوين 5: 1) فذكر في هذا النص דמות الذى كان اسقطه في قوله ויברא אלוהים את האדם בצלמו واسقط צלם هنا فدل ذلك على أن צלם وדמות جميعا استعارة لمعنى ما لأنه لو كان أحدهما حقيقة ما سقط في واحد من النصين ولو كان اثنيهما على حقيقة ظاهرهما ما سقط في واحد من النصين..."(66)
وما يأتى مفصلا قد يأتى مجملاً ويصبح عاما وذلك يكون لهدف معين، فيقول:"...بعد أن قال تعالى في تفصيل الخلقכי טוב כי טוב (فإذا هو حسن)عاد جمل ذلك في هذا النص. وقال וירא אלהים את כל אשר עשה והנה טוב (ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن) وزاد מאד (جدا) وهذا التكرار وهذه الزيادة معناهما في ما أفهمه لأجل وجود آدم المدرك للموجودات المخلوقة معه ...."(67)
اللجوء للتلمود في التفسير:أفراهام بن ميمون من المفسرين المخلصين لتراثه النقلى الذى يفوق في أهميته أحيانا العهد القديم، فيسرد دائما في الفقرات ذات الأهمية تفسير حاخامات التلمود للفقرة مع الدفاع عنها، فيقول حول تفسيرهم لفقرة "خلقنا الانسان بصورتنا كشبهنا" فيقول: "بما أبينه وذلك أنهم في בראשית רבה (مدراش بريشيت ربا)ذكروا أن لفظ الجمع في قوله נעשה وقوله בצלמנו כדמותינו إضافة في القول للملائكة وليس معنى ذلك أن الملائكة شاركوه تعالى في الخلق بل معنى إشارتهم هو ما ألخصه لك في ذلك وهو حسب ما تلخص لي أن الإشارة في צלם وדמות للمعنى الذى تجوهر به الإنسان وصار حيوانا ناطقا مدركا لربه وخالقه وفهما للكمال الإنساني كما بين أبي رحمه الله في الدلالة ....وشأن الملك إذا أمر عبده أو عبيده بتنفيذ فعل يشابه أن يشركهم معه في اللفظ وإن كان هو الفعل وهم الإله وليس شأنه أن يشرك سيفه أو قوسه معه في اللفظ وإن كانا آلات منفذة ذلك لكون عبيده ناطقين مدركين لما ينفذونه من اوامره وسيفه وقوسه ونحوهما." (68)
فهو هنا يدافع عن آراء حكماء التلمود وأن المعنى لا يعنى أن الملائكة شاركت الرب في خلق الإنسان بل إن الإنسان مصنوع من نفس المادة العلوية التى خلقت منها الملائكة وهم عبيده ينفذون ما يؤمرون به.
كما يؤيد أفراهام بن ميمون آراء مفسري التلمود في طرق تفسير التوراة والعهد القديم فهم يرون أنه لا يوجد مقدم ومؤخر في التوراة ، فيقول ابن ميمون : "ויטע וכו וغرس اشتقاقه נטעתי לי כרמים וגן (غرست لكم بساتين أما جن) اسم للبستان كما قال الكتاب כגנות עלי נהר (اسم مكان في غور الأردن) وإن أخذنا هذا النص على ظاهره فيكون إشارة لما تقدم في اليوم الثالث قبل خلق آدم وفي مثله يقال אין מוקדם ומאוחר בתורה (لا يوجد مقدم ومؤخر في التوراة) لأن آدم من عمل اليوم السادس والغروس من عمل اليوم الثالث وذكر ذلك هنا بعد ذكر خلق آدم ليوصل به ישם שם אתה אדם אשר יצר"(69)(ووضع هناك آدم الذى جبله)
كما يري، مثل حكماء التلمود، أن الجنة التى أقام فيها آدم جنة أرضية، فيقول: "وإذا اخذوا גן בעדן (جنة في عدن)مقدم على ظاهره بأنه موضع في الأرض ذو غروس عجيبة وأثمار طيبة أعلى وأكمل من الغروس والأثمار التى نشاهدها فيكون موضعه في الأرض خلف أفق خط الاستوى من أقصى المعمورة من جهة الشرق في الربع المقابل للربع المسكون الذى لا نصل إليه ولا يتصل بنا خبرة ويدل على ذلك قوله מקדם (شرقاً) لأن קדם וקדמה اسم جهة المشرق في العبراني وأن فهم מקדם من قبل كما قال اونكلوس رحمه الله מלקדמין فيكون قوله מקדם إشارة لتقدم وجود جنة عدن على وجود آدم كما قدمنا بيان ذلك وقد ذكره الحكماء في بريشيت ربا.. ولكن عدن اسم أعم من גן والحكماء ذكروا ذلك في التلمود"(70).
كما يستشهد بعد ذلك برأيه هذا، بأن الجنة التى كان بها آدم جنة أرضية وأن الأربعة أنهر التى يستشهد بها النص التوراتى تخرج من الجنة هى أنهار موجودة في الأرض مثل (دجلة والفرات) وإن آدم خلق خارجها ثم إدخل إليها، وخُفيت علينا لمعصية آدم. (71)
الرجوع إلى الترجمات المعتمدة للعهد القديم: مثل الترجمة السبعينية(72) وترجمة اونكلوس والأخذ عنها، بل والدفاع عنها واعتبارها مرجعيات موثوق فيها، وكما ذكرنا من سبق فأفراهام بن ميمون، من المؤمنين بالنقل ويتمسكون بمذهبه، ويسرد كل الآراء النقلية في الفقرة التوراتية المهمة، فيقول في تفسير الترجمات اليونانية والآرامية لفقرة: "خلقنا الإنسان بصورتنا كشبهنا":" والناقلين للتوراة باللسان اليوناني...كما بين التلمود خلصوا في تعبيرهم من إشكال هذا النص بتعبيرهم له אעשה האדם בצלם ודמות (اصنع آدم بصورة وشبه) وانكلوس لم يعبر בצלם אלוהים (بصورة الله) بل قال בצלם אלוהים (بصورة الله)ولم يعبر בצלם יוי (بصورة يهوه) وكذلك لم يعبر בדמות אלוהים (بشبه الله) ولم يعبر בדמות יוי (شبه يهوه) وذلك أما تهيب لخروج النص لئلا يوهم جسمانية عند الجمهور المعبر له وهو الأقرب وإما لكونه يري أن אלוהים القصد به هنا عن ملاك لا عنه تعالى فيكون تأويل النص عنده ויברא אלוהים את האדם בצלמו בצלם מלאך ברא אותו (وخلق الله الإنسان على شاكلته على شاكلة ملاك خلقه) لأن אלוהים تارة يقصد به ملاك وتارة يقصد به אלהי אלוהים ברוך שמו(الله تبارك اسمه)" (73)
الرجوع إلى تفاسير السابقين: مثل تفسيرات سعديا جاءون، فيتبعه في بعض نظرياته التى اعتمد سعديا في إثباتها على المنهج العقلي، ولكن أفراهام يأخذها عنه فيصبح نقلاً عنه وإيمانا بنظريته، ولكنه يعتبر نقلاً عقلياً، فهو يتبع سعديا في إيمانه بنظرية الكمون والتجدد المستمر. (74)
التفسير بالدليل العقلي عند أفراهام بن ميمون
ذكرنا من قبل أن أفراهام بن ميمون ممن يعطون أولوية للنقل ويري أن للعقل حدوداً في التفسير، وأنه يتم اللجوء إليه في أوقات معينة عندما يستدعى النص ذلك مثل حالات التجسيم لذلك يقول:"فلا يجب للإنسان أن يعوذ في تجويد خلقه تعالى لمجرد فهمه وما ينتهى إليه عقله بل يعلم أن لعقله وفهمه حداً ينتهى إليه وبعد ذلك الحد أسرار ليس فيه قوته الوصول لفهمها وأن كل ما خلقه الله تعالى جيد جدا كما نص في هذا النص فهم سره أو لم يفهمه".(75)
ويري الغزالى أن هناك مقدمات يجب التسليم بها، أولها: الأوليات وهى المرتبطة بغريزة العقل مثل قولك الاثنان أكثر من الواحد، يليها المحسوسات مثل قولنا إن الشمس مستنيرة ثم يليها التجريبيات وهو ما يحصل من مجموع العقل والحس كعلمنا بأن النار تحرق والخمر يسكر، فإن الحس يدرك السكر عقيب شرب الخمر مرة أخرى على التكرار فينبه العقل لكونه موجباً له، ثم المتواترات وهو ما علم بأخبار جماعة كعلمنا بوجود مصر ومكة وإن لم نبصرهما ومما استحال الشك فيه سمى متواترا، ثم تأتى بعد ذلك القضايا التى قياساتها في الطبع ، والوهميات والمشهورات مثل علمنا أن الكذب قبيح والمقبولات والمسلمات والمشبهات والمشهورات في الظاهر والمظنونات والمخيلات. (76)
ومن هنا يري الغزالى أن الأربعة الأولى (الأولية والحسية والتجريبية والتواترية"أى النقل") هى التى تصلح للأقيسة البرهانية، مع الإشارة إلى أن الغزالى أعطى الأولوية للعقل.
وهذه المدارك للدليل العقلي التى سردها الغزالى تظهر عند ابن ميمون في:
1-الحس:والمقصود بها كل ما يدرك بالمشاهدة الظاهرة والباطنة، فهذا العالم ندركه بالمشاهدة الظاهرة بكل ما فيه من أشخاص وحيوانات ونباتات وغيوم وأمطار ومن الأعراض كالأصوات والألوان، أما ما يدرك بالمشاهدة الباطنة كالأفراح والآلام والهموم والغموم في القلب، فإن كل ذلك لا يمكن إنكاره(77).وهذا الدليل الحسي عند أفراهام بن ميمون، يستشهد به أيضا في قصة الخلق على وجود الموجودات، فيقول:"فالذى يظهر في ذلك هو أن الكتاب لم ينص لنا ما نصه في מעשה בראשית (قصة الخلق) إلا ليعلمنا أن هذه الموجودات المدركة بالحواس العظيمة الشأن الكثيرة العدد جميعها مخلوقة ما نشاهد حدوثه منها كأشخاص أنواع الحيوان والنبات وما لا نشاهد فيه تغيرا وحدوثا كالسماوات والكواكب الكل مخلوق ومحدث بمشيئته تعالى وقدرته من العدم المحض بعد أن لم يكن للتخليص من ظن اعتقد قدم شيئا منه، وأما الملائكة الذين هم موجودات عقلية لا حسية فليس.....بإدراكنا نحن حسا الموجودات المفصلة في מעשה בראשית ..واولئك يغلظون في اعتقاد قدمهم ولهم غنا عن أن يبين لهم خلقهم وقد قال الكتابמענה אלהי (الإله القديم ملجأ التثنية 33: 27) قدم إشارة بأن لا قديم سواه تعالى وقال כי יוי הוא האלוהים אין עוד מלבדו (الرب إلهنا رب واحد التثنية6: 4)وهذا أيضا ينفي قدم ما سواه تعالى وقال على لسان نبيه عليه السلام אני ראשון ואני אחרון (أنا الأول وأنا الآخر إشعيا 44: 6) وهذا ينفي قدم ما سواه تعالى ..وهذا تصريح بأنه لم يكن في الأزل سواه وداود عليه السلام صرح بخلقهم (الملائكة) كما بينا ولذلك الملة ومن تبعها في اعتقاد حدث العالم مجمعون على أن الملائكة مخلوقون"(78)
فهنا ابن ميمون أثبت بالحس ما يقره العقل ويدركه كأن نقول:
كل ما لا يسبق الحوادث فهو حادث
العالم لا يسبق الحوادث
العالم حادث.(79)
لأن ما لا يسبق الحوادث إما ان يكون مع الحادث أو بعده، ولا يمكن غير ذلك، فإن ادعى أحدهم غير ذلك كان منكراً لما هو بديهي في العقل، وإن ادعى أيضاً ما هو مع الحادث أو بعده ليس بحادث فهو أيضاً منكر للبديهة.(80)
كما أن أفراهام بن ميمون أثبت هنا إيمانه بمبدأ الصفات، فأثبت عن طريق حداثة العالم قدم الله بالدليل العقلي الحسي مؤيداً إياه بفقرات من التوراة تؤيد إيمانه بهذه الصفة.
