تُستهل القصة التوراتية ذات الأحداث الماضية بصيغة (קָטַל) أو بصيغة (וַיִקְטֹל) التى عادة ما تكون صيغة (וַיְהִי). ويتم ربط الأفعال الواردة على امتداد القصة - والتى تعبر عن أحداث وقعت بعضها تلو الأخرى بواسطة صيغة (וַיִקְטֹל) نحو:
- " וַיְהִי אַחַר הַדְּבָרִים הָאֵלֶּה חָטְאוּ מַשְׁקֵה מֶלֶךְ מִצְרַיִם וְהָאֹפֶה-----. וַיִּקְצֹף פַּרְעֹה ----- . וַיִּתֵּן אֹתָם בְּמִשְׁמַר --------. וַיִּפְקֹד שַׂר הַטַּבָּחִים אֶת-יוֹסֵף אִתָּם וַיְשָׁרֶת אֹתָם וַיִּהְיוּ יָמִים בְּמִשְׁמָר. וַיַּחַלְמוּ חֲלוֹם שְׁנֵיהֶם-----. וַיָּבֹא אֲלֵיהֶם יוֹסֵף בַּבֹּקֶר " (تكوين 40 / 1-6)- "وحدث بعد هذه الأمور أنّ ساقي ملك مصر والخباز أذنبا ---. فسخط فرعون -----. فوضعهما في الحبس-----. فأقام رئيس الشرطة يوسف عندهما فخدمهما. وظلا أياماً في الحبس، وحلما كلاهما حلماً --- . فدخل يوسف إليهما في الصباح ".
وكذلك :
- " וַיִּטַּע יְהוָה אֱלֹהִים גַּן בְּעֵדֶן מִקֶּדֶם וַיָּשֶׂם שָׁם אֶת הָאָדָם אֲשֶׁר יָצָר. וַיַּצְמַח יְהוָה אֱלֹהִים מִן הָאֲדָמָה כָּל עֵץ נֶחְמָד לְמַרְאֶה ------ ". (تكوين 2 / 8 ،9)
- " وغرس الرب الإله جنّة في عدن شرقاً، ووضع هناك آدم الذي جبله، وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر---- ".
ومن القوانين الأساسية فى عبرية العهد القديم أن الأفعال المرتبطة ببعضها والتى تـُعبر عن سلسلة من الأحداث التى أنجزت فى الماضى ترد على صيغة (וַיִקְטֹל). ووفقاً لما رأينا، يجدر القول إن واو الربط (ו' החיבּוּר) تكون ملازمة لصيغة (יִקְטֹל). ويشترط - بشكل أساس- أن تدل المتوالية الخاصة بصيغ (וַיִקְטֹל) على مجموعة من الأحداث المتعاقبة، تلك الأحداث التى يقع بعضها تلو الآخر. ويتضح هذا الأمر من خلال المقارنة الآتية :
- וְיַעֲקֹב נָתַן לְעֵשָׂו לֶחֶם וּנְזִיד עֲדָשִׁים וַיֹּאכַל וַיֵּשְׁתְּ וַיָּקָם וַיֵּלַךְ (التكوين 25/ 34)
- فأعطى يعقوب عيسو خبزاً وطبيخ عدس، فأكل وشرب وقام ومضى.
- אָבִיךָ הֲלוֹא אָכַל וְשָׁתָה וְעָשָׂה מִשְׁפָּט (إرميا 22 / 15)
- ألم يأكل أبوك وشرب وتقاضى إن الفارق بين الفقرتين جلى، ففى سفر التكوين وردت متوالية الصيغ (וַיִקְטֹל) -كما هو واضح- لسرد حدث بيع البكورية. صحيح إن الجملة تستهل بصيغة (קָטַל) نحو: (וְיַעֲקֹב נָתַן לְעֵשָׂו לֶחֶם וּנְזִיד עֲדָשִׁי)، لكن هذا الأمر يعد نتيجة واضحة لعدم مجئ الفعل (נָתַן) ههنا فى صدر الجملة بعد واو الربط (ו' החיבּוּר)، إذ إن الشرط الأساس لمجئ صيغة (יִקְטֹל) فى العبرية المقرائية دالة على الماضى هو ورودها بعد واو الربط (ו' החיבּוּר)، إلا أنه نظراً لضرورة التأكيد التى حتمت على الراوى وضع اسم الذات فى صدر الجملة هكذا "יַעֲקֹב נָתַן --" كما فى "וְאילו יַעֲקֹב נָתַן לְעֵשָׂו ---- "، فقد زال شرط استخدام صيغة (יִקְטֹל) دالة على الماضى فى الفقرة السابقة.
