د.ريهام محمد كمال القاضي، كلية الألسن، جامعة عين شمس
مر الشعر العبري بمراحل تاريخية مختلفة تأثرت بالمتغيرات الاجتماعية والسياسية والفكرية التى عاصرتها، ويعد عصر الأندلس هو العصر الذهبي الثاني للأدب العبري بعد العصر الذهبي الأول الذي شهده قدامى الكُتاب والشعراء في العهد القديم.
ولقد استمد الأدب العبرى من مراحل تطوره مقوماته الشعرية والأدبية الكاملة والمهمة، تلك المقومات التي نقلته إلى طور الازدهار والتطور الذي شهده العصر الأندلسي أو العصر الذهبي. وقد ظل الشعراء الأندلسيون على مر العصور يستندون إلى أعمال من التراث الشعري العربي القديم، يستلهمون أغراضها ويعملون على تنويعها وتحويرها، ويوسعون بذلك من حقل الإمكانات الإبداعية للشعر عموما.
ومن أبرز الشعراء اليهود فى هذا العصر شموئيل هناجيد "שמואל הנגיד" (٩٩٣ـ١٠٥٦ )و شلومو ابن جبيرول "שלֹמֹה אבן גבירול" ( ١٠٢٢ـ١٠٥٩) و موشيه بن عزرا " משה בן עזרה" ( ١٠٥٥ـ١١٤٠) و يهودا هاليفي " יהודה הלוי" ( ١٠٧٥ـ١١٤٠) و تادروس أبو العافية " טאדרוס אבּו אלעאפיה"( ١٢٤٧ـ١٣٠٦).
التعريف بالشاعر وديوانه
الشاعر تاضروس ابو العافية:
وُلِدَ الشاعر الأندلسى تاضروس ابو العافية ( טדרוס אבו אלעאפיה) وعاش فى طليطلة فى عام ١٢٤٧م وهو من أسرة كريمة النسب وذائعة الصيت فى الشرق وأفريقيا .
تلقى تعليماً دينياً تقليدياً إلى جانب التعليم الدنيوى - كما جرى العرف فى تلك الأيام بين أوساط المفكريين - كما حظى بثقافة على نطاق واسع ليس فقط على المستوى المعرفى والتعمق فى اللغة العبرية والشعر الأندلسى الكلاسيكى بل أيضاً على مستوى إتقان اللغة العربية وإدراك الشعر العربى والثقافة العربية.
وقد نشأ تاضروس وعاش بالقرب من طبقة النبلاء اليهودية واستمر فى مخالطة النبلاء وحاشية الملك فردناندو الثالث حتى استهواه سحر المقام الرفيع وجوار الشاعر اليهودى ذائع الصيت اسحق بن صادوق (יצחק בן צדוק ) الذى كان دائم الاصطحاب لتاضروس فى الأسفار كنهج الشاعر التروبادى.
وقد عمل تاضروس فى بلاط الملك ألفونس العاشر سفيراً سياسياً للمملكة وهى من المهام الرفيعة للغاية فى ذلك الوقت . وتوطدت علاقته برجال البلاط وعلى
رأسهم اسحق بن صادوق الذى تولى أمور الضرائب والخزانة بالبلاط الملكى عام ١٢٧٦م ، الأمر الذى زاد من حساد بن صادوق الذين كادوا له كثيراً، إلا انه نجح فى الحفاظ على قوة مركزه الرفيع ،كما حظى بتأييد من أهل الذمة من اليهود والمسيحيين وكان من بينهم تاضروس الذى كان من أكثر المقربين إليه، وذاق معه طيب الحياة المترفة لطبقة النبلاء.
وفى عام ١٢٧٨م صدرت الأوامر الملكية بتمويل الجيش والأسطول بمبلغ كبير من المال، ولم تكن خزائن المملكة آنذاك كافية، فأثار ذلك حفيظة الملك وسخطه على جباة الضرائب اليهود وأمر بإعدامهم جميعاً ومن بينهم كان اسحق بن صادوق الذى اتهمه بالمحسوبية، ومع ذلك لم يهدأ غضب الملك حتى أمر عام ١٢٨١م بالقبض على جميع اليهود واحتجازهم كرهائن لحين دفع فدية أضعاف ضرائبهم التى كانت مفروضة عليهم، وكان من بينهم تاضروس الذى تهدم بيته وأصيبت والدته وأحد ابنائه وسُلبت أمواله وزج به فى السجن وقيدت يداه وقدماه فى زنزانة مظلمة وقد كان خائفاً من تعرضه للقتل كسابقيه من اليهود فلجأ ليتقوى بالدين والعقيدة، ونظم العديد من القصائد يتضرع بها إلى الله تعالى ليغفر له خطاياه ومنها:
הֶיֵה עִמִי ומַלֵא תַאֲוָתִי וְאַל תֶחְסַר לְעולָם מַעֲלָתִי
וְאָשִירָה לְךָ עֶרֶב ובקֶר וְתַבִיעַ תְהִלָתָךְ שְפָתִי
ויִכְרָעו לְפָנַי כל- מְשַנְאַי וְיֵדְעו כִי אֲדנָי נַחֲלָתִי.
كن معى وأملأنى أملاً فلا ينقص قدرى أبداً
لأترنم لك صباحاً ومساءً وتفيض شفتاى لك تسبيحاً
فيخر أمامى شانئى جميعاً سجداً وسيعرفون أن الله ملاذى.
ومع مـرور الوقت انتـعش الأمـل فى قلب تاضروس، ونظم قصيدة طويلة - استخدم فيها الأساليب البلاغية - لأحد أقاربه وهو "تاضروس بن يوسف"، وكان من المقربين إلى الملك، وهو اليهودى الوحيد الذى حافظ على منصبه فى البلاط الملكى، وتوسل إليه أن يطلب من الملك ويلتمس منه تحريره من سجنه، وبهذه القصائد الرسائل كان تاضروس قد بذل كل جهده ليتحرر هو وباقى اليهود من سجنهم حتى توفى الملك وخرج تاضروس من سجنه، ومن هنا تبدل حظه السىء إلى الأفضل مرة أخرى، ففى عام ١٢٨٩م عُين فى منصب الإشراف على عائدات المملكة فى عهد الملك سانشو الرابع وظل فى منصبه أكثر من عشر سنوات واحتل مكانةً مرموقة فى بلاط الملك "سانشو الرابع"، وكان المفضل لدى الملكة " ماريا دى مولينا"، حتى أنه كان ضمن حاشية الملك التى ذهبت فى زيارة لملك فرنسا، وفى هذه المناسبة تبادل القصائد الشعرية مع الشاعر الكبير " ابراهام بِدريس".
من أعمال "تاضروس " الشعرية مؤلفه الشهير ( روضة الأمثال والأحاجى ) الذى شُهد له فيه بالريادة والإبداع والتجديد فى الموضوعات. هذا بالإضافة إلى نظمه للعديد من الموشحات ( שיר האזור) فى شكل متطور ومتميز، فمن خلال هذه الموشحات يمكن رؤية شاعر يهودى متميز وبارع فى هذا المجال حيث استخدم ألفاظه ببراعة ودقة شديدة مع الحفاظ على الشكل التقليدى الكلاسيكى للموشحات.
لقد كانت أشعاره بمثابة امتداد للشعر العبرى بالأندلس الإسلامية ( العصر الذهبى ) حتى توفى تاضروس فى عام ١٣٠٦م.
ديوان ( גן המשלים והחידות – روضة الأمثال والأحاجى):
كتب " تاضروس أبو العافية " مؤلفه الشعرى ( روضة الأمثـال والأحاجى ) الذى يعد معيناً شعرياً وتاريخياً لا ينضب وإضافة مهمة للشعر العبرى، والذى تتجلى فى شعره روح العصر؛ عصر الشعر العبرى بكل مميزاته وعيوبه ليس فقط فيما يتعلق بالقوافى والبحور ولكن فى المنهج الفكرى بوجه عام، وكذلك تأثره الواضح ببديع الشعر والبلاغة العربية من جانب والتوراة من جانب آخر. وقد وصف تاضروس منهجه فى قصائده قائلاً:
"لقد غَرست حدائق وبساتين فى هذا المؤلف من تعاليم وشرائع. وألبست روضة الأمثال والأحاجى ملابس فاخرة. "
عبر تاضروس بالشعر عن أحداث حياته كلها الطيبة والسيئة، الحزينة واليائسة وما مر به من استسلام للقدر ومشاعر عاطفية .
أشعار تاضروس متنوعة منها القصير ومنها الطويل، وتختلف من حيث الشكل والوزن.
بدأ تاضروس ديوانه الشعرى بمجموعة من الجداول التى وضح من خلالها الأوزان التى استعان بها فى الديوان، بالإضافة إلى قائمة بالأشعار مرتبة وفقاً لحرف الروىِّ وذلك لبيان القافية.
وقد قسم تاضروس أشعاره فى الجزء الأول من كتابه ( روضة الأمثال والأحاجى) إلى عشرة أبواب ، يحتوى كل باب منها على خمسين بيتاً من بديع الشعر، بالإضافة إلى نوادر من الغزل والمدح، وهى كالتالى:
בתאור מקצת מעלותיו ונדיבות מדותיו (فى وصف بعض فضائله وكرم شمائله).
