إن تغير دلالة الأفعال غالباً ما يكون كبيراً لدرجة يصعب معها تحديد مصدر الدلالة الجديدة. وقد طرأ على اللغة العبرية تغيرات دلالية جمة في فترة العهد القديم، ففي تلك الفترة طرأت تغيرات دلالية أكثر من تلك التي طرأت على هذه اللغة في سنوات السبى المديدة.
وتتطور اللغة عند استخدامها على نطاق واسع، وكذلك تتطور عندما تُخصَّص الدلالة، أي عندما تبدأ الكلمة في تغطية مساحة دلالية محدودة،كما تتطور اللغة من خلال الاستخدام المجازى المستعار.
إن الاستخدامات اللغوية التي تكون في بادئ الأمر استعمالات مبتكرة فريدة تخلق لذاتها وجوداً ذا قاعدة متينة ثم تتحول بعد ذلك إلى مركبات لغوية مألوفة. ويعد كل هذا من سمات اللغة الحية التي تتغير عقب استخدامها أو أثناء استخدامها، أما اللغات الميتة فلا تعرف مثل تلك التغيرات اللغوية .
وقد ورثت العبرية المعاصرة دلالة عدد غير محدود من الأفعال، تلك الدلالة التى تشكلت أثناء الاستخدام اللغوي الواسع لهذه الأفعال، ففي مواضع عديدة اكتسبت العبرية المعاصرة من عبرية العهد القديم أفعالاً تمثل إحدى الحلقات المكونة لسلسلة التطور الدلالي.
ونمثل لذلك بمجموعة من الأفعال ذات الاستخدام الشائع في العبرية بكافة مراحلها، فمثلاً كانت الدلالة الأساسية للفعل (יָשַב) هى الوجود في وضع مادي محدد. ويتضح ذلك من خلال الجملة التالية:
- הנה עלי ישב על כסא صموئيل الأول /4-13
- هاهو عالى جالس على كرسى
ففي الجملة السابقة يأتي الفعل (ישב) كمقابل للفعل (עמד)(وقف)، أي بمعنى (جلس)، ثم انتقل هذا الفعل إلى دلالة قريبة من دلالة الفعل (גר) بمعنى (سكن) نحو:
- והוא יושב בארץ הנגב تكوين 14-62
- وهو يسكن فى أرض النقب
فنحن -كما يبدو- بصدد استخدام يعد بمثابة نتاج للاستعمال المجازى للغة. ففى جملة كالجملة الأولى تم التعبير عن الوضع المادي من خلال دلالة الفعل المجازية، وهى الوجود الدائم في مكان محدد. إذ إنه عندما سُمعت مثل هذه الجملة لأول مرة في مرحلة معينة من حياة اللغة، كانت تعد من قبيل الاستخدام المجازي، بيد أنه من خلال دراسة لغة العهد القديم يتضح أننا أمام دلالة محددة خاصة بهذا الفعل. ويتضح التطور الدلالي كذلك من خلال الجملة التالية:
- וַיִּקְחוּ אֶבֶן וַיָּשִׂימוּ תַחְתָּיו וַיֵּשֶׁב עָלֶיהָ ( خروج 17/12)
- أخذا حجراً ووضعاه تحته فجلس عليه
فجملة (והוא יושב על הכסא) تعبر عن وضع مادي ثابت، يتمثل في وجود شخص ما على الكرسي، أما الجملة الأخيرة فتعبر عن صيرورة هذا الوضع المادي، أى:
- הוא ישב עליהָ = הוא גרם לכך
- جلس عليها = تسبب فى وضع جلوسه على الحجر
فالفعل كما ورد بهذه الدلالة يعبر عن دينامية في الحدث، على العكس من دلالة الفعل في الجملة الأولى.
ولنقارن هذه الحقائق اللغوية بما هو متبع في العبرية المعاصرة، فالفعل (ישב)(جلس) يعبر حالياً عن وضع مادي، أي يرد الفعل (יושב)(يجلس) كمقابل للفعل (עומד)(يقف). ويستخدم هذا الفعل فى اللغة الأدبية بدلالة قريبة من دلالة الفعل (גר)(سكن) نحو:
- הוא יושב בכפר זמן רב
- مكث فى القرية زمناً طويلاً
لكن الفعل (ישב) لم تتسع دلالته لتصل إلى حد التعبير عن الصيرورة، فجملة مثل:
- כשנכנס המורה לכיתה ישבו הילדים
تُفسر من وجهة نظر المتلقي على النحو التالي :
- כשנכנס המורה לכיתה היו הילדים יושבים
- عندما دخل المدرس حجرة الدرس كان التلاميذ جالسين.
