فى عام 1993 وبعد المفاوضات السرية
بين شخصيات إسرائيلية وأخرى فلسطينية فى (أوسلو)
تم التوقيع على اتفاق "إعلان المبادئ الخاصة بالتسوية المرحلية للحكم
الذاتى" للفلسطينيين بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. ووفقاً للاتفاق,
تنسحب إسرائيل من بعض الأراضى فى الضفة الغربية وقطاع غزة وتقام سلطة فلسطينية.
ولم يتناول اتفاق (أوسلو) - تفصيلاً- مستقبل هذه السلطة، لكن كان هناك تفهم - على
الأقل - لدى بعض متخذى القرار فى إسرائيل
بأن إقامة السلطة هى خطوة على طريق إقامة دولة فلسطين فى إطار التسوية النهائية
للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. وقد تم
إرجاء بعض الموضوعات الجوهرية - والتى من بينها وضع القدس وقضية اللاجئين
الفلسطينيين ومصير المستوطنات الإسرائيلية
والحدود النهائية بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية - إلى مرحلة
المباحثات فى التسوية النهائية التى حُدِّد لها إطار زمنى. وفى مايو 1994
وُقِّعَ فى القاهرة اتفاق "غزة - أريحا" , ثم تُبِعَ
باتفاق آخر فى سبتمبر 1995 عُرف باسم
اتفاق " أوسلو - ب " أو باسمه
الرسمى: الاتفاق المرحلى حول الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد خَوَّل هذا الاتفاق
الفلسطينيين سلطة ذاتية فى المدن الفلسطينية والقطاع, وكذلك فى أربعمائة وخمسين
قرية فلسطينية.
وكانت اتفاقيات (أوسلو ) أول
تطور ملموس فى الصراع الإسرائيلى
الفلسطينى. وقد أثارت - بطبيعة الحال - جدلاً داخلياً شديداً لدى طرفى الصراع, أى
داخل المجتمع الإسرائيلى وفى أوساط الفلسطينيين والدول العربية. فعلى الجانب
الفلسطينى والعربى كان هناك مَنْ عارض اتفاق (أوسلو) لعدة أسباب، منها أنه كان اتفاقاً منفرداً ولم
يضع حلاً لقضية اللاجئين بل نَحَّاهم جانباً. وفى المقابل فقد اعترفت منظمة
التحرير الفلسطينية بشرعية حدود 1949 فى حين أنها لم تحصل على مرادها بعد, وهو
الدولة الفلسطينية المستقلة والقائمة على حدود يونيه 1967، وظلت فى أيدى إسرائيل
أيضاً القدرة على إعاقة تنفيذ الاتفاق أو
الامتناع عن تنفيذ بعض بنوده.
ويرد فى هذا الفصل الوجه الإسلامى
للخلاف كما يتجلى من خلال الجدل بين اثنين من كبار فقهاء الشريعة، مفتى السعودية الشيخ (عبد العزيز بن باز ) والدكتور (يوسف القرضاوى) من (قطر)، والذى كان أحد أفراد
حركة الإخوان المسلمين منذ فترة طويلة. وقد دار
هذا الجدل قبل اتفاق (أوسلو) فى
سبتمبر 1995 ، ذلك الاتفاق الذى حدد انتقال جزء كبير من الأراضى - وعلى الأخص كل
مدن الضفة الغربية - لحكم السلطة الفلسطينية.