בחשק צבי רב תהלות ומזג הנכוחות במהתלות (فى النسيب والغزل ومزج الجد بالهزل).
ביקר החשוק וזולות החושק העשוק (فى غُرة المعشوق وذلة العاشق المشوق).
בהתעלם באהבת היפֶה ובהרעים המוכיח הצופה (فى مداعبة الحبيب ومخالفة العزول الرقيب).
בזקנת ודלות הגויה וארך התאניה והאניה (فى الشيب ونحول الجسد وطول الوجد والكمد).
בהגות היונים והתורים ובכי החושקים העֵרים (فى سجع الحمائم وبكاء العاشق الهائم).
בברק הכוסות וייניהן ושירת הצפרים בענפי עציהן (فى وصف الخمور وترنم الطيور).
בתיאור הגנים ומימיהם והברקים והגשמים ורעמיהם (فى وصف الرياض والأنهار والبروق والأمطار).
בתהלת לשון צחה וחדה מחרבות ואמרות טהורות נפשות משיבות (فى مدح الزمان والإفتخار بفصاحة اللسان).
בנזירות וביראת האלהים ובזכר העולם הבא במרומי גבוהים (فى الزهد والتقى وذكر دار البقاء).
المراحل التاريخية التى مر بها الشعر العبرى بالأندلس قبل تاضروس ابو العافية:
أولاً: مرحلة العهد القديم
يُعتبر العهد القديم من المصادر القديمة المهمة التي يمكن من خلالها الوقوف على تطور الأدب والفكر عند اليهود. وقد عرف اليهود الشعر منذ أجيال قديمة فى جمل شعرية قصيرة لم تسجل إلا فى عصر تدوين العهد القديم. ومع مرور الزمن أصبحت الجمل الشعرية طويلة، حتى أصبحت تحتل أصحاحات كاملة من أسفار العهد القديم كأنشودة " دبورة "، ثم أصبحت تحتل أسفاراً كاملة كالمزامير والأمثال ومراثى ارميا.
يخلو الشعر العبرى من القافية، وهو شعر كيفى منبور، وإن وجد به شعر كمى موزون فإنه يكون ضرباً من المصادفة. ولكنه يعتمد على اللحن والتنغيم فى آخر الفقرة.
اختلف الباحثون فى تحديد بدايات العروض العبرى، إذ يرى البعض أن الشعر العبرى يسير على النسق الذى سارعليه كل من الشعر الإغريقى واللاتينى. إلا أن الشعر العبرى أقرب إلى الشعر السريانى، فالعبريون كالسريان يعتمدون على عدد المقاطع وكذلك الوزن فى الشعر العبرى القديم يقوم على مبدأ بسيط، وهو يعنى بعدد من المقاطع دون اعتبار لحجم كل مقطع، ثم يجمعها فى عدد زوجى دائماً، و يُراعى النبر ، ويجمع بين تقابل الأفكار وتقابل العبارات فى شطرى البيت الواحد.
كما تنحصر قواعد الشعر العبري القديم في نظام الفقرات وقانوني التوازي والتقابل، وذلك كالتالي:
(أ) الفقرة:
الفقرة هى مجموعة من الأبيات تتشابه فيما بينها من حيث العدد، وربما أيضاً من حيث التأليف والموسيقى.
يتفق العلماء على سير القصيدة العبرية القديمة على النحو التالى:
الفقرة ( ويقصد بها الفقرة الأولى من القصيدة)
الفقرة الجواب ( ويقصد بها الفقرة الثانية من القصيدة والتى تعتبر جواباً أو رداً عليها)
الفقرة الختامية.
ومن العلامات التى يمكن الاستعانة بها فى تقسيم القصائد إلى فقرات:
1) اللازمة : هى عبارة عن تكرار أحد الأبيات مرات عديدة بصورة منتظمة وعلى أبعاد متساوية، هى نهاية الفقرات.
2) كلمة ترد فى أواخر الفقرات فى بعض المزامير وفى نشيد حبقوق وهى علامة على بداية نغمة جديدة.
3) تكرار بعض الكلمات أو الأفكار فى مواضع متشابهة أو متقابلة.
(ب) قانون التوازي:
أي شطر الجملة إلى شطرين يتساويان في الطول ويتضمنان تجاوباً في المعنى الذي يتأكد أحياناً بتكرار المفردات.
مثال ذلك ما ورد في سفر المزامير 121: 1، 2
אֶשָא עֵיני אֶל–הֶהָרִים מֵאִַין יָבוֹא עֶזְרִי
أرفع عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني.
עֶזְרִי מֵעִם יְהוֹה עֹשֵה שָמַים וָאָרֶץ
عوني من عند الرب صانع السماوات والأرض.
(ج) قانون التقابل:
يعنى أن تكون شطرات البيت متطابقة في المعنى، ولكن بكلمات مختلفة ويدخل فى التطابق التساوى فى المعنى أو التضاد فى المعنى ومثال التضاد ما ورد فى سفر الأمثال 14: 11
בֵית רֹשָעִים ישָמֵד וְאֹהֶל יְשָרִים יַפְרִיחַ:
يُدَمِّر بيت الأشرار وتزهر خيمة الأبرار.
ثانياً: مرحلة الشعر الديني:
هي المرحلة التالية لمرحلة العهد القديم في مجال الإنتاج الشعري لدى اليهود، ففي القرون الأولى للميلاد ظهر نوع من النَظم الشعري صاحبته الألحان في بعض الأوقات، وكان هذا النوع من النَظم مرتبطاً ارتباطاً شديداً بالصلاة اليهودية في المعابد، وقد كانت بداية استخدامها في الصلوات الجماعية في المعابد بصفة خاصة، ثم أصبحت بعد ذلك جزءاً من الطقوس المتبعة، وأطلق عليها (פיוט)أى البيوط، وهو الشعر الذي يتناول الموضوعات الدينية.
وقد اختلف العلماء حول تحديد الشعراء الأوائل للبيوطيم ويرى دافيد يلين " דוד ילין " أن " يوسى بن يوسى" و "ينائى" هم من أوائل الشعراء الذين نظموا أبيات شعرية مسجوعة وذلك استناداً لما جاء به "ابن جناح" فى كتابه( השרשים) أى الأصول.
يمكن التمييز بين نوعين من البيوطيم:
الفلسطينى الغرب أوروبى The Palestinian – West European:
يتضمن البيوط الإيطالى والفرنسى والألمانى. وهو البيوط البدائى والأكثر قوة. وقد استعان شعراؤه بالقافية المكررة.
البابلى الأسبانى The Babylonian – Spanish :
يعد البيوط الأكثر تنقيحاً . وقد استخدموا فى أشعارهم صوراً مختلفة للقوافى
ثالثاً: مرحلة الأدب العربي الأندلسى:
عُرفت هذه المرحلة بمرحلة الريادة الشعرية (في الشعر العبري) ؛ وكان من أوائل الأدباء اليهود الأديب " مناحم بن ساروق " الذى نهض باللغة العبرية من كبوتها والذى تأثر بمؤلفات كل من سعديا جاءون ورسالة يهودا بن قورش اللغوية، وقد مهد " مناحم " الطريق إلى الأدب العبرى بمؤلفه ( המחברת) باللغة العبرية والذى لاقى رواجاً كبيراً فى حين لم تحظ مؤلفات كل من حيوج وجناح بمثل هذا الرواج، وقد عدَّ "مناحم" نفسه من كبار علماء البلاغة فى عصره وقال:
" صمت كل المبدعين، وأغلقت أفواه السجاع" .
ثم ظهرت بدايات القصيدة العبرية الموزونة على أوزان الشعر العربي بريادة الشاعر واللغوي "دوناش بن لبراط" الذى يعد أبو الشعر العبرى بالأندلس إلا أنه كان يفتقر إلى ملكة الشعر. الإشارة إلى أن دوناش قد أوحى بفكرة تطبيق أوزان الشعر العربى على الشعر العبرى، اهتمامه بالدراسات المقارنة بين اللغتين العربية والعبرية.
وقد قسم "دوناش" الشعر العبرى على نظام وحدة البيت ، وفيه كل بيت يوضح فكرة معينة، كما قسم البيت إلى شطرين سُمِّىَ الأول (باباً)، وسُمِّى الشطر الثانى (قفلاً).
وكان أول يهودى تنطبق عليه صفة شاعر هو "شموئيل هناجيد" الذى تمكن من القالب الجديد للشعر العبرى، وتميز بسعة اطلاعه وحبه للشعر.
ويعتبر عهد شموئيل هناجيد انطلاقة فى الشعر العبرى فى ثوبه الجديد.
وذلك بناءً على تقسيم شيرمان " שירמן " لعصور الشعر العبرى الأندلسى على النحو التالى:
العصر الأول: من منتصف القرن العاشر حتى عام ١٠٢٠م على وجه التقريب وهو العصر الذى استُحدث فيه الوزن. وينتمى إلى هذا العصر كل من مناحم ودوناش بن لبراط ،ويعد هذا العصر هو حجر الأساس لهيكل الشعر العبرى.
العصر الكلاسيكى: من عام ١٠٢٠م حتى عام ١١٥٠م تقريباً. و ينتمى إليه كبار الشعراء اليهود أمثال شموئيل هناجيد "שמואל הנגיד" (٩٩٣ـ١٠٥٦ )وشلومو ابن جبيرول "שלֹמֹה אבן גבירול" ( ١٠٢٢ـ١٠٥٩) و موشيه بن عزرا " משה בן עזרה" ( ١٠٥٥ـ١١٤٠) و يهودا هاليفي " יהודה הלוי" ( ١٠٧٥ـ١١٤٠) .