أما التعبير عن الدينامية في الحدث وتغير الوضع فيتم من خلال الفعل (התיישב) كما فى :
- כשנכנס המורה לכיתה התישבו הילדים במקומותיהם
- عندما دخل المدرس حجرة الدرس جلس التلاميذ فى أماكنهم
فالعبرية المعاصرة تميز صرفياً ودلالياً بين الفعلين (ישב/התיישב)
وتتضح عملية التطور الدلالي هذه كذلك من خلال الجملة التالية :
- תֵּשֵׁב הַנַּעֲרָה אִתָּנוּ (تكوين 24/55)
- لتمكث الفتاة عندنا
حيث تقترب دلالة هذه الجملة-كما يبدو- من دلالة الجملة :
תמשיךְ הנערה לשבת אתנו
أى أن دلالة هذه الجملة تنضوى على نفى لوضع معين هو وجود الفتاة بالفعل معنا.
وتعبر العبرية المعاصرة عن مثل هذه الدلالة من خلال بعض الأفعال المساعدة نحو:
(מתחיל)(يبدأ) و(ממשיךְ)(يستمر) و(מפסיק)(يتوقف)
وتتضح عملية التطور هذه كذلك من خلال الجملة التالية:
- וִיהוּדָה לְעוֹלָם תֵּשֵׁב يوئيل 4/20
- يهوذا تسكن إلى الابد
- וְאַתָּה יְהוָה לְעוֹלָם תֵּשֵׁב مزامير 102/13
- أما أنت يا رب فإلى الدهر موجود
فمن الواضح أن دلالة الفعل في هذه الجملة الأخيرة لا ترتبط بوجود شخص ما في موضع محدد، وكذلك ليست هذه الدلالة كدلالة الفعل (גָר)(سكن). ففي كلتا الجملتين، لا تنضوى دلالة الفعل على الوجود في مكان معين، إذ إنه من الواضح للغاية أن الدلالات المعيارية لهذا الفعل لا تتواءم والمسند إليه في الجملة الثانية (יְהוָה)، لذا فدلالة الفعل (ישב) في الجمل السابقة تقترب من الدلالة على دوام الوجود كما فى جملة:
יהודה לְעוֹלָם תשב = ימשךְ המצב שיהודה קיימת أى يستمر وجود (יהודה) إلى الأبد. أو بتعبير آخر، لن يكون هناك وضع تكون فيه (יהודה) غير موجودة.
فكما يبدو فإن الاستخدام في الجمل السابقة يعد نتاجاً لاستخدام الفعل (ישב) بدلالة ديمومة الوجود فى مكان ما، ولا صلة لهذه الدلالة بالفعل (ישב) في العبرية المعاصرة مطلقاً، حيث إن العبرية المعاصرة تعبر عن الجملة المقرائية السابقة على النحو التالي:
- אתה לעולם תמשיךְ להיות קיים
- ستظل للأبد موجوداً
أو :
- אתה לעולם תתקיים
- ستظل للأبد موجوداً
إن مقارنة الواقع اللغوي في العبرية المعاصرة بلغة العهد القديم تكشف عن أن العبرية المعاصرة قد استعارت من عبرية العهد القديم جزءاً واحداً من الثروة اللغوية، ولم تستعر - بوجه عام - باقى حلقات السلسلة الدلالية.
