مناهج التفسير الديني عند اليهود قبل فترة سعديا
تفسير العهد القديم على اختلاف مناهجه يمكن فهمه وفقاً لتوجهه الوظيفي، فالتفسير هو تقديم النص القديم المفسر للقارئ المعاصر، ذلك بالإضافة إلى أنه عملية استنطاق النص وإظهار الروح السائدة فيه، والإيحاء بأن الكاتب الأصلي هو الذى يتحدث بالفعل، كما لو كانت التفاسير الموضوعة أمام جمهور القراء والسامعين بمثابة نص ثانِِِِ للنص الأصلي مع إضفاء روح جديدة للنص الأصلي، ولذلك فإن المفسر يستخدم كل الأدوات اللغوية والتاريخية التى من شأنها أن تزيل عوامل سوء الفهم الذى قد يسببه تباعد الأزمنة سواء من جراء التغييرات اللغوية أو الأسلوبية أو تغيرات طرأت على المناخ الروحاني.
لذلك أصبحت عملية تفسير العهد القديم عملية أساسية نظراً لعدم اتساقه وتعدد مصادره وعدم تمازجها من جهة ، وكذلك لأن هذا التفسير يعد أحد أهم المصادر وأقدمها لتاريخ العقائد وتطورها لدى اليهود من جهة أخرى. ولكن هذه التفاسير، رغم أنها من إنتاج البشر إلا أن قداسة النص، تشملها، فشكلت تلك التفاسير في عهد حكماء التلمود الشريعة الشفوية (التلمود) التى فاقت في أهميتها عند غالبية اليهود الشريعة المكتوبة (العهد القديم).
ويمكننا أن نرجع بداية التفسير عند اليهود إلى فترة تدوين العهد القديم، والتى استمرت حتى القرن السادس الميلادي، واستمرت عملية التفسير عندما رأى حكماء اليهود أن الشريعة المدونة غير كافية، ولا تواكب ظروف تطور الحياة اليهودية ولا بد من إكمالها بالتفسير.
ولما كان من الصعب، مع ما يمثله العهد القديم بالنسبة لليهود، أن تجد في تفاسيره درجة من الموضوعية، فإن العهد القديم لم يكن بالنسبة لهم كتاباً مقدساً نزل به الوحي وانقطع وأغلقت الكتابة فيه، بل جاء كل عصر وكل فرد وأدخل تأثيره ومفاهيمه على العهد القديم، وهذا النهج هو ما خلق ثنائية في منهج تفسير العهد القديم. وتمثلت هذه الثنائية في منهج الـ(פְשָט ) البشاط والـ(דְרָש) والدراش.
الـ פְשָט (البشاط): كلمة مشتقة من الكلمة الآرامية פשטא وتعنى الحرفية والتبرير. أما المعنى الشائع لهذه الكلمة فهو التفسير الموضوعي الذى يلتزم بالسياق، لا يبتعد عن المعنى المقصود ولا يخالفه أو لا يدخل في الجدل.
وهذا التفسير يحتاج من المفسر اليقظة لأنه ليس حرفي بل تفسير يراعي فيه ربط فقراته مع بعضها ببعض ومراعاة السياق العام، بمعنى نقل الإحساس البسيط والأصيل في الفقرة وذلك بدراسة اللغة وتراكبيها، ولذلك فهو مرتبط بالنص.
أما الأمر الثاني الذى يحتاجه المفسر في هذا المنهج، فهو معرفة أسباب النزول، وهذا يُعد اجتهاداً منه، لأن فكره لا يستطيع أن يصل إلى المراد من الفقرة التوراتية خاصة، والفقرة لم تنزل في عصره وزمانه. فالأمر الأول والأخير الذى يهتم به المفسر الذى يتبع المنهج الحرفي في التفسير الحرفي (البشاط) هو ألا تنفصل الفقرة التوراتية عن السياق الذى نزلت فيه، حتى يفسرها تفسير واقعياً، لذلك كان هذا المنهج الحرفي (البشاط) قليل الاستخدام لدى حكماء المشنا.
لذلك من الممكن أن نصف هذا المنهج بأنه تفسير موضوعي يتعامل مع النص الديني بشكل مستقل دون تدخل من المفسر. وقد كانت أكثر الفترات التى ساد فيها المنهج الحرفي (البشاط) مع ظهور الإسلام حيث تأثر اليهود بمناهج التفسير الإسلامية الموضوعية .