عصر الإمتداد (للعصر الكلاسيكى) : من عام ١١٥٠م حتى عام ١٣٠٠م على وجه التقريب. ينتمى إلى هذا العصر يهودا الحريزى (القرن الثانى عشر- القرن الثالث عشر) ابراهام بن حسداى (القرن الثالث عشر)، واسحق بن سهولة (القرن الثالث عشر) وتاضروس أبو العافية ( ١٢٤٧ـ١٣٠٦ ).
عصر الإنحدار: من عام ١٣٠٠م حتى عام ١٤٩٢م وهو العام الذى طُرد فيه اليهود من الأندلس. وله ينتمى يوسف بن سولى (القرن الرابع عشر) وقولينموس بر قولينموس(١٢٨٦م- منتصف القرن الرابع عشر) اسحق فوليقار (القرن الرابع عشر)، وشلومو ديفارا (١٣٤٠- أواخر عام ١٤١٧)، وشلومو بونفيد (القرن الخامس عشر).
أشكال كتابة الشعر العبرى بالأندلس:
ينقسم الشعر العبرى الأندلسى الشائع إلى أبيات ، والبيت يتكون من سطر واحد منقسم إلى شطرين بينهما مسافة. كل شطر يطلق عليه (צלע – ضلع أو مصراع)، المصراع الأول (على الجهة اليمنى) يطلق عليه (דלת - صدر البيت)، والمصراع الثانى ( على الجهة اليسرى) يطلق عليه ( סוגר – عجز البيت).
مثل قول يهودا هليفى:
הֲבָא מַבוּל וְשָם תֵבֶל חֳרָבָה וְאֵין לִרְאוֹת פְנֵי אֶרֶץ חֲרֵבָה
هل حل الطوفان وجعل الكون خراباً ولن يُرى وجه الأرض القاحلة
وأحياناً يكتب البيت فى سطرين، عجز البيت تحت صدر البيت ولكن على اليسار قليلاً، مثل قول يهودا هليفى:
הֲפָשַט הַזְמָן בִגְדֵי חֲרָדות
וְלָבַש אֶת בְגָדָיו הַחֲמוּדוֹת?
هل نزع الزمان ملابس الفزع
وارتدى ملابسه الجميلة ؟
يقابل هذا البيت فقرة من العهد القديم ، والتى كُتبت بهذا الشكل، وقسمت إلى شطرين.
ويقسم البيت فى بعض الأحيان إلى أربعة أقسام قصيرة ويطلق عليها
( צלעִיוֹת)، ومفردها (צְלָעִית ) وتعنى مصراع بيت الشعر، وتطلق أيضاً على نصف البيت فى قصيدة الشعر، أى الصدر أو العجز.
كقول " تادرس أبو العافية "
לאומרים כִּי הַשֵיבָה מום שַחְתִי מַאֲמָר כִדְבַש עוֹרֵב
טוב לבן מ- שָחוֹר כִי טוב שֶמֶש זוֹרֵ- מְעוֹרֵב
גַם טוב כַנְפֵי יונָה נֶחְפָה כַּכֶסֶף מִ- כַנְפ עוֹרֵב
قـلت لـمـن يعيـب المشيـب هو حـلو كالعسل
المشيـــــب أفضــــل مـن الســـواد
فشـروق الشـمـس أجـمـل مـن غـروبــها
وأيضاً أجنحة الحمامة الفضية أجمل من أجنحة الغـراب.
وفى أغلب الأحيان يأتى السجع فى كل من الثلاثة مصارع الأولى ،
كقول يهودا هليفى:
עֲלי הַסְפִינָה וְדִרְשִי מְדִינָה אֲשֶר לשְכִינָה בְתוכָה חֲדָרִים
وبغيتى دولة على سفينة فى داخلها غرف للسكنى
ينقسم كل مصراع إلى ثلاث تفعيلات، أو تفعيلتين على الأقل، وهذه التقسيمات تعرف فى اللغة العبرية باسم (עמודִים – التفعيلات) مثل
עֲלי- הַ/סְפִינָ-ה/ וְדִרְ-שִי/ מְדִי-נָה /
אֲשֶר- ל/שְכִי-נָה/ בְתו-כָה/ חֲדָ-רִים/
ويعتمد الوزن العبري للقصيدة على:
نظام التفاعيل (עמודִים ):
يقسم نحاة اللغة العبرية المقاطع إلى بسيطة ( פתוחות – ذات مقطع مفتوح)، ومركبة ( סגורות – ذات مقطع مغلق) بمعنى أن نهاية المقطع يُبنى على وجود حرف ساكن بعد الحركة، ويقرأ مع الحرف المشكل بحركة مثل ( אַבְ – רֵך) .
أما علم العروض فى اللغة العبرية فتقسم المقاطع فيه وفقاً لأوزان الشعر إلى (مقاطع سريعة - רהוטות) أو (مقاطع مخطوفة - חטופות) حيث يـــأتى قبل الحرف المتحـــرك سكـون أو سكـون متحرك مثل ( ו - אַהֲ – רון ) .
يطلق على المقطع المتحرك ( وتد - יתד)، والمقطع الذى يأتى بدون (سكون متحرك - רהוטָה) يطلق عليه (الحركة - תנועָה) مثل( אַבְ - רֵך).
أما التفاعيل فى اللغة العربية فتتكون من ثلاثة أشياء: أسبَاب ، وأوتاد ، وفواصل.
تتكون الأسباب من ثلاثة أنواع:
1) سبب خفيف: متحرك + ساكن ( ⁄ ○ ) مثل: لَم
2) سبب ثقيل: يتكون من متحركين ( ⁄ ⁄ ) مثل: بِكَ
3) سبب متوال: متحرك + ساكنين ( ⁄ ○ ○ ) مثل: عَام
تتكون الأوتاد من ثلاثة أنواع:
1) وتد مجموع: اثنان متحركان + ساكن ( ⁄ ⁄ ○ ) مثل: عَلَىْ
2) وتد مفروق: متحرك + ساكن + متحرك ( ⁄ ○ ⁄ ) مثل: كَيف
3) وتد مضاعف: وتد مجموع + ساكن ( ⁄ ⁄ ○ ○ ) مثل: تراب
أما الفواصل فنوعان:
فاصلة صغرى:
سبب ثقيل + سبب خفيف ( ⁄ ⁄ ) + (⁄ ○) مثل: ضَرَبَا
فاصلة كبرى:
سبب ثقيل + وتد مجموع (⁄ ⁄ ) + ( ⁄ ⁄ ○ ) مثل: سَمَكَةٌ
وقد جمع بعضهم الأسباب والأوتاد والفواصل فى عبارة واحدة :
" لَم أَرَ عَلَىْ ظَهْرِ جَبَلٍ سَمَكَةً"
فى حين تنقسم التفاعيل فى اللغة العبرية إلى تفاعيل قصيرة وأخرى طويلة على النحو التالى:
(ا) التفاعيل القصيرة (העמודים הקצרים) ( ذات المقطعين )
سبب ووتد
ˉˇˉ /ˉ˘ˉ/ ˉ˘ˉ /ˉ˘ˉ/
كقول ابن جبيرول:
ˉ ˘ ˉ / ˉ ˘ˉ/ ˉ ˘ˉ / ˉ ˘ˉ /
אֶדְ- רְשָה/ חַסְ- דְךָ/ כִּי אֲנִי/ עַבְ- דְךָ/
עֱרוֹךְ / נְגְ- דְךָ / מַ- הֲלָל/ נֶ- חֱמָד/
أطلب فضلك لأنى عبدك ،أقيم لك التسبيح والحمد.
وتد و سبب
˘ˉˉ /˘ˉˉ /˘ˉˉ /˘ˉˉ /
كقول يهودا هليفى:
˘ ˉ ˉ / ˘ˉ ˉ / ˘ˉ ˉ / ˘ˉ ˉ /
הֲיוּכְ- לוּ/ פְגָ- רִים/ הֱיוֹ- תָם/ חֲדָ- רִים/
לְלִ- בוֹת/ קִשוּ- רִים/ בְכַנְ- פֵי/ נְשָ- רִים/
هل يمكن لجثثٍ أن تكون مكنون
القلوب متصلة بأجنحة النسـور.
سبب و سبب
ˉˉ /ˉˉ /ˉˉ /ˉˉ /
كقول موشيه بن عزرا:
ˉ ˉ / ˉ ˉ / ˉ ˉ / ˉ ˉ /
כָּתְ- נות/ פָ- סִים/ לָ- בַש/ הַ- גָן/
וּכְ- סוּת/ רִקְ- מָה/ מַ- דֵי/ דִשְ- אוּ/
ارتدت الروضة ملابس مزركشة وملونة بخضار عشبها
أو كقول تاضروس أبو العافية:
ˉ ˉ / ˉ ˉ / ˉ ˉ / ˉ ˉ /
מִזְ-רָח / קִ- נֵא / בַ- מַעְ / רָב עֵת /
בִפְאַת / מַעְרָב / זָרַח / הודו /
וּלְיָם הָפַך חַלְמִיש ,עֵת
בַחַלְמִיש שָלַח יָדוֹ.