ونورد - بادىء ذى بدء - رأى أحد
أبرز معارضى الاتفاق الشيخ الدكتور (يوسف
القرضاوى) ثم نتبعه بموقف مفتى السعودية الشيخ (عبد العزيز بن باز). والشيخ (يوسف
القرضاوى) ولد عام 1926، وتخرج فى جامعة الأزهر، وهو حاصل على درجة الدكتوراه عام
1973. وقد أعارته مصر إلى قطر عام 1961
للعمل مديراً لأحد معاهد الدراسات الإسلامية, وذلك بعد أن كان عضواً فاعلاً فى
جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، الأمر الذى أدى إلى اعتقاله فى عهد ناصر. و قدنشر
ثمانين مُؤَلَّفاً، وعُدَّ رجل التيار الوسط بين المتشددين المتمسكين بالمصادر
القديمة (السلفية) وبين المجددين. وهو عضو
فى العديد من المنظمات الإسلامية الدولية, ورئيس لجنة المراقبة على عدد من
البنوك الإسلامية. و تُبَثُّ خطبه فى الإذاعة والتلفزيون بثاً مباشراً من أكبر مساجد
الدوحة، كما يظهر فى برنامج تليفزيونى أسبوعى شهير بقناة الجزيرة يهتم بالأسئلة الراهنة
المتعلقة بالمسائل الشرعية. أما الشيخ
(عبد العزيز بن باز) فقد ولد فى الرياض عام 1911 وفقد بصره فى فترة
صباه، وكان قاضياً ومعلماً للعلوم الشرعية، وبعد ذلك عُيِّنَ رئيساً للجامعة
الإسلامية، ثم مفتياً للسعودية بدرجة وزير منذ عام 1975 وحتى وفاته عام 1999. كما
ترأس المؤسسة الدينية الرسمية فى المملكة، ونشر عشرات الكتب المتعلقة بالموضوعات
الشرعية والفرائض والمسائل الشخصية.
أ: فتوتان لـ (يوسف القرضاوى):
ا-1: الجنوح للسلم إذا جنح العدو
إليها:
يأمر القرآن الكريم المسلمين أن يستجيبوا لدعوة
السلم إذا دُعُوا لها, ولو بعد وقوع الحرب
واشتعال وقودها. يقول تعالى: (وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا
وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ وَإِن یُرِیدُوۤا۟
أَن یَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ هُوَ ٱلَّذِیۤ أَیَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ
وَبِٱلۡمُؤۡمِنِینَ).
حتى مع احتمال إرادة الخداع منهم, لا
ينبغى أن تُرفض دعوة السلم بإطلاق, وإنما يجب أن نجنح لها كما جنحوا, على أن يتم
ذلك بشروطه وضوابطه الشرعية. فليس من الجنوح للسلم بحال: أن تغتصب أرضى بالسيف, ثم
تفاوضنى على أن أترك لك بالصلح ما أخذته منى بالسيف, وتُسَمِّى ذلك جنوحاً للسلم,
فهذا أبعد ما يكون عن الجنوح للسلم كما
يفعل ذلك الصهاينة اليوم . والشرط أن
يتوافر من العدو الجنوح للسلام ،وأن تظهر
دلائل ذلك فى مواقفه.
وهذا ما طبقه الرسول بالفعل حين جنحت
قريش إلى السلم يوم (الحديبية), ولم يكن ذلك عن ضعف منه, ولا تقاعس من أصحابه, فقد
بايعوه على الموت, ولكنه جنح للسلم, حين لمس من خصومه الجنوح إليها, فكان الصلح
الشهير, والصلح خير. وعلى إثره تحقق نصر كبير
للإسلام، ودخل العديد من قبيلة قريش فى ظلال الإسلام مثل (خالد بن الوليد)
و (عمرو بن العاص) وآخرين كثر . (ﻭﺍﷲ ﺍﻟﺬى فى
ﺍﺳﺘﻄـﺎﻋﺘﻨﺎ ﻭفى ﺍﺳﺘـﻄﺎﻋﺔ ﺇﺧﻮﺍﻧﻨﺎ الفلسطينيين ﻭﻣﻦ ﻳﺴﺎﻋﺪﻫﻢ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﻪ، ﻭﺍﷲ ﺳﺒﺤــﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌـﺎﻟﻰ ﻳﻜﻤﻞ ﻧﻘﺼﻬﻢ ﻭﻳﺴﺎﻋﺪﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻭﻫﻢ).