الـ דְרָש (الدراش): كلمة عبرية بمعنى مغزى باطني، أو قياس عقلي، وتأويل أو شرح وتفسير فقرات الكتاب المقدس عن طريق التعمق والتوسع.
أما المعنى العام له فهو البعد عن المعنى الحرفي للفقرة التوراتية والميل إلى التوسع والإضافة والجدل ، لذلك كان أكثر استخداماً للأجاداه (القصص والمواعظ) التى تتميز دائماً بالمبالغة وتخطى حدود الزمان والمكان.
ويتميز منهج الدراش بالميل إلى التلاعب بالألفاظ وضرب المثل والقصص الوعظية للتأثير على السامع، لأنه دائماً ما كان يقدم شفاهياً. لذلك كان دائماً ما يخضع المفسر في هذا النوع من التفسير إلى الظروف التى عليها الجماعة اليهودية، فكانت تلك الجماعة هى المحرك الأساسي له لا النص، لذلك كان دائماً ما يبتعد ويخرج عنه.
ولذلك فإن نمط الدراش يتميز بالذاتية، فالمفسر يبحث فيه عن غايته هو لا عن غاية النص، لذلك يخرج بالفقرة التوراتية عن سياقها ومغزاها المعتاد. ولهذا فإن كان منهج البشاط لم يتغير من جيل إلى جيل، فإن منهج الدراش تغير من جيل إلى جيل ومن مكان إلى مكان ومن فرد إلى فرد على حسب اختلاف البشر وظروف الحياة والعادات والأفكار، لذلك كان هذا المنهج أقرب إلى نفوس حكماء المشنا حتى يحملوا الفقرة التوراتية تجديداتهم التى تم وضعها في التوراة الشفوية (التلمود) . فقد كانت الأسئلة والفتاوى التى تطرح عليهم على مدى الأجيال لا يمكن الإجابة عنها إلا من خلال منهج الدراش عن طريق تحوير الفقرة التوراتية والتلاعب بها، وهكذا حملوا كل فقرات العهد القديم كل آرائهم وأفكارهم حتى لو كانت مناقضة للرأى الذى تطرحه فقرات العهد القديم.
ج- الـ סוד: السود: أى التفسير الرمزي. بدأت بوادر هذا النمط من التفسير في عهد السوفريم، في تفسير سفر نشيد الإنشاد وبعض المواضع في سفر حزقيال. ثم تطور وانتشر بين يهود العصر الهلينستي (اليوناني) في الأسكندرية بتأثير بعض مذاهب الفلسفة اليونانية كالغنوصية. وكان من أبرز ممثلي هذا المنهج في تلك الفترة فيلون. وقد ازدهر هذا المنهج في التفسير مع مذهب القبالة في العصور الوسطي ليجعل للنص معنى أزلي.
ويبحث المفسر الذى يتبع هذا المنهج عن المعنى الباطني والخفي، عن طريق استخدام رياضة ذهنية مع حروف الألفاظ ليكشف معنى أخفاه الله لحكمة، فهذا التفسير الرمزي ينكر المعنى البسيط والظاهر للفقرة التوراتية، ولكنه يعتمد على أن الفقرة التوراتية تقول شيئاً وتقصد شيئاً آخر، فالفقرة التوراتية ليست على معناها الظاهري، فهذا المعنى الظاهري غطاء يخفي داخله المعني الحقيقي للفقرة.
د- الـ רמז: منهج الرمز : وهو يعنى التفسير الرمزي أو المجازي، ولا يعتمد المفسر المجازي اعتماداً كاملاً على المعاني الحرفية للألفاظ، وإنما يحتاج إلى عوامل خارجية عن النص نفسه، وتظهر هنا قدرة المفسر على كشف المعاني الكامنة في ثنايا النص. مستخدماً ما لديه من معلومات خارجية وثقافة دينية واسعة وخيال إلى غير ذلك من الوسائل التى تعينه على استخراج المعاني المجازية في النص.
وبناء على هذا فإنه يمكن الوقوف على الفارق بين كل من المنهج الحرفي في التفسير والمنهج المجازي في أن الأول يعتمد بالدرجة الأولي على كلمات النص، وتراكيبه وارتباط السياق العام لمعنى الفقرات، أى أن هناك علاقة ثنائية مستمرة بين النص وبين المفسر طالما كانت العملية التفسيرية قائمة، في حين أن المفسر المجازي لا يرتبط بحرفية النص ويكون هناك فاصل بين كلمات النص والمفسر.