غار الشرق من الغرب ،حين أشرقت من طرف الغرب مجـده
وانقلب البـحر إلى صـــوان ،حين مـدًّ بالصـوان يــده
(ب) التفاعيل الطويلة (העמודים הארוכים)
سبب + سبب + وتد ( مُتَفَاعلن)
ˉ ˉ ˘ ˉ /ˉ ˉ ˘ˉ /
كقول ابن جبيرول:
ˉ ˉ ˘ ˉ / ˉ ˉ ˘ˉ /
מַה- לָךְ יְחִי-/ דָח תֵ- שְבִי/
דוּ- מָם כְמֶ-/ לֶךָ בַּ- שְבִי/
ما لك تجلسين وحيدة صامتة كملك فى السبى.
وتد+ سبب + سبب (مَفَاعيلن)
˘ ˉ ˉ ˉ /˘ ˉ ˉ ˉ/
كقول شموئيل هناجيد:
˘ ˉ ˉ ˉ / ˘ ˉ ˉ ˉ/
אֲשֶר צָ-רִיךְ/ לְעֶזְ- רָ- תִי/
כְמוֹ מַלְ- כִי/ יְרַ- צֵ – נִי /
من يرغب فى عونى كمن يرغب فى تملكى.
أو كقول تاضروس أبو العافية:
˘ ˉ ˉ ˉ / ˘ ˉ ˉ ˉ /
בְלא- עתי /‚אֲהָה ‚שׂבְתִי/ בְיום נָד הַצְבִי מֶנִי
וְדַלתִי ‚וְכִמְעַט קָט וְעַין לא תְשּׁוּרֵנִי
من غير أوان ،واحسرتاه ،شبت حين رحلت محبوبتى عنى
فاستنفزتُ ،وعلى وشـك ألا تبصرنــى عيـــــن.
أو كقوله:
˘ ˉ ˉ ˉ / ˘ ˉ ˉ ˉ /
צְבִי חֵן הִיא /،וּ*מַ-בִיט בו/
בְעֵינָיו יַעֲשׂק לִבו
بهية الطلعة هى ،ومن ينظر إليها بعينه يظلم قلبه.
سبب + وتد + سبب ( فَاعلاتن)
ˉ ˘ ˉ ˉ /ˉ ˘ ˉ ˉ /
كقول يهودا هليفى:
ˉ ˘ ˉ ˉ /ˉ ˘ ˉ ˉ /
יַ- עֲבוֹר עָ/ לַי רְצוֹ- נָךְ
כַּ- אֲשְר עָ/ בַר חֲרוֹ- נָךְ
اشعر برضاك عنى حين يذهب عنك سخطك.
سبب + سبب + سبب
---/---/---/
هذه التفعيلة لا تأتى غالباً بمفردها لكنها تأتى مصاحبة لتفاعيل أخرى كقول ابن جبيرول:
ˉ ˉ ˘ ˉ/ ˉ ˉ ˘ ˉ / ˉ ˉ ˉ /
לוּ- הָ- יְתָה/ נַפְ- שִי מְעַט/ שוֹ- אֶ- לֶת/
לֹא הָ-יְתָה /לַ-יל וְיום/עו-מ-לֶת/
لو كانت نفسى تتواضع قليلاً ؛ لما أرهقتنى ليل نهار.
ˉ ˉ ˘ ˉ/ ˉ ˉ˘ ˉ / ˉ ˉ ˉ /
בְשְ-חור לְבָ/ בִי קָרְעָה /עֵינֶיהָ/ בְדַר דְמָעִי מָלְאָה שִנֶיהָ
תַלְבִין וְתַאְדִים כִּי בִלְבְבַת שַעֲרִי וּבְדַם כְבֵדִי צָבְעָה פָנֶיהָ
بسواد قلبي كَحَلت عينيها وبدر دموعي تلألأت عوارضـــها
ببياض شعري تكتسب بياضها وحمرتها وبدم كبدي تصبغ وجهها
وفيما يلى عرض لتفعيلات اللغة العربية وكتابتها العروضية ومقابلها المستخدم فيما يتعلق بأوزان القصيدة فى اللغة العبرية كالتالى:
تفعيلات اللغة العربية
الكتابة العروضية
تفعيلات اللغة العبرية
الكتابة العروضية
مُتَفاعِلُن
⁄ ⁄ ⁄ ○⁄ ⁄ ○
מִתְ -פָ- עֲלִים
ˉ ˉ ˇ ˉ
مُفاعلتُن
⁄ ⁄ ○⁄ ⁄ ⁄ ○
מְ- פוֹ- עָ- לִים
ˇ ˉ ˉ ˉ
مَفَاعِيلُنْ
⁄ ⁄ ○⁄ ○ ⁄ ○
מְ- פוֹ- עָ- לִים
ˇ ˉ ˉ ˉ
فَعولُن
⁄ ⁄ ○⁄ ○
פְ- עוּ- לִים
נִפְ – עָ – לִים
ˇ ˉ ˉ
ˉ ˉ ˉ
مستفعلن
⁄ ○⁄ ○⁄ ⁄ ○
מִתְ -פָ- עֲלִים
ˉ ˉ ˇ ˉ
فَاعِلُن
⁄ ○⁄ ⁄ ○
פוֹ- עֲ - לִים
ˉ ˇ ˉ
فَاعلاتن
⁄ ○⁄ ⁄ ○⁄ ○
פַ- עֲלוּ- לִים
ˉ ˇ ˉ ˉ
* يطلق على البيت الذى تأتى فيه القافية بآخر البيت فقط البيت المقيد ( קָשוּר )
كقول تاضروس ابو العافية:
ˉ ˉ ˇ ˉ /ˉ ˉ ˇ ˉ /ˉ ˉ/
מַה־נָעֲמוּ צִיצִים שְחוק נִמְלָא פיהֶם، וְדִמְעַת עָב עֲלֵי לֶחיָם
דומִים לְעַלְמָה נָעֲמָה תִשְחָק עֵת חושְקֶיהָ יַעֲרף בִכְיָם.
ما أجمل الأزهار. الضحك يملأ أفواهها ودموع الغيم على وجناتها
كفتـاة جميـلة تضحـك حيـن تسيـل دمـوع عاشقيــــها.
يطلق على البيت الذى فيه كلمة مشتركة بين صدره وعجزه :المدمج أو المتداخل أو الموصول.كقول تاضروس ابو العافية:
ˉ ˉ ˘ ˉ/ ˉ ˘ ˉ /ˉ ˉ ˘ /ˉ ˘ ˉ/ ˉ ˉ ˘ ˉ /ˉ ˘ ˉ /ˉ ˉ ˘ ˉ /ˉ ˉ /
סודֵך יְגַלִ פִיך וְעֵינֵך תַעֲלִים، וַאֲנִי- עֵינִי תְגַל אַך לְשונִי תַעֲלִים אֵידִי
فمك يكشف سرك وعيناك تخفيه وانـا
عينى تفضحنى أما لسانى فيخفى بلائى
يطلق على البيت الذى وافقت عروضه ضربه فى الوزن والروى البيت المصرع ( חָזוי) نحو قول تاضروس :
˘ ˉ ˉ ˉ /˘ ˉ ˉ ˉ/ ˘ ˉ ˉ /
לְשָמִים בַעֲרוגָה או בְשָמִים؟ וְטורֵי צִיץ וְאִם אורִים וְתומִים؟
וְכוכְבֵי אור בְגַנִים או דְשָאִים מְמֻלָאים בְטורֵי יַהֲלומים؟
וְעֵינֵי חושקִים או אם עֲנָנִים؟ וְטַל יִזַל וְאִם דִמְעַת כְרָמִים?
أأحجار كريمة فى الرياض أم عطور؟
وصفوف زهر أم أحجار الأوريم والتُّميم
هل كواكب نور فى الرياض أم أعشاب
مليئة بصفوف الماس؟
هل هى عيون العشاق أم غيوم؟
وطل يقطر أم دموع الكروم
يطلق على البيت الذى يعمد الشاعر إلى بيت شهير أو شطر بيت يجعله ضمن أبياته، البيت المضمن نحو قول تاضروس:
˘ ˉ ˉ ˉ / ˘ ˉ ˉ ˉ/ ˘ˉ ˉ /
יְפַת מַרְאֶה כְקוֹמַת נֵם וְשֵעָר כְשָרָף חוֹשְקים נוֹשֵך וְאוֹנֵם
כְאִלוּ יוֹלְדָה צִוָה בְלִדְתָה׃ ״ עֲשֵה שָרָף וְשִים אוֹתוֹ עֲלֵי נֵם!״
(חלק א‚מס״פ ،עמ״ 40)
بهية الطلعة مرفوعة على عامود، وشعرهـا كالسم يلدغ المحبيـن
كأنما أمرت حين مولدها:" اصنع لك حية سامة وارفعها على عامود".