فالقدم صفة أزلية قائمة بذات الله غير منفصل عنه، أى أن الله تعالى لا أول لوجوده، لأنه تعالى مصدر هذه الكائنات وموجد هذه الموجودات، فهو سابق عليها لا يتقدمه شيء. وإذا لم يكن الله قديماً أزلياً ولو كان حادثاً لاحتاج إلى محدث، فهو قديم أزلي والقدم معنى زائد على الذات، فهو قديم بقدم زائد عليه. لذلك يقول تعالى في محكم التنزيل "هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم" (81).
2-التجريبية: تظهر عند أفراهام بن ميمون، فما يستشهد به من نفع بعض الحيوانات والموجودات بعد أن ثبت للإنسان من أول وهلة أنها ضارة لكن مع مرور الزمان تتضح له منفعتها مع التجربة، لأن الله لم يخلق شيئاً إلا لنفع الإنسان، فيقول:"ويجب للإنسان أن يعتبر بما كان سر نفعه في الوجود خفي عنه ثم ظهر كالأفاعي والعقارب التى مضرتها في الوجود ظاهرة ونفعها خفي إلا أن في طول الزمان وفطر الآدميين وهدايته تعالى لهم أظهر فيهما منافع عجيبة أبرأ لهم الأفاعي للجذام وتخليص الترياق بلحم الأفاعي الذى فيه من نهش الأفاعي نفسها وتفتيت العقارب للحصاة ونحو ذلك مما تبين في صناعة الطب، إني مع ذلك فقط أقول بل نفس ضررها فيه صلاح عظيم في الوجود بإهلاكها الكفار ونحوهم... وليس ذلك راجع لمجرد إضافتها للإنسان على ما يظن ولا لاعتباره وفهمه لها بل لسره تعالى فيها الذى من جملتها انتفاع الإنسان بها أو بكثير منها... ولأبي في بيان هذا الغرض بيان عجيب في فصول العناية في الدلالة أوضحه بدلائل نظرية واسترشد فيه بهذا النص الجلي וירא אלהים את כל אשר עשה והנה טוב מאוד( ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن)"(82).
3-القياس العقلي
من طرق التفسير بالدليل العقلي عند أفراهام بن ميمون، كما ظهرت عند الغزالى، القياس:وهو أن نجعل أحد الأصلين (أحد العلمين أو المقدمتين) أصلا في قياس آخر.(83)
أ-السبر والتقسيم: وهو حصر الأمر في قسمين ثم يتم إبطال أحدهما فيلزم ثبوت الثاني، فإذا قلنا:
العالم إما حادث وإما قديم
ومحال أن يكون العالم قديماً
فيلزم أن يكون حادثاً
وقد استخدمها أفراهام بن ميمون في رد المحكم للمتشابه واعتبار أنهما قاعدتان من الممكن رد المتشابه على أساس المحكم على أنهما قاعدتان تبطل إحداهما وهى المتشابه وترد للمحكم وهو القاعدة الثانية، والمحكم هنا هو أن الله لا يجوز عليه التشبيه ولا يدرك بالحواس، ومن هنا تكون الفقرة التى تعبر عن التجسيم وهى "خلقنا الإنسان بصورتنا كشبهنا" جملة مشبهة يجب الغاؤها وردها للمحكم الأصيل، فيقول:"وبينوا لنا الحكماء رحمهم الله في التلمود بيانا عجيبا في مشابهة النفس الناطقة وما أصعب قولنا مشابهة مع ارتفاع الشبيه على الحقيقة لولا قصد الإرشاد للطيف المعاني....فبينوا بهذا القول المحكم القصد إن المشابهة المشار إليها روحانية لا جسمانية وهأنا أشرح لك هذا القول حتى يزداد معناه لك وضوحا قولهم נשמה מלאה כל הגוף (ملأت الروح الجسد)معناه أن النفس كمال البدن هو تعالى كمال العالم وأن كان مفارقاً له وقولهم נשמה רואה ואינה נראית (روح ترى ولا تُري)لأن النفس بها الإدراك وماهيتها على ما هى عليه خفية الإدراك وهو تعالى مدرك كل ما سواه ولا يدرك حقيقة وجوده العظيم إلا هو ولا يدركه سواه وقولهم נשמה זנה כל הגוף (روح تغذى كل الجسد) معناه إن بها قوامه ... وهو تعالى منزه عن الجسمانية ...وهو تعالى لا يدرك بحاسة ومع كون في هذا التشبيه لطافة كثيرة وإيجاز عظيم هو على سبيل المجاز والإرشاد لحقيقة المعنى بتقريب ومساهلة لا بتحقيق وإلا."(84)
فهنا هو دافع عن تراثه الشفوي، ورد عنه تهمة التشبيه، بأن قاس المحكم على المتشابه واعتبر أن التشبيه بين الله والبشر في الفقرة محل النقاش هو من قبيل الشبه الروحاني لا الجسمي، في النفس البشرية لأن الله لا يُدرك ولكن الأجسام تدرك بالحواس لكن الله لا يدرك بالحواس ولكن ما جاء في التوراة جاء على سبيل المجاز.
ب-قاعدتا الكيف: ومن شروطهما:
أ- الإنتاج من مقدمتين سالبتين، لأن الحدالأوسط لا يربط بين المقدمتين
ب- إذا كانت إحدى المقدمتين سالبة فيجب أن تكون النتيحة سالبة، فمثلا نقول:
ليس كل الطلاب حاضرين
سمير طالب
ليس سمير حاضرا(85)
ونتيجة لقواعد القياس يقر الخصم بالمطلوب، لأنه لا يمكن أن يقر بالأصلين أو العلمين فلا بد له أن يقر بالمطلوب، لأنه لا يمكن أن يقر بالأصلين ثم ينكر صحة الدعوى أو المطلوب فهذا محال.
ويقول أفراهام بن ميمون في استخدام هذه القاعدة لدحض أقوال من قالوا بجسمانية الله:"ونقول إن آدم اسم مشترك وهو اسم الانسان الأول ولنوع الإنسان المنقسم لذكور وإناث ויברא אלוהים את האדם בצלמו וכ׳ זכר ונקבה ברא אותם (فخلق الله الإنسان على صورته..ذكراً وأنثي خلقهما) مما ينفى أن يكون אלצלם المشار إليه عن الهيئة الجسمانية لأنه يقال للكافر المجسم المعلق في كفره بظاهر نصوص لا يفهم سرها فالجسم الذى تتخيله بسخفك وجهلك لخالقك إن كان ذكر فليس אלנקבה (الأنثي) شبهه وان كان נקבה فليس الذكر شبهه وحيث لو توهمه أيضا זכר ונקבה (ذكر وأنثي)ما يشبهه آدم الذى هو ذكر فقط ولا حواء التى هى נקבה فقط تعالى الله عما تخيله الكفار وتنزه عما يتصوره الجهال".(86)
فهنا أفراهام بن ميمون يقول إن الله ليس بجسم، وبالتالى فإن من قال بأنه جسم أو على صورة الإنسان يجب أن يحدد إذا كان ذكراً أم انثي لأن الذكر لا يشبهه الأنثي ولا هى تشبهه، وبالتالى تنتفي الدعوى وهو جسمانية الله، ويقر الكافر بالمطلوب وهو تنزيه الله عن الجسمانية.