ويختلف الأمر تماماً فى الفقرة الواردة فى سفر إرميا. ولكى نفهم استخدام صيغ الفعل فى هذه الفقرة فسوف نقارنها بجملة بديلة تشتمل على صيغة "וַיִקְטֹל" نحو:
- אָבִיךָ הֲלוֹא אָכַל וְשָׁתָה וְעָשָׂה מִשְׁפָּט
- אָבִיךָ הֲלוֹא אָכַל וישת ויעש מִשְׁפָּט
إن ما ورد فى الفقرة البديلة يرتبط بسرد متوالية من الأعمال المتعاقبة، تلك الأعمال التى ترد الواحد تلو الآخر، وليس هذا هو ما تعبر عنه تلك الفقرة، فليس الحديث بها عن سلسلة من الأعمال التى أداها الملك (يوشيا) يوماً ما الواحد تلو الآخر، حيث إن الأعمال التى تعبر عنها تلك الفقرة هى أعمال تمت فى الماضى بشكل متزامن، أى أنها تمت جنباً إلى جنب. ولا يمثل ذلك نظاماً يومياً للملك (يوشيا).
وهكذا ينجح الراوى التوراتي فى التعبير عما لا تستطيع أن تعبر عنه العبرية المعاصرة، فهو يستطيع أن يُعبر عن الفارق بين أحداث متعاقبة وأخرى متزامنة، ويتم ذلك من خلال ذات الأفعال، وليس عن طريق أدوات أخرى كما يحدث فى العبرية المعاصرة. ويستطيع الراوى المقرائى أيضاً أن يُعبر عن الزمن ذى التعبير اللغوى البارز فى لغات متعددة - والذى لا يُعبَّر عنه بصيغة الفعل فى العبرية المعاصرة- وهو زمن (الماضى التام)، ذلك الزمن الذى يصطلح عليه فى اللغة الإنجليزية (Past Perfect). غير أنه لا توجد صيغة فعلية خاصة فى العهد القديم ولا فى العبرية المعاصرة تعبر عن ذلك الزمن. فدلالة الماضى التام (עָבָר מוקדָם) لا يُعبَّر عنها من خلال صيغة فعلية خاصة، ولكن من خلال متوالية الصيغ، حيث يتضح الماضى التام (עָבָר מוקדָם) فيها من خلال انحرافه عن المتوالية المعتادة للتعبير عن مجموعة أحداث وقعت الواحد تلو الآخر. فالانحراف عن المتوالية: (וַיִקְטֹל) -----(וַיִקְטֹל) -----(וַיִקְטֹל) من شأنه أن يُعبر لنا عن أن الأحداث المتحدث عنها ليست أحداثاً متعاقبة، لكن أحدها متقدم زمنياً عن الحدث المروى بالفعل نحو:
- "וַיֵּצֵא מֵאֹהֶל לֵאָה וַיָּבֹא בְּאֹהֶל רָחֵל וְרָחֵל לָקְחָה אֶת הַתְּרָפִים וַתְּשִׂמֵם בְּכַר הַגָּמָל וַתֵּשֶׁב עֲלֵיהֶם וַיְמַשֵּׁשׁ לָבָן אֶת כָּל הָאֹהֶל וְלֹא מָצָא". (تكوين 31/33-43)
- "وخرج من خيمة ليئة ودخل خيمة راحيل. وكانت راحيل قد أخذت الأصنام ووضعتها في حداجة الجمل وجلست عليها، فجسّ لابان كل الخيام ولم يجد".
كما هو ملاحظ فقد وردت معظم الأفعال فى هذه الفقرة بصيغة (וַיִקְטֹל)، وهذا الاستخدام الخاص بصيغ الفعل مفهوم كل الفهم، إذ توجد متوالية فعلية تشير إلى أحداث متعاقبة، وهذه الأحداث واردة مع واو الربط (ו' החיבּוּר). وقد ذكرنا وجود متوالية من الأفعال، فحسبما يبدو أننا بصدد سلسلتين من الأحداث التى تمت الواحد تلو الآخر.
