موقع يهتم بالدراسات السامية، ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودي

موقع يهتم بالدراسات السامية بشقيها اللغوي والفكري. ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودية

إعلان الرئيسية


تنتج عبرية الحديث ظواهر لغوية جديدة، بعضها من خلال تطور اللغة ذاتها، وبعضها من خلال التأثر بلغات أخرى. واللغوى المشتغل بلغة الحديث مهمته صعبة إلى حد كبير، فأثناء مسعاه لوصف الواقع اللغوي دون الانشغال بما ينبغى أن تكون عليه اللغة لا يكون قادراً على تجنب التفكير في بعض الأسئلة المحيرة، كأن يتساءل متى تكون الظاهرة اللغوية جديرة بالاستخدام؟. ومتى يجب الكف عن استخدامها؟. وغير ذلك من الأسئلة.

وثمة ظواهر لغوية في عبرية الحديث تجعلها تتمايز عن لغة الكتابة التاريخية، ولغة الكتابة الأدبية المعاصرة. وليس الهدف ههنا هو رصد الأخطاء والتشوشات التى تظهر في لغة الحديث بشكل يومى، فلن يوجد من يرصد تلك التشوشات باعتبارها تشكل واقعاً لغوياً. بل الهدف هو دراسة تلك الظواهر التى صارت من خلال استخدامها نماذج مقبولة تخضع لقوانين لغوية.

ونتناول في هذا الموضوع نشوء روابط جديدة في لغة الحديث تختلف عن تلك الراوبط المستخدمة في اللغة الأدبية نحو:

- אלהים זה דבר ראשון (בנימין תמוז)(بنيامين تاموز)

- الله هذا أول شىء

- בולוניה זה לא עיר (חנון ברטוב)(حانون برطوف)

- بولونيا هذه ليست مدينة

- מה שאין לנו זה כסף (משה שמיר)(موشيه شامير)

- ماليس معنا هو المال

فهذه الجمل ليست نتاجاً مباشراً للغة الحديث، لكنها نتاج لأعمال أدبية حرص كُتابها على أن يتلفط أبطالهم بلغة الحديث.

ويقتصر الاختلاف بين لغة الحديث واللغة الأدبية فى هذا الموضع على إحلال اسم الإشارة (זה) محل الضمير (הוא). فنحن - على ما يبدو - بصدد رابط جديد. لكن الأمر الجوهري هو أن بعض هذه الجمل لا يتطابق فيها الرابط مع المسند إليه، فلا يقال في لغة الحديث:

- בולוניה זו לא עיר

لكن يقال

- בולוניה זה לא עיר

لكن يمكن القول إن هذا التطور طبيعي ليس أكثر, فالتطابق بين الرابط والمسند إليه كما في جملة:

- הדם הוא הנפש

- الدم هو النفس

يرتبط بالفترة التى لم يكن يستخدم فيها الضمير رابطاً، بل كان يستخدم مسنداً إليه, وكانت الجملة في هذه الحالة جملة تخصيص.

وقد تلاشى التطابق بين الرابط والمسند إليه في العبرية المعاصرة, وذلك لزوال ما يدعو إليه، فلم تعد الجملة جملة تخصيص، حيث ألغت عبرية الحديث هذا النظام.

وثمة ظاهرة لغوية مهمة تتمثل في استخدام العبرية المعاصرة لجملة مبهمة في نهاية بعض الجمل وهي جملة:

- פלא הוא كما فى:

- אמש טילתי ברחוב ריזנגוף והוא היה ריק לגמרי פלא הוא!

- تنزهت بالأمس فى شارع ريزنجوف، وكان خالياً تماماً، أمر غريب!

فهذه جملة مبهمة، فالضمير (הוא) لا يتعلق في جملة كهذه بوضع ملموس أو شىء محدد. لكنه - فى العموم - يرتبط بالموقف أو بالأمر الذى يتم الحديث عنه. فهذه الجملة تختلف عن جملة:

- אני מכיר את דוד. הוא פלא

- أعرف داود، إنسان غريب . ففى هذه الجملة يرتبط الضمير بالاسم (דוד)

وتميز اللغة الأنجليزية بين نمطين من الجمل:

He is a wonder-

-Its a wonder

وهكذا أيضاً تميز عبرية الحديث بين الجمل التى يكون فيها المسند إليه ضميراً مرتبطاً ارتباطاً ملموساً باسم ذات, وبين الجمل التى يكون فيها المسند إليه ضميراً مبهماً نحو:

- אני מכיר את דוד. הוא פלא

- أعرف داود، إنسان غريب

- רחוב ריזנגוף היה ריק לגמרי. זה פלא!

