إليعازر بن يهودا (1858 – 1922) - المحرك الرئيس لإحياء اللغة العبرية المنطوقة منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين - مؤسس "لجنة اللغة العبرية" (التي تُعرف الآن بأكاديمية اللغة العبرية) - مؤسس صحيفة "הצבי" ومحررها، والمجلة الدورية "השקפה" - مؤلف أول قاموس عبري في العصر الحديث.
وُلِدَ بن يهودا باسم إليعازر يتسحاق بيرلمان في 7 يناير 1858 في مقاطعة فيلنا، في الإمبراطورية الروسية (التي تقع اليوم في بيلاروسيا).
عاش والداه حياة يهودية أرثوذكسية حسيدية. وفي عام 1863، عندما كان إليعازر في الخامسة من عمره، تُوفي والده، فأرسلته والدته للدراسة في "الحيدر" (مدرسة دينية يهودية). وفي عام 1871، عندما بلغ سن التكليف الديني، أُرسل إلى بيت عمه في مدينة بولوتسك ليدرس في إحدى المدارس الدينية (اليشيفا). كان مدير المدرسة، الحاخام يوسي بلويكر، داعمًا سرًا لحركة التنوير اليهودية (الهسكالاه)؛ فتقرّب إليه إليعازر بشكل كبير.
خلال دراسته مع الحاخام، وقعت يده على أحد الكتب في قواعد اللغة العبرية؛ فأُعجب بدراسة اللغة، كما انفتح على الأدب العالمي، وبخاصةً الترجمات العبرية التي أنجزها أدباء حركة التنوير للنصوص الأجنبية العلمانية، فبدأ بالاهتمام بفكرة إحياء العبرية كلغة أدبية حديثة.
بعد فترة قصيرة قضاها في المدرسة الدينية، انتقل إلى بلدة جلوبوك، وأقام في منزل عمه، إليعازر وولفسون، الذي كان متدينًا متشددًا معارضًا لحركة التنوير. حاول وولفسون منع انجذاب الفتى إلى هذه الحركة ودراسة قواعد اللغة العبرية، التي كانت مرتبطة آنذاك بحركة التنوير، لكن بن يهودا الشاب كان قد افتُتن بالفعل بحركة التنوير وباللغة العبرية. وقد عبّر عن ذلك من خلال صلاته بصوت عالٍ، مستعملا النطق الصحيح وفق قواعد القراءة المنضبطة، بدلًا من استعماله النطق الإشكنازي الذي كان شائعًا في بيئته آنذاك.
في تلك الفترة، تعرّف إليعازر الشاب على شلومو نفتالي، وهو يهودي ثري كان ملتزمًا دينيًا، لكنه كان على اطاع أيضا على الثقافة العامة وعلى حركة التنوير. أحب نفتالي إليعازر، وسمح له بالتردد كثيرًا على منزله، فاطلع على الأدب العالمي، وتعلم اللغة الروسية بمساعدة ابنة نفتالي "دبورا". خلال هذه الفترة، قرر بشكل قاطع ترك المدرسة الدينية والانضمام إلى حركة التنوير.
في عام 1873، عاد إلى منزل والدته. وفي نفس العام سافر للدراسة في مدرسة ثانوية في دينيبورج. وخلال عام واحد، درس بنفسه، بمساعدة أحد الطلاب، مواد السنوات الثلاث الأولى. وفي عام 1874 بدأ دراسته في صفها الرابع. درس هناك لمدة ثلاث سنوات، وفي عام 1877 أنهى المدرسة وحصل على شهادة "البجروت". إلا أن هذه الشهادة لم تكن تمنحه في روسيا آنذاك الحق في الالتحاق بالجامعة، لذا سافر عام 1878 إلى باريس لدراسة الطب. من أجل السفر، استخرج جواز سفر سُجِّل فيه باسم "إليانوف". وقيل إن والدته كانت قد سجلته منذ طفولته باسم عائلة لا أبناء لها، لمنعه من التجنيد العسكري، لأن القانون كان يعفي الابن الوحيد من الخدمة. خلال السنة الأولى، درس اللغة الفرنسية، وفي عام 1879 قُبِل كطالب في كلية الطب.