3-مظاهر تأثر تاضروس أبو العافية بالشعر العربى والبلاغة العربية:
أولاً : تأثر الشاعر بأوزان الشعر العربي:
إن الأوزان الشعرية الشائعة التى نظم بها اليهود أشعارهم لا تختلف كثيراً عن الأوزان التى نظم بها الشعراء العرب أشعارهم – من قبلهم - وذلك وفقاً للدراسة التى قام بها د. إبراهيم أنيس عن نسبة شيوع الأوزان فى الشعر العربى، حيث ذكر أن بحر الطويل من البحور العربية التى نظم بها ما يقرب من ثلث الشعر العربى وانه الوزن الذى اتخذه الشعراء القدماء ميزاناً لأشعارهم. ثم يأتى كلاً من بحر الكامل والبسيط فى المرتبة التالية وبعدهما كلاً من بحر الوافر والخفيف، وتلك هى البحور الخمسة التى ظلت كل العصور موفورة الحظ يطرقها كل الشعراء، ويكثرون النظم بها.
لم يخرج الشاعر" تاضروس أبو العافية" عن هذه النسب كثيراً، إلا أن بحر الكامل لديه احتل المرتبة الأولى بدلاً من بحر الطويل -الأكثر شيوعاً فى اللغة العربية - الذى جاء بصورة ضعيفة فى الديوان هو وكل من بحر الهزج، والمتقارب، والبسيط، وكل من بحر الرمل، وبحر المجتث الذى حُذِف منه التفعيلة الأخيرة وورد مرة واحدة فقط فى الديوان .
ثم جاء بعد بحر الكامل كل من بحر الوافر ووزن السبب، وهما من الأبحر التى شاع النظم بها فى الشعر العبرى بالأندلس.
وذلك وفقاً للجدول الإحصائى التالى:
الوزن
عدد الأبيات
عدد القصائد والمقطوعات
النسبة المئوية
الكامل
1048
171
48,33%
الوافر
919
141
42,38%
السبب
98
47
4,52%
المتقارب
57
4
2,62%
الهزج
22
6
1,14%
الطويل
12
2
1,063%
البسيط
9
2
0,53%
الرمل
3
1
0,13%
المجتث (مشطور)
3
1
0,13%
يتضح- من خلال الجدول السابق – أن نسب الأوزان عند تاضروس تتفق إلى حد ما مع ما توصل إليه د.إبراهيم أنيس فى دراسته لأوزان الشعر العربى باستثناء شيوع بحر الكامل عند تاضروس واحتلاله المرتبة الأولى بنسبة 48,33% .
ولم يرد عند تاضروس أى من بحر السريع أو الخفيف أو المتدارك.
وبذلك يكون الشاعر اليهودى (تاضروس أبو العافية) قد حاكى تسعة أوزان فقط من ضمن الأوزان والبحور العربية والعبرية، وذلك على النحو التالى:
(1) بحر الكامل ( הַשָלֵם ) :
الصورة الأولى: ( أجزاءه ستة)
ˉ ˉ ˘ ˉ/ ˉ ˉ ˘ ˉ/ ˉ ˉ ˘ ˉ/
מִתְ -פָ- עֲלִים/ מִתְ- פָ- עֲלִים/ מִתְ- פָ- עֲלִים
ˉ ˉ ˘ ˉ / ˉ ˉ ˘ ˉ / ˉ ˉ ˘ ˉ /
מִתְ -פָ- עֲלִים/ מִתְ- פָ- עֲלִים/ מִתְ- פָ- עֲלִים
لطفاً – خلانى – تحدثوا إلى الغلام ربما يرق قلبه على محبيه
لطفاً – ياغزال الحسن – رفقاً بمحبيك لا تسلمهم إلى نفس أعدائه
هذا وقد يأتى بحر الكامل فى صورته الأولى، ولكن مع اختلاف الشطر الثانى عن الشطر الأول وذلك على النحو التالى:
لجاج بحر الجود داخله وداخل قلبه تشتعل المذابح لنار العقيدة
لولا توهج نار أفكاره حين يكتب لما أبدعت الأقلام بمياه بحره.
كــرمة تجمع كل الحسن فى كـأس ، فى يد الخليـل يلمع
تنير وتسطع من زجاجات معتقة كعطور المـر تفـوحُ
تشتعل كالنـار وليست بنـار وتشتعل فى الحشـا ولا تَلَفَّـــحُ
تُلبس رداءً قرمـزياً للعارى دون لباس، وتحميه من البرد
سمعنا عنها منذ عصور العهد القديم وكانت فى خيام سـام وحـام ويـــاف
الصورة الثانية:
ˉ ˉ ˘ ˉ/ ˉ ˉ ˘ ˉ/ ˉ ˉ ˉ /
מִתְ -פָ- עֲלִים/ מִתְ- פָ- עֲלִים/ נִפְ – עָ - לִים
بسواد قلبى كحلت عينها وبدر دموعى تلألأت عوارضها
تبيض وتحمر لأنها بياض شعرى ودم كبدى صبغت وجهها
الصورة الثالثة:
ˉ ˉ ˘ ˉ/ ˉ ˉ ˘ ˉ/ ˉ ˉ /
מִתְ -פָ- עֲלִים/ מִתְ- פָ- עֲלִים/ נִפְ – עָל
السيد لا يقبض يداه بل ينثر الدر والزبرجـد الحبشـى
يأتى السائلون إلى بيته خالى الوفاض فيخرجون بثروة شمس خير هو وسحبه كثيفة لكنها لا تحجب نوره
كريم - إذا أشرقت شمسه للوجوه لا نقول:" لا تثق فى الكرماء"
الصورة الرابعة والتى تتكون من تفعيلتين فقط:
ˉ ˉ ˘ ˉ/ ˉ ˉ ˘ ˉ/
מִתְ -פָ- עֲלִים/ מִתְ- פָ- עֲלִים/
אַל תַאֲמינו אומְרִים כִי נָצְחו הָאַהֲבָה
אַחַר אֲשֶר יָכְלָה בְעוז לָנו, ובָנו רָהֲבָה
רַבַת צְרָרַתְנו כְעִיר מָצור, וְאֵין יוצֵא ובָא
لا تصدقوا من يقول أن الحب انتصر
بعد أن تمكن منا البأس وتملكنا الخوف
اشتد ضيقنا، كأننا بلدة محاصرة لا مخرج منها ولا مدخل
(2) بحر الوافر ( מְרֻבֶה ) :( أجزاءه ستة)
˘ ˉ ˉ ˉ/ ˘ ˉ ˉ ˉ / ˘ ˉ ˉ /
מְ-פוֹ-עָ-לִים/ מְ-פוֹ-עָ-לִים/ פְעוּ- לִים
لأكن فداء لليل داعبنى فتنسى القلوب كل هم
وكمان يجيب العازف كتلميذ يكرر أمر معلمه بخوف
والليل كالحبشية أو كخصلة من شعر جميل وكثيف
والسحب فى كواكبه كبراعم الفرند أو كصفوف من الجمشت
وفجأة، تمتلىء السحب بالرعد وتحدث جلبـة ثم يحل السكون
وتسقط كواكب العلا صريعة ( شهيدة) كبطل فى حرب مملوءة بالغضب
وبين الغيوم دُفِـن بيسر وسرعة حتى لا يُبعـث من انكسـار
وتبكى الغيوم على موته وتهبط كفتى تحطمت نفسه على فتـاة
وجعلت السحب لباسها المسوح وألبست الرياض دمقس مرصع
ولم اعرف هل تفتحت الأزهـار أم أن جيـش الروم قد حــل عـلى الأرض
سيد- طيب فعله- مغتاب بعظمته كالخمر الطيب – وشى به بريقه
ويسمى باسمه كل طيب وثمين وكذلك كل اسم يسمى (فلان).
(3) بحر الهزج ( הַמַרְנִין ) (أجزاءه أربعة)
˘ ˉ ˉ ˉ /˘ ˉ ˉ ˉ /
מְפוֹעָלִים /מְפוֹעָלִים
شبت قبل الأوان، واحسرتاه، يوم رحل عنى غزالى
وأخذت فى التلاشى حتى كادت العيــن لا تبصـرنـــى
(4) بحر المتقارب ( מִתְקָרֵב )
من أشعار الألاعيب التى تميز بها تاضروس عن غيره من الشعراء اليهود، والتى يمكن قراءتها من جميع الإتجاهات من أعلى إلى أسفل ومن اليمين إلى اليسار، هذه الأشعار عرفت فى اللغة العربية باسم ( المخلعات ) .
˘ ˉ ˉ / ˘ ˉ ˉ / ˘ ˉ ˉ / ˘ ˉ ˉ /
פְעוּ- לִים/ פְעוּ- לִים/ פְעוּ- לִים/ פְעוּ- לִים/
˘ ˉ ˉ / ˘ ˉ ˉ / ˘ ˉ ˉ / ˘ ˉ ˉ /
פְעוּ- לִים/ פְעוּ- לִים/ פְעוּ- לִים/ פְעוּ- לִים/
كقول تاضروس:
أحببت الغزلان، ووهبتهم روحى لكنى لـم أهجرهم بسبب حديث الخصـوم
أحـبـبـتـهم كـنفسى، مـأواهـم قلبـى، بفيهم يعود الرفـاق البعــاد
وروحـى مـأواهم ودارهم ورغبتهم أوامـر، فـهم منـهل للعشــــاق
جعلتهم بقلبـى ويرغبـون فى البعد عنى، النفـوس تقترب من عذب الكـلام
لكن أفواههم لا تجيب النفـوس والأرواح تميـل إلـى الكـلام العــــذب
تـركتـهم بعـــاداً فينجذب إليـهم القليـل والكثـيـر كـل يــــوم
بكـلام الرفــاق منهـل لكـل عذب الكـلام وقليلاً منهم يجــودوا بـه
الخصوم يجيبون أحبابهم بكلام عذب وكثير من الكرماء خصوم
(5) بحر البسيط ( מִתְפַשֵט )
ˉ ˉ ˘ ˉ / ˉ ˘ ˉ / ˉ ˉ ˘ ˉ / ˉ ˘ ˉ /
מִתְ -פָ- עֲלִים/ פוֹ- עֲלִים/ מִתְ- פָ- עֲלִים/ פוֹ- עֲלִים
אִם רַב עֲונִי, אֲדון עולָם, עֲשֵה כִזְכות זָכְרִי שְבָחָךְ בְרב קצֶר כְבַאְרִיכות
כֶתֶר לְחָכְמָה ובִין חֶסֶד, גְבורָתְךָ תִפְאַרְתְךָ לְנֶצַח הוד יְסוד מַלְכות.