ج-قاعدتا الاستغراق:ويشترط فيهما ما يلي:
أ-يجب استغراق الحد الأوسط في إحدى المقدمتين على الأقل
ب-يجب أن لا يستغرق حد في النتيجة مالم لم يكن مستغرقاً في إحدى المقدمتين على الأقل:
فمثلا نقول:كل الأبطال أقوياء
كل جندى بطل
كل جندى قوى(87)
ويقول أفراهام بن ميمون في تفسيره الفقرة محل الخلاف التى دائما ما أثارت نقد النقاد للعهد القديم ومن يتهمونه بالتجسيم، وهى أن الله أكمل عمله في اليوم السادس واستراح في السابع، مما يفضى إلى نتيجة تشبيه الله بالبشر في الكد والتعب، فيقول مستخدما هذه القاعدة ومدافعا أيضا عن تفسيرات حكماء التلمود:
"في معنى قوله ויכל אלהים ביום השביעי (وفرغ الله في اليوم السابع) حتى إن אלזקנים (الشيوخ) ليرفعوا الإشكال ויכל אלהים ביום הששי וישבות ביום השביעי (وفرغ الله في اليوم السادس واستراح في اليوم السابع) وتكلم المفسرون في ذلك بما هو موجود لكل منهم في شرحه وأقول أن أيضا وإن كان الذى أقوله في ذلك ليس الذى قاله من تقدمني فيه بعيد منه إن كل نهاية بين حدين نسبتها للحدين نسبة واحدةذلك أمر يقيني لا يشك فيه إلا من يفهمه ونهاية الخلق كانت في آخر يوم הששי (السادس) وأول يوم השביעי (السابع) فنهاية الخلق نسبته لآخر يوم הששי ولأول يوم השביעי نسبة واحدة فلو قال الكتاب ויכל אלהים ביום הששי كان معناه في סוף יום הששי (نهاية اليوم السادس) وقوله ויכל אלהים ביום השביעי معناه إن أول يوم השביעי انتهى الخلق لا أنه كان في يوم השביעי خلق مستجد وهذا هو معنى الحكماء رحمهم الله في بيرشيت ربا...وخلص من ذلك بقوله بعد ذلك וישבות ביום השביעי מכל מלאכותו אשר עשה (واستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذى عمله) تصريح بأن كل جملة יום השביעי (اليوم السابع) تعطيل خلق وإبداع لقوله מכל מלאכותו (من كل عمله)لا سيما وقد تقدم له في يوم הששי וירא אלהים את כל אשר עשה והנה טוב מאוד (ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن) الذى فيه إجمال لكل المصنوعات لا سيما وقد فصل أجزاء الموجودات وخلق كل منهم في يوم من الأيام الستة وها نحن مشاهدون الوجود حسا ومدركة عقلا ولا يبق موجود من الموجودات الأصلية لم يذكر في الأيام الستة ..."(88)
استخدام الدليل العقلي لتأييد آرائه
استخدم أفراهام الدليل العقلي في بعض المناحي لإثبات نظريات يؤمن بها، مثل إيمانه بنظرية الصفات، وهى أن لله صفات مرتبطة بذاته، ولكن أفراهام ممن طرقوا هذا الأمر على استحياء فنجده يثبت صفة الوحدانية بقوله :"אחד ברוך הוא (الواحد تبارك وتعالى) إان تعددت الأسامي الشريفة المعظمة ".(89)
ثم إثبات القدم بحداثة الموجودات، مثله مثل كل المفكرين السابقين عليه(90). ثم يأتى لإثبات الصفة الثانية، التى كانت محل الكثير من اللغط، نظراً لأنها ارتبطت بجانبين جانب تنزيه الله عن الجهل، وجانب إذا كانت معرفة الله سابقة فهذا يعنى علمه مسبقاً بأفعال الإنسان باختيار الإنسان فتنتفي معه حرية الإنسان، ولكن أفراهام بن ميمون أثبت لله صفة العلم المسبق مع عدم مناقشته لهذه القضايا، ولكنه على الأرجح أثبت صفة العلم لله كمبدأ من مبادئ التنزيه لله عن الجهل، وأن علمه قديم مثله، فيقول في تبريره لتعريف كلمة שבת(سبت) بهاء التعريف:"وهو بهذا التعريف ليدل على أنه يوم سابق في مكنون علمه" (91)
ولكن هنا أفراهام أسير فكره الصوفي، فالمتصوفة اثبتت الصفات مثل العلم والقدم ولم يعنيها إذا كانت صفات فعل أو ذات فكلاهما صفته تعالى على الحقيقة، وصفة العلم اثبتها المتصوفة لأنها تعنى العلم والإحاطة مثل قوله تعالى "إنى معكما أسمع وأرى" (92) فالله عالم بعلم لا يجرى في سلطانه إلا ما يشاء ولا يحصل في ملكه غير ما سبق به القضاء، وإثبات صفة العلم المسبق لله تماشيا مع الإيمانات الصوفية، بالتوكل الذى يعنى الاستسلام لجريان القضاء والأحكام. (93)
استخدام منجزات عصره في التفسير
يندرج ذلك تحت التفسير العقلي، لأنه يستخدم مؤثرات طرأت على عصره، في تفسير نص قديم، ومن هذا منجزات العلم وبعض الاكتشافات التى أدركها العلماء العرب في ذلك الحين، مثل إيمانه بنظرية الكمون والطبع التى جاءت فيما سبق، ثم يأتى بالطبع بعدها إيمانه بالسببية والعلية في الكون؛ فأفراهام يثبت لنا أن الكون لم ينشأ في أيام الخلق الستة الأولي كله على صورته التى نشاهدها نحن الآن، ولكن الله أودع في كل نوع أسباب تجدده واستمراره، فكان ما يوجد في الأيام الستة الأولى مناشئ أولية، فأوجد الله في طبع كل نوع أن النبات مثلا ينزل عليه المطر فيروى الأرض فتنبت الأرض، ثم يغتذى الإنسان على النبات هو والحيوان وتنشأ حياة، فيقول:" فمبجرد نزول المطر حدث في أصل الخلقة سائر أنواع النبات أعشاب وأشجار لا بمعاناة الإنسان لأنه لم يكن في الوجود عند خلق النبات إنسان ...فأخبرنا أن المطر ومادته تقدم إيجاده تعالى لهما على إيجاد النبات والنبات تقدم وجوده جميعه بمشيئته تعالى على وجود الإنسان ..." (94)
تحاشى الكثير من العلماء القول بقانون السببية، نظرا للوصمة التى لحقت به من الفكر اليوناني؛ من أن ذلك يعنى الخلق من خلال وسائط، وأن الخلق لم يأتِ بأمر مباشر من الله بل هى الطبيعة وأسبابها ومسبباتها، وجاء الأشاعرة واستخدموا لفظا أقل حرجا وهو "العادة" بدلا من الطبيعة للدلالة على سير الحوادث المألوف التى تأتى المعجزات خرقاً له، وهذا كتفسير ممكن لنزول المطر فخروج النبات وغيرها من الظواهر المعتادة في الكون، وجاء الطوسي (نظراً لأنه يري أن الأشاعرة هى فرقة الحق) وأتبعهم في القول بالعادة، وتبعه الغزالى فرأى أن استمرار العادة بها مرة أخرى يرسخ في أذهاننا جريانها على وفق العادة الماضية ترسخا لا تنفك عنه، فمن بداية خلق العالم، عندما يخلق الله حوادث معينة عقب حوادث أخرى، يخلق الله في الإنسان العلم أو يرسخ في ذهنه أن الحوادث المماثلة، فيما عدا المعجزات، سوف يستمر خلق الله لها في المستقبل بنفس نظام التعاقب في الحدوث، وهذا ما عرف من سنة الله تعالى في ترتيب المسببات على الأسباب.(95)
لكن تجدر الإشارة إلى أن أفراهام بن ميمون لم يكن هو من حمل لواء الشجاعة من اليهود في القول بالسببية تقلدا بالغزالي، فقد سبقه والده موسي بن ميمون وقال به(96)، وجاء هو مقلدا لكل من سبقوه سواء يهوداً أم عرب.
يقول أيضا عن نظرية التبخير وتكون المطر:"ואד اسم البخار الغليظ المتراقي من الأرض ...بين لنا بذلك مادة المطر وتولده أنه من أبخرة غليظة تتراقي من السفل بعد حصول الامتزاج وتلك الأبخرة مركبة من أربعة استقسات (97)على ما شرحه لنا البحث العلمي بهداية يهب حكمته لحكيمين والأغلب في مزاج تلك الأبخرة الاستقس الهوائي ودونه الاستقس المائي فترتفع تلك الأبخرة بما فيها من الاستقس الهوائي والنارى وتتلطف في الجو ويتخلص منها جل الهوائي والنارى طالعا طالبا كل منها جهة استقسه ثم يتميز المائي وما يصحبه من الأرضي مع بقايا يسيرة من الامتزاج من النارى والهوائي الذين اتحدا في حال الامتزاج فينضب ذلك التميز من الأبخرة الصاعدة نازلا طالبا جهة استقسه فيسقي في نزوله الأرض ويرويها ".(98)
التفسير اللغوي
اشترط الجاحظ، نظرا لأنه حدد أن وظيفة اللغة هى الإبانة، أن التجوز في اللغة ليس حرا مطلقا بل لا بد له من شرطين: الأول: أن يكون بين المعنى المنقول إليه اللفظ والمعنى المنقول عنه علاقة ما، أما الشرط الثاني فهو أن الحرية في النقل من حق الجماعة لا من حق الفرد، وعلى الفرد أن يتبع في عباراته وأساليبه طرق الدلالة التى سارت عليها الجماعة قبله، دون أن يخرج على هذه الأطر الدلالية أو التعبيرية أو دون حتى أن يسمح لنفسه القياس عليها والغاية وراء هذين الشرطين هى الوضوح الذى لا بد منه لأداء اللغة لوظيفتها الاجتماعية. وظيفة الإبانة، فلو لم تجد علاقة بين المعنى المنقول عنه اللفظ والمعنى المنقول إليه لاختلت دلالة الألفاظ على المعانى.(99)
دخل تحت التأويل بالمجاز عند المفسرين العرب كل الوسائل الأسلوبية من الاستعارة والتمثيل والقلب والتقديم والتأخير والحذف والتكرار والإخفاء والإظهار والتعريض والإفصاح والكناية والإيضاح ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع والجميع خطاب الواحد والواحد والجميع خطاب الاثنين والعقد بلفظ الخصوص لمعنى العموم وبلفظ العموم لمعنى الخصوص مع أشياء أخرى كثيرة (100).أما بالنسبة لقضية العموم والخصوص، تجدر الإشارة إلى أن اللغة رغم قدرتها على التجريد والتعميم إلا أنها تظل نظاما ثقافيا خاصا. ولذلك يمكن أن يكون اللفظ عاما وتكون دلالته خاصة، ولكن الخلاف كان حول هل تقييد العام ليكون خاصا هل يكون من منظور اللغة أم منظور القياس، ولكن الألفاظ تكتسب دلالتها من خلال التركيب والسياق ومن هنا فالنص يحكم بعمومية أو خصوصية اللفظ، وبالتالى دلالة النص ككل تتكشف من خلال تحليل بنائه اللغوي وسياق إنتاجه، ولا يجوز إغفال أى جانب منهما.(101)
التفت اليهود عند اتجاههم للتفسير اللغوي للعهد القديم إلى إن المسلمين وجهوا دراستهم للقرآن لفظا ومعناً وقراءة وصوتاً وبلاغة ، ونشأت عندهم علوم مختلفة تدور حول دراسة القرآن الكريم، فإذا غمض عليهم المعنى استعانوا بأشعار العرب.(102) فأثار ذلك عند اليهود الرغبة في تطبيق مثل هذه الدراسة على العهد القديم ، كل هذا جعل المفسر اليهودي يتسلح بعلوم اللغة ليتطرق لتفسير العهد القديم.