وإنه لمن اليسير إيضاح الانحراف عن متوالية الصيغ (וַיִקְטֹל --- וַיִקְטֹל) فى هذه الفقرة (וַיְמַשֵּׁשׁ לָבָן אֶת כָּל הָאֹהֶל וְלֹא מָצָא). فلم يرد الفعل (מָצָא) فى الفقرة السابقة بعد واو الربط (ו' החיבּוּר)، حيث وردت أداة النفى (לֹא) المسبوقة بواو الربط قبل الفعل، ومن ثم فقد زال شرط مجئ صيغة (יִקְטֹל)، فلو أن النص المكتوب قد حكى أن (لابان) قد وجد الأصنام بالفعل لجاءت القصة بالصيغة المعهودة : וַיְמַשֵש ---- וַיְמַצֵא.
أما الانحراف الآخر عن التتابع المعهود فهو مهم للغاية، وهو أساس موضوعنا فى هذا الموضع، فبدلاً من التتابع المعهود : (---- וַיֵּצֵא ---- וַיָּבֹא ---- וַתִקַּח רָחֵל----)، ورد فى الجملة التتابع : (---- וַיֵּצֵא ---- וַיָּבֹא ---- וְרָחֵל לָקְחָה ---- ). فهذا الانحراف عن متوالية الصيغ جاء ليعبر لنا عن انحراف فى التتابع الزمنى، فلو ورد فى هذا الموضع التتابع المعهود (וַיִקְטֹל --- וַיִקְטֹל) كان المعنى يشير إلى أن (راحيل) قد أخذت الأصنام بعد دخول (لابان) إلى خيمتها كما فى (וַיֵּצֵא ---- וַיָּבֹא ---- וַתִקַּח). لكن الانحراف عن المعهود يشير إلى أن (راحيل) قد فعلت ما فعلته قبل دخول أبيها إلى خيمتها، أى أننا بصدد ماضٍ سابق على الماضى المعبر عنه من خلال متوالية الأفعال. ومن ثم فأمامنا بالفعل متواليتان من الأحداث: إحداهما تشير إلى أفعال (لابان) وهى (וַיֵּצֵא ----- וַיָּבֹא -----וַיְמַשֵּׁשׁ----- וְלֹא מָצָא )، والأخرى تشير إلى أفعال (راحيل) وهى (---- וְרָחֵל לָקְחָה ---- וַתְּשִׂמֵם ---- וַתֵּשֶׁב) .
إن مسألة جنوح الراوى إلى دمج متواليات الأحداث وعدم إتيانه بها أول بأول، أى مجيئه بأعمال (راحيل) قبل أعمال (لابان) - كما حدث فى الواقع - أمر خارج عن إطار البحث اللغوى. ولا نملك فى هذا الموضع إلا أن نقول إن هذا الأمر ربما يكون نابعاً من رغبة الراوى المقرائى فى عدم سرد أحداث عارضة ليس لها نصيب فى الخط الرئيس للحبكة. فإذا وجد الراوى ضرورة لسرد أمر حدث قبل الأحداث المحكية فإنه يوردها وسـط متوالية الأحداث شاذة عن المألوف. وثمة تفسير آخر لهذا الأمر، وهو أنه لو بدأ الراوى وحكى عن أفعال (راحيل) لوجب عليه الإسهاب ولوجب عليه تعليل سبب فعلها ما فعلت، غير أن الطريقة التى صيغت بها الفقرة أوضحت علاقة السببية بين الأحداث. ونمثل لهذا الأمر من خلال فقرة أخرى نحو:
- (וַיָּקָם יַעֲקֹב וַיִּשָּׂא אֶת בָּנָיו ---- וַיִּנְהַג אֶת כָּל מִקְנֵהוּ -----וְלָבָן הָלַךְ לִגְזֹז אֶת צֹאנוֹ) (تكوين 31 / 17 – 18)
- (فقام يعقوب وحمل أبناءه ---- وساق كل ماشيته ---- أما لابان فكان قد مضى ليجز غنمه)
يتجلى فى هذا الموضع أيضاً الانحراف عن متوالية الصيغ المعتادة فى القصة المقرائية، ويرد هذا الانحراف كذلك ليدل على انحراف فى التتابع الزمنى. فإذا قلنا فى هذا الموضع (וַיָּקָם יַעֲקֹב ---- וַיִּשָּׂא ----וַיִּנְהַג ---- וַיֵלֵךְ---) كان معنى الفقرة أن (لابان) ذهب لقص غنمه بعيداً عن البيت بعد أن هرب يعقوب وأسرته من الأرض. فلو كان الأمر كذلك، لوقعنا حقاً فى اضطراب فى فهم باقى الأحداث (וַיֻּגַּד לְלָבָן בַּיּוֹם הַשְּׁלִישִׁי כִּי בָרַח יַעֲקֹב) (فأُخبر لابان في اليوم الثالث بأن يعقوب قد هرب). فما كنا لنفهم سبباً لدهشة (لابان) بعد أن هربت أسرته من الأرض قبل أن يترك هو البيت إلا إذا كان الأمر غير ذلك. فقد ترك (لابان) بيته قبل أن يرحل يعقوب وأسرته. وواضح من المكتوب أن يعقوب قد استغل الفرصة التى سنحت له وهى غياب (لابان) عن البيت حتى يرحل هو عنه.