ولم ينتشر هذا المنهج بين اليهود بالصورة التى كانت عليها مناهج التفسير الأخري، وربما يرجع ذلك إلي أن اليهود في بداية اهتمامهم بالنص كانوا يهدفون إلى توضيح ما يتضمنه للجمهور، ولم يكن هناك ما يستدعي الغوص في المعاني والتكلف في الأسلوب بقدر ما كان الأمر يحتاج إلى إظهار الأوامر والأحكام وما ينظم حياتهم الدينية والاجتماعية.
مراحل تفسير العهد القديم:
(1) التفاسير داخل العهد القديم: لقد كانت الفترة الزمنية بين تلقى موسى للألواح وبين كتابة عزرا للتوراة فترة طويلة (ما يقرب من ألف عام)، فطرأت على لغة النص الكثير من التغييرات، بالإضافة إلى الأحداث التاريخية، كل ذلك أدى إلى صعوبة فهم اليهود لنص التوراة.
هذا جعل التفسيرات تدخل إلى العهد القديم نفسه، وهو ما أكدته التوراة في نصها، حيث ورد في سفر نحميا (8: 4-8): " ووقف عزرا الكاتب على منبر الخشب... وفتح عزرا السفر أمام كل الشعب...واللاويون أفهموا الشعب الشريعة في أماكنهم. وقرأوا في السفر في شريعة الله ببيان وفسروا المعنى وأفهموهم القراءة".
فقد شكلت بعض ألفاظ العهد القديم عقبات كثيرة في سبيل فهمه لكونها غريبة عن اللغة أو نادرة، ولذلك أصبح عزرا أول مفسر للتوراة لحل هذه العقبات، ولكن عزرا لجأ لمنهج الدراش في التفسير، سواء في مجال الشريعة (الهالاخا) أو القصص (الأجاداه) .
فعلى سبيل المثال سفر دانيال من الأصحاح العاشر وحتى الأصحاح الثاني عشر تفسير أو مدراش كامل لسفر أشعيا، والأصحاح الثاني عشر من سفر هوشع ليس إلا مدراش لقصة يعقوب وعيسو، فهو بمثابة إعداد جديد لمادة قديمة لإخراجها من طابعها القصصي لتصبح موعظة أخلاقية. كما أن الملاحظات الهامشية التى أدخلها الناسخ إلى النص التوراتي كانت بالطبع ملاحظات تفسيرية. وبذلك من الممكن أن نقول أن التوراة الشفوية قد بدأت مع وقت تكون العهد القديم.
2- مرحلة السوفريم (كتبة العهد القديم):
السوفريم (400- 100ق.م) هم مدونو العهد القديم أيام عزرا، وقد اعتمد السوفريم في البداية على المنهج الحرفي (البشط) في التفسير. ولكن هذا المنهج لم يلبِ رغباتهم عندما أرادوا إضفاء نوع من القداسة على بعض العادات التى طرأت عليهم، فلجأوا إلى منهج الدراش وحمَّلوا الفقرة التوراتية ما يؤكد ذلك.
3- تفاسير حكماء المشنا:
صنع حكماء المشنا منظومة كاملة من الأحكام والقوانين شكلت المدراش التشريعي في التوراة الشفوية من فقرات قليلة في العهد القديم، وكان عملهم التفسيرى هذا يعتمد على فصل أجزاء الفقرة من سياقها وربطها مع أجزاء أخرى بعيدة عنها. وكان الهدف من هذه العملية ليس تفسير الفقرة التوراتية، بل توسيعها لإخراج شرائع جديدة أصبح هناك حاجة إليها ، وربط مدراش الأجاداه بأحداث ووقائع العهد القديم لتكون إرشادات وعبر أخلاقية يحتاجها هذا الزمان، لذلك جاءت الفقرة الواحدة تحمل عدة أوجه يناقض بعضها بعضا.
ولكن هؤلاء الحكماء لم يضعوا هذه التفاسير والشرائع هباءً، ولكن وضعوا أسس لصنع هذه المنظومة من الأحكام والمواعظ وبعض هذه الأسس هي:
أولاً: أن التوراة غنية في بعض المواضع وفقيرة في مواضع أخري.
ثانياً: لا يوجد تقديم وتأخير في التوارة، وذلك ساعدهم على خرق التسلسل الزمني للأحداث.
ثالثاً: تطبيق القياس بشكل واسع لإيجاد شرائع تتماشي مع ظروف الواقع الحياتي لهم في هذا العصر، فعلى سبيل المثال الفقرة التوراتية التى تقول: " ومن هو الرجل الذى غرس كرماً ولم يبتكره" فرأوا أن هذا لا يعنى الكرم فقط، بل كل ما تم غرسه.
