موقع يهتم بالدراسات السامية، ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودي

موقع يهتم بالدراسات السامية بشقيها اللغوي والفكري. ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودية

إعلان الرئيسية






ثمة عمليات لغوية تحدث أمام أعيننا تؤدى إلى ظهور ظواهر لغوية جديدة. وإحدى هذه العمليات الفاعلة في اللغة هى نشوء أبنية لغوية حديثة عقب الاستخدام المجازي لمفردة أو لمركب لغوي.

ونوضح في هذا الموضع باختصار فكرة الاستخدام المجازي في اللغة، فعندما يشير شخص إلى (בחורה) فتاة ويطلق عليها (פֶּרַח)(زهرة)، فإنه بذلك الاستخدام ينحرف انحرافاً لغوياً واضحاً عن اللغة المعيارية. فالمعنى المعجمي لكلمة (פֶּרַח) لا يعطى دلالة مفادها أن الفتاة زهرة. وعندما يستخدم المتكلم انحرافاً لغوياً كهذا- وهو انحراف عن المعايير اللغوية المتعارف عليها- فإنه لا يرغب بذلك خلق حالة من التشوش والانحراف، إذ إن هذا الاستخدام الشاذ يأتي ليلقي الضوء على أمر ما برؤية جديدة. فالاستخدام المجازي لكلمة ما ينضوى على مقارنة ضمنية بين شيئين، حيث إن المرء الذي يسمع مثل هذا الاستخدام المجازي لكلمة (פֶּרַח)(زهرة) سيتساءل عن القواسم المشتركة بين كلمة (פֶּרַח)(زهرة) وبين كلمة (בחורה)(فتاة) التى تسببت فى هذا الانحراف اللغوى. من ثم يمكن القول إن الاستخدام المجازى للغة يركز على الجوانب المشتركة بين طرفى المقارنة ويتجاهل الاختلافات. وينشأ هذا الاستخدام المجازي في حال وجود مفارقة لدى السامع أو القارئ بين الدلالة المألوفة للكلمة والدلالة المستعارة. وهذه المفارقة الدلالية الناتجة عن الانحراف عن التعبير الطبيعي للأشياء تعد من أسس الاستخدام الفني في اللغة.

وليس هذا ما نحن مطالبون بدراسته في هذا الموضع، بل إن الأمر الجدير بالدراسة ههنا هو الظواهر اللغوية التى تعد نتاجاً لهذا الاستخدام المجازي في اللغة. فالمجاز قد ينجح استخدامه في اللغة، الأمر الذي يؤدي إلى شيوعه وتثبيت أركانه. غير أن شيوعه في الاستخدام اللغوي يؤدى به إلى التلاشى وزوال دلالته المجازية. فالكلمة التى استخدمناها - كمجرد مثال - استخداماً فنياً خاصاً اتخذت دلالة جديدة محددة لم تكن تتضمنها، فلو كان الأمر كذلك، لاكتسبت تلك الكلمة (פֶּרַח)(زهرة) دلالة معجمية جديدة مفادها أن الزهرة تعني الفتاة الصغيرة.

وما يطرأ على الكلمة يطرأ أيضاً على البني النحوية الكاملة. فالجملة قد يستخدمها المتكلم استخداماً مجازياً. ويؤدى استخدامها إلى ترسيخها وإكسابها دلالة جديدة.

ونمثل لذلك من خلال ما يلي :

- הוא נתן עיניו בספר

- ركز فى الكتاب

على ما يبدو أن هذه الجملة جاء بناؤها على غرار جمل مقرائية نحو:

- אֹכֶל שְׂדֵה הָעִיר ---- נָתַן בְּתוֹכָהּ (تكوين 41/48)

- طعام حقل المدينة ---- جعله فيها

ودلالتها:

- הוא שם את האכל בתוך העיר

- وضع الطعام بداخل المدينة

أي أننا أمام فعل من شأنه أن يعبر عن وجود شى ما بمكان معين. وليس الأمر هكذا في الجملة التى نحن بصددها الآن، فلا تعبر هذه الجملة مطلقاً عن أن أحداً اقتلع عينيه ووضعهما داخل الكتاب. فمن يستمع إلى مثل هذه الجملة سوف يفهم دلالتها بما يقترب من دلالة الجملة:

- הוא הסתכל בספר

- أمعن النظر فى الكتاب

فليس من الصعب تفسير كيفية تحول دلالة فعل موضوع في الأساس للدلالة على وضع مكانى محدد إلى التعبير عن النظرة المتأنية الناجمة عن شغف بأمر ما، فهذه الدلالة المستحدثة نتاج لموت المجاز.