يقول أفراهام بن ميمون في تطبيق استخدام اللغة وتجوازتها للتأويل:"ויכלו השמים והארץ וכל צבאם...(فأكملت السموات والأرض وكل جندها) والجيش هو استعارة لأن كل الموجودات بكونها مسخرة لمشيئته تعالى وإرادته هم جيوشه كجيوش الملك المعد المسخر لإرادته ومشيئته وقول رابي سعديا رحمه الله أن צבא (جيش)لا يقع إلا على الناطقين لا أرى به بل أرى أن צבא له عموم وخصوص خصوصه كما قال رحمه الله عن الناطقين ولا كل الناطقين أيضا بل الملائكة וצבא השמים (جنود السماء) وخواص الآدميين כאנשי דור המדבר יוצאי מצרים (كجيل الصحراء الذين خرجوا من مصر) المقول عنهم צבאותיו (جيوشه) وعمومه على كل الموجودات لأن جميعها عبيده تعالى ومسخرين لمشيئته كما قلنا فيها".(103)
فهنا اعتبر أفراهام بن ميمون إن كلمة צבא استعارة فرأى أن جانب الاستعارة فيها من جانب الفعل الحشد والطاعة لقائدها، والقائد هنا هو الله سبحانه وتعالى. ورأى جانباً آخر من التجوز لم يره سعديا إن كلمة צבא تقع على الناطق وغير الناطق إذا أردنا تخصيصها وهنا تقع الاستعارة. ولكنه يقول في موضع آخر ليشرح وجهة نظره في العموم والخصوص دون النظر إلى التجوز في اللغة: "وقال طل ولم يقل مطر لأن مادة الطل والمطر واحدة أو طل في اللغة يستعمل بعموم وخصوص وأريد به هنا العموم.."(104)
"وفيه اعنى أن ארץ عموم وخصوص كما تقدم أما אדמה فاسم لهذه الأرض الظاهرة المرئية التى هى ...ومن عموم اسم ארץأنه يوقع أيضا على الأرض المركبة مثل אדמה..." (105)
فمواضعات اللغة تعبر عن عالمنا المتناهى وتصوراتنا البشرية القاصرة، فإذا كانت اللغة –بحكم بشريتها- تعجز عن التعبير عن الحيوان والجماد دون أن تسند له الفعل والحواس فما بالك حين تعبر هذه اللغة عن المطلق اللامتناهى السرمدى، إنها ولا شك لابد أن تقع في التشبيه والتجسيد رغماً عنها(106). مثل قضية الرؤية وجوازها وارتباطها بالتوحيد ونفي الجسمية عن الله لأنه إذا كان مرئياً فهذا يعنى تحيزه في مكان، ولذلك كان يجب تأويل الفقرات التى تثبت المكانية، لكونها تتعارض مع التوحيد. (107)
لجأ أفراهام بن ميمون لنفس التفسير عندما فسر الفقرة ذات الخلاف في سفر التكوين"نصنع الإنسان بصورتنا كشبهنا" في أن مواضعات اللغة تجيز استعارة لفظ الجمع للتكلم على المفرد للتعظيم، كما أنه انتبه لشيء ربما لم ينتبه إليه كثير من المفسرين وهو الصلات بين اللغات السامية، ففسر أن هذا أمر مستعار من العربية والسريانية، لكونه أدرك صلات القربي بين تلك اللغات، فيقول:"ויאמר אלהים נעשה אדם וכו״..(وقال الله نعمل الإنسان..) وذلك أن في ظاهره أمرين مشكلين قد تكلم في بيان استعارتهما كل أحد من معتبري علما ملتنا أحد ذنيك الأمرين قوله تعالىנעשה (نعمل) بلفظ الجمع...فزال إشكال נעשהوتبين بذلك أن لفظ الجمع استعارة لسر ما فهمنا ذلك السر أو لم نفهمه.... وإن ذلك مشابه لقول الشخص الواحد في اللسان العربي نفعل ونصنع إذا كان المتكلم جليلاً كالملك ونحوه وقول السرياني كما تبين قول دانيال عليه السلام لنبوخذنصرדנה חלמא וכשריה נאמר קדם מלכא (هذا هو الحلم فنخبر بتعبيره قدام الملك دانيال 2: 36) والمتكلم هو دانيال وعن نفسه بمفرده ".(108)
يقول أيضا في موضع آخر:"וטרם حرف يدل في العبراني على معنى قبل في العربي "(109)
فالمعيار النهائي للتجاوز في الصيغ اللغوية هو قصد المتكلم وإرادته.(110)
لذلك نرى أفراهام بن ميمون يقرر عجز اللغة وأن الله قصد أن يأتي بهذه الفقرة على هذا النحو وأن التجوز مقصود، لأنها لغة بشرية، فيقول:"والأصل قد بينوه لنا وهو דבר התורה כלשון בני אדם (التوراة تتحدث بلسان البشر)وتمام ما بدأنا ببيانه أن في قوله تعالىבצלמנו כדמותינו (على صورتنا وشبههنا) غاية التنزيه عن التشبيه...وإنما لانحصار أفهامنا في فهم المعانى الرفيعة يقربها تعالى لنا في عبارات كتابه بمساهلة في التعبير لترشد أذهاننا لذلك المعنى الرفيع... وهو تعالى لا يدرك بحاسة ومع كون في هذا التشبيه لطافة كثيرة وإيجاز عظيم هو على سبيل المجاز والإرشاد لحقيقة المعنى بتقريب ومساهلة لا بتحقيق وإلا ". (111)
من ضمن مداخل التفسير عن طريق اللغة التى يستخدمها أفراهام بن ميمون هو تفسير الكلمات أو المصطلحات بمواضع أخرى تبين المعنى المقصود؛ فيقول أفراهام بن ميمون: "זכר ונקבה ברא אותם וירדו (ذكراً وأنثي خلقهم فيتسلطون) ولم يقل וירדה (فتتسلط) يتبين لك أن قوله أولا נעשה האדם (نعمل الإنسان) عن النوع الذى مبدأه ذكر وأنثي لا عن אדם הראשון (آدم الأول) فقط الذى هو ذكر"(112)
استخدام أفراهام بن ميمون التأويل اللغوي، لإقرار بعض المبادئ التى يعتقد فيها، فكما ذكرنا من سبق أنه يؤمن بنظرية الكمون والتجدد والاستمرار، فيري أن النص التوراتي استخدم صيغة المصدر اللامي، بدلا من صيغة الفعل، فيقول:"وقوله אשר ברא אלהים לעשות (الذى عمله الله خالقاً) ولم يقل אשר ברא אלהים ועשה إشارة لأن الموجودات المخلوقة في أيام الخلق الستة هى أصول تنشئ منها فروع أما في العالم السفلي فذلك ظاهر من تكون أشخاص كل نوع من الحيوان والنبات والمعادن .... فقوله אלה תולדות השמים והארץ (هذه مبادئ السموات والأرض) ليس هو إشارة لتكون السماء والأرض المخلوقتين من أول الكون في اليوم الأول ..بل إشارة لتكون ما تكون من السماء والأرض بعد كونهما وقوله בהבראם (حين خلقت) ضمير عائد على אלתולדות لا على אלשמים ואלארץ وقوله ביום עשות יוי אלהים ארץ ושמים (يوم عمل الرب الإله الأرض والسموات) مقدمة بين بها إن אלתולדות المشار إليها سيشرحها ليس هى תולדות حدثت بعد ששת ימי בראשית (أيام الخلق الستة) بل تفصيل جملة تقدم ذكرها في ששת ימי בראשית ". (113)
ثم يأتى، ويستخدم هذا المنحي، ليأول ما يعتقده البعض من أن كلمة"يوم" تعنى أن الأوامر والنواهي في الشريعة اليهودية لم تنزل في يوم من أيام الخلق الستة بل تواترت على مر الأيام والشهور والسنين، وأن كلمة "يوم"اسم عام يطلق على مدار زمني بعيد، فيقول:"وقوله ביום يعنى به وقت الذى يعم ששת ימי בראשית (أيام الخلق الستة)لا يوم الأحد فقط وقد بين ذلك رابي سعديا ومن أقوى الشواهد على أن يوم يقع على متسع كثير قوله في التوراة כל המצות. אשר אנכי מצוך היום (جميع الوصايا التى أنا أوصيكم بها اليوم)ولم يقصد بذلك عن מצות (وصية) شرع بها في يوم واحد معين بل عن جملة אלמצות (الوصايا) التى أمر بها في وقت التشريع التى هى أيام وأشهر وسنون عديدة ولم يمكن أن يكون القصد بيوم هنا عن יום ראשון מששת ימי בראשית...(اليوم الأول من أيام الخلق الستة)"(114)
فهنا أدرك أفراهام أن "يوم" اسم عام أو اسم جنس للزمن المطلق، وهذا ما يوضحه بشكل أفضل في تفسيره، لماذا أطلق النص العبري اسم المفرد على صنف الأشجار كلها، فيقول:"וכל שיח וג׳ שיח (وكل شجر البرية) اسم للشجر مفردة שיח وجمعه שיחים ותשלך את הילד תחת אחד השיחים (وتلقي بالطفل تحت أحد الأشجار) والقصد בשיח هنا صنف الأشجار جميعها ولذلك أخرجه بلفظ الفراد لأن الصنف فراد واستغنى عن جميع أنواع ولم يقل שיחים لقوله وكل الذى جمع وعموم".(115)
- تفسير الأسماء
من أبرز ظواهر التفسير اللغوي عند أفراهام بن ميمون تفسير بعض الأسماء التى تأتى في السفر فيقول مثلا عن تفسيره لاسم نهرפישון (فيشون) ولماذا سمى بهذا الاسم لأنه اسم تكثير" مشتق من حالة في زيادته المشهورة الحال פשה ופשה (سري وانتشر)من معنى الزيادة والامتداد" (116)
يقول في تفسير أنهار الجنة:"הסובב (المحيط) مشتق من סביב יסובבנהו (حول ويحيطونه)ونحوه בדלח اسم اللؤلو الأبيض الصغير والكبير الذى يسمى الجوهر الأبيض وعنه قيل في لون المن ועינו כעין הבדלח (وعينه كعين البلور)اسم البلور المشهور וכו גיחון هو جيحون بالعربي وهو نهر عظيم كبقية الأربع أنهر والمشهور أنه في بلاد العجم وليس هو جيحون المذكور في سفر الملوك ...كما ظن ابن عزرا لأن ذلك واد كان ثم صغير سمى جيحون لمشابهة لم تنقل إلينا كما يسمى في زماننا بركة ما أرى أنها كانت كبيرة كبارة بحر وقوله إن جيحون يحيط بكل أرض كوش مشكل علينا لأن كوش الحبشة والبحر المالح بحر الهند واليمن يفصل بين الحبشة والعجم فأن كان جيحون في بلاد الحبشة فليس هو هذا المشهور في بلاد العجم وإن كان الذى في بلاد العجم على المشهور فلا أعلم كيف اتصاله بأرض كوش وهذا يفتقر لبحث وتقدير لم يتحرر لى الأمر فيه إلى الآن"(117)
أثر الفكر الصوفي في التفسير
ذكرنا فيما سبق الخلفية الصوفية لأفراهام بن ميمون، التى تظهر في تفسيره في بعض الإشارات، فنراه يقول إن النفس الحية سواء بشرية أم حيوانية تأتى من العالم العلوي السماوي الروحاني، فيقول:"وقوله נפש חיה (النفس الحية) ليس معناه أن النفس الحيوانية متكونة من الأرض لأن المتكون من الأرض وبقية الاستقصات هو المادة والنفس لو حيوانية من فيض العالم العلوى الروحاني على ما تبين في العلوم الحقيقية... وحسب ما يظهر لى أحدهما أن الحيوان الغير ناطق النفس منه منغمرة في المادة انغمارا كثيرا ولذلك لا بقاء لنفسه عند المفارقة كما أشار سليمان عليه السلام"(118)
يقول في موضع آخر لتبرير قول حكماء التلمود بأن قوله "נעשה (نعمل)إشارة لمشاركة الملائكة في خلق الإنسان أن هذا ليس صحيحاً بل إن الانسان حيوان ناطق خلقه الله من نفس العالم الروحاني الملكوتي الذى خلقت منه الملائكة، فيقول: "للمعنى الذى تجوهر به الإنسان وصار حيوانا ناطقا مدركا لربه وخالقه وفهما للكمال الإنساني...لأن ذلك المعنى اوجده الله تعالى الخالق بمفرده لآدم بواسطة العالم الملكوتي وكما أوجد مادة آدم من عالم الاستقسات المخلوق قبله... وذلك أن الإشارة وإن كانت للمعنى الذى تجوهر به آدم وصار حيا ناطقا فتشبيه ذلك المعنى للعالم الروحاني الملكوتي الذى هو معلول مخلوق مفعول... فقل في الإنسان الذى شرفه بمشابهة الملائكة في النطق"(119)
يقول ابن سينا إن حد النفس هو:"اسم مشترك يقع على معنى مشترك فيه الإنسان والحيوان والنبات، وعلى معنى مشترك فيه الإنسان والملائكة السماوية" وهو هنا يأخذ بوجهة النظر الأفلاطونية في طبيعة النفس وهى من هذه الوجهة جوهر غير جسم جاءت من الفيض العلوى وبهذا يكشف ابن سينا عن الطبيعة الروحية للنفس، فالنفس هى جوهر روحانى متعلق بجسم تعلقا ما. وليست نفس الإنسان كنفس الحيوان أو النبات، بل إن لكل نفس خاصة لا تشبه النفوس الأخرى إلا في هذا المعنى العام وهو أنها مصدر الحياة وكثيرون يندهشون حينما يقال لهم إن النبات نفسا وإن للحيوان نفسا وسبب اندهاشهم هو إنهم يفهمون لفظ النفس بمعنى واحد ويتوهمون إن نفس النبات ونفس الحيوان هما كنفس الإنسان" (120)
كما يكشف ابن سينا عن الطبيعة الروحية للنفس كجوهر روحي بعيد عن الجسم الذى تحل به وتتعلق به، ولكن الأجسام كلها جواهر من وجهة نظر ابن سينا، أما الملائكة فهى الجواهر الأولى الروحانية . (121)
نلاحظ هنا أن أفراهام اتبع مبدأ ابن سينا في روحانية وعلو النفس بوجه عام ، ثم يأتى التخصيص في كونها إما تكون نفس إنسانية أو حيوانية أو نباتية، فالنفس إذاً هى صورة الجسم الحي، ثم إن كل صورة منطبعة في جسم وقائمة به كمال لأن الكمال هو الشيء الذى بوجوده يصير الحيوان بالفعل حيوانا والنبات بالفعل نباتا فالنفس إذاً كمال الجسم الحي(122)ولكن هنا يتضح ما ذكرناه آنفا من أن أفراهام مقلدُ لكل ما سبقه وليس مجددا، ينادى بالنقل ولكنه يتبع كل مذاهب المعاصرين والسالفين في تفسير ما لم يذكره الكتاب ولا أحبار اليهود.