في أبريل 1879، نشر أول مقال سياسي له بعنوان "مسألة جليلة" في المجلة الشهرية "השחר". ذعم فيه إلى أن نهضة شعب إسرائيل ستكون في فلسطين وباللغة العبرية، لأن أية أمة لا يمكن أن تقوم من دون لغة مشتركة. وقد وقّع هذا المقال لأول مرة باسم "بن يهودا".
وفي باريس، كان يتكسب من ترجماته من الفرنسية إلى الروسية. وخلال إقامته هناك، أصيب بمرض السل، فكتب إلى شلومو نفتالي وابنته دبورا، وأخبرهما برغبته في الاستقرار في فلسطين، وعرض على دبورا الزواج. وفي صيف 1881، وصل إلى فيينا حيث التقى بها، ثم سافرا معًا عبر رومانيا وتركيا إلى القاهرة، حيث تزوجا. وفي أكتوبر 1881، وصلا إلى ساحل يافا.
حياته في فلسطين
عند وصوله إلى فلسطين، استقر بن يهودا في القدس، حيث استأجر غرفتين متواضعتين في البلدة القديمة. في البداية، عمل لدى إسرائيل دوف فرومكين في صحيفته العبرية "חבצלת"، وكان يوقّع مقالاته باسم "بن يهودا".
سعى بن يهودا إلى إحياء اللغة العبرية كلغة محكية، بعد أن كانت طوال أجيال تُستخدم في الكتابة بشكل أساس، وكانت محصورة في الصلاة ودراسة التوراة، لكنها لم تكن لغة يومية متداولة. عمل بن يهودا على جعل العبرية لغة الحياة اليومية في فلسطين، وكان شعاره: "تحدث العبرية فتشفى"، تلك العبارة التي قالها لأحد معارفه الذي شكا له من مرضه.
في يوليو 1882 وُلد ابنه بن تسيون، الذي غيّر اسمه لاحقًا إلى إيتمار، وأُطلق عليه لقب "الطفل العبري الأول"، لأنه نشأ في منزل تُستخدم فيه العبرية كلغة يومية حتى أصبحت لغته الأم. إضافة إلى ذلك، ألّف بن يهودا كتبًا دراسية باللغة العبرية، وأدار برنامج "العبرية بالعبرية"، إلى جانب دافيد يوديلوفيتش ومعلمين آخرين، في مدرسة "חביב"، التي كانت أول مدرسة تُدرَّس فيها جميع المواد باللغة العبرية.
في 1883 أُجري في البلدة القديمة بالقدس إحصاء سكاني، وسُجّل بن يهودا فيه باسمه هذا كمواطن عثماني مقيم في القدس.
أثار بن يهودا غضب رجال الجالية الإشكنازية القديمة في القدس، حيث نشر العديد من المقالات التي هاجم فيها قيادتهم، وانتقد محافظتهم الدينية، واعتبر اعتمادهم على المساعدات المالية التي كانت تُرسل من الخارج لدعم اليهود المتدينين في فلسطين نوعًا من الفساد. ومع ذلك، لم يكن يرى أن جميع أفراد هذه الجالية كتلة واحدة، بل ميّز بين مناطقهم.
كان بن يهودا مدركًا لحالة التفاعل الثقافي التي ميزت يهود الجليل بشكل خاص، والتي انعكست في لغتهم أيضًا، حيث تبنّى سكان الجليل، بمن فيهم الإشكناز، لهجة عبرية تأثرت بالتقاليد المحلية، فيما يُعرف لاحقًا باسم "اللهجة الجليلية"، والتي تأثرت باللغة العربية التي كان العديد من اليهود الإشكناز في صفد يتقنونها.