وهكذا رأينا أن هناك نوعين أساسين من الأحداث التى ترد بهما صيغة (קָטַל) وَسْط متوالية من صيغ (וַיִקְטֹל) هما :
1- عندما يرد بعد واو الربط فى صدر الجملة اسم ذات أو أداة النفى (לֹא) وليس الفعل.
2- عندما يريد الراوى أن يكسر التتابع الزمنى ويسرد حدثاً معيناً سابقاً على أحداث أخرى واردة فى النص.
وثمة حالات يكون فيها الانحراف عن التتابع المعهود متحققاً من خلال كلتا الوسيلتين، وفى مثل هذه الحالات تكون الفقرة ثنائية الدلالة. ونسوق على ذلك هذا المثال :
- (וַיְגָרֶשׁ אֶת הָאָדָם וַיַּשְׁכֵּן מִקֶּדֶם לְגַן עֵדֶן אֶת הַכְּרֻבִים ---וְהָאָדָם יָדַע אֶת חָוָה אִשְתוֹ) (تكوين2/1 - 3/24). فلو كُتبت هذه الفقرة بمتوالية واحدة من صيغ (וַיִקְטֹל) نحو: --- וַיְגָרֶשׁ --- וַיַּשְׁכֵּן --- וַידע הָאָדָם אֶת חָוָה אִשְתוֹ) لكان لها دلالة واحدة واضحة، وهى أن آدم قد عرف زوجته حواء بعد طردهم من جنة عدن. فبعد أن قص الراوى قصته كما ذكرها فقد فُهمت بطريقتين هما:
1- أن صيغ الفعل تدل على أن المذكور يعنى أن آدم قد عرف زوجته قبل أن يطرد من جنة عدن، وأننا بصدد (ماضى تام) (עָבָר מוקדָם)، وهو ما يطلق عليه فى اللغة الإنجليزية بـ (Past Perfect).
2- أن الراوى لم يعمد مطلقاً إلى العدول عن التتابع الزمنى، ولكنه اضطر لاستخدام صيغة (קָטַל) كما فى (וְהָאָדָם יָדַע) انطلاقاً من حقيقة أنه اختار أن يضع اسم الذات فى صدر الجملة هكذا (וְהָאָדָם) ثم الفعل غير مسبوق بواو الربط. ويرجع تصدير اسم الذات فى بداية الجملة إلى الرغبة فى تأكيد هذا الاسم وهو (הָאָדָם).
وأحياناً تحدد هذه النظرة تفسير بعض الفقرات ذات الموضوعات بالغة الأهمية فيما يتعلق بأمور الدين والفكر نحو:
- (בְּרֵאשִׁית בָּרָא אֱלֹהִים אֵת הַשָּׁמַיִם וְאֵת הָאָרֶץ וְהָאָרֶץ הָיְתָה תֹהוּ וָבֹהוּ)(تكوين1/ 1)
-( في البدء خلق الله السموات والأرض، وكانت الأرض خربة وخاوية)
فلو كتبت الفقرة على هذا النحو (בְּרֵאשִׁית בָּרָא אֱלֹהִים אֵת הַשָּׁמַיִם וְאֵת הָאָרֶץ וַתְהִי הָאָרֶץ תֹהוּ וָבֹהוּ) لكانت ستُـفـَسر على أنها أحادية الدلالة، وهى أن الله خلق فى بداية الأمر عالماً خرباً خاوياً وبعد ذلك وضع به الأنظمة، لكن جنوح الكاتب إلى استخدام فعلين بصيغة (קָטַל) نحو : בָּרָא -- וְהָאָרֶץ הָיְתָה --- يفتح الباب أمام تفسيرين هما:
1- أنه قبل الخلق المنصوص عليه فى النص كان هناك عالم خربُ خاوى، ويتمثل الخلق فى وضع الأنظمة فى هذا العالم. ووفقاً لهذا التفسير فإن الفعل (הָיְתָה) يمثل زمن (الماض التام) (עָבָר מוקדָם).