ننتقل الآن إلى الفعل (עמד) الذي تقابل دلالته الرئيسة دلالة الفعل (ישב)، فدلالته الرئيسة هى الوجود في وضع مادي معين. وتتضح هذه الدلالة من خلال الجملة التالية :
- וְלֹא עָמַד אִישׁ אִתּוֹ בְּהִתְוַדַּע יוֹסֵף אֶל אֶחָיו (تكوين 45/1)
- فلم يقف أحد عنده حين عرَّف يوسف أخوته بنفسه
وتتضح دلالة أخرى من خلال الجملة :
- וַיִּפְתַּח עֶזְרָא הַסֵּפֶר ---- וּכְפִתְחוֹ עָמְדוּ כָל הָעָם (نحميا 8/5)
- وفتح عزرا السفر ---- وعندما فتحه وقف كل الشعب
فهنا كما الحال في الفعل (ישב) تُزاد على دلالة هذا الفعل الدلالة على التسبب في الوضع :
- העם עשו שהתהווה המצב שהם עומדים = הם העמידו את עצמם
- تسبب الشعب فى حال وقوفه = أوقفوا أنفسهم
ويعد هذا الاستخدام للفعل (עמד) بهذه الدلالة خاص بالعبرية المقرائية المتأخرة، أما العبرية المقرائية المبكرة فتعبر عن الدخول فى وضع القيام من خلال الفعل (קם) نحو:
- מישהו קם = מישהו גרם לכּךְ، שהתהווה המצב שהוא עומד
- قام فلان = تسبب فلان فى حال كونه واقفاً
وفيما يخص هذا الأمر لم تسر العبرية المعاصرة على نهج العبرية المقرائية، فجملة مثل :
- כשנכנס המורה עמדה הכּיתה
- عندما دخل المعلم كان التلاميذ واقفين
لا تُفسر - بشكل عام - على أنها تعبر عن التسبب فى الوضع، حيث تستخدم العبرية المعاصرة الفعلين (קם),(נעמד فى الوزن المبنى للمجهول) للتعبير عن هذه الدلالة كما فى:
- כשנכנס המורה קמה הכּיתה
- لما دخل المدرس وقف التلاميذ
- כשנכנס המורה נעמדה הכּיתה
- لما دخل المدرس وقف التلاميذ
فالعبرية المعاصرة تميز - دلالياً - بين الفعلين (עמד) و (נעמד)
وتتجلى صورة تطور دلالى بارز آخر من خلال الجملة:
- וַיַּרְא הָאִישׁ כִּי עָמַד כָּל הָעָם (صموئيل الثانى 20/12)
- رأى الرجل أن كل الشعب قد توقف
فالجملة السابقة لا تعبر عن تجاوز الشعب وضع الجلوس إلى وضع القيام، فدلالة الفعل (עמד) فى هذة الجملة قريبة من دلالة الفعل (הפסיק לנע) أى: التسبب فى تشكل وضع الجمود وإنعدام الحركة. لكن يندر فى العبرية المعاصرة هذا الاستخدام اللغوى، حيث تعبر عن هذه الدلالة من خلال الفعلين (נעצר), (נעמד) فى وزن (נפעל) نحو:
- רצתי בעקבותיו וכשראיתי אותו נעצרתי (או עצרתי)
- جريتُ وراءه وما أن رأيتُه توقفت
- רצתי בעקבותיו וכשראיתי אותו נעמדתי
- جريتُ وراءه وما أن رأيتُه توقفت
فأمامنا - مرة أخرى - تمايز صرفى دلالى، إذ لا نستخدم الصيغة المنضوية على دلالة الفعل (עמד) للتعبير عن دلالة أخرى، لكنّا نستخدم صيغة واردة على وزن آخر للتعبير عن دلالات أخرى.
وقد طرأ تطور دلالى آخر كبير إبان تحول دلالة الفعل (עמד) للتعبير عن التوقف وإنعدام الحركة، يتمثل فى التوقف عن أى حدث, وليس التوقف عن الحركة فحسب كما فى:
- וַתַּעֲמֹד מִלֶּדֶת (تكوين 29/35)
- ثم توقفتْ عن الولادة
- וַיַּךְ שָׁלֹשׁ פְּעָמִים וַיַּעֲמֹד (ملوك ثانى 13/18)
- فضرب ثلاث مرّات وتوقف
- וַיַּעֲמֹד הַיָּם מִזַּעְפּוֹ (يونا 1/15)
- فتوقف البحر عن هيجانه
إن دلالة الجمل السابقة هى كالتالى :
- היא הפסיקה ללדת توقفت عن الولادة
- הוא הפסיק להכות توقف عن الضرب
- הוא הפסיק לזעוף توقف عن الهيجان
فدلالة الفعل فى الجمل السابقة لا ترتبط بالمكانية، فبعدما طرأ عليه ذلك التوسع الدلالى صار فعلاً لا ترتبط دلالته بحدث محدد.