- كان شارع ريزنجوف خالياً تماماً. أمر غريب!

فالضمير (הוא)(هو) يرتبط باسم محدد، بينما اسم الإشارة (זה) يرتبط بموقف عام.

ولا يقتصر الاختلاف على هذا الأمر, بل إن المسند إليه المبهم يرد على صورة واحدة هى (זה)، ولا يرد على (זו)(هذه) أو (אלו)(هؤلاء), حتى فى حال كون الاسم العائد عليه هذا الضمير مؤنثاً أو جمعاً نحو:

- זה פועלים חביבי ידידים שלנו (חנון ברטוב)(حانون برطوف)

- هذا ما يفعله أصدقاؤنا يا حبيبى

- זה מהרגע הראשון אמרתי שזה שודדים (חנון ברטוב) (حانون برطوف)

- هكذا من اللحظة الأولى قلت إنهم لصوص

- זה האחים בוראשוויל (בנימין תמוז)(بنيامين تاموز)

- هذان الأخوان بوراشفيل

فلغة الحديث التى أمامنا الآن هى اللغة التى وضعها الكُتاب على ألسنة شخصيات أعمالهم الأدبية. فكُتاب أمثال(תמוז)(تموز) و(ברטוב) (برطوف) و(שמיר)(شامير) يميزون جيداً بين المسند إليه المبهم (זה) الخاص بلغة الحديث, وبين المسند إليه المبهم (הוא) المستخدم في اللغة الأدبية واللغة المعيارية. ونمثل لذلك ببعض الجمل الواردة على لسان الشخصيات في كتاب (פצעי בגרות) للكاتب (חנון ברטוב)(حانون برطوف) نحو:

(ا) :

- עובדה היא איש לא זז

- الحقيقة أن الرجل لا يتحرك

- וכאילו לא אני הוא

- وكأنى لست أنا هو

- טעות גדולה היא

- إنها لخطيئة كبيرة

فهذه الجمل جاءت على لسان شخصيات تتحدث لغة أدبية رفيعة.

(ب) :

- היום זה שלום

- هذا اليوم سلام

- זה לא אנגלית

- هذه ليست إنجليزية

- זה אתה ؟

- أهذا هو أنت ؟

فهذه الجمل جاءت على لسان شخصيات تتحدث لغة حديث دارجة. فليس من شك أنه لو قيلت جمل الفئة (ا) على لسان شخصيات تتحدث لغة دارجة لجاءت على الصور التالية:

- זה עובדה !

- זה אני !

- זה טעות גדולה !

ويتجلى هذا الأمر كذلك من خلال بنية أكثر تعقيداً بها جملة مبهمة نحو:

- אשתו היא שגמרה לכך

- امرأته هى التى تسببت فى ذلك

- דוד הוא שנתן לי את הספר

- داود هو من أعطانى الكتاب

ففى الجملتين السابقتين جملتان مبهمتان هما:

- אשתו היא

- דוד הוא

ويتضح ذلك الأمر من خلال ترجمة تلك الجمل إلى اللغة الإنجليزية حيث نجد:

- its david ----

- its his wife ----

ويعبر عن هذا الإبهام في عبرية الحديث من خلال كلمة (זה):

- זה דוד שנתן לי את הספר

- هذا داود الذى أعطانى الكتاب

وفي لغة الصحافة جمل من هذا النمط تُؤَدَّى بطريقة متأثرة باللغة الإنجليزية نحو:

- היה זה דוד שנתן לי את הספר

- كان هو داود الذى أعطانى الكتاب

ففي الجملة السابقة يعبر عن الزمن الماضي إما من خلال الجملة المبهمة ذاتها (היה זה דוד)، وإما من خلال جملة الصلة (נתן לי את הספר)(أعطانى الكتاب). أما في الجملة العبرية المعيارية فيعبر عن الزمن من خلال جملة الصلة فقط:

- דוד הוא שנתן

- داود هو الذى أعطى

وثمة ظاهرة أخرى خاصة بلغة الحديث صارت نمطاً لغوياً في هذا المستوى اللغوي، وهي تعدد المفردات التى تحل محل كلمة (מאד)(للغاية). ففي اللغة العبرية - كما في بعض اللغات الأخرى - يرد بعد الصفة وبعد بعض أنواع المسند مركب نحوي يعبر عن درجة الصفة أو درجة الشعور --- الخ نحو:

- הוא חכם מאד

- هو حكيم للغاية

- הוא חכם למדי

- هو حكيم للغاية

غير أن عدد المفردات التى ترد في موضع كلمة (מאד)(للغاية) قليل إذا ما قورن باللغة الإنجليزية.