- تحليل:
ذهب (القرضاوى) إلى أن (آية السلام)
فى القرآن الكريم لا يمكن تطبيقها على إسرائيل، إذ إنه لا يجوز صنع السلام مع من اغتصب أرضاً إسلامية وبعد ذلك
يطلب السلام. حقاً إن العدو هو من يتوجب
عليه المبادرة بالسلام, لكن يتوجب أيضاً أن تترجم نواياه فى موافقه، فـ (القرضاوى)
- على ما يبدو - يقصد أن تقدم إسرائيل تنازلاً سخياً عن الأرض (بالإضافة إلى
الأراضى التى تم احتلالها عام 1967) . ويُذَكِّرُنا تفسير (القرضاوى) بشأن (صلح الحديبية) بتفسير (جاد الحق) ، فتفسير (القرضاوى) يقضى بعدم صنع السلام جراء حالة من
الضعف العسكرى، حيث عقد (النبى)صلى الله
عليه وسلم - من وجهة نظره – صلح
(الحديبية) ليس نتيجة ضعف فى معسكره مقارنة بمعسكر قريش، لكن نتيجة لأسباب
أخرى. ويحاول (القرضاوى) فى هذا التفسير
الرد على الأطراف ذات التفكير
العملى فى العالم العربى (بما فى ذلك "ابن باز" كما سنرى تباعاً) ممن ذهبوا إلى وجوب إبرام
سلام مع إسرائيل نظراً لقوتها العسكرية
وعجز العرب عن التصدى لها.
ا- 2: الإسلام والاعتراف بدولة إسرائيل:
أجاب (القرضاوى) مباشرة فى أحد
البرامج التليفزيونية التى تُبَثُّ على قناة الجزيرة عن السؤال التالى: ما الحكم
الشرعى فى الاعتراف بإسرائيل؟ قائلاً:
منذ سنوات طويلة أصدرتُ فتاوى فى تحريم الصلح مع إسرائيل ونشرتها
الصحف، وذكرناها هنا فى القناة. وقامت بينى وبين بعض كبار العلماء مناقشات
ومعارضات, بعض العلماء الذين قالوا إنه يجوز
الهدنة مع العدو, وكذا, وقلت لهم إنه مايجري الصلح مع اليهود ليس مجرد
هدنة, لأن الهدنة أن تكف يدك عن عدوك ويكف عدوك يده عنك. وإنما الصلح مع إسرائيل
يتضمن الاعتراف بدولة إسرائيل, فهذا أمر آخر غير
مجرد الهدنة التى أجازها الفقهاء, اتباعاً لما فعله (الرسول) صلى الله عليه وسلم من الهدنة مع قريش فى صلح الحديبية.
إن الاعتراف بإسرائيل يعنى أن تعترف
بأن ما أخذته من أرض المسلمين أصبح لها السيادة الشرعية والقانونية عليه, ولم يعد
لنا حق فى المطالبة به, فهل هذا جائز شرعاً؟
أنا ناقشت هذا. وناقشت كبار العلماء،
ومعروفين فى المنطقة كانوا يجيزون هذا، وأنا لم أقر هذا, وهذا مكتوب عندى في كتابى "فتاوى ﻣﻌﺎﺻﺮﺓ" ﺍلجزء
ﺍﻟﺜﺎنى ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ، ﻋﺪﺓ ﻓﺘﺎﻭﻯ
ﻭﻣﻨﺎﻗﺸﺎﺕ ﻣﻊ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ، ﻓﻬﺬﺍ ﺃﻣﺮ ﻟﻴﺲ
ﺟﺪﻳﺪﺍً ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ لى، ﻓـﺄﻧﺎ ﻻ ﺃﻗﺮ ﻫﺬﺍ، ﻭﺃﻧﺎ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﺃﻥ ﺍلشىء ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬى ﺃﻗﺮﻩ. ﺃﻗﺮﻩ ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺧﺬ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻮﻥ
ﺣﻘﻮﻗﻬﻢ ﻫﻮ المقاومة، المقاومة هى
ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﻣﺸﺮﻭﻋﺔ ﺿﺪ ﻋﺪﻭ ﻏﺎﺻﺐ ﻣﻌﺘﺪى ﻻ ﻳﻌﺘﺮﻑ بشىﺀ، ﻭﻻ ﻳﺮﺩﻩ ﺇﻻ ﺍﻟﻘﻮﺓ، ﺻﺤـﻴﺢ ليس ﻋﻨﺪﻧﺎ
ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ. ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻘـﺮﺁﻥ الكريم ﻳﻘـﻮﻝ: (وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم
مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ
وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ
وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡء فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا
تُظۡلَمُونَ).