يارب العالمين كلما اشتدت معاناتى يجب علىَّ أن أذكرك وأسبحك كثيراً كلما زاد الضيق
تاج الحكمة وإدراك الفضل وعظمتك وجلالك للأبد مجد أساس الملك
(6) بحر الطويل ( אָרֹך )
ˉ ˉ / ˘ ˉ ˉ ˉ / ˘ ˉ ˉ /˘ ˉ ˉ ˉ /
נִפְ – עָל / מְ-פוֹ-עָ-לִים/ פְ-עוּ-לִים/ מְ-פוֹ-עָ-לִים
تحول قلبـى عنك لأنك تحولت عنى، لا تنظر لحبيب لحظة بعينيك
بقولك طوبـى لما تراه شـراً بعينـى ،علامة يتكـدر بهـا مـاء عينيـك
منذ أن أصبحت غريب فى طريقك، والسىء يطيب لك، والطيب هو السىء فى عينيك
إن حلت بى نقيصة فهى حديثة ، لكنك سىء منذ حداثتـك بقلبـك وبعينيـك
وإذا رقصت من الفرحة عند رؤيتك عيناى، فأقوم وأفعل حتى ترانى بعينيك.
(7) بحر الرمل ( קָלוע)
الصورة الأولى: ( أجزاءه ستة وهى)
˘ ˉ ˉ / ˉ ˘ ˉ ˉ / ˉ ˘ ˉ ˉ /
עֲלוּ- לִים/ פַ- עֲלוּ- לִים/ פַ- עֲלוּ- לִים
الصورة الثانية:
ˉ ˘ ˉ ˉ / ˉ ˘ ˉ ˉ / ˉ ˘ ˉ /
פַ- עֲלוּ- לִים/ פַ- עֲלוּ- לִים/ פוֹ- עֲלִים
لم ترد الصورة الأولى أو الثانية فى ديوان تاضروس بينما وردت الصورة الثالثة والتى تتكون من تفعيلتين فقط مرة واحدة فى الديوان:
ˉ ˘ ˉ ˉ / ˉ ˘ ˉ ˉ /
פַ- עֲלוּ- לִים/ פַ- עֲלוּ- לִים
ˉ ˘ ˉ ˉ / ˉ ˘ ˉ ˉ /
אַלְלַי לִי ،אַלְלַי לִי אֵין צֳרִי נִמְצָא לְמַחְלִי
בֵין עֲרֵלִים נֶאֱסַרְתִי וַאֲנִי נֶכֶד לְמַחְלִי
أوَّاه ! أوًّاه ! لا دواء لأسقـامــى
سُجنت مع الغرل وأنا حفيد الغفران.
(8) بحر المجتث ( הקָטועַ )
ˉ ˉ ˘ ˉ / ˉ ˘ ˉ ˉ /˘ ˉ ˉ /
מִתְ - פָ- עֲלִים/ פַ- עֲלוּ- לִים/ פְעוּ-לִים ⁄
مثال بحر المجتث مشطور( أى حذف آخر تفعيلة من البحر) لا يهجع العاشق حتى يقضى نحبه فزعـاً
ينوح فراق يوم الترحال وتتملكه رعشة
وعندما يستقر يهزه الشوق خوفاً من الفراق
جاءت هذه الأبيات على شاكلة الصورة الأولى لبحر المجتث وهى:
ˉ ˉ ˘ ˉ / ˉ ˘ ˉ ˉ /˘ ˉ ˉ /
מִתְ - פָ- עֲלִים/ פַ- עֲלוּ- לִים/ פְעוּ-לִים ⁄
ولكنها جاءت مشطورة أى محذوف منها التفعيلة الأخيرة(פְעוּ-לִים) .
هذه الأوزان جاءت ضمن الأوزان الشائعة لدى اليهود وهى بحر الوافر والكامل والهزج، بالإضافة إلى الوزن الذى استحدثه الشعراء اليهود والذى بُنى على أساس من أربع تفعيلات قصيرة مكونة من سببين ( נִפְ־עָל) فى كل شطر، وهو:
(9) وزن السبب ( משקל התנועָה)
كقول تاضروس : غار الشرق من الغرب ، حين أشرق من طرف الغرب مجده
وانقلب البحـر إلى صـوان ، حين مـدًّ بالصـوان يــده
ثانياً:أنواع القوافى التى استعان بها الشاعر فى ديوانه:
أنواع القوافى فى اللغة العبرية كما ذكر" واكسمان - Waxman" ثلاثة :
1- قافية المقطع الأخير
2- قافية المقطعين
3 - قافية الثلاثة مقاطع .
يتفق ما سبق مع بعض أنواع القوافى فى اللغة العربية الخمسة وهى المترادف والمتراكب والمتدارك والمتكاوس والمتواتر لذا أثرت أن اذكر أنواع القوافى فى اللغة العبرية تحت مسمياتها العربية وذلك لأن الشعراء اليهود قد تأثروا باللغة العربية فى استخدام الصور المختلفة للقوافى .
اشتمل ديوان تاضروس على القوافى التالية:
قافية المترادف: هى كل قافية اجتمع فى آخرها الساكنان وسميت كذلك لاتصالهما وتتابعهما ،هذا وقد يكون الساكن الأخير غالباً أحد حروف اللين (الواو – الياء).
مثال ذلك قول تاضروس ابو العافية:
עֲנַן־חֵן יַעֲרף מֵאֵין בְרָקִים וְיַם־חֶסֶד וְטוב ،מֵימָיו מְתוּקִים
בְמֵמָיו רָוְתָה כָל־הָאֲדָמָה וְאִם בו חָרְבָה דִמְעַת עֲשוּקִים
וְלִבו נֶעֱלָם בִרְאות מְבַקְשִים כְשִמְחַת חושְקִים בִרְאות חֲשוּקִים
عنان حسن يمطر دون برق وبحر من الفضل والطيب مياهه عذبة
تروى من مياهه كل اليابسة وإن جفت بها دمـوع المحــرومين
وقلبه يتوارى عند رؤية السائلين كفرح العاشقين برؤية المعشوقين
قافية المتدارك: هى كل قافية وقع متحركان متتاليان بين ساكنيها. وقد سميت كذلك لإدراك المتحرك الثانى للمتحرك الأول، ومثال ذلك قول تاضروس: قمرية حلا مقامها على الغصون وباتت تنوح على فراقهم
ولا تظنوا أن الأشجار اليابسة تشـد بها خبـابهـا
وعلى الأشجار الغضة عششوا لكن حين عششوا جفت عليها
فؤادى ،رحمى(قد انخلع) حين تهدم عش القمرية التى باتت تنوح على صغارها
وهى لكنـاء(عجماء) ،لا يفهمهـا إلا العشـاق الذين يدركـون معـانـاتـهـا
لأن حـزن الحـبـيـب كـحـزنـهـا ونـائـبـة الفـراق أمـامـهـــا
قافية المتراكب : هى القافية التى يفصل بين ساكنيها ثلاثة متحركات ، وقد سُميت بذلك لأن حركاتها تتوالى كأن بعضها يتركب فوق بعض. كقول تاضروس:
מֵחושְקָה מֵהַנְשָמָה לֻקְחָה הַנַעֲרָה לא לֻקְחָה מִצֶלַע
מִשַד תְנִיקֵהוּ דְבַש הִפָלְאוּ אֵיכָה תְנִיקֵהוּ דְבַש מִסֶלַע؟ خلقت الفتاة من العشق والروح لا من الضلوع
من الصدر أرضعته عسلاً فتعجبوا كيف ترضعه عسلاً من حجر
ثالثاً : الأفكارالشعرية المتميزة والتشبيهات التى استمدها تاضروس من الشعر العربى فى ديوانه:
الصديق القاطن فى قلب وضلوع صديقه:
كقول تادرس أبو العافية (טדרוס אבו אל עאפיה)
אִם רִכְבְכֶם נָהַג בְלֵב וָרוח לָמָה הֲלַכְתֶם נֶחְבְאִים לִבְרֺח؟ إن سار ركبكم فى القلب والروح فلماذا وليتم وذهبتم فى الخفاء؟
2) الغراب رمز للشباب، والشعر الأسود والحمام كرمز للمشيب، والشعر الأبيض
كقول تادرس أبو العافية (טדרוס אבו אל עאפיה)
עורֵב שַעְרִי יום נוד עָף ،אַך יָשְבָה יונָה בִמְכון שִבְתו
حلق غراب شعرى يوم الرحيل بيد أن حمامة المشيب استقرت مكانه
وكقوله:
יוֹנָה אֲהָבִים נָדְדָה מִנִּי בְעֵת
בִּי זָרְקָה שֵיבָה וְהִלְבִין שַעֲרֵי
رحلت عني حمامة الحب عندما شِبتُ وابيض شعري
يتشابه وقول الشاعر العربى (ابن عبد ربه 993ھ)
إذا نصلَ الخضابُ بكي عليه ويضحكُ كلما وصل الخضابا
كأنَّ حمامةً بيضاءَ ظلــتْ تقـابلُ فـي مفـارقهِ غُراباً
3) الحمامة الباكية على بعاد الرفيقة:
كقول تادرس أبو العافية
فاض قلبى لصوت الحمام الراثى على فرخه طالما لم تصمت على رحيل الأصدقاء
بلية العشق وبلية الفراق لاذعة، لكن بليتى باح بها فمى ورمشى باح بالفراق
يفصح فاك عن نجواك وعيونك تحجُب وأنا عينى تفضحنى ولكن لسانى يخفى مصيبتى.