وفى عبرية الحديث تفرض بعض هذه المفردات وجودها لدرجة لا يشعر معها المرء بحدوث تطور نحوى أو دلالى نحو:

- הוא די חכם

- هو حكيم للغاية

- הוא מספיק חכם

- هو حكيم للغاية

فالكلمتان (די) و(מספיק) اللتان تعبران في الأساس عن الكمية صارتا في هذا الموضع مركباً نحوياً يعبر عن درجة الصفة أو الشعور. غير أن بعض المفردات الأخرى لم تحظ بنفس درجة القبول في الاستخدام، فاعتُبر استخدامها من قبيل الاستخدام اللغوي الضعيف غير الصحيح نحو:

- אבא שלי נורא מסכן

- أبى مسكين للغاية

- הוא כזה מסכן

- هو مسكين للغاية

- איך היה חם היום!

- ياله من يوم شديد حار!

ففي الجمل السابقة ترد المفردات (נורא/ כזה/ היה) في موضع كلمة (מאד). وظواهر كهذه - وغيرها كثير - قد أثارت بعض التساؤلات، فهناك من زعم أنه نظراً لأن مثل هذه الاستخدامات لم يكن لها وجود في مصادر اللغة العبرية الأصيلة- وهي العهد القديم ولغة المسنا – فإنها تعد استخدامات دخيلة يجب استئصالها من جذورها. لكن السؤال الذى يطرح نفسه الآن هو عن مدى صحة هذا المزعم ؟

إن اللغة ليست أداة اتصال فحسب، بل إنها قيمة ثقافية. فهي تربط بين أواصر المجتمع،كما إنها تعد البساط الثقافي المشترك بين الأفراد، وتنضوى على قيم شعورية عظيمة. فبقوة اللغة تشجعت دول وحكومات على أن تقحم لغاتها فى نسيج مجتمعات أخرى. واللغة تولد علاقات وجدانية بين الإنسان وبيئته، وبينه وبين الأجيال السابقة عليه. لذلك فعلينا - بادئ ذي بدء - تفهم أن الأداة اللغوية التى خُطَّ بها التراث الثقافي مقدسة من وجهة نظر أولئك الزاعمين، وتعد المعيار الذي يُقيِّمون من خلاله بين ما هو مسموح وما هو محظور.

ومن جهة أخرى فلسنا قادرين على التحرر من الاستخدامات المتعددة، ولا يمكننا كذلك المحافظة على ثبات اللغة عبر الأجيال. فاللغة الحية تتطور من خلال استخدامها، ولن نستطيع أن نمنع هذا الأمر ولو حرصنا.

ويتجلى هذا الأمر في اللغات السائرة على درب التطور كاللغة الانجليزية، فلغة(צ'וסר)(شوسر) تختلف عن لغة (שקספיר) (شكسبير)، ولغة (שקספיר) تختلف عن اللغة الإنجليزية المعاصرة. فلماذا لا يعتد بذلك الأمر كذلك فـي لغتنا ؟

إن دراسة لغة العهد القديم مهمة فيما يتعلق بهذه المسألة، فهذه اللغة غالباً ما تمثل المعيار الذى يقاس عليه في العبرية المعاصرة. إلا أن عبرية العهد القديم ذاتها قد تعرضت لظاهرة التطور اللغوي، فأية نظرة في فصل من فصول النحو يكشف عن سلسلة من الانحرافت التى استقرت في واقع اللغة لتصير بعد ذلك معياراً يقاس عليه إثر اسخدامها في لغة العهد القديم. فالقواعد الأساسية فى العبرية المعاصرة ما هي إلا نتاج للانحراف عن قاعدة لغوية ما استخدمتها اللغة في فترة من فتراتها. لكن فى حقيقة الأمر، هناك ظواهر لغوية في العهد القديم لا نستطيع أن نعدها ظواهر شاذة، وهناك أيضاً صيغ في العهد القديم تحيد عن الأسس الأصيلة للغة هذا الكتاب، فهل يستطيع أنصار التيار اللغوى المحافظ تفسير مثل هذه الانحرافات؟ وهل فى استطاعتنا - فى حال وجودها الفعلى فى لغة العهد القديم - تحديد لغة العهد القديم الحقيقية بشكل دقيق، وتحديد الاستخدامات الشاذة في تلك اللغة ؟