ولنضع نصب أعيننا موقفاً لغوياً ما، كأن يقص شخص لآخر أنه وضع عينيه في الكتاب، عندئذ سيستوعب متلقى هذا الحديث - للوهلة الأولى - الدلالة المألوفة لهذا التركيب، وهي التسبب فى وضع مادي محدد. ولكن الانحراف عن المألوف في دلالة هذه الجملة يدعو السامع إلى البحث عن دلالات أخرى، وإبان البحث عن مبرر لهذا الاستخدام الشاذ تستثار المفارقة الدلالية، إذ يتساءل السامع عن التشابه بين الحدث المادى المعبر عنه فى الجملة وبين دلالة إمعان النظر فى الشىء.

وينجح هذا الاستخدام المجازي لدرجة تؤدى إلى شيوعه في اللغة، عندئذ يفقد مفارقته الدلالية. وهكذا تُنْتَج دلالة معجمية جديدة يعبر عنها من خلال تركيب اصطلاحي هو (נתן עיניים ב) أى (أمعن النظر فى) .

فالجملة الممثل لها ههنا وهى :

- הוא נתן עיניו בספר

- تفحص الكتاب

لا تنضوى على ثلاثة مركبات اسمية، بل تنضوى على مركبين فحسب على هذا النحو:

- הוא נתן עיניו בספר

فإذا بدلنا كلمة (עיניים) في الجملة السابقة باسم آخر تفكك التركيب الاصطلاحى وعادت الجملة إلى دلالتها الأصيلة كما فى:

- הוא נתן את המסמנת בספר

- وضع الشارة بالكتاب

ونظراً لأنه بذلك تتغير الدلالة كلية، فنؤكد أن ذلك الاستبدال غير ممكن على الإطلاق، لأنه لو كان الأمر كذلك، فإن كلمة (עיניים) لا يمكن عدها مركباً نحوياً فى هذه الجملة.

ونتناول بالدراسة أبنية نحوية أخرى تعد بنيتها نتاجاً للاستخدام المجازي للبنية الأصلية. وَلْنُقَارِنْ بين الجملتين:

- הוא עמד על דעתו

- أصر على رأيه

- הוא עמד על הרצפה

- وقف على الأرض

فالجملة الثانية تشير إلى وضع مادي محدد. أما الجملة الأولى - المشابهة لها في التركيب- فلا يمكن أن تفهم على أنها تشير إلى وضع مادي. فاستخدام كلمة (דעתו)(رأيه) في الجملة الأولى أعطى إشارة إلى هذا الأمر، فليس أمامنا تعبير عن فكرة المكانية، حيث إن كلمة (דעתו) ليست مكاناً يمكن الوقوف به. لذا فمتلقى هذه الجملة سوف يستوعب دلالتها بشكل يقترب من دلالة جملة:

- הוא התעקש

- أصر

أو

- הוא סרב לשנות את דעתו

- رفض أن يغير رأيه

فجملة (עמד על דעתו) مفرغة من المفارقة الدلالية، لذلك فالمستمع إليها لا يبحث عن علاقة تربط بين الدلالة المقصودة والدلالة الأصلية، حيث يرى في مثل هذه الجملة تركيباً اصطلاحياً هو : עמד על דעה أى : أصر. والدليل على أننا أمام تركيب اصطلاحى أننا لا نستطيع استبدال كلمة (דעת) بكلمة أخرى، فمحاولة الاستبدال هذه من شأنها تغيير دلالة الجملة كليةً وإعادتها إلى الدلالة على المكانية.