يتشابه وقول الشاعر العربى (أحمد بن عبد ربه):
وإنًّ ارتياحى من بكاء حمامةٍ كذى شجَنٍ داويتهُ بشجونِ
كأنَّ حمام الأيك حين تجاوَبتْ حزين بكى من رحمةٍ لحزين
4) لون وجنة وشفاة المحبوبة حمراء من دم العشاق المراق ، ولون شعرها من عين العاشق الكحيلة :
كقول تادرس أبو العافية (טדרוס אבו אל עאפיה)
بسواد قلبي كَحَلت عينيها وبدر دموعي تلألأت عوارضها
ببياض شعري تكتسب بياضها وحمرتها بدم كبدي تصبغ وجهه.
5) تشخيص الليل وتشبيهه بشعر الإنسان الأسود:
كقول تادرس أبو العافية (טדרוס אבו אל עאפיה):
וְכוכְבֵי אור סְבִיבוֹת הַלְבָנָה דְמוֹת מַלְכָה סְבִיבָה הַנְעָרוֹת
עֲדִי כִּי קָם מְאוֹד שַחַר וְגִלַח שְעַר הַלַיְלָה מֵאֵין תְעָרוֹת
مثل الكواكب المضيئة حول القمر تشبه ملكة حولها الجواري
حتى ينبلج الصبح ويحلق شعر الليل بلا شفرات.
يتشابه وقول ابن خفاجة (1137- 1058م):
وقد مسحَ الصبحُ كُحل الظلامِ وأطلع فُوْدُ الدجَى أشيَبَا
6) وصف مفاتن المرأة من حمار الشفاة والوجنة وبياض العوارض كنور الشمس:
كقول تادرس أبو العافية (טדרוס אבו אל עאפיה)
צְבִיַת חֵן חֲבַצֶלֶת שְרוֹנִים אֲשֵר רֵיחָה כְרֵיחַ קִנְמוֹנִים
וּפָנֶיהָ כְשַחַר עֵח עֲלוֹתוֹ וְאוֹר לֶחְיָה כְאוֹר שֶמֶש מְעוֹנִים
שְפָתֶיהָ כְגַחְלֵי אֵש אֲדֻמִים וְשִנֶיהָ כְמוֹ בָרָד לְבָנִים
غادة حسناء (سوسنة) بيضاء رائحتها كرائحة القرفة
ووجهها كالفجر وقت البزوغ ونور وجنتها كنور الشمس فى السماء
شفتاها كجمرة نار حمراء وأسنانها كالبرد بيضاء.
ويعد أيضاً من قبيل تشبيه الشىء بالشىء من جهة الشكل والصورة واللون
حيث تشبيه الخد بالورد، والشعر بالليل، والشفاة الحمراء بالقرمز، والوجه بالضياء والأسنان الييضاء بالبرد.
يتشابه البيت السابق مع قول (محمد بن هانئ الأندلسي 938- 973م):
له وجنات في بياض وحمرة فحافاتها بيض وأوساطها حمر
رقاق يجول الماء فيها كأنها زجاج أجليت في جوانبها جمر
و كذلك قوله:
فألهو على رقبة السامرين بمفعمة السوق خرس البُرىَ
بسود الغدائر حمر الخدود بيض الترائـب لعس اللثى
تشبيه الجمال بالقمر:
أطلق الشعراء اليهود بالأندلس العنان لخيالهم في الربط بين القمر والجمال فوصفوا القمر وشبهوه بالملكة المتوجة كقول تادرس أبو العافية:
וְכוכְבֵי אור סְבִיבוֹת הַלְבָנָה דְמוֹת מַלְכָה סְבִיבָה הַנְעָרוֹת
עֲדִי כִּי קָם מְאוֹד שַחַר, וְגִלַח שְעַר הַלַיְלָה מֵאֵין תְעָרוֹת
וְחֵילָיו נִצְבְאוּ עַל הַלְבָנָה וְחֵילֶיהָ וְסָרָה מַגְבִירוֹת
مثل الكواكب المضيئة حول القمر كمثل ملكة محاطة الجواري
حتى لاح الفجر وحلق شعر الليل بلا شفرات
و احتشدت جنود القمر لترد الضربات
8) تشبيه الخمر بالنار وبالأحجار الكريمة:
كقول (تادرس أبو العافية):
תבְעַר כמו האש ואינה אש אבל
תבער במֵעים ולא שורֶפֶת
تشتعل كالنار وليست بنار لكن
تشتعل في الأمعاء ولا تحرق
رابعاً: المحسنات البديعية:
استعان ( تاضروس ) بالعديد من المحسنات البديعية التى برزمن خلالها أسلوبه الشعرى المتميز، منها على سبيل المثال:
* التفريق ( ההבְדָלָה ) وهو نوع من أنواع التشبيه بالإيجاب والسلب، فالشاعر يصور المشبه بالمشبه به الذى يفوقه كقول تاضروس:
מְטָרוֹ יַעֲרוֹף קַיץ וְחֹרֶף‚ וְשִמְשוֹ זָרְחָה לֵילוֹ וְיוֹמוֹ
مطره يهطل صيفاً وشتاءاً
وشمسه تشرق ليله ونهاره.
* الجناس ( הצמוד ) فى اللغة العبرية يقابله فى اللغة العربية الجناس أو المجانسة أو التجنيس وسمى كذلك لأن حروف ألفاظه يكون تركيبها من جنس واحد، وحقيقته أن يكون اللفظ واحد والمعنى مختلفا
الجناس فى البلاغة العبرية هو تشابه ألفاظ مع غيرها، بينهم جرس موسيقى فى حروفهم وفى الأغلب تكون هذه الألفاظ المتجانسة مختلفة فى المدلول. ومن أنواع الجناس:
- الجناس التام كقول تاضروس أبو العافية:
אַלְלַי לִי ،אַלְלַי לִי אֵין צֳרִי נִמְצָא לְמַחְלִי
בֵין עֲרֵלִים נֶאֱסַרְתִי וַאֲנִי נֶכֶד לְמַחְלִי
أوَّاه ! أوًّاه ! لا دواء لأسقـامــى
سُجنت مع الغرل وأنا حفيد الغفران.
- الجناس المغاير كتابة( הצמוד השונה כתיב) والذى تنفرد به العبرية، ذلك لأنها تتميز بحرف الألف الذى يكتب ويعتبر مداً للحركة السابقة له فى بعض الكلمات، على الرغم من أنها ليست حركة فتح، مثلما فى كلمة ראש – זאת – לצאת..... واحتواء أبجديتها على حرفين لهما نفس النطق وهما السامخ (ס ) والسين ( ש) اللذان يختلفان كتابة ويتفقان صوتاً.
كقول تاضروس:
הֵן הַסְתָו עָבַר וְתור נִשְמַע בְאַרְצֵנו וסִיס
קומָה שְתֵה נָא עַל שְפַת נָהָר יְדיד ושְמַח וְשִיש
ها قد انقضى الخريف وصوت اليمامة يُسمع فى أرضنا والسنونو
انهض واشرب على ضفة النهر يا صديقى واسعد وابتهج
- الجناس المزيد (הצמוד הנוסף) هو المضارعة بالزيادة فى الكلمة الثانية، ويكون بزيادة حرف أو أكثر إلى حروف الكلمة الأولى. وفى مثل هذا النوع من الجناس إما أن تكون الزيادة فى أول الكلمة، مثل מר وאמר أو فى وسطها مثل מכים و מלכים أو فى نهايتها مثل עב وעברה .ويقابله فى اللغة العربية الجناس اللاحق بزيادة فى أوله كقول الله تعالى ( وَيْلٌ لِكُلِّ هٌمَزَةٍ لُمَزَةٍ )، وبزيادة فى الوسط كقول الله تعالى (وَإِنْهُ عَلَىَ ذًلِكً لشَهِيدُ، وَإِنَّهُ لِحُبِ الخَيْرِ لَشَدِيدُ)، وبزيادة فى الآخر كقول الله تعالى ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرُ مِنَ الأًمْنِ أو الخَوْفِ اذَاعُوا بِهِ...).