ويصادفنا فى المستوى الأدبى من العبرية المعاصرة مثل هذا الاستخدام اللغوى، لكن ما يميز العبرية المعاصرة هو استخدامها للفعل المساعد (המשיךְ)(استمر). وتتداخل الدلالات، فالفعلان (ישב جلس) و (עמד وقف) يتعارضان فى دلالتهما الرئيسة الواسعة، لكن بعد عملية التطور الدلالى التى طرأت على كل منهما التقت دلالتهما. ففى مواضع كثيره, يعبر كلا الفعلين عن نفس الحدث, أو عن حوادث متقاربة، ونمثل لهذه الدلالة من خلال الجمل التالية:
- לְמַעַן יַעַמְדוּ יָמִים רַבִּים (إرميا 32/14)
- لكي يبقيا أياماً كثيرة
- עַל כֵּן עָמַד טַעְמוֹ בּוֹ (إرميا 48/11)
- لذلك بقي طعمه فيه
- עֲצַת יְהוָה לְעוֹלָם תַּעֲמֹד (مزامير 33/11)
- حكمة الرب إلى الأبد تثبت
يتضح من خلال الجمل السابقة أن الفعل (עמד) لا يعبر عن وضع مادى محدد، إذ إننا أمام فعل يعبر عن ديمومة وجود أمر ما, أو عن تغير فى وجود ذلك الأمر فجملة:
- עֲצַת יְהוָה תַּעֲמֹד = לא יתהווה המצב שעצת ה' לא תהיה קיימת
- حكمة الرب ستبقى = لن يتشكل وضع تكون فيه حكمة الرب غير موجودة
ويرد الفعل (ישב) كذلك بنفس الدلالة السابقة.
وثمة دلالة أخرى للفعل (עמד) تنشأ كنتيجة لتجريد هذا الفعل من دلالته على الوضع المادى، حيث تكون دلالته فى هذا الموضع مرتبطة باستعداد الشخص للقيام بالحدث نحو:
- וַיַּעֲמֹד וַיִּקְרָא אֶל מַעַרְכֹת יִשְׂרָאֵל (صموئيل الأول 17/8)
- فوقف ونادى صفوف إسرائيل
ففى الجملة السابقة, لا يعبر الفعل (יעמד) عن وضع قيام أو عن تجاوز وضع الاضطجاع والجلوس إلى وضع القيام، ولكنه يعبر عن الاستعداد النفسى للقيام بالحدث، فالفعل فى هذا الموضع يعبر عن الانتقال من الوضع النفسى السابق على الحدث إلى التأهب لتنفيذه.
وتتنوع جهات هذا الفعل فى العبريه المعاصرة، ويتضح ذلك أيضاً من خلال الجملتين :
- עמדתי ללכת
- نهضتُ لأذهب
- עמדתי לתת לו את הספר
- نهضتُ لأعطيه الكتاب
فدلالة الفعل (עמד) فى هذا الموضع تقترب من دلالة الفعل (קם) فى عبرية العهد القديم نحو:
- וַיָּקָם מֹשֶׁה וַיּוֹשִׁעָן (خروج 2/17)
- فنهض موسى وانجدهنّ
- וַיָּקָם בִּלְעָם וַיֵּלֶךְ וַיָּשָׁב לִמְקֹמוֹ (عدد 24/25)
- ثم نهض بلعام وانطلق ورجع إلى مكانه
فليست دلالة الفعل فى الجمل السابقة هى أن شخصاً ما غير وضعه وانتقل من وضع اضطجاع أو جلوس إلى وضع قيام، وكذلك الوضع فى دلالة الفعل (קם) كما فى جملة:
- וַיָּקָם קַיִן אֶל-הֶבֶל אָחִיו וַיַּהַרְגֵהוּ (تكوين 4/8)
- وقام قايين على هابيل أخيه وقتله
لكنّ حائكى الأساطير قد بنوا أسطورتهم على تفسير مغاير لدلالة هذا الفعل، حيث فسروا هذا الفعل- فى هذا الموضع - على أنه تعبير عن تغير فى وضع مادى، يتمثل فى الانتقال من وضع الاضطجاع إلى وضع القيام، إذ إن (هابيل) قد تغلب على (قابيل) وطرحه أرضاً، فعلا صوت قابيل بالصراخ فأشفق علية هابيل وتركه، وما أن نهض قابيل من على الأرض حتى قتله.
المصدر: העברית שלנו והעברית הקדומה אלעזר רובנשטיין האוניברסיטה המשודרת, 1980