رابعاً: التغاضى عن الفروق الشاسعة بين دلالات الفقرات التوراتية وبين الشرائع التى أقروا العمل بها.
ولم يكتف معلمو المشنا بهذه الأسس التفسيرية التى طبقوها، بل تجرأوا على تغيير ترتيب الكلمات وحذفها وتغيير شكلها ، فالفقرة التوراتية التى تقول "יוֹצֵר אוֹר וּבוֹרֵא חֻשֶךְ עוֹשֶה שָלוֹם וּבוֹרֵא רָע עוֹשֶה כָל אֵלֶה" كانت في الأصل تقول: " יוֹצֵר אוֹר וּבוֹרֵא חֻשֶךְ עוֹשֶה שָלוֹם וּ ובורֵא אֶת הכָל" فأضافوا إليها " ובוֹרֵא רע" . وكذلك فِعْل مثل רָאָה (رأى) لما فيه من تعبير جسدي أصبح נִרְאָה (يتراءى). وإن لم يستطع المفسر تغيير الكلمات فإنه يلجأ المفسر إلى تفسيرات غير مقنعة مثل ما ورد في الفقرة التى تقول: "هذه الكلمات كلم بها الرب كل جماعتكم في الجبل من وسط النار والسحاب والضباب وصوت عظيم ولم يزد". والفقرة التى تناقضها " وبعد الزلزلة نار ولم يكن الرب في النار وبعد النار صوت منخفض خفيف" فرأوا أن الرب يتحدث بصوت عظيم والملائكة بصوت منخفض.
وقد قدم معلمو المشنا تبريرات لاتباع هذا المنهج في التفسير، وهى:
أولاً: التناقض بين القوانين يرجع إلى اختلاف البشر.
ثانياً: لغة العهد القديم تختلف اختلافاً جوهريا عن لغة البشر، فلغة البشر تفرق ما بين اللفظ والمضمون وفيها بعض الكلمات التى لا تضيف للحوار. أما كلام التوراة فمصدره إلهي فكل حرف له سبب ودلالة ومضمون.
من هذا المنهج في التفسير صنعت التوراة الشفوية التى اعتمدت على أن التوراة المكتوبة جاءت مختصرة ومقتضبة تحتاج للتفسير والتفصيل. وكانت مهمة هؤلاء الحكماء هذا التفصيل والتفسير، ولكن هذا لم يحل دون أن تأتى الشرائع الشفوية غير مرتبطة بما جاء في التوراة المكتوبة، بل وأحياناً تناقضها. ولذلك كان منهج الدراش هو الأقرب لهذه المدرسة من منهج البشط الحرفي، والسبب الذى دعاهم لذلك واضح وهو التغيرات الاجتماعية التى طرأت على الجماعات اليهودية في فترة الهيكل الثاني وما تبعه من تغيرات اقتصادية أثرت أكبر الأثر في تفسير العهد القديم.
وهناك مدرستان تفسيريتان واضحتان في تفاسير حكماء المشنا وهما مدرسة رابى "ישמעאל" يشمعئيل ومدرسة رابي "עקיבא" عقيفا ، وقد اختلفتا عن بعضهما في مجال الشريعة، لكن لم تختلفا في الجانب القصصي والوعظي (الأجاداه) إلا اختلافات طفيفة، فقد رأت مدرسة رابي يشمعئيل أنه يجب النظر بعقلانية في فقرات العهد القديم للبحث عن المبررات الواضحة والبسيطة لتلك الفقرات، لذلك كانت أكثر استخداماً لنمط البشط، أما مدرسة عقيفا فكانت تميل للبحث عن المعاني الخفية والغامضة للفقرات التوراتية، لذلك كانت أكثر استخداماً لمنهج الدراش، ولذلك كانت مدرسة عقيفا هى الأكثر انتشاراً.
وقد كون تفاسير حكماء المشنا طبقتان من هؤلاء الحكماء هم:
الـ תנאים : (10 ق.م- 200 م) : يعد التنائيم أكثر المدارس التى توسعت في إضافة تفسيرات تبعاً للمنهج الدراشي بسبب ما استجد عليهم من مؤثرات، وخاصة في فترة السبي البابلي . ومن أشهر من جاء في هذه المرحلة هليل وشماي وكونا مدرستين تفسيريتين في أواخر القرن الأول قبل الميلاد وبداية القرن الأول الميلادي، وقد اختارت مدرسة شماي التدقيق في حين اختارت مدرسة هليل التساهل.