2- أن الله قد خلق الأرض وبعد ذلك وضع الأنظمة.
ووفقاً لهذا التفسير فقد وردت فى النص صيغة (קָטַל) ولم ترد صيغة (יִקְטֹל)، إذ عمد الكاتب إلى وضع اسم ذات قبل الفعل نحو: וְהָאָרֶץ הָיְתָה -- وذلك للتعبير عن فكرة ما كأن يكون التقدير (وفيما يخص الأرض موضوع الحديث فكانت ---- )، ولما تصدر الجملة اسم الذات بعد واو الربط فقد انتفى مجئ صيغة (יִקְטֹל) بدلالة الماضى.
وبدلاً من ورود متوالية الصيغ (קָטַל --- וַיִקְטֹל --- וַיִקְטֹל ) أو (וַיְהִי ---- וַיִקְטֹל --- וַיִקְטֹל) التى استخدمها الراوى قى سرد قصته فقد وردت فى العهد القديم متوالية الصيغ : (יִקְטֹל---וְקָטַל ---וְקָטַל) التى تستخدم أساساً للتعبير عن المستقبل. فالتقابل بين صيغ (וַיִקְטֹל) المعبرة عن الماضى وبين صيغ (וְקָטַל) المعبرة عن المستقبل تؤكد قدرة واو القلب (ו' ההִיפּוּךְ) على إحداث التتابع .
ولا تستخدم صيغة (וְקָטַל) الواردة بعد (יִקְטֹל) للدلالة على المستقبل فحسب، ولكن من شأنها أن تعبر عن كل الأزمنة وكل الجهات التى تُعبر عنها صيغة (יִקְטֹל). لذا فإنه عندما تعبر صيغة (יִקְטֹל) عن حدث متكرر فى الماضى فإن صيغة (וְקָטַל) الواردة بعدها تعبر عن نفس هذه الدلالة نحو :
וַיִּשָּׂא יַעֲקֹב רַגְלָיו וַיֵּלֶךְ אַרְצָה בְנֵי קֶדֶם. וַיַּרְא וְהִנֵּה בְאֵר בַּשָּׂדֶה וְהִנֵּה שָׁם שְׁלֹשָׁה עֶדְרֵי צֹאן רֹבְצִים עָלֶיהָ כִּי מִן הַבְּאֵר הַהִוא יַשְׁקוּ הָעֲדָרִים. וְהָאֶבֶן גְּדֹלָה עַל פִּי הַבְּאֵר. וְנֶאֶסְפוּ שָׁמָּה כָל הָעֲדָרִים וְגָלְלוּ אֶת הָאֶבֶן מֵעַל פִּי הַבְּאֵר וְהִשְׁקוּ אֶת הַצֹּאן וְהֵשִׁיבוּ אֶת הָאֶבֶן עַל פִּי הַבְּאֵר לִמְקֹמָהּ (تكوين 29/ 1-3)
" ثم رفع يعقوب رجليه وذهب إلى أرض بني المشرق. ونظر وإذا في الحقل بئر، وهناك ثلاثة قطعان غنم رابضة عندها.لأنهم كانوا من تلك البئر يسقون القطعان.والحجر الذى على فم البئر كان كبيراً. فكانت جميع القطعان تجتمع هناك. فيدحرجون الحجر عن فم البئر ويسقون الغنم. ثم يردون الحجر الذى على فم البئر إلى مكانه ".