وكما هو الحال مع اليديشية – التي تأثرت بالثقافات التي عاش اليهود بين أهلها – فإن اليديشية في الجليل استوعبت أيضًا كلمات عربية، وأصبحت تُعرف في الدراسات الحديثة باسم "اليديشية الإرتس-إسرائيلية".
في عام 1890، أسّس بن يهودا مع دافيد يالين "لجنة اللغة العبرية"، وكان رئيسه الأول.
في أوائل 1891، وصلت تسيبورا، والدة بن يهودا، إلى فلسطين، إلا أن دخول اليهود إليها كان محظورًا في ذلك الوقت. فحاول ابن يهودا التوسط مباشرة لدى إبراهيم باشا، حاكم القدس العثماني، للحصول على إذن بدخولها من ميناء يافا، لكنه رفض. اضطر بن يهودا حينها إلى دفع رشوة لموظفي الميناء، وبعد 16 عامًا من الفراق، اجتمع بوالدته مجددًا، وجلبها للإقامة مع أسرته في منزله بالقدس.
في سبتمبر 1891، توفيت زوجة بن يهودا، دبورا، بسبب مرض السل، تاركة خلفها خمسة أطفال صغار، لكن لم يمضِ وقت طويل حتى توفي ثلاثة منهم، وهم لا يزالون أطفالًا.
بعد وفاة دبورا، عرضت شقيقتها الصغرى، وهي صحفية وكاتبة، المساعدة في رعاية الأطفال. وفي عام 1892، تزوجها بن يهودا، فقدمت له دعمًا كبيرًا في مشاريعه.
جهود بن يهودا في مجال إحياء التحدث باللغة العبرية
عمل بن يهودا في عدة مجالات لتعزيز استعمال اللغة العبرية المحكية داخل فلسطين وخارجها، ومن أبرز جهوده:
1. التحدث بالعبرية داخل الأسرة
حرص بن يهودا على التحدث بالعبرية فقط مع أفراد أسرته، وحاول إقناع عائلات أخرى باتباع نهجه، لكن نجاحه في ذلك كان محدودًا. ووفقًا لروايات بعض أفراد عائلته، فإن ابنه بن تسيون لم ينطق بأية كلمة حتى بلغ الثالثة من عمره. كانت والدته تعلمه الروسية سرًا، وعندما اكتشف بن يهودا ذلك، غضب بشدة، وعندها بدأ الطفل بالكلام.
نظرًا لحاجته إلى تربية ابنه باللغة العبرية، اضطر بن يهودا إلى استحداث كلمات جديدة مثل:
"בובה" (دمية)
"גלידה" (آيس كريم)
"אופניים" (دراجة)
وقد أدى نجاح بن يهودا في جعل العبرية لغة التخاطب داخل أسرته إلى إقناع أربع عائلات يهودية أخرى باستعمالها. وكتب بن يهودا في مذكراته أنه أدرك أن مخاوفه السابقة بشأن تأثر ابنه باللغات الأخرى كان مبالغًا فيها، حيث لاحظ أن العديد من الأطفال الذين نشأوا في بيئات لم تكن عبرية بالكامل، قد تحدثوا العبرية، نظرا لاستعمالها من قبل الوالدين كلغة رئيسة في المنزل.
٢- العبرية بالعبرية:
كان بن يهودا يعتقد أنه يجب الالتزام بالتحدث بالعبرية فقط حتى في مجال التعليم والتربية. وقد عمل لفترة قصيرة في مجال تعليم العبرية في مدرسة "التوراة والعمل" في القدس، ولكنه توقف عن العمل هناك بسبب مشاكل صحية. وقد لاقت فكرة تعليم العبرية بالعبرية اهتمامًا في بعض المستوطنات التي أسسها الجيل الأول من المهاجرين اليهود، حيث أنشئت مدارس عبرية. ومع ذلك، كان هذا التقدم بطيئًا نسبيًا.