2- الـאמוראים: أى الشراح (200- 500م) وقد أثرت مدرسة رابي عقيفا على هذه المرحلة أكبر الأثر. لذلك اتبعت المنهج الدراشي، كما أكثرت من استخدام منهج الجيماترا. وأسلوب (אל תקרי) في التفسير بمعنى لا تقرأ هكذا بل هكذا، معتمدين على تشكيل حروف الكلمة لتوافق المعنى الذى يريدون تحميله للفقرة التوراتية، بل ووصل الأمر بهم إلى زيادة وحذف حروف من الكلمة. كما شاع لديهم حبهم للتورية والتلاعب بالألفاظ.
4- التفاسير في التراجم الآرامية:
كتبت التراجم الآرامية للتوراة في عصر التلمود، وكان أشهرها على الإطلاق ترجمة أونكلوس، وتم الاعتياد على قراءتها في الصلاة الأسبوعية على الجمهور منذ أيام الهيكل الثاني وحتى فترة حكماء المشنا، وكان ذلك يتم عن طريق ترجمة الفقرة التوراتية إلى لغة الجمهور في ذلك الحين وهى الآرامية. وكانت تلك التراجم تتم مشافهة حيث لم تكن هناك نسخة مكتوبة لهذه الترجمة . وكان مباحاً في هذه التراجم تفسير الفقرة التوراتية إذا احتاج الأمر، ثم تم إدماج هذه التوضيحات في هذه التراجم، لذلك استخدمت المنهج الدراشي عند إضافة تلك التوضيحات .
وقد تمسك حكماء المشنا بترجمة أونكلوس ووضعوا ثقتهم فيها، بل وأضفوا عليها نوعاً من القداسة ، أما ترجمة يوناثان فلم تحظَ بنفس الشهرة التى حظت بها ترجمة أونكلوس رغم قربها منها في اللغة والأسلوب.
ويظهر الجانب التفسيري في ترجمة أونكلوس في ترجمة ألفاظ الألوهية حيث حاول أونكلوس البعد عن التجسيم، كما غير في بعض الفقرات التوراتية احتراماً للأنبياء، كما قام بترجمة أسماء الأماكن والأعلام وفقاً لروح الزمان، لذلك تميزت ترجمته بأنها ترجمة حرة للتوراة.
5- تفاسير العهد القديم في فترة الجاءونيم:
اهتم الجاءونيم منذ ختم التلمود بتجميع التراث الشفهي الذى شُكل في عهد التنائيم والأمورائيم، فانصب جُل اهتمامهم في إعادة تنظيم وتجميع التفاسير بكلا المنهجين البشاطي (الحرفي) والدراشي (المتعمق)، وكان التجديد الوحيد الذى أتوا به في هذه الفترة هو وضع التشكيل الصحيح لكلمات التوراة لقراءتها بشكل صحيح.
فخلال هذه الفترة لم يكن هناك أى مؤثر يستدعي نتاجا تفسيريا ذا اتجاه مختلف عما سبق، ولكن مع ظهور الإسلام والفتوحات التى تبعت هذا الظهور وما سببته هذه الفتوحات من تمازج تيارات فكرية مختلفة، تحركت البركة الراكدة وظهر المحفز لإنتاج تفاسير جديدة في أسلوبها ومنهجها ولغتها، بل وتجرأت بعض الشخصيات من خارج السلطة الحاخامية (الربانية) على تفسير التوراة، مثل فرقة القرائين التى بدأت تنتج تفاسير للتوراة خاصة بها، نظراً لرفضها للتلمود. وقد اختلفت تلك التفاسير اختلافا كليا عن التفاسير السابقة للتوراة في منهجها في التفسير. ومن أكثر التجديدات التى طرأت في هذه الفترة في مجال التفسير هو وجود كتب تناقش قضايا بعينها في العهد القديم، وفي الوقت نفسه تعتبر كتباً تفسيرية مثل كتاب"الوصايا" لعنان بن داود، مؤسس فرقة القرائين، فقد كان بمثابة كتاب تفسير تشريعي لبعض الأحكام في العهد القديم.
المصدر: كتاب: أثر مناهج تفسير القرآن الكريم في تفسير الحاخام سعديا جاءون لسفر التكوين. د.عزة محمد سالم، مكتبة الآداب، ٢٠