- نقطة نقاش:
نلاحظ - بدايةً- أنه فى نفس البرنامج
التلفيزيون وفى رد على سؤال آخر تفوه القرضاوى بمصطلحات معادية للسامية فى حديثه
عن اليهود. وقد ذَكَّر بالجدل الذى دار بينه وبين كبار علماء الدين، وكان يقصد
(ابن باز) تحديداً، حيث اعترض - فى
الأساس- على اعتمادهم على صلح الحديبية. فوفقاً لرأى القرضاوى, لم يكن صلح
الحديبية سوى اتفاق مؤقت لوقف القتال أمام عدو
غير معترف به ويجب حشد القوة اللازمة لإخضاعه مستقبلاً.
وتجدر الإشارة إلى أنه إبان اجتماع
قمة الجامعة العربية بالرياض فى مارس 2007 دعا (القرضاوى) زعماء الدول العربية إلى
عدم الإعلان عن الاستعداد لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل مادام الاحتلال قائماً،
حيث قال " لا نوافق على علاقات
طبيعية مع إسرائيل إلا فى حال قيام دولة فلسطينية حقيقية ذات سيادة على الأرض وفى
الجو وحدود (محددة)، و يكون لها حق الدفاع
عن نفسها . فقط وبعد تنفيذ هذه الشروط ندرس أمر الاعتراف بإسرائيل إذا ما دعت لذلك
ضرورة.
من هنا, يغير (القرضاوى) المعروف بمعارضته الشديدة لشرعية
دولة إسرائيل رأية بما يتوافق والظروف السياسية على الساحة العربية تحديداً، حيث
يتضح من دعوته السابقة أنه لا ينبغى الاعتراف بإسرائيل بشكل مطلق, لكنه يعلق هذا
الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل وبوجود مبرر شرعى تقتضيه
الضرورة. (انظروا كذلك موقف القرضاوى فيما يتعلق باليهود وإسرائيل فى الملحق رقم :
8)
ب : فتاوى (عبد العزيز بن باز):
لقد تغير موقف (ابن باز) بشأن دولة
إسرائيل وإمكانية عقد اتفاق سلام معها ثلاث مرات: قبل التوقيع على اتفاقيات (أوسلو
) وفى أعقابها وإبان انهيارها، حيث أصدر (ابن باز ) فى فترة الانتفاضة الأولى
(1987- 1993) فتوى تقضى بأن جهاد الفلسطينيين ضد اليهود اللئام فرض . وقد تجلى
موقفة هذا فى دعوته العلنية التى وجهها للمسلمين فى العالم عام 1989 لمساعدة
(المجاهدين) فى فلسطين بأموالهم.
" المجاهدون فى داخل فلسطين - وفقهم الله جميعاً - يعانون مشكلات عظيمة فى
جهادهم لأعداء الإسلام, فيصبرون عليها رغم أن عدوهم وعدو الدين الإسلامى يضربهم بقوته وأسلحته وبكل ما
يستطيع من صنوف الدمار، وهم -بحمد الله - صامدون وصابرون على مواصلة
الجهاد------"
فالواجب على إخوانهم المسلمين من
الحكام والأثرياء، أن يدعموهم
ويعينوهم ويشدوا أزرهم؛ حتى يكملوا
مسيرة الجهاد، ويفوزوا - إن شاء الله - بالنصر المؤزر
على أعدائهم- أعداء الإسلام . وإنى أهيب بجميع إخوانى المسلمين؛ من
رؤساء الحكومات الإسلامية، وغيرهم من الأثرياء فى كل مكان، بأن
يقدموا لإخوانهم المجاهدين فى فلسطين مما
آتاهم الله من فضله، ومن الزكاة التى فرضها الله فى أموالهم حقاً لمن حددهم
الله جل وعلا فى سورة التوبة،وهم ثمانية. قد دخل إخواننا المجاهدون فى فلسطين
من ضمنهم.