فأفراهام بن ميمون من متبعي مذهب ابن سينا في النفس فيقول أيضا"إن النفس روحانية لا جسمانية ...والنفس كمال البدن... وهى ليست جوهر جسماني..." .(123)
يقول في موضع آخر:"وإنما حفل الكتاب بشرح ذلك في مادة آدم لشرف هذه المادة على مادة بقية الحيوان ولذلك جعل مزاجها أشرف الأمزجة وأقربها للاعتدال لتحل فيها أشرف الصور الأرضية أعنى الموجودة في الأرض وهى النفس الناطقة التى أشار فيه بقية النص لحلولها في هذه المادة بقوله ויפח וג׳ (ونفخ في أنفه)وقوله إن آدم من האדמה (الأرض)لا تفهم منه أن مادته من استطقس الأرض فقط دون بقية الاستقسات بل إن الاستقس الأرضي أغلب من بقية الاستقسات في مادته... وبين لنا حلول صورته التى هى نفسه الناطقة في هذه المادة من فيض وجوده تعالى ...فعبر عن حلول تلك الصورة الشريفة التى ليس هى جوهر جسمانى".(124)
يستكمل أفراهام بن ميمون، نظريته في خلق النفس والجسم، متبعا ابن سينا، في أن الجسم من مادة أما النفس فمن فيض إلهي روحية، والجسم سبق الروح في الخلق، والنطق والتفكير من خواص النفس الإنسانية، فيقول:"لأن تعلق النفس الناطقة بهذه المادة الأرضية...يبين لنا في هذا النص أن وجود مادة آدم تقدم وجود صورته لأنه قال וייצר יוי אלהים את האדם עפר מן האדמה (وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض) وبعد ذلك ויפח וכו(ونفخ في أنفه) وفي وجود الصورة أيضا تقدم وجود النفس الحيوانية على وجود النفس الناطقة كقوله ויפח באפיו נשמת חיים (ونفخ في أنفه نسمة حيوة) وبعد ذلكויהיה אדם לנפש חיה (فصار آدم نفسا حية) وما أحكم تعبير اونكلوس رحمه الله והות באדם לרוח ממללא (وأصبح الإنسان روح كاملة)لأن النطق الإنساني الخارج الذى هو الكلام المقطع للصوت بالأحرف والكلم المفهومة عند سامعها تابع للنطق الباطن الذى هو الإدراك العقلي بالصورة الناطقة ولذلك كان الكلام من خواص الإنسان... وأن بوجود נשמת חיים פי (نسمة الحيوة فيه) الإنسان تجوهر وصار آدم الذى هو ذو נפש חיה (نفس حية) على ما هو مشاهد في نسله". (125)
يقول ابن سينا:"النفس التى لكل حيوان هى جامعة استقصات بدنه ومؤلفتها ومركبتها، على نحو يصلح معه أن يكون بدنا لها وهى حافظة لهذا البدن ..فالإنسان الذى يشير لنفسه بأنا مغاير لجملة أجزاء البدن فهو شيء وراء البدن وهذا الشيء غير جسماني فهو إذاً جوهر فرد روحاني بل هو نور فائض على هذا القالب المحسوس ونشير إلى ذلك بقوله تعالى "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي" (الحجر 29) فالتسوية هو جعل البدن بالمزاج الإنسي مستعدا لأن تتعلق به النفس الناطقة، وقوله من روحي إضافة لها إلى نفسه لكونها جوهرا روحانيا غير جسمانية، فالنفس صورة الجسم وحين يتهيأ لها البدن هبطت إليه وهذا التعلق حادث بينما النفس قديمة قدم الألوهية ذاتها لأنها فاضت منها على هذا القالب الترابي الذى أعده الله.. "(126)
نلاحظ أن أفراهام بن ميمون أخلص لمبدأ الصوفية في سمو النفس وخلودها ورقيها ومخالفتها للجسم موقع الفساد والتغير والقابل للحدث.
أفراهام بن ميمون من متبعي مذهب الصوفية، الذين يرون أن هناك علماً اختص به خاصة من عبيده، كما يري الطوسي أن العلم أكثر من أن يحيط به فهم الفهماء أو يدركه عقول العقلاء واستدل بقصة موسى والخضر. وفي الخبر دليل على أن قوله "يا آيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك"(127) ولم يقل ما تعرفنا به إليك وقوله(صلى الله عليه وسلم) "لو تعلمون ما أعلم" لو كان من العلوم التى أمر بالبلاغ لبلغهم، ولو صلح لهم أن يعلموه لعلمهم، لأن الله تعالى خص النبي صلى الله عليه وسلم بعلوم ثلاثة:
-علم بين للخاصة والعامة: وهو علم الحدود والأمر والنهى.
-علم خص به قوم من الصحابة دون غيرهم
-علم خص به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يشاركه فيه أحد من أصحابه وهو العلم الذى قال: لو تعلمون ما أعلم. (128)
ويقول أفراهام بن ميمون عن خلق الملائكة، الذين اعتقد البعض بأنهم غير مخلقين، ولماذا أخفي العهد القديم وقت خلقهم:"والملائكة مخلوقون وفي إخفاء وقت خلقهم ..ضرورة سر يخفي عنا ويلوح في تعليل إخفاء النص لوقت خلقهم ...معنى ما لا يمكنني التعريض للقول فيه إلا شفاها لمن يصلح أن يلوح له بمثل هذا אלסוד (السر)الشريف الذى هو أعظم ما فيמעשה בראשית .. (قصة الخلق) والذى قلته وبينته في ذلك فيه مناسبة وكفاية".(129)
-أثر الفكر الصوفي إيضا في أفراهام بن ميمون في اختيار مصطلحاته كما رأينا في الجزء السابق في المصطلحات المتعلقة بالنفس، وكذلك المصطلحات المتعلقة بالذات الألهية مثل سر الأسرار والاسم المعظم، وإخفاء السر وكشفه، نجدها تظهر في ثنايا التفسير لتؤكد إيمانه العميق بالفكر الصوفي؛ فيقول عن الذات الإلهية : "אחד ברוך הוא (الواحد تبارك وتعالى) وان تعددت الأسامي الشريفة المعظمة ولم يمكنا أن نعلم لم عبر في موضع باسم من اسمائه تعالى وفي موضع آخر بغير ذلك الاسم وإن أمكن أن نفهم ذلك في بعض النصوص فلا يمكن أن نفهمه في كل النصوص ومدلول אלהים ברוך שמו (الله تبارك اسمه) قد تقدم القول فيه ومدلول שם המפורש סוד(اسم الجلالة الخفي)".(130)
والسر عن الصوفة خفاء بين العدم والوجود موجود في معناه، وقد قيل: السر ما غيبه الحق ولم يشرف عليه الخلق، فسر الخلق ما أشرف عليه الحق بلا واسطة وسر الحق ما يطلع عليه إلا الحق و(سر السر) ما لا يحس به السر، فإن أحس به فلا يقال له سر. أما السر المجرد فهو العبد إذا تجرد من جميع الأشغال وتفرع لمراقبة ذى الجلال فلا تعارضه خواطر قاطعة ولا عوارض عن الإقبال والتقرب .(131)
ولذلك يوجد ظاهر وباطن في معانى الكتاب فيقول ابن ميمون" والله تعالى أعلم بأسرار كتابه ...ظاهره معلوم وباطنه غير مفهوم ... ولا بد من أن أقول شيئا قريبا من الظاهر ولعله مفتاح للباطن... وعلى الظاهر والباطن جميعا محجوب عنا لنقصنا ومعصية آدم أبينا" (132)
وهؤلاء عند أهل الصوفة؛ هم الراسخون في العلم الذين اصطفاهم الله بأسرار كتابه فعلمهم ما لم يعلمه غيرهم من مقتضي كتابه الحكيم. ولكن هناك ما لا يعلمونه وذلك لأنه من الغيب لا تدركه العقول ولا تحيط به، لأنهم لا يحيطون به علما.(133)
وكذلك من المسميات التى ظهر أثرها عنده؛ تسمية العالم السماوى بالعالم العلوي والعالم الأرضى بالعالم السفلي؛ والأول له الأفضلية على الثاني، فيقول:"أما في العالم السفلي فذلك ظاهر من تكون أشخاص...وأما العالم العلوي عالم السماوات فأنه وإن كان لا تجدد شخصي فيه فأنه مؤثر في تجدد أشخاص العالم السفلي". (134)
والأجرام السماوية عند الصوفة هى العالم العلوى وهى ذات حركة ليس غرضها الاهتمام بالسفليات وإنما غرضها شريف وجليل. (135)
الخاتمة
بعد عرض البحث الذى جاء في مقدمة تناولت تسلسل أو مراحل التفسير عند اليهود وانتقالها بين الشرق والغرب، وصولاً إلى مصر وحال اليهود بها في العصر الأيوبي الذى عاش فيه أفراهام بن ميمون، ثم الوقوف على أسباب اختيار أفراهام بن ميمون وتفسيره لقصة الخلق والمنهج المتبع في البحث.