وردت الأفعال الأولى فى الفقرة على صيغة (וַיִקְטֹל) باعتبارها أفعالاً تسرد متوالية من الأحداث التى وقعت الواحد تلو الآخر فى الماضى: וַיִּשָּׂא -- וַיֵּלֶךְ -- וַיַּרְא ، وبعد متوالية الأفعال هذه وردت متوالية الأفعال (יִקְטֹל-- וְקָטַל -- וְקָטַל) بأوزان مختلفة. ودلالة هذه الجملة أن الرعاة اعتادوا أن يسقوا قطعانهم من هذه البئر، وهناك اعتادوا التجمع، وبعد ذلك يزيحون الحجر الثقيل ثم يسقون الغنم، وبعد انتهائهم من سقيا الغنم كانوا يعيدون الحجر الثقيل إلى مكانه. ويجب الانتباه إلى الحالتين اللتين ورد عليهما الفعل (הִשְׁקוּ) فى هذه الفقرة، فعندما ورد الفعل مع واو الربط جاء بصيغة (וְקָטַל) نحو: וְהִשְׁקוּ ، ولكن عندما ورد غير مسبوق بأداة الربط جاء على صيغة (יִקְטֹל) نحو: יַשְׁקוּ. لذا فإن متوالية الصيغ (יִקְטֹל --- וְקָטַל) تمثل نظيراً للمتوالية (קָטַל --- וַיִקְטֹל). فكما ذكرنا بالفعل، فإنه لمن اليسير تفسير المتوالية الوارد بها صيغة (וַיִקְטֹל) تفسيراً تاريخياً. وقد فسر الباحثون المتوالية المشتملة على صيغة (וְקָטַל) كنتيجة للقياس على المتوالية الأولى. أى أن المتوالية (קָטַל --- וַיִקְטֹל) تعبر عن الماضى، وكذلك تعبر المتوالية (יִקְטֹל --- וְקָטַל) عن المستقبل أو عن متوالية من الأحداث المتكررة. ومن ثم يفهم القارئ هذه الفقرة من خلال مستويين زمنيين، مستوى القصة العادى الذى يسرد الأحداث التى أنجزها (يعقوب) فى يوم ما، ومستوى الأحداث التى أُنجزت بطريقة محددة والتى كان معتاداً على فعلها.
وهذه الظاهرة الخاصة بوجود مستويين زمنيين شائعة فى مواضع متعددة من العهد القديم، وقد زاد تمكننا من تتبع توالى الأفعال الواحد تلو الآخر من قدرتنا على متابعة سير أحداث القصة. وثمة مثال آخر:
- "וַיְהִי הַיּוֹם וַיִּזְבַּח אֶלְקָנָה וְנָתַן לִפְנִנָּה אִשְׁתּוֹ--- מָנוֹת. וּלְחַנָּה יִתֵּן מָנָה אַחַת אַפָּיִם " (صموئيل الأول 1/ 4-5)
- ولما كان الوقت وذبح القانة أعطى فننّة امرأته --- أنصبة. وأما حنّة فأعطاها نصيب اثنين "
فالفقرة على درجة من الوضوح تجعل فهم الصيغ التى اختارها الراوى للتعبير عن قصته يسيراً. فالمتوالية (וַיְהִי--- וַיִּזְבַּח) تعبر عن الأحداث التى أنجزها (ألقانة) فى يوم ما. أما المتوالية الثانية ( --- וְנָתַן --- יִתֵּן) فقد جاءت لتعبر عن عادة (ألقانة) فى ظروف خاصة، حيث يُعبَّر عن الأحداث المتكررة فى هذا الموضع بالصيغتين: (וְנָתַן) مع واو الربط و(יִתֵּן) بدون واو الربط. فلو كُتبت الفقرة بمتوالية واحدة على نحو : (וַיְהִי--- וַיִזְבַּח --- וַיִתֵּן --- וַיִתֵּן) لتم تفسيرها على أنها تعبر عن أحداث وقعت الواحد تلو الآخر فى يوم ما.
إن العبرية المعاصرة لم ترث كثيراً من كل هذا، فنحن نحاكى كثيراً - فى كتاباتنا- الصيغ المقلوبة. ونادراً ما نعبر عن الأحداث المتكررة بالأفعال التى نعبر بها عن المستقبل، وما هذا إلا بقايا نظام وليس نظاماً. وغاية الأمر أننا نملك الآن صيغتين واضحتين هما: (קָטַל) للماضى و(יִקְטֹל) للمستقبل.
المصدر: העברית שלנו והעברית הקדומה, אלעזר רובנשטיין, האוניברסיטה המשודרת,1980
