أ - العلاقة مع غير اليهود والأحكام المفروضة لمنع الاختلاط بهم
كإجراء احترازي ضد الاختلاط بغير اليهود، قرر الحكماء أنه لا يجوز لليهود تناول خبز غير اليهود أو مطهياتهم أو نبيذهم. حقا إنه لمن المهم أن نحب كل إنسان بغض النظر عن العرق أو الدين، كما فعل إبراهيم عليه السلام الذي فتح خيمته لجميع المسافرين. وهذا هو هدف شعب إسرائيل، أن يكونوا مصدر بركة لجميع الأمم، كما قال الله لإبراهيم عليه السلام في سفر التكوين (12: 2-3): "وأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة... ويتبارك بك جميع قبائل الأرض". وكذلك قال لإسحاق عليه السلام (التكوين 26: 4): "ويتبارك في نسلك جميع شعوب الأرض". وقال كذلك ليعقوب عليه السلام (التكوين 28: 14): "ويتبارك بك جميع قبائل الأرض ونسلك".
ومع ذلك، لكي يتمكن شعب إسرائيل من جلب البركة لجميع بني الإنسان، يجب عليه الالتزام بالتوراة والوصايا، وإقامة مملكة كهنة وأمة مقدسة، وكشف القيمة المقدسة في كل مجال وفي كل شيء في العالم، بحيث ينتشر النور الإلهي وتحل بركته في جميع مجالات الحياة الإسرائيلية، ومن خلال ذلك تنتشر البركة تباعا في جميع الأمم. ولهذا، يجب على شعب إسرائيل الحفاظ على تفرده، ووضع حدود تمنع أبناءه من الاختلاط بالأمم ونسيان رسالته. ونظراً لأن الطعام يؤلف القلوب، أصدر الحكماء أحكاما تهدف إلى التمييز بين إسرائيل والأغيار، بحيث لا يتناول اليهود طعامهم مثل النبيذ والخبز والمطهيات، حتى وإن كانت مصنوعة من منتجات حلال.
وكان معلمنا وربنا الحاخام تسيفي يهودا كوك يكرر ويؤكد: "الفصل ليس انفصالاً"، وأضاف قائلاً إنه عندما يُعلن هذا المبدأ، سيأتي الفداء للعالم؛ لأن هذا الفهم يتيح الكشف عن خصوصية كل شخص وكل أمة بطريقة أخلاقية، دون المساس بكرامة الأمم الأخرى أو بالعلاقات الطيبة التي يجب أن تسود بين جميع البشر.
وأحيانًا لا يكفي الفصل الكريم بين إسرائيل والأغيار، لأنه عندما يجرّ الأغيار وراء الشر ويختاروا طريق الرذيلة، يكون من الضروري إدانتهم والابتعاد عنهم والانفصال عنهم وعن فسادهم. ولتفادي تأثيرات ذلك على إسرائيل، فقد فرض الحكماء حظرًا صارمًا على النبيذ الذي لامسه عبدة الأوثان. ولذلك، فإن جميع القيود المفروضة على طعام الأغيار تهدف إلى هدفين: إنشاء مجال متميز مميز لإسرائيل، والابتعاد بإسرائيل عن الثقافات التي يبرز فيها الشر.
هذا المبدأ مفسر في التوراة بالنسبة لجميع تحريميات الأطعمة، التي تهدف إلى تمييز إسرائيل وتقديسهم، كما جاء في سفر اللاويين (20: 24-26): "...أنا الرب إلهكم الذي ميزتكم عن الأمم. وفرقتم بين البهيمة الطاهرة والنجسة، وبين الطيور النجسة والطاهرة، ولا تدنسوا أنفسكم بالبهيمة والطير وكل ما يدب على الأرض الذي فصلته لكم ليتنجس. وتكونون لي قديسين، لأنني قدوس، وأنا الرب الذي فصلتكم عن الأمم لتكونوا لي". كما تعلمنا أن تناول إسرائيل من طعام الأغيار قد يؤدي إلى الاختلاط وعبادة الأوثان، كما جاء في سفر الخروج (34: 15-16): "لئلا تقطعوا عهداً مع سكان الأرض فيزني وراء آلهتهم ويذبحوا لآلهتهم، ويدعونك فتأكل من ذبائحهم. وتأخذ بناتهم لبنيك ويفسق بناتهم وراء آلهتهن، ويفسدون بنيك وراء آلهتهن".
حكم آخر أصدره الحكماء لمنع الاختلاط هو حظر تناول مطهيات غير اليهود. وبالتالي، هناك نوعان من الأحكام كإجراء احترازي ضد الاختلاط: الأول يتعلق بالخبز والنبيذ والزيت، والثاني يتعلق بمطهيات غير اليهود.
الأول مستمد من عادة دانيال وأصدقائه، واستمر في أحكام بيت شماي وبيت هليل، التي تنص على أنه لا يجوز لليهود تناول خبز غير اليهود ونبيذهم وزيتهم. هذه الأطعمة تعتبر أساسية للإنسان، كما ورد في التوراة. فالقرار بحظر تناول خبز غير اليهود ونبيذهم وزيتهم هو قرار أساسي، ينص على أنه يجب أن تكون الأطعمة الأساسية لليهود من إنتاجهم الخاص.