ثم يأتى بعد ذلك التعريف بأفراهام بن ميمون وفكره وكتبه والمصطلحات المرتبطة بالبحث مثل التفسير والتأويل والعقل والنقل ومصادر النقل عند اليهود خاصة، وهنا نصل إلى أهم النتائج التى وصل إليها البحث، بعد عرض منهجية أفراهام بن ميمون في تفسير قصة الخلق في سفر التكوين بين العقل والنقل، وهى كالآتي:-
1-أفراهام بن ميمون أشعري أو غزالي المذهب يفضل التفسير على التأويل الذى لا يعتمد على دليل ويعتمد على الظن والتخمين.
2-أفراهام بن ميمون مثله مثل غيره من المفسرين اليهود في عصره، الذين لجأوا للتأويل بحجة الدفاع عن العهد القديم أمام هجمات النقاد التى اتهمته ببشريته مثل الفقرة التى وردت في سفر التكوين في بداية الخلق:"خلق الله الإنسان على صورته".
3-أفراهام بن ميمون، كما ذكرنا سابقا، يميل للتفسير، لذلك يعتمد في كثير من تفسيره على النقل ولكنه يلجأ للعقل عند مصادفة فقرة تحدث له ارتباكاً في تفسيرها.
4-أفراهام بن ميمون مقلد ومتبع، رغم ميله للنقل، لمفسرين يهود اعتمدوا في تفسيرهم على العقل والتأويل، مثل اتباعه لسعديا في اعتقاده بنظرية الكمون ورفضه للطبع.
5-أفراهام بن ميمون لديه منهجية ثابتة في التفسير بعرض آراء المفسرين السابقين عليه مثل سعديا وصموئيل بن حفني وموسي بن ميمون وعرض آراء التلمود والمدراشيم وتبرير ما يعيبهم وكذلك الترجمات المعتمدة مثل ترجمة اونكلوس.
6-أفراهام بن ميمون اعتمد على مراحل معينة في التفسير النقلي مثل تفسير الكتاب بعضه لبعض ثم التلمود ثم الرجوع إلى الترجمات المعتمدة للعهد القديم والرجوع إلى تفاسير السابقين.
7-أفراهام بن ميمون اتبع تقسيم الغزالى لمدارك الدليل العقلي من الحس إلى التجريب ثم القياس العقلي ومناهج هذا القياس مثل السبر والتقسيم وقاعدتي الكيف والاستغراق.
8-أفراهام بن ميمون لجأ للدليل العقلي لإثبات آراء يؤمن بها مثل الصفات الإلهية.
9-أفراهام بن ميمون استخدم منجزات عصره في التفسير لتأييد بعض النظريات التى يؤمن بها مثل إيمانه بالسببية والعلية في الكون مثل الغزالى، الذى سار على هداه موسي بن ميمون
10-أفراهام بن ميمون استخدم اللغة تحت بند التأويل بالمجاز ليتهرب من لغة العهد القديم التجسيمية والتجسيدية والفقرات الخلافية في قصة الخلق، وكذلك لتفسير بعض الأسماء التى وردت في القصة.
11- أفراهام بن ميمون متأثر بالفكر الصوفي في تفسيره فنلمح الكثير من الإشارات التى تعبر عن ذلك مثل تعريف النفس وخلقها وخلق الجسد، متأثراً بابن سينا وقوله في هذه النظرية، وكذلك مصطلحات أخرى مثل علم الخاصة والعامة كما عرفها الطوسي.
الهوامش
1-السبي البابلي: هو شتات اليهود بعد انقسام المملكة الموحدة بزعامة سليمان إلى مملكتين إحداهما الشمالية وعاصمتها السامرة والأخرى الجنوبية وعاصمتها القدس، على يد سنحاريب ملك أشور الذى دخل فلسطين وهدم الهيكل وسبي اليهود إلى آشور عام 579ق.م.ثم حاصر نبوخذ نصر المملكة الجنوبية والقدس وهدم هيكلها وسبي اليهود عام 586ق.م. Encyclopedia Judica.Keter Publishing House.Jerusalem.1972. .vol:6.PP:1036
2-عزرا الكاتب: عاش من 480 إلى 440ق.م، فقد عاد من منفي بابل وأعاد هو وتلاميذه كتابة التوراة مع إضافة تعليقات تفسيرية. אנציקלופדיה עברית- כללית-יהודית וארצ ישראלית-הוצאת ספרים-פועלים-1998-כרך 25- עמ״594-550
3-التلمود: هو كتاب تضمن نقاشات الحاخامات اليهود حول الشريعة اليهودية والأخلاق والأعراف والتراث اليهودي، وهو المصدر الرئيس للتشريع عند اليهود، ويتكون من جزءين المشنا وهى النسخة المكتوبة من الشريعة اليهودية التى كانت تتناقل شفويا، والجمارا هى القسم الذى يتناول المشنا بالبحث والدراسة. وقد ادعى اليهود أن التلمود منح لموسي علي جبل سيناء مثل التوراة لمنحه قدسية وفرضه على اليهود. Judica.vol:15.PP:750
4-عبد الرازق قنديل:الأثر الإسلامي في الفكر الديني اليهودي. دار التراث. القاهرة.1984. صـ 108
5- تعتبر مدارس تعليمية تدرس بها تعاليم التلمود والتوراة، كما كانت تعتبر محكمة عليا. وقد أسس اليهود يشيفا (مدرسة) في سورا وبومبادثيا في العراق وكان رئيسها يلقب بالجاءونوالجاءونيم: هو لقب خاص برؤساء المدارس الدينية اليهودية من نهاية القرن السادس وحتى منتصف القرن الحادي عشر، وهى الحقبة المعروفة في تاريخ الشعب اليهودي بحقبة الجاءونيم، وكانوا يمثلون السلطة الشرعية العليا للجماعات اليهودية، وانشغلوا بشرح التلمود والتعليق عليه. . L.Margolis: History of the Jewish People. Atemple Book-New York- 1969. P:265.
6-سعديا جاءون: (883- 943م) ولد في قرية أبو صوير بالفيوم، وتلقي تعليما يهوديا تقليديا ولكنه تأثر بالثقافة الإسلامية تأثرا كبيرا، ثم انتقل إلى العراق وهناك ذاع صيته وتولى مدرسة سورا، في وقت كانت تعانى من أزمة حقيقية نتيجة لصعود تيار القرائية وظهور الملحدين ووجود الكثير من النقاد الذين وجهوا سهام النقد للعهد القديم، فجاءت مؤلفاته للرد على هؤلاء وكان مؤلفاً موسوعياً فألف في كل المجالات في الشريعة والشعر والفلسفة والمنطق والتفسير والترجمة. אנציקלופדיה עברית-כרך 2- עמ״197
7-صموئيل بن حفني: هو أحد تلاميذ سعديا جاءون، عاش في القرن الحادى عشر الميلادي، وله مؤلفات في التفسير.عبد الرازق قنديل: الأثر الإسلامي. صـ202
8-: .h.h.ben sasson: A history of the jewish people.Harvard university press.Cambridge.Maassachusetts P:439
9-القراءون: مشتقة من الفعل العبريקרא، ولكن هناك من أرجعها إلى كلمة מקרא أى العهد القديم، وذلك لإيمانهم بالتوراة المكتوبة فقط دون التوراة الشفوية المتمثلة في التلمود. وهناك من يطلق عليهم اسم العنانية نسبة إلى مؤسسها عنان بن داود. وذهب بعض العلماء إلى أن اسمهم يعنى الدعاة والمبشرين أى من يدعون للإيمان بالدين الجديد ومفسري العهد القديم وفقاً للمعنى الحرفي.אילה ליונשטם:משקלו של השם קראי.לשוננו 38. הוצאת האקדמיה ללשון העברית.ירושלים. 1974.עמ"182.الشهرستاني: الملل والنحل. تحقيق عبد العزيز محمد الوكيل. مؤسسة الحلبي للطبع والنشر. القاهرة.جـ2.صـ20. الربانيون: في العربية جمع كلمة رباني وتشير هذه الكلمة إلى حكماء التلمود وفقهائهم. ويقابلها في العبرية كلمة "רבנים"، وهى جمع كلمة רבן، يستخدم الاسم ربانيم للإشارة إلى اليهود الذين يؤمنون بالتوراة المكتوبة والشفوية معاً للتمييز بينهم وبين غيرهم من اليهود القرائين الذين يؤمنون بالتوراة المكتوبة فقط. وترجع أصول الربانيين إلى فترة عزرا الكاتب (5ق.م)، حيث شهدت هذه الفترة بداية تكون الجماعات التى أسهمت في تشكيل الفكر الرباني. ويعد الربانيون هم السلطة الرسمية منذ القدم وحتى الآن، وكانت الربانية وما زالت هى الموجه للطوائف اليهودية في كل أمورها الدينية والدنيوية، وممثلها أمام السلطات الحاكمة في بلاد الشتات.Judica. Vol: 13. P: 1445.
10- philosophies of Judaism.schocken Books.New york.P:54. 55: Julius Guttmann
11-ibid: p: 349- الكتابة العربية اليهودية: هى تسمية أطلقها العلماء اليهود على اللغة العربية التى كتب بها اليهود وثائقهم ومخطوطاتهم وأعمالهم الأدبية ومعاملاتهم التجارية في العصر الوسيط، مستخدمين في كتابتها حروفا عبرية، وذلك لمنحها طابعا متميزا لتكون حكرا على الطوائف اليهودية فقط، وكذلك لعدم تمكنهم من ناصية اللغة العربية. انظر יהושע בלאו:דקדוק הערבית היהודית של ימי הביניים. הוצאת ספרים. האוניברסיטה העברית.ירושלים.1962. עמ"4
12-هو أبو الوليد بن جناح القرطبي طبيب ومؤلف عاش في القرن الخامس الهجري والحادى عشر الميلادي، وهو ممن أسسوا قواعد النحو العبري، كما كان يملك معرفة دقيقة باللغة العربية. ومن كتبه "المستلحق" وهو نقد لكتاب العالم اللغوي حيوج، ومن أهم أعماله على الإطلاق "اللمع" الذى جمع فيه قواعد اللغة العبرية، "والأصول" وهو قاموس لكلمات الكتاب المقدس.عبد الرازق قنديل: الأثر الإسلامي. صـ 215
13-باحيا بن فاقودة: (1050-1120) وهو فيلسوف يهودي عاش في سرقسطة، وأهم كتبه"الهداية إلى فرائض القلوب"وهو كتاب في الفلسفة الأخلاقية، متأثر فيه بكتاب "إحياء علوم الدين" للغزالى.عبد الرازق قنديل: الأثر الإسلامي. صـ242-243.