والمستمع لمثل هذه الجملة لن يستوعبها للوهة الأولى على هذا النحو . فمما لا شك فيه أنه سيدهش عندما يلحظ انحرافاً كهذا عن الدلالة المألوفة المنطقية، إذ كيف يمكن الوقوف على الرأي؟ والرأي ليس شيئاً مادياً يمكن الوقوف عليه. فرفض المستمع استيعاب الدلالة السطحية لهذه الجملة يدفعه إلى البحث عن مبرر لمثل هذا الانحراف اللغوي، وبذلك تنشأ المفارقة الدلالية. من هنا يفسر المستمع دلالة هذه الجملة على (התעקש) بمعنى (أصر)، وذلك من خلال ربطه بين الإصرار وبين الوقوف في مكان محدد ورفض التحرك بعيداً عنه. ومن خلال هذا التفسير الضمنى تكتسب كلمة (דעת) دلالة الشىء المادي الذي يمكن أن يكون موضعاً للوقوف.

على أية حال فإن معجم العبرية المعاصرة ينضوى على دلالة للتركيب (עמד על דעת) تلك الدلالة التى تعد نتاجاً لمجاز ميت.

ومن الظواهر النحوية التى يتوجب النظر إليها بإمعان تلك الظاهرة النحوية المرتبطة بثبات البنية النحوية الأصلية. ففى البني التالية تتبادل ضمائر الملكية دون قيد أو شرط:

-הוא עמד על שולחני

- وقف على منضدتى

- הוא עמד על שולחנה

- وقف على منضدتها

- הוא עמד על שולחנכם

- وقف على منضدتكم

غير أن ذلك لايحدث مع التركيب الاصطلاحى الواقع موقع الفعل، إذ يقال :

- הוא עמד על דעתו

- أصر على رأيه

- הם עמדו על דעתם

- أصروا على رأيهم

ولايقال:

- הוא עמד על דעתם

- أصر على رأيهم

- הם עמדו על דעתו

- أصروا على رأيه

فالضمير المضاف إلى (דעת)(رأى) في هذه البني يتطابق حتماً مع المسند إليه، وهذا دليل قاطع على التطور النحوي والدلالي.

وهكذا الأمر فى التركيب الاصطلاحى:

- הוא שם פעמיו לכפר

- توجه صوب القرية

فإذا اعتبرنا هذه الجملة تشتمل على أربعة مركبات نحوية وهى (הוא/ שם/פעמים/ לכפר) فسوف ندهش من عدم إمكانية استبدال كلمة (פעמים) بكلمة أخرى نحو:

- הוא שם ספרו לכפר

صحيح يمكن أن يقال كذلك:

- הוא שם פניו לכפר

- توجه صوب القرية

لكن كلمة (פניו) تشترك مع كلمة (פעמיו) في الاصطلاح المشترك بينهما، ولاترد أسماء أخرى في هذا الموضع. وهكذا يتضح أن كلمة (פעמיו) في هذه الجملة ليست مفعولاً به، إذ إن المفعول به الحقيقي يمكن أن يستبدل بأسماء متعددة، وفي هذه الحالة يتطابق الضمير كذلك مع المسند إليه نحو:

- הוא שם פניו לכפר

- توجه إلى القرية

- הם שמו פעמיהם לכפר

- توجهوا إلى القرية

ولايقال:

הם שמו פעמיו לכפר

ففى حقيقة الأمر, إننا بصدد تركيب اصطلاحى, تركيب مسكوك هو(שם פעמים)(توجه). ويتجلى ذلك من حقيقة أن الفعل (שם)(وضع) ذاته لا يعبر عن حركة، وبالتالي لا تكتمل جملته بظرف مكان نحو:

- הוא שם לכפר

كما يحدث مع أفعال نحو:

- (הלך)(ذهب)/ (רץ)(جرى)/ (התקדם)(تقدم)/ (נע) (تحرك) كما فى جملة:

- הוא רץ לכפר

- جرى صوب القرية

فهذا المكمل دليل على أن هذه الجملة تنضوى على فعل معبر عن حركة, وهذا الفعل هو (שם פעמים)(توجه) الذي يعد تركيباً اصطلاحياً في موضع الفعل.