وبعد توقيع الاتفاق بين إسرائيل
ومنظمة التحرير الفلسطينية كان (ابن باز)
الأبرز بين فقهاء الشريعة الذين أيدوا اتفاق السلام مع إسرائيل استناداً إلى ما
تذهب إليه الشريعة. وفيما يلى ثلاث وثائق لـ (ابن باز) تتعلق بهذه المسألة:
ب-1: جواز الهدنة مع الأعداء مطلقة ومؤقتة إذا رأى ولى
الأمر المصلحة فى ذلك (للمسلمين)
السؤال:
سماحة الشيخ (الوالد) : المنطقة تعيش
اليوم مرحلة السلام واتفاقياته، الأمر الذي آذى كثيراً من المسلمين مما حدا ببعضهم
معارضته والسعي لمواجهة الحكومات التى تدعمه عن طريق الاغتيالات، أو ضرب الأهداف المدنية للأعداء، ومنطقهم يقوم على
الآتى:
أ- أن
الإسلام يرفض مبدأ المهادنة.
ب- أن
الإسلام يدعو لمواجهة الأعداء بغض النظر عن حال الأمة والمسلمين من ضعف أو قوة.
نرجو
من سماحة الشيخ بيان الحق، وكيف نتعامل مع هذا الواقع بما يكفل
سلامة الدين وأهله؟
الجواب:
تجوز
الهدنة مع الأعداء مطلقة ومؤقتة، إذا رأى ولي الأمر المصلحة فى ذلك؛ لقول
الله سبحانه: (وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ
لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ). ولأن
(النبى) صلى الله عليه وسلم فعلهما جميعاً، كما صالح أهل مكة على ترك الحرب
عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض، وصالح كثيراً من قبائل العرب صلحاً
مطلقاً، فلما فتح (الله) عليه مكة نبذ
إليهم عهودهم، وأجل من لا عهد له
أربعة أشهر، كما في قول الله سبحانه: (بَرَاۤءَة
مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۤ إِلَى ٱلَّذِینَ عَـٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ)، وبعث صلى الله عليه وسلم المنادين بذلك عام تسع من الهجرة
(631م) بعد الفتح مع أبى بكرالصِّدِيق لما حج رضى الله عنه؛ ولأن الحاجة
والمصلحة الإسلامية قد تدعو إلى الهدنة
المطلقة ثم قطعها عند زوال الحاجة، كما فعل ذلك (النبى) صلى الله عليه وسلم، وقد بسط العلامة (ابن القيم الجوزيه) - رحمه الله-
القول فى ذلك فى كتابه (أحكام أهل الذمة)، واختار ذلك شيخه شيخ الإسلام (ابن
تيميه) وجماعة من أهل العلم.
ب-2: من الأفضل أخذ الأراضى التى يمكن
الحصول عليها من اليهود من خلال الاتفاق إذا ما تعذر على الفلسطينيين القتال.
هذا إيضاح وتعقيب على مقال فضيلة
الشيخ (يوسف القرضاوى). ففى إجابة على سؤال وُجه إلىّ من بعض أبناء فلسطين أوضحت
بمقال فى جريدة (المسلمون) أنه لا مانع من
الصلح معهم (اليهود) إذا اقتضت المصلحة ذلك؛ ليأمن الفلسطينيون فى بلادهم ويتمكنوا
من إقامة دينهم. وقد رأى فضيلة الشيخ (يوسف) أن ما قلته فى ذلك مخالف للصواب؛
لأن اليهود غاصبون فلا يجوز الصلح معهم.