14-عبد الرازق قنديل: الأثر الإسلامي.صـ ل
15-mohamed Hawary: The muslim Jewish relations in Ayybid Egypt(1171-1250). Dr Maurice M. Mizrahi. The Jews of Egypt .p:1-2
16-الغزالى:أبو حامد محمد الغزالى الطوسي النيسابورى الصوفي الشافعي الأشعري(1058-1111م) أحد أهم أعلام عصره ومجدد علوم الدين الإسلامي في القرن الخامس الهجري، وكان فقيها وأصوليا وفيلسوفا، وكان صوفي الطريقة، شافعي الفقه، وسنى المذهب على طريقة الأشاعرة، وقد عرف كأحد مؤسسي المدرسة الأشعرية السنية في علم الكلام، وعرف بحجة الإسلام، وكان له أثر كبير وبصمة واضحة في عدة علوم مثل الفلسفة والفقه الشافعي وعلم الكلام والتصوف والمنطق. وأشهر كتبه هو "إحياء علوم الدين".الموسوعة الثقافية: إشراف د/حسين سعيد.دار الشعب. مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر.القاهرة. نيوريوك. 1972. صـ695
القشيري: (367هـ-465ه)هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة أبو القاسم القشيري إمام الصوفية، وصاحب الرسالة القشيرية في علم التصوف ومن كبار العلماء في الفقه والتفسير والحديث والأصول والأدب والشعر، الملقب بـ"زين الإسلام". الموسوعة الثقافية.صـ761.
السلمي: (325-412هـ)هو أبو عبد الرحمن السلمي النيسابورى، صاحب كتاب "طبقات الصوفية". أبو عبد الرحمن السلمي:طبقات الصوفية.موقع مكتبة المصطفي.
الطوسي:أبي نصر سراج الطوسي(ت988م) شيخ من شيوخ الصوفية على طريق السنة، ملقب بطاووس الفقراء، من أشهر كتبه "اللمع في التصوف" وهو بمثابة موسوعة في تاريخ وطبقات الصوفية.دائرة المعارف: تأليف:المعلم بطرس البستانى. دار المعرفة. بيروت. لبنان.مجلد11.صـ359.
17-אנציקלופדיה עברית-כרך א- עמ״313-315
18-هو أبو نصر محمد الفارابي (260-339هـ) فيلسوف مسلم اشتهر بإتقان العلوم الحكمية وكانت له قوة في صناعة الطب، وسمى المعلم الثاني، نسبة للمعلم الأول أرسطو بسبب اهتمامه بالمنطق لأن الفارابي هو شارح مؤلفات أرسطو المنطقية.الموسوعة الثقافية. صـ700.
ابن سينا: (370-427هـ)هو أبو على الحسين بن عبد الله بن سينا، عالم وطبيب مسلم من بخارى، اشتهر بالطب والفلسفة، عرف باسم الشيخ الرئيس وسمته أوربا أبو الطب الحديث في العصور الوسطي، وقد ألف 200 كتاب في مواضيع مختلفة العديد منها يركز على الفلسفة والطب، مثل كتاب "قانون الطب"، وكتاب "النفس".
ابن رشد: (1126-1198م)أبو الوليد محمد بن أحمد، ولد في قرطبة، فيلسوف وطبيب وفقيه وقاضي وفلكي، يعد من أهم فلاسفة الإسلام، دافع عن الفلسفة وصحح فهم الكثير من الفلاسفة لارسطو وأفلاطون، من أشهر كتبه "تهافت التهافت" و"فصل المقال".دائرة المعارف. المجلد 1. صـ535.
19-http://www.tomblock.com/published/shalom_jewishsufi.php.
20-يهودا بن سليمان الحريزي:(1166-1225م) شاعر ومترجم أندلسي، ترجم أعمال موسي بن ميمون ومقامات الحريري للعبرية، ثم قام بتأليف مقامات :تحكموني" على غرار مقامات الحريري، وهى من أعظم الأعمال النثرية في العصر الوسيط. חיים שירמן: השירה העברית בספרד. תל אביב.ירושלים. הוצאת מוסד ביאליק.1957- 1961 .ספר שני .ח״א. עמ״98.
21- פירושו שלר' אברהם בן הרמב"ם לתורה-יהושפט נבו-סיניקיג, תשנד –אתר דעת.
22- افراهام بن ميمون:كتاب كفاية العابدين. ترجمة نسيم دانا.جامعة "بر إيلان" تل أبيب ١٩٨٩م.صـ ٤٧.
23-ויקיפדיה-מאמר אברהם בן רמב״ם
24-الحلاج:الحسين بن منصور الحلاج(858-922م)، من أعلام التصوف السني، من أهل البيضاء وهى بلدة بفارس، وقد اختلف حوله الكثيرون فمنهم من كفره ورماه بالزندقة، ومنهم من فهم ممارسته الصوفية، ولكنه في النهاية مات مصلوبا في خراسان.دائرة المعارف. مجلد7. صـ150.
25-Jewish Mystical Leaders of the 13th Century, Fenton. pp. 150-151
26- افراهام بن ميمون: كتاب كفاية العابدين. الجزء الثاني..صـ63
27- الحاسيديم هي حركه روحانيه اجتماعيه يهودية نشأت في القرن السابع عشر، على يد رابي موشيه بن نحمان، نتيجة للأزمة الروحية والاقتصادية، والحاجة النفسية للمخلص والأمل، التى عاشها اليهود في شرق أوربا، وتميزت بالدعوة إلى الصلاة والعبادة والبعد عن لهو الدنيا أملاً في الخلاص، والاتحاد مع الإله الذى يوجد في كل شيء في العالم. Judica.vol:7.PP:1390
28-. Jewish Mystical Leaders of the 13th Century, Fenton, (ed.) Jason Aronson Publishers, Northvale, NJ. 1998. pp. 149, 151
29-البشط: يعنى التفسير الحرفي لفقرات العهد القديم.מלון יהודה גור: הוצאת דביר.תל אביב. דפוס 11. 1966.עמ״ 835
30-אנציקלופדיה יהודית- דעת-מאמר אברהם בן רמב״ם
31-ויקיפדיה-מאמר אברהם בן רמב״ם
32- Altmann Alexander(ed): jewish medieval and renaissance studies.Harvard university press.Cambridge.MA.1967. -p:145
33-אנציקלופדיה יהודית- דעת-מאמר אברהם בן רמב״ם
34- أفراهام بن ميمون. كتاب كفاية العابدين. الجزء الثاني .صـ67.
35-אנציקלופדיה עברית.-כרך א- עמ״313-315
36- ابن منظور. لسان العرب.دار صادر. بيروت. مادة فسر. مجلد5. صـ55.
37-(يوسف 6)، الزركشى: البرهان في علوم القرآن. دار المعرفة للطباعة والنشر. بيروت. ط2. .197 .ج2. صـ150.
38- نصر حامد أبو زيد. مفهوم النص. الهيئة المصرية العامة للكتاب. ط1. 1990
صـ 252-267.
39- محمد حسين الذهبي: التفسير والمفسرون. مكتبة وهبة. القاهرة. ط2. 1985.
جـ1. صـ20.
40-(آل عمران 7).
41- البخاري: صحيح البخارى. دار مطابع الشعب.د.ت. باب العلم. حديث رقم 75. الغزالى: قانون التأويل. تعليق/محمود دبيجو.ط1. 1993. صـ 6، 7.
42-الغزالى: قانون التأويل صـ 19.
43-المرجع السابق: صـ20-23.
44- פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות: על ידי אפרים יהודה בן שרגא ויזנברג.לונדון.תשי״ח
עמ״199-201.
45-שם: עמ״207
46-اونكلوس: هو من قام بترجمة العهد القديم في القرن الثاني والثالث ميلادي، إلى اللغة الآرامية عندما هُجرت اللغة العبرية وأصبحت لغة منسية، وكانت اللغة الآرامية هى لغة الحديث، فتمت ترجمة العهد القديم إلى اللغة العبرية، حيث كانت تقرأ الفقرة بالعبرية في المعبد ويقرأ بجانبها الترجمة الآرامية لها، وهى الترجمة الأشهر والأقدس عند اليهود.האנציקולופדיה המקראית – הוצאת מוסד ביאליק. ירושלים. 1945. מאמר פרשנות –עמ״648
47-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות: עמ״29
48-שם: עמ״5
49-لسان العرب. مادة عقل. مجلد 11. صـ458.
50-الخليل: كتاب العين. تحقيق: د/مهدى المخزومي ود/إبراهيم السامرائي. دار الرشيد للنشر. العراق..1980 باب العين والقاف واللام . مجلد 1. صـ159.
51-تفسير ابن كثير. قرص مدمج. ج: 2 .صـ 580
52-الموسوعة الفلسفية. معهد الإنماء العربي. بيروت.1986 صـ596
53- لسان العرب. مادة نقل.مجلد11. صـ674.
54- المعتزلة: هى كما أجمعت كثير من المصادر العربية فرقة واصل بن عطاء السكندري الذى اختلف مع أستاذه حسن البصري حول مرتكب الكبيرة، وقد اعتبر بنو أمية المعتزلة من ضمن أعدائهم لتحكيمهم للعقل ورفضهم مبدأ الجبر الذى اتخذه بنو أمية مذهباً لهم، فنفت المعتزلة الشر عن الله وأثبتت قدرة العبد عليه. وهنا ظهر الجانب التوفيقي لدى المعتزلة بقولهم إن الإنسان حر مختار في جميع أفعاله خيرها وشرها لأنه لولا هذا لانتفت صفة العدل عن الله، لذلك أطلق عليهم لقب أهل العدل والتوحيد.حسين مروة: النزعات المادية. دار الفارابي.ط5. ج1. 1985 صـ 631
55-نصر حامد أبو زيد:الاتجاه العقلي في التفسير. المركز الثقافي العربي. ط4. 1998. صـ57، 59، 60.
56-عبد الرازق قنديل. الأثر الإسلامي. صـ331.
57-المرجع السابق: صـ 370-374.
58-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות: עמ״19
59-שם: עמ״25
60-שם: עמ״28
61-שם: עמ״3
62-الغزالى: كتاب الاقتصاد. تحقيق:إنصاف رمضان.دار قتيبة.دمشق. سوريا.ط1. 2003.صـ25
63-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות: עמ״25
64-שם: עמ״25
65-שם: עמ״5
66-שם: עמ״7
67-שם: עמ״15
68-שם: עמ״9
69-שם: עמ״34، هذا المبدأ اقره حكماء المشنا في إنه لا يوجد مقدم ومؤخر في التوراة، وإن الأحداث في التوراة ليست مرتبة وفقا للتسلسل الزمني، بل وفقا للأهمية وقد اتبع هذه القاعدة ابن عزرا ورفضها موشيه بن نحمان (אינציקלופדיה יהודית–מאמר-אין מוקדם ומאוחר בתורה).
70-שם: עמ״34، بريشيت ربا هو تفسير لسفر التكوين وينسب عادة إلى رابي أشعيا ويعتبر أقدم المدراشيم الأجادية وأعظمها قيمة ومن المرجح أن معظمه ألف في القرن السادس الميلادي (الأثر الإسلامي- عبد الرازق قنديل صـ201).
