يتميز العصر الحديث بتغيرات كبيرة في جميع مناحي الحياة. وكما قال علماؤنا " لقد تغيرت الطبائع" في العديد من المجالات. ومع ذلك، فإن طبيعة المرأة ذاتها لم تتغير، على الرغم من الثورة الكبيرة في مكانتها وتعليمها وأدوارها، سواء من الناحية الفسيولوجية أو من الناحية العقلية. وكما أن طبيعة المرأة لم تتغير، فمن باب أولى ألا تتغير الشريعة كذلك؛ لأن "هذه التوراة لن تُبدَّل"؛ فمبادئها أبدية، بينما تطبيقاتها فقط هي التي تتكيف مع الواقع المتغير.
فيما يتعلق بالتغيرات في مكانة المرأة، يرى الحاخام من لوبافيتش أنه كلما تقدم العالم نحو فداءه، كلما زاد تقارب العنصر الأنثوي مع العنصر الذكوري. فهذه خطة إلهية منذ البداية تقضي بتغير مكانة المرأة. ومع ذلك، ينبغي التأكيد على أن هذا لا يعني تغيير مبادئ الشريعة، بل تطبيقاتها فقط.
وطبيعي أن تطمح المرأة المتدينة المعاصرة، التي تتعليم وتمتهن مهنة وتندمج بالتالي في الحياة الاجتماعية والثقافية في العالم، إلى مستوى روحي أعلى من والدتها وجدتها. إنها ستتعلم التوراة، وستصلي، وستلتزم بالوصايا، وستكون منخرطة في المجتمع بشكل أكثر مما كانت عليه سابقاتها. ومع ذلك، فالأمر واضح. لا يمكن أن يكون هناك مساواة تامة في الهوية بين الرجل والمرأة. هناك اختلاف جوهري بينهما عقلي وبيولوجي. ومع ذلك، يجب أن يكون هناك مساواة مبدئية في الواجبات والحقوق والفرص. يجب إتاحة الفرصة للمرأة لتحقيق تطورها الكامل وفقًا لقدراتها وطموحاتها. ولكن، كل ذلك يجب أن يكون ضمن الإطار الثابت والمستقر للشريعة. فهذا الإطار وحده هو الذي يضمن تحقيق كامل لشخصيتها بجميع مكوناتها.
إن أعظم فقهاء عصرنا في الولايات المتحدة، حيث تنشط حركات النساء بشكل كبير، الحاخام موشيه فاينشتاين، يتعامل بشكل إيجابي من حيث المبدأ مع رغبة المرأة المعاصرة في أداء وصايا لم تتمكن النساء في الأجيال السابقة من أدائها. وهو يدرك أن المرأة في أيامنا أكثر وعيًا، ولديها وقت فراغ أكثر مما كان في الماضي. وبشكل طبيعي، تميل نفسها أكثر إلى التقرب من الله. ومع ذلك، فإنه يعارض بشدة النساء اللواتي لا يكون هدفهن التقرب إلى الله، بل يتبعن أجندة مساواة زائفة؛ تهدف إلى تغيير مبادئ الشريعة. إن هذه النظرة مرفوضة.
سنركز فيما يلي على موقف الشريعة اليهودية من بعض القضايا المتعلقة بحياة المرأة اليهودية المعاصرة.
دراسة التوراة
من المعروف والمشهور أن المرأة غير مأمورة بتعلم التوراة، بل إن الأمر كان محظورًا في السابق. وقد استند حظر دراسة التوراة إلى القلق من أن "أغلب النساء لا يوجهن عقولهن نحو التعلم، وإنما يحولن كلمات التوراة إلى أمور باطلة بسبب قلة إدراكهن" كما ذكر موسى بن ميمون. هذه الكلمات قيلت في سياق ظاهرة اجتماعية عالمية كانت فيها النساء، بسبب انشغالهن في المنزل، لم يسعين أو يرون حاجة لاكتساب أي تعليم. ولكن لم تكن هناك نية لمنع المرأة ذات الفضول الفكري من استخدام عقلها لفهم التوراة ودراستها.
لم يتم، على مر التاريخ، منع النساء الجادات اللواتي أردن تعلم التوراة من ذلك. واليوم، لم يعد تعلم المرأة أمرًا كماليا، بل أصبح يساهم بشكل إيجابي في تنمية مستواها الروحي.