إن هذه المسألة غاية في الصعوبة حتى على القائمين بدأب على حفظ اللغة. ومما يوضح تلك المسألة أن العبرية المعاصرة تفرق بين الأفعال ذوات الألف كأصل ثالث (ל"א)، والأفعال يائية الأصل الثالث (ל"י). فنجد بها (מצאנו)و(גלינו). أما في عبرية المشنا فقد ضُمنّت الأفعال ذات الألف كأصل ثالث (ל"א) تماماً في الأفعال يائية الأصل الثالث (ל"י). لذلك ترد في تلك اللغة: (מצינו) على غرار (גלינו)، وليس (מצאנו). ولهذا الخلط بين هذه الأفعال وجود كذلك في لغة العهد القديم ذاته، حيث ترد الأفعال ذات الألف كأصل ثالث (ל"א) على نفس هيئة الأفعال يائية الأصل الثالث (ל"י) نحو (לְמַלאֹת) على غرار (לגלות). وكذلك (נִבִיתָ) وليس (נִבאתָ) على غرار (גִלִּיתָ). فأحياناً يكون التشكيل فقط هو المُظهر لأثر فئة الأفعال يائية اللام نحو (חוטִאים) فى مقابل (חוטְאים) على غرار (גולים). والأمثلة على ذلك كثيرة.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الذي يجب على متحدثي العبرية المعاصرة الالتزام به؟ فهل نحن مخولون بعدم الأخذ فى الاعتبار تلك الفروق الرئيسة بين هاتين المجموعتين الفعليتين الرئيستين باعتبارها شواذ عن لغة العهد القديم ؟ أم علينا أخذها في الاعتبار ؟

إن نحونا هو نموذج لما هو موجود فى لغة العهد القديم وليس صورة منه. وبوجه عام فنحن لا نقدس ذلك الواقع اللغوي المستخدم في العهد القديم، بل نقدس ما نعتبره ممثلاً لهذه اللغة.

وهنا قد يستند البعض إلى الأساليب التى تتشكل من خلالها القوانين اللغوية. فقوانين اللغة الرئيسة ذاتها لم تنشأ إلا من خلال خرق لمعيار متعارف عليه. فما كان شذوذاً عن المتعارف عليه في فترة ما أصبح معياراً يقاس عليه في فترة أخرى. ألم يكن قانون تقصير الحركات غير المجاورة لنبر فى كلمات نحو (פָּקִיד) و(פְּקִידִי) - في باديء الأمر- شذوذاً عن الواقع اللغوي ؟

بل الأكثر من ذلك أن جميع صيغ عبرية العهد القديم كانت نتاجاً لتغيرات طرأت على لغة أقدم منها، وهكذا تُفسَّر العلاقة التاريخية بين اللغات التى تنتمي لفصيلة واحدة. ومن الواضح أن مثل هذا المزعم ليس هو محل الاهتمام ههنا، فلن يذهب أحد أنه يتوجب علينا العودة بلغتنا إلى تلك الأصول الموغلة في القدم. فليس بيننا وبين تلك الصيغ التى تطور عنها التراث الثقافي الذي نحيا به اليوم تواصل. ومن المعلوم يقيناً أن أنصار التيار اللغوى المحافظ يذهبون إلى أن المكون اللغوي السابق على لغة العهد القديم ليس له مكان في وعينا اللغوي حتى ولو ربطت لغة العهد القديم بيننا وبينه.

ونحن ههنا لن نحاول إطلاق فتوى، فاللغوي في وصفه للواقع اللغوى وتفسيره غير مخول بإقحام مشاعره في عمله. أما إذا شغل نفسه بالمعايير التى يجب أن تكون عليها اللغة، ففي هذه الحالة سيدخل إلى حقل تُحَكَّم فيه الأهواء والميول.

ولن نقول في هذا الموضع إلا أن ارتباطنا بتراثنا اللغوي يخلق حتماً حالة من الشعور بتطور العبرية المعاصرة على نطاق واسع. فهذه اللغة طالما أنها لغة حية، فمن المؤكد أنها ستظل في تطور مستمر.

المصدر: העברית שלנו והעברית הקדומה אלעזר רובנשטיין האוניברסיטה המשודרת, 1980

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button