71-שם: עמ״39-وقد اختلف علماء المسملين في مكان جنة عدن هل هى أرضية أم سماوية، فمنهم من رأى إنها الجنة التى سيثيب بها الله عباده في الآخرة ومنهم من رأى أنها جنة أرضية مثل ابن قتيبة وآخرون احتجاجا بالحديث الشريف الذى ورد في صحيح مسلم (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة وعبد الله بن نمير...عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة" وإن قوله تعالى "اهبطا" هو كما يقال لفلان اهبط أرض مصر.(حادى الأرواح في بلاد الأفراح).في اختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم عليه الصلاة والسلام وأهبط منها.
72-الترجمة السبعينية: هى الترجمة اليونانية للتوراة، التي تمت في القرن الثالث ق.م. وسميت بالسبعينية، لأن من قام بها سبعون حبراً من أحبار اليهود، نظرا لأن اليهود كانوا في ذلك الوقت لا يعرفون العبرية.Judica.vol:14.PP:1178
73-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות: עמ״9
74-انظر في البحث صـ12.
75-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות: עמ״15
76- الغزالى:مقاصد الفلاسفة. المطبعة المحمودية التجارية بالأزهر.ط2. 1936. صـ48- 52.
77-الغزالى: الاقتصاد. صـ24
78:פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות. עמ״19 -21
79- الغزالى: الاقتصاد.صـ25
80-المرجع السابق: صـ25.
81- سورة الرحمن( 27 )، الغزالى:الاقتصاد. صـ50
82—פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות:עמ״17
83-الغزالى: كتاب الاقتصاد صـ22-23.
84-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות:עמ״9
85-الغزالى:الاقتصاد في الاعتقاد صـ23.
86-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות: עמ״13
87- الغزالى:الاقتصاد في الاعتقاد صـ23.
88-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות: עמ״23-25
89-שם:עמ״27
90- انظر في البحث صـ19.
91-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות: עמ״25
92-" (طه:46).
93-القشيري:الرسالة القشيرية. تحقيق: مصطفي معروف زريق.المكتبة العصرية للطباعة والنشر. بيروت. صيدا.ط1. 2001 صـ 45، 48، 166.
94-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות: עמ״29
95- هارى ولفسون: فلسفة المتكلمين. ترجمة: مصطفي لبيب عبد الغنى. المجلس الأعلى للثقافة. القاهرة. ط1. 2005. ج2 .صـ700- 705.
96-المرجع السابق ج2. صـ 715.
97- الأسطقس هو الأصل بلغة اليونان، وكذا العنصر بلغة العرب؛ إلا أن إطلاق الأسطقسات على الأجسام المختلفة الطبائع باعتبار أن المركبات تتألف منها، وإطلاق العناصر عليها باعتبار أنها تنحل إليها — فلوحظ في إطلاق لفظ الأسطقس معنى الكون، وفي إطلاق لفظ العنصر معنى الفساد.الأسطقس آخر ما ينتهي إليه تحليل الأجسام، فلا توجد عند الانقسام إليه قسمة إلا إلى أجزاء متشابهة. وقد استخدم ابن سينا هذا المصطلح (انظر فتح الله خليف: ابن سينا ومذهبه في النفس.جامعة بيروت العربية. 1974.)
98-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות: עמ״29
99- نصر حامد أبو زيد:الاتجاه العقلي في التفسير.صـ111
100-المرجع السابق: صـ117.
101-نصر حامد أبو زيد: مفهوم النص.، صـ121.
102-. محمد الطاهر بن عاشور: تفسير التحرير والتنوير. الدار التونسية. 2000. ج1، صـ16
103-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות: עמ״22
104-שם:עמ״29
105-שם:עמ״31
106- أبو زيد:الاتجاه العقلي. صـ171
107-المرجع السابق: صـ190 .
108—פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות:עמ״5- 7
109--שם:עמ״27
110- أبو زيد:الاتجاه العقلي.صـ136.
111-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות:עמ״7- 9
112-שם:עמ״13- وهذا أيضا مثال على تفسير الكتاب بعضه لبعض.
113-שם:עמ״25
114-שם:עמ״25- 26
115-שם:עמ״27
116-שם:עמ״37
117-שם:עמ״37- 39
118-שם:עמ״3
119-שם:עמ״9
120-فتح الله خليف:ابن سينا ومذهبه في النفس. صـ73.
121-المرجع السابق:صـ15، 65
122-المرجع السابق:65-66
123-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות: עמ״11
124-שם:עמ״31
125-שם:עמ״33- ونلاحظ استشهاده بقول اونكلوس في هذا الاستشهاد، ليؤكد تمسكه بالنقل، وربطه مع ميله الصوفي.
126- ابن سينا ومذهبه في النفس صـ 108- 114.
127- (المائدة 6)
128-الطوسي: اللمع. تحقيق: عبد الحليم محمود- طه عبد الباقي سرور-دار الكتب الحديثة بمصر-1960.صـ455
129-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות: עמ״21
130-שם:עמ״21
131-الطوسي: اللمع. صـ425-430
132-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות:עמ״35
133-الطوسي: اللمع.صـ113-صـ124.
134-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות:עמ״25
135-الغزالى:مقاصد الفلاسفة.صـ113-116
ثبت المصادر والمراجع
أولا: ثبت المصادر والمراجع العربية
المصادر
-القرآن الكريم
-أفراهام بن ميمون: كتاب كفاية العابدين. ترجمة نسيم دانا . جامعة "بر إيلان" تل أبيب ١٩٨٩م.
المراجع
-أبو عبد الرحمن السلمي:طبقات الصوفية.موقع مكتبة المصطفي.
-البخاري:أبو عبد الله محمد بن إسماعيل.صحيح البخاري.دار مطابع الشعب. د.ت.
-الزركشي: بدر الدين محمد بن عبد الله. البرهان في علوم القرآن. دار المعرفة للطباعة والنشر. بيروت. ط2. .1972
- الشهرستاني: الملل والنحل. تحقيق عبد العزيز محمد الوكيل. مؤسسة الحلبي للطبع والنشر. القاهرة.
-الطوسي:أبو نصر السراج. اللمع. تحقيق: عبد الحليم محمود- طه عبد الباقي سرور-دار الكتب الحديثة بمصر-1960
-القشيري:أبو القاسم بن عبد الكريم ابن هوزان النيسابورى.الرسالة القشيرية.تحقيق: مصطفي معروف زريق.المكتبة العصرية للطباعة والنشر. بيروت. صيدا.ط1. 2001
-الغزالى:قانون التأويل. تعليق/محمود دبيجو.ط1. 1993
-الاقتصاد في الاعتقاد. تحقيق: إنصاف رمضان.دار قتيبة.دمشق. سوريا.ط1 . 2003.
-مقاصد الفلاسفة.المطبعة المحمودية التجارية بالأزهر.ط2. 1936.
-المنقذ من الضلال.تحقيق:محمد إسماعيل حزين. نشر موقع الفلسفة الإسلامية
- حسين مروة: النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية. دار الفارابي.ط5. ج1. 1985
-عبد الرازق قنديل: الأثر الإسلامي في الفكر الديني اليهودي. دار التراث. القاهرة.1984.
-فتح الله خليف: ابن سينا ومذهبه في النفس.جامعة بيروت العربية. 1974
-محمد الطاهر بن عاشور. تفسير التحرير والتنوير. الدار التونسية. 2000
- محمد حسين الذهبي: التفسير والمفسرون. مكتبة وهبة. القاهرة. ط2. 1985.
-نصر حامد أبو زيد: مفهوم النص.الهيئة المصرية العامة للكتاب. ط1. 1990
:الاتجاه العقلي في التفسير. المركز الثقافي العربي. ط4. 1998.
-ولفنسون: هارى.أ. فلسفة المتكلمين. ترجمة: مصطفي لبيب عبد الغنى. المجلس الأعلى للثقافة. القاهرة. ط1. 2005.
المعاجم والموسوعات
-ابن منظور. لسان العرب.دار صادر. بيروت
- الخليل: أبو عبد الرحمن بن أحمد الفراهيدي. العين. تحقيق: د/مهدى المخزومي ود/إبراهيم السامرائي. دار الرشيد للنشر. العراق.1980
- الموسوعة الفلسفية العربية. معهد الإنماء العربي. بيروت.1986
-الموسوعة الثقافية: إشراف د/حسين سعيد.دار الشعب. مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر.القاهرة. نيوريوك.
1972
- دائرة المعارف: تأليف:المعلم بطرس البستانى. دار المعرفة. بيروت. لبنان.
ثانياً: ثبت المصادر والمراجع العبرية
المصادر
-פרוש אברהם בן מימון על בראשית ושמות-על ידי אפרים יהודה בן שרגא ויזנברג.לונדון.תשי״ח
المراجع
- חיים שירמן: השירה העברית בספרד ובפרובאנס.תל אביב.ירושלים. הוצאת מוסד ביאליק.1957- 1961 .
-יהושע בלאו:דקדוק הערבית היהודית של ימי הביניים. הוצאת ספרים. האוניברסיטה העברית.ירושלים.1962.
دوائر المعارف والموسوعات والمعاجم:
-האנציקלופידיה העברית:כללית-יהודית וארצ ישראלית-הוצאת ספרים-פועלים-1998
-האנציקלופידיה המקראית:הוצאת מוסד ביאליק. ירושלים. 1945.
-מלון יהודה גור:הוצאת דביר.תל אביב. דפוס 11. 1966.
الدوريات والمجلات
- אילה ליונשטם:.משקלו של השם קראי.לשוננו.38.הוצאת האקדמיה ללשון העברית.ירושלים. 1974.
ثالثا: ثبت المراجع الأجنبية
المراجع
-Altmann, Alexander (ed.), Jewish Medieval and Renaissance Studies, Harvard University Press, Cambridge, MA.1967.
-Julius Guttmann :philosophies of Judaism.. SCHOCKEN BOOKS. NEW YORK
-h.h.ben sasson:A history of the jewish people .Harvard university press
Cambridge. Massachusetts
-L.Margolis: History of the Jewish People-Atemple Book-New York- 1969.
-.Jewish Mystical Leaders and Leadership in the 13th Century, (ed.) Jason Aronson Publishers, Northvale, NJ. 1998
ثانياً: الموسوعات ودوائر المعارف:
- Judica: Keter Publishing House. Jerusalem. 1972.
ثالثا: الدوريات والمجلات
-mohamed Hawary: The muslim Jewish relations in Ayybid Egypt(1171-1250)
Dr Maurice M. Mizrahi. The Jews of Egyp
مواقع انترنت، وبرامج
http://www.tomblock.com/published/shalom_jewishsufi.php-.
-פירושו שלר' אברהם בן הרמב"ם לתורה-יהושפט נבו-סיניקיג, תשנד –אתר דעת
-ויקיפדיה-מאמר אברהם בן רמב״ם
-אנציקלופדיה יהודית- אתר דעת-מאמר אברהם בן רמב״ם-מאמר אין מוקדם ומאוחר בתורה
-برنامج جامع المعاجم( قرص مدمج ) تفسير ابن كثير