مثال الجناس المزيد من أشعار تاضروس قوله:
السيد لا يقبض يداه بل ينثر الدر والزبرجـد الحبشـى
يأتى السائلون إلى بيته خالى الوفاض فيخرجون بثروة
* التصريع: هو من نعوت الوزن، وهو أن توخى فيه تصيير مقاطع الأجزاء فى البيت على سجع أو شبيه به أو من جنس واحد فى التصريف.
كقول (تادرس أبو العافية):
צְבִיַת חֵן חֲבַצֶלֶת שְרוֹנִים
אֲשֶר רֵיחָה כְרֵיחַ קְנמונִים
וּפָנֶיהָ כְשַחַר עֵת עֲלוֹתוֹ
וְאוֹר לֶחְיָה כְאוֹר שֶמֶש מְעוֹנִים
שְפָתֶיהָ כְגַחְלֵי אֵש אֲדֻמִים
וְשִנֶיה כְמו בָרָד לְבָנִים
غادة حسناء بيضاء رائحتها كرائحة القرفة
ووجهها كالفجر وقت البزوغ ،ونور وجنتها كنور الشمس فى السماء
شفتاها كجمرة نار حمراء وأسنانها كالبرد بيضاء.
الخاتمة:
نوَّع الشاعر اليهودى (تاضروس أبو العافية) فى أغراضه الشعرية تنويعاً كبيراً، ما بين المدح والغزل والنسيب ووصف الطبيعة، وساهم فى ذلك أن الشاعر قد قضى جل حياته سفيراً مخالطاً للملوك والنبلاء، فصار يمدح الملوك الذين خالطوه. كما تنوعت أوزانه الشعرية ما بين بحر الكامل والوافر الأكثر شيوعاً فى ديوانه (روضة الأمثال والأحاجى)، بالإضافة إلى أنه حاكى تسعة أوزان شعرية من ضمن الأوزان والبحور العربية والعبرية.
هذا إضافةً إلى أشعار الألاعيب التى تميز بها تاضروس عن غيره من الشعراء اليهود، والتى يمكن قراءتها من جميع الإتجاهات، من أعلى إلى أسفل، ومن اليمين إلى اليسار.
حرص الشاعر كل الحرص على انتقاء ألفاظه ومزجها بفنون الترصيع والجناس والمقابلة وجمال التصوير وتعدد ألوانه، كما اهتم بالقافية اهتماماً كبيراً حتى أن القارىء أو السامع يمكن أن يتوقعها.
نتائج الدراسة:
مما سبق يمكن القول أن نتائج هذه الدراسة يمكن إجمالها فيما يلى:
1) يعد تاضروس أبو العافية من رواد شعراء العصر الأندلسى وامتداداً للعصر الذهبى الثانى.
2) يعود الفضل الأول فى ريادة تاضروس إلى تأثره، واقتباسه، وتقليده، ومحاكاته للشعر العربى الأندلسى.
3) تميز الشاعر تاضروس أبو العافية عن غيره من الشعراء اليهود بالمميزات الشعرية التالية:
- حاكى تاضروس حوالى تسعة أوزان شعرية من ضمن الأوزان والبحور العربية والعبرية فى حين اكتفى أغلب الشعراء اليهود السابقين لتاضروس بخمسة أو ستة أوزان فقط. حيث احتل بحر الكامل فى ديوانه المرتبة الأولى فى حين احتل التالية كل من بحر الهزج ،والطويل، والمتقارب، والبسيط، وكل من بحر الرمل، وبحر المجتث الذى حُذِف منه التفعيلة الأخيرة وورد مرة واحدة فقط فى الديوان . ثم جاء بعد بحر الكامل كل من بحر الوافر ووزن السبب، وهما من الأبحر التى شاع النظم بها فى الشعر العبرى بالأندلس.
- نظم تاضروس أشعار الألاعيب التى يمكن قراءتها من جميع الإتجاهات من أعلى إلى أسفل ومن اليمين إلى اليسار.
- نظم تاضروس العديد من الموشحات ( שיר האזור) فى شكل متطور ومتميز.
4) حظى تاضروس بثقافة معرفية واسعة من خلال إتقان اللغة العربية وإدراك الشعر العربى والثقافة العربية، مما اتيح له التأثر بالأدب العربى فى ديوانه من خلال محاكاته لبعض الأفكار الشعرية المتميزة، والتشبيهات، والمحسنات البديعية التى استمدها من الشعر العربى.
ثبت المصادر والمراجع
المراجع العربية:
* ابراهيم أنيس ، موسيقى الشعر ، مكتبة الأنجلو المصرية ، الطبعة السادسة ،۱۹٨٨.
* ابن الاثير ، المثل السائر فى أدب الكاتب والشاعر ،تحقيق: محمد محى الدين عبد الحميد ، المكتبة العصرية ،بيروت ،۱۹۹٥ .
* أحمد الشيخ ، كتب الألغاز والأحاجى اللغوية ،الدار الجماهيرية ،الطبعة الثانية ،١٩٨٨ .
* أمين على السيد ،فى علمى العروض والقافية ،دار المعارف ، القاهرة، الطبعة الخامسة، ۱۹۹۹م.
* الخطيب القزوينى ، الإيضاح فى علوم البلاغة ،دار إحياء العلوم ، بيروت ،الطبعة الرابعة ، ۱۹۹٨.
* سلوى ناظم الدبوس ،دراسة عبرية مقارنة ،دار الثقافة العربية ،القاهرة ،۱۹۹٥.
* د. شعبان محمد سلام
- الأثر العربي فى الشعر العبري، ج ۱، فى البحور والأوزان ,القاهرة، طبعة ۱۹٨۱.
- التأثيرات العربية فى البلاغة العبرية، سلسلة فضل الإسلام على اليهود واليهودية ، العدد ٥، ٢٠٠٢.
* أبو عبد الله الكتاني، التشبيهات، تحقيق احسان عباس ، دار الشروق ، الطبعة الثانية ، ۱۹٨۱.
* أبو الفرج قدامة بن جعفر ، نقد الشعر ،تحقيق كمال مصطفى ، مكتبة الخانجى القاهرة ،الطبعة الثالثة ، ۱۹٧۹ .
* محمد عونى عبد الرءوف:
- بدايات الشعر العربى بين الكم والكيف ،مكتبة الآداب ،القاهرة،الطبعة الثانية ،٢٠٠٥.
- القافية والأصوات اللغوية، مكتبة الخانجى، مصر، ۱۹٧٧.
* محمد محمد القصاص، الشعر فى الآداب السامية، الكتاب الأول، الشعر العبري، مكتبة الأنجلو المصرية،القاهرة، ۱۹٥٨.
* محمد بن هانئ الأندلسي، ديوان ابن هانئ، تحقيق محمد البعلاوي، دار الغروب الإسلامي، الطبعة الأولى، ۱۹۹٥.
* محمود مصطفى – أهدى السبيل إلى علمى الخليل – العروض والقافية – الطبعة الأولى، ۱۹٧٢، مكتبة محمد على صبيح.
* د. نازك عبد الفتاح، عروض الشعر العبري في العصرين الوسيط والحديث، مكتبة الشباب، القاهرة، بدون تاريخ.
المراجع المترجمة:
* جورج بوسونغ ،رسالة شعرية عربية-يهودية من العصر الذهبي: أنطولوجيا "أعجوبة الأندلس" ،تقرير كريستوف لايستن ترجمة علي مصباح ،حقوق الطبع قنطرة، ٢٠٠٥.
الموسوعات العربية:
* موسوعة علم العروض والقافية ، سلسلة الموسوعة الثقافية العامة ،دار الجيل ،بيروت ، بدون تاريخ.
المصادر العبرية:
* דוד ילין, דיואן טדרוס אבו אל עאפיה, גן המשלים והחדות ,ירושלים ,תרצ"ד .
* כתב יד שאול יוסף, ספר גן המשלים והחדות להשר טדרוס אבו אל עאפיה ,לונדון, המבוא .
ثانياً: المراجع العبرية:
* א. אורי נבסקי, תולדות השירה העברית בימי הביניים, ספר א,תל אביב, תשכ''ח.
*א . מ .הברמן , תולדות הפיוט והשירה ,הוצאת ,מסדה ,בע״מ ,רמת-גן
*דוד ילין, תורת השירה הספרדית, הוצאת האוניברסיטה העברית, ירושלים, מהדורה שלישית,תשל״ח.
*ישראל לוין , טדרוס אבו אלעאפיה , ספרת שירת תור הזהב , הוצאת אונברסיטת ת"א , המבוא.
الموسوعات والدوريات العبرية:
* אנציקלופדיה אוצר ישראל , הוצאת חדשה עם הוספות ,צירום לוחות ותיקונים , תשי"ב
* התקופה ,מאמר מאת-שמחרני, רבי שלמה אבן גבירול.ספר עשירי, מהדורה שניה, הוצאת א.שטיבל- ברלין- תל אביב , תר״ץ.
المصادر الإنجليزية:
* Moses Gaster , The garden of Apologues and saws , don tadros abo Alafia , London , E.Goldstone,1926.
المراجع الإنجليزية:
* Meyer Waxman , A History of Jewish Literature , South Brunswick ,New York ,London ,vol.1
* Marcus Jastrow , A Dictionary of Talmud ,Targum and The Midrashic Literature , London Luzac , 1903.
*Wilhelm Gesenius, Gesenius Hebrew , Chaldee Lexicon to the old Testement , translated by Samuel Tregelles , printing 14th , William Erdman’s publishing , 1980.