أحد أبرز العلامات على التغيير في مكانة المرأة في إسرائيل كان الفتوى الشهيرة التي أصدرها الحفِتس حاييم، والتي نص فيها على أن المرأة في أيامنا يجب أن تتعلم التوراة. وجاء في كلامه:
"يبدو أن هذا كان في الأزمنة السابقة عندما كانت قوة تأثير الآباء قوية جدًا لدى الجميع... في ذلك الوقت، كان يمكن القول إن الفتاة لا تحتاج إلى تعلم التوراة، وتكتفي بالاعتماد على توجيه آبائها المستقيمين. أما الآن، فمع ضعف تأثير الآباء بشكل كبير جدًا، ومع وجود حالات لا تكون الفتاة قريبة من والديها على الإطلاق، وخاصة أولئك اللواتي يتعلمن قراءة لغات الأمم وكتابتها، فمن المؤكد أن هناك واجبًا كبيرًا في تعليمهن الأسفار الخمسة والأنبياء والمكتوبات وأدب الحكماء، وذلك لتعزيز الإيمان لديهن. وإلا، فإنهن معرضات للابتعاد الكلي عن طريق الله، والخروج عن أساسيات الدين، لا قدر له."
نُلاحظ هنا سببين دفعا الحفِتس حاييم إلى ما ذكر:
1- استقلالية المرأة المعاصرة تتطلب تكوين شخصية روحية خاصة بها.
2- اكتساب التعليم العام يتطلب تعليمًا دينيًا موازياً.
لقد مرّ منذ زمن الحفِتس حاييم حوالي مائة عام. وقد ارتفعت مكانة المرأة إلى مستوى أعلى، إذ أصبحت المرأة أكثر استقلالية مما كانت عليه في الماضي، ولديها مكانة اقتصادية واجتماعية أكثر استقلالية، كما أن تعليمها العام أصبح اليوم أعلى بكثير. هذا التطور له تأثيرات واضحة على احتياجاتها الروحية.
من الطبيعي أن تسعى المرأة إلى مستوى ديني عالٍ. فليس من المنطقي أن تكون "الكاهنة كالنادلة". لا يوجد أي سبب يمنع المرأة التي ترغب في ذلك من تفضيل دراسة التوراة على مستوى عالٍ على السعي وراء مسيرة علمية. فدراسة التوراة بطريقة أكاديمية بحثية ليست أفضل من دراستها وفقاً لتعاليم الحاخامات ومفسرينا الكلاسيكيين. ودراسة القانون المدني ليست أفضل من دراسة التلمود وتصنيفات موسى بن ميمون والمائدة المنضودة.
إن المرأة التي تفضّل دراسة التوراة لغايتها الحقيقية تستحق بالتأكيد التشجيع أكثر من امرأة تدرسها لغرض آخر، مع التأكيد على أن المبادئ الشرعية لم تتغير. حتى في أيامنا هذه، فالمرأة غير مأمورة بدراسة التوراة كغاية في حد ذاتها، بل يجب عليها تعلم التوراة كوسيلة للحفاظ على مستواها الروحي وتنميته.
هل يمكن للمرأة أن تصدر أحكامًا شرعية؟ من يحب التوراة بصدق لا يسعى وراء مكانة أو منصب معين. إصدار الأحكام هو نتيجة طبيعية للمعرفة العميقة بالتوراة والشريعة وفهم الواقع بشكل كبير، وليس هدفًا يسعى إليه. مبدئيًا لا يوجد مانع من أن تكون المرأة معلمة للشريعة. ومع ذلك، وبما أن المرأة غير مأمورة أساسًا بدراسة التوراة كواجب شرعي مستقل، ولأن دراسة الأحكام الشرعية التطبيقية تتطلب تعلمًا شاقًا وطويلًا ومكثفًا، فإن احتمال أن تكون المرأة مُصدِرة للأحكام الشرعية "مُفْتِيَة" ليس كبيرًا، ولا فائدة من أن تتفرغ المرأة لهذا المجال.
المصدر:
האשה בעידן המודרני לאור ההלכה, הרב יעקב אריאל
toraland.org.il