وإننى أشكر فضيلته على اهتمامه بهذا
الموضوع ورغبته فى إيضاح الحق الذى يعتقده، ولا شك أن الأمر فى هذا الموضوع
وأشباهه هو كما قال فضيلته يرجع فيه للدليل، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الحق فى
جميع مسائل الخلاف؛ لقول الله عز وجل:
(وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ
سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰت تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ
أَبَداۖ لَّهُمۡ فِیهَاۤ أَزۡواج مُّطَهَّرَة وَنُدۡخِلُهُمۡ ظِلّا ظَلِیلًا)، وقال سبحانه : (وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِیهِ مِن شَیۡء فَحُكۡمُهُۥۤ إِلَى ٱللَّهِۚ
ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّی عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ أُنِیبُ).
ولكن ما ذكرناه فى الصلح مع اليهود قد
أوضحنا أدلته، وأجبنا عن أسئلة وردت إلينا فى ذلك من بعض الطلبة بكلية الشريعة فى
جامعة الكويت، وقد نشرت هذه الأجوبة فى صحيفة "المسلمون" الصادرة فى يوم
الجمعة 19/8/1415هـ الموافق 20/1/1995م، وفيها إيضاح لبعض ما أشكل على بعض الإخوان
فى ذلك.
ونقول للشيخ (يوسف القرضاوى) - وفقه
الله- وغيره من أهل العلم: إن قريشاً قد أخذت أموال المهاجرين ودورهم، كما قال
(الله) سبحانه فى القرآن (سورة الحشر) (لِلۡفُقَرَاۤءِ ٱلۡمُهَـٰجِرِینَ
ٱلَّذِینَ أُخۡرِجُوا۟ مِن دِیَـٰرِهِمۡ وَأَمۡوالِهِمۡ یَبۡتَغُونَ فَضۡلا مِّنَ ٱللَّهِ
وَرِضۡوانا وَیَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ)
.
ومع ذلك صالح (النبى) صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم
الحديبية سنة ست من الهجرة (628م) ، ولم يمنع هذا الصلح ما فعلته قريش من ظلم
المهاجرين فى دورهم وأموالهم؛ مراعاة للمصلحة العامة التى رآها (النبى) صلى الله
عليه وسلم لجميع المسلمين من المهاجرين وغيرهم ولمن يرغب الدخول فى الإسلام.
ونقول أيضاً جواباً لفضيلة الشيخ
(يوسف) عن المثال الذى مثل به فى مقاله وهو لو
أن إنساناً غصب دار إنسان وأخرجه إلى العراء ثم صالحه على بعضها، أجاب
الشيخ (يوسف): أن هذا الصلح لا يصح. وهذا غريب جداً، بل هو خطأ محض، ولا شك أن
المظلوم إذا رضى ببعض حقه، واصطلح مع الظالم فى ذلك فلا حرج؛ لعجزه عن أخذ حقه
كله، وما لا يدرك كله لا يترك كله. وقد قال الله عز وجل: (فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُوا۟
وَأَطِیعُوا۟ وَأَنفِقُوا۟ خَیۡرا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ
فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ)، وقال سبحانه: (وَإِنِ
ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضا فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِمَاۤ
أَن یُصۡلِحَا بَیۡنَهُمَا صُلۡحاۚ وَٱلصُّلۡحُ خَیۡر وَأُحۡضِرَتِ ٱلۡأَنفُسُ ٱلشُّحَّۚ
وَإِن تُحۡسِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرا). ولا شك أن رضا المظلوم بحجرة من
داره أو حجرتين أو أكثر يسكن فيها هو
وأهله، خير من بقائه فى العراء.