٣- جمعيات من أجل التحدث بالعبرية
أسس بن يهودا العديد من الجمعيات لتعزيز التحدث بالعبرية. في عام 1882، أسس جمعية "إحياء إسرائيل" للتحدث بالعبرية. وفي عام 1889، أسس جمعية "لغة واضحة"، التي تمخضت عنها بعد عام "لجنة اللغة العبرية". كانت أنشطة هذه الجمعيات تواجه صعوبات من عدة جهات، بما في ذلك معارضة الحكومة العثمانية بسبب الأنشطة التي تحتوي على عناصر قومية، وكذلك من معارضة الجيل القديم من السكان، بالإضافة إلى طابع بن يهودا المناهض للمؤسسات الرسمية.
٤- الصحافة
أسس بن يهودا صحيفة "הצבי" لإظهار إمكانية استعمال اللغة العبرية بشكل يومي عصري، ولنشر أفكاره لدى الجمهور، خاصة بين الشباب، كما أدى عمل الصحيفة إلى استحداث كلمات جديدة واستعمالات لغوية مبتكرة. ومع مرور الوقت، تراجعت مكانة الصحيفة، بسبب طابعها من جهة ومواقفها التي لم تكن مقبولة من قبل أعضاء الجيل الثاني من المهاجرين من جهة أخرى، فتم استبدالها بصحيفة "הפועל הצעיר"، وهي صحيفة أعضاء الجيل الثاني من المهاجرين، التي قدمت أسلوبًا عبريًا مختلفًا أصبح جزءًا من اللغة العبرية فيما بعد.
٥- صحيفة للأطفال - "عالم صغير"
كانت صحيفة "عالم صغير" أول صحيفة للأطفال تصدر في القدس عام 1892، وكانت تحت إدارة: بن يهودا ويهوذا جور (جرزوبسكي) ودافيد يوديلفيتش.
٦- المعجم
من أجل إظهار الثروة اللفظية الواسعة التي يمكن استعمالها، بدأ بن يهودا في تأليف المعجم العبري الذي أصبح يعرف لاحقًا بمعجم بن يهودا، والذي تضمن العديد من استحداثاته اللغوية. وقد نُشرت منه خمسة أجزاء في حياته، وفي النهاية أكمل العمل في القاموس الذي تضمن ستة عشر جزءًا على يد نفتالي هرتس طور- سيناي عام 1959. يُعد هذا المعجم معجما تاريخيًا، أدرجت فيه لكل مفردة قائمة من المداخل المعجمية من مصادر عبرية قديمة يظهر فيها استعمالها.
٧- إحياء مفردات اللغة واستحداث مفردات جديدة
عندما أقدم إليعازر بن يهودا على إحياء اللغة العبرية، فإنه لم يفعل ذلك من لا شيء. بل إن العهد القديم كان قد حافظ على اللغة العبرية عبر السنين، كما كان هناك أدب ديني كبير قد تم إنتاجه عبر العصور. فما كان من بن يهودا إلا أن نقب عن اللغة في مصادرها التي كانت محفوظة فيها وأخرجها في ثوب جديد. ففي بعض الأحيان، أخذ كلمات كانت تحمل في فترة التوراة معانٍ معينة وأعاد توظيفها بما يتماشي مع احتياجات العصر الحديث، فوصل عدد الكلمات التي استحدثها إلى حوالي 300 كلمة، منها ما شاع واستعمل، ومنها ما لم يشع فهُجر.
في عام 1913، نشر بن يهودا كتابًا تعليميًا لتاريخ شعب إسرائيل باللغة العبرية المشكولة. تناول فيه فترة الشتات حسب البلدان، وقد ذُيِّل كل فصل بمجموعة من التدريبات.
لجأ بن يهودا إلى اللغة العربية مقارنا ببعض مفرداتها بعض المفردات العبرية، معللا ذلك بأن اللغة العربية من أقرب اللغات إلى اللغة العبرية؛ وكان يعتمد في ذلك على دعم الشاعر يهودا ليف جورودن.
وفاته
توفي بن يهودا في القدس في ديسمبر 1922، ودُفن في مقبرة جبل الزيتون.
المصدر: פרויקט בן יהודה, אליעזר בן יהודה
benyehuda.org