القرار الثاني يتعلق بمطهيات غير اليهود. وهو موجه بشكل مباشر ضد القرب الشخصي الذي قد ينشأ عن تناول أطعمة غير اليهود، حتى وإن كانت مصنوعة من أطعمة تنتمي لليهود. عادةً، وبموجب حكم الزيت، تم حظر أطعمة غير اليهود أيضًا، حيث كان من المعتاد إضافة الزيت إلى الأطعمة المهمة. وعندما كان من الضروري إلغاء حكم الزيت، كان حظر أطعمة غير اليهود بمثابة حاجز ضد القرب الزائد الذي قد يؤدي إلى الاختلاط.
لتلخيص الأمر، فإن قرار بيت شماي وبيت هليل بشأن الخبز والزيت والنبيذ شهد تغييرات. فقد تم إلغاء حظر الزيت الذي لم يكن قد انتشر بين معظم اليهود، وأُجيز تمامًا، وتم استبداله بالحظر على أطعمة غير اليهود. أما فيما يتعلق بالخبز، فقد تم التخفيف في حالات الضرورة من خلال السماح بالخبز المعد من قبل غير اليهود في ظروف استثنائية . وفيما يتعلق بالنبيذ الذي قد يؤلف القلوب أكثر، تم تشديد الحظر، حتى إنهم قد حظروا نبيذ اليهود الذي لامسه غير يهودي. وأضيف إلى ذلك حظر شرب المشروبات الكحولية في منزل غير يهودي أو في متجره. وبذلك، في النهاية، بقيت المحرمات مرتبطة بالهدف الرئيس لها، وهو منع القرب الذي قد يؤدي إلى الاندماج، وفيما لم يكن من الضروري التشديد عليه، مثل الزيت، تم التخفيف، وكذلك تم التخفيف في حالات الضرورة في الخبز المعد من قبل غير اليهود في ظروف استثنائية. أما فيما يستحق التشديد، مثل النبيذ والمشروبات الكحولية، فقد أضيفت قيود إضافية.
ب- المشمولون في تلك الأحكام
يشمل الحظر جميع الأغيار، من حيث تحريم تناول خبزهم ومطهياتهم. وعلى الرغم من أن هذا القرار يهدف إلى منع العلاقات الزوجية، فإنه ينطبق أيضًا على غير اليهود الذين لا يوجد احتمال لزواجهم من اليهود، مثل كبار السن أو الخصيان أو الكهنة الذين نذروا عدم الزواج، فلم يُفرِّق الحكماء في حكمهم بشأن هذا الأمر. ذلك أن الأمر لا يتعلق بالشك في أن اليهود قد يأكلون طعامًا من غير اليهود، ومن ثم يتزوجون من الطاهي أو من ابنته، ولكن الاحتمال هو أن التقارب المعرفي وتمايع الحدود بين اليهود وغيرهم قد يؤديان تدريجيًا إلى الاندماج. لذلك، قرر الحكماء ألا يتناول اليهود النبيذ والخبز ومطهيات غير اليهود، فمن خلال ذلك سيدركون مدى تميزهم، ويمتنعون عن إقامة علاقات شخصية وثيقة مع غير اليهود، تؤدي بهم في النهاية إلى الانصهار في سائر الأمم. ولذلك قالوا (עבודה זרה, 36, ב): "إنهم قد قرروا حظر خبزهم وزيتهم من أجل نبيذهم، وحظر نبيذهم من أجل بناتهم، وحظر الزواج من بناتهم من أجل شيء آخر هو عبادة الأوثان التي تعبر عن الارتباط بثقافة أجنبية. أي أنه إذا كان التشكك فقط في احتمال الوصول إلى حظر الزواج من غير اليهود أو إلى حظر عبادة الأوثان فقط مع البقاء على الهوية اليهودية، لما كانت هناك حاجة للحظر على طعام غير اليهود. ولكن بما أنه من المحتمل أن تؤدي العلاقات الزوجية إلى اتباع ثقافة أجنبية والذوبان مع غير اليهود، فقد كان من الضروري فرض سلسلة من القيود لمنع ذلك الذوبان. ونظرًا لأن الحظر يتعلق بالخشية من الذوبان في الأمم الأخرى، لا الخشية من الزواج في حد ذاته، فلا يحظر على اليهود تناول طعام يهودي يُمنع عليه الزواج منه، مثل شخص غير شرعي أو امرأة متزوجة، لأنه لا توجد مخاوف من الذوبان والانصهار في هذه الحالات.
يقول البعض إن حظر الخبز وأطعمة غير اليهود ينطبق أيضًا على اليهود الذين تحولوا إلى ديانة أخرى، أي الذين يتركون دينهم ولا يحافظون على وصايا التوراة، إذ من المحتمل ألا يكون الخبز والطعام المعد على أيديهم حلالًا، فمن أسباب حظر أطعمة غير اليهود هو وضع حاجز أمام تناول أطعمة غير حلال. ولكن في الواقع، بما أن الهدف الرئيس لهذا الحظر هو منع الذوبان مع غير اليهود، فإن هذه المحظورات لا تنطبق على اليهود الذين لا يحافظون على التوراة والوصايا.
المصدر: פניני הלכה, כשרות ב - המזון והמטבח, הרב אלעזר מלמד