وينطبق نفس الحكم على جملة نحو:

- הוא כִּלָּה חמתו באחיו

- شفى غليله من أخيه

ولايقال:

- הוא כִּלָּה חמתנו באחיו

أو :

- הוא כִּלָּה שולחנו באחיו

ويصح كذلك:

- הוא נתן דעתו על הדבר

- أبدى رأيه فى الأمر

ولايصح:

- הוא נתן דעתנו על הדבר

- أبدى رأينا فى الأمر

أو:

- הוא נתן שולחנו על הדבר

- أعطى منضدته على الأمر

وليس من الصعب علينا إعادة تركيب الظرف اللغوى الذي أنتج بدوره هذا الواقع اللغوي غير الأصيل، فهذا كله يعد نتاجاً للاستخدام الفني للغة الذى يجمد منتجاً بذلك تراكيب اصطلاحية.

ننتقل الآن إلي أسلوب آخر مستحدث، حيث قرأت في إحدي الكتب الصادرة مؤخراً جملة:

- מחר בשעה עשר את מאה אחוז בבית

- غدا فى الساعة العاشرة ستكونين فى البيت بالتأكيد

من المؤكد أن كل من يستمع إلى العبرية الدارجة سيفهم هذه الجملة تماماً. لكن الحريص على حماية اللغة من التشوش والاضطراب سيبدى ملحوظاته على استخدام المركب (מאה אחוז) فى الجملة السابقة معتبراً إياه استخداماً شاذاً. وليس هذا الأمر ما نحن مهتمون بدراسته في هذا الموضع، فما يهمنا في هذا المقام هو التركيز على أن حكم المركب (מאה אחוז) في الجملة السابقة مغاير لحكـم الجملة التالية:

- מחר יעלה המחיר במאה אחוז !

- أغداً سيرتفع السعر بنسبة مائة فى المائة

والدليل على ذلك, أننا لانستطيع استبدال اسم العدد في الجملة الأولى باسم آخر، فلايقال مثلاً:

- מחר את שלשים ושניים אחוזים בבית

- غدا ستكونين فى البيت اثنان وثلاثون فى المائة

لكن يقال:

- מחר יעלה המחיר שלשים ושניים אחוזים

- غدا سيرتفع السعر بنسبة اثنين وثلاثين فى المائة

فمن الواضح أن المركب (מאה אחוז) في الجملة الأولى لا يمكن أن يرد في موضع (שלשים אחוז أو מאה תפוחים)

فلا يقال:

- מחר בשעה עשר את מאה תפוזים בבית

- غدا فى الساعة العاشرة ستكونين مائة برتقالة فى البيت

يتضح من هذه الدراسة أن المركب (מאה אחוז) لا يعد في مثل هذا الموضع مركباً حراً يعبر عن اسم عدد أو اسم ذات، لكنه تركيب اصطلاحى مقيد. وليس من الصعب الكشف عن دلالته، فهى على هذا النحو:

- מחר בשעה עשר את בודאי כאן

- غدا فى الساعة العاشرة ستكونين هنا بالتأكيد

ولا يصعب علينا الكشف عن الطريقة التى تشكل من خلالها مثل هذا التركيب الاصطلاحى، فالتركيب (מאה אחוז) ورد للتعبير عن التأكيد التام على أمر ما، ومن ثم يستخدم في لغة الحديث نظيراً لكلمة (בודאי) أي بالتأكيد.

وفيما يتعلق بالقياس اللغوي يراودنا تساؤل في هذا الموضع هو: أليس من المحتمل أن تؤدي مثل هذه التراكيب الاصطلاحية إلى إنتاج تراكيب أخرى مماثلة نحو:

- מחר בשעה עשר את חמישים אחוז בבית

- غداً فى الساعة العاشرة ربما تكونين فى البيت

وإذا صح هذا الأمر، تكون دلالة (חמישים אחוז) في الجملة السابقة قريبة من دلالة كلمة (אולי) بمعنى (ربما/من المحتمل)، ولا تكون دلالتها انتصاف كمال الشىء. وهكذا تفرز اللغة بين حين وآخر واقعاً لغوياً جديداً، وذلك من خلال اللغة التصويرية المجازية التى تتجمد منتجةً بذلك تراكيب اصطلاحية تحل محل الأفعال.

المصدر: העברית שלנו והעברית הקדומה אלעזר רובנשטיין האוניברסיטה המשודרת, 1980









ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button