أما قوله عز وجل: (فَلَا تَهِنُوا۟
وَتَدۡعُوۤا۟ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن یَتِرَكُمۡ
أَعۡمَـٰلَكُمۡ). فهذه الآية فيما إذا كان المظلوم
أقوى من الظالم وأقدر على أخذ حقه، فإنه لا يجوز
له الضعف، والدعوة إلى السلم، وهو أعلى من الظالم وأقدر على أخذ حقه، أما
إذا كان ليس هو الأعلى في القوة الحسية
فلا بأس أن يدعو إلى السلم، كما صرح بذلك الحافظ ابن كثير
رحمه الله فى تفسيره هذه الآية، وقد دعا (النبى) صلى الله عليه وسلم إلى السلم يوم الحديبية؛ لما رأى أن
ذلك هو الأصلح للمسلمين والأنفع لهم، وأنه أولى من القتال، وهو صلى الله عليه وسلم
القدوة
الحسنة فى كل ما يأتى ويذر لقول الله عز
وجل: (لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَة لِّمَن
كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرا).
ولما نقضوا العهد وقدر على مقاتلتهم يوم الفتح غزاهم فى
عقر دارهم، وفتح الله عليه البلاد، ومكنه من رقاب أهلها حتى عفا عنهم، وتم له
الفتح والنصر . فأرجو من فضيلة الشيخ
(يوسف) وغيره من إخوانى أهل العلم إعادة النظر فى هذا الأمر بناء على
الأدلة الشرعية، لا على العاطفة والاستحسان، مع الاطلاع على ما كتبته أخيراً من الأجوبة الصادرة فى صحيفة
"المسلمون" فى 19/8/1415هـ، الموافق 20/1/1995م، وقد أوضحت فيها أن
الواجب جهاد المشركين من اليهود (اليهود فى فلسطين) وغيرهم مع القدرة حتى
يسلموا أو يؤدوا الجزية، إن كانوا من
أهلها، كما دلت على ذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وعند العجز عن ذلك
لا حرج فى الصلح على وجه ينفع المسلمين ولا يضرهم؛ تأسياً بالنبى صلى الله عليه وسلم فى حربه وصلحه، وتمسكاً بالأدلة
الشرعية العامة والخاصة، ووقوفاً عندها، فهذا هو طريق النجاة وطريق السعادة
والسلامة في الدنيا والآخرة.
ب-3: ما تقتضيه المصلحة يعمل به من
الصلح وعدمه
سؤال:
هل يجوز بناء على الهدنة مع العدو
اليهودى تمكينه بما يسمى بمعاهدات التطبيع، من الاستفادة من الدول الإسلامية
اقتصادياً وغير ذلك من المجالات، بما يعود عليه بالمنافع العظيمة، ويزيد من قوته
وتفوقه، وتمكينه فى البلاد الإسلامية المغتصبة، وأن على المسلمين أن يفتحوا أسواقهم
لبيع بضائعه، وأنه يجب عليهم تأسيس مؤسسات اقتصادية، كالبنوك والشركات يشترك
اليهود فيها مع المسلمين، وأنه يجب أن يشتركوا كذلك فى مصادر المياه؛ كالنيل
والفرات، وإن لم يكن جارياً فى أرض فلسطين ؟
جواب:
لا يلزم من الصلح بين منظمة التحرير
الفلسطينية وبين اليهود بالنسبة إلى بقية الدول (التى ليس بينها وبين إسرائيل
اتفاق)، بل كل دولة تنظر فى مصلحتها، فإذا رأت أن من المصلحة للمسلمين فى
بلادها الصلح مع اليهود فى تبادل السفراء والبيع والشراء، وغير ذلك من المعاملات
التى يجيزها شرع الله المطهر، فلا بأس في ذلك. وإن رأت أن المصلحة لها ولشعبها
مقاطعة اليهود فعلت ما تقتضيه المصلحة الشرعية، وهكذا بقية الدول الكافرة حكمها
حكم اليهود فى ذلك.
والواجب على كل من تولى أمر المسلمين،
سواء كان ملكاً أو أميراً أو رئيس جمهورية أن ينظر فى مصالح شعبه، فيسمح بما
ينفعهم ويكون فى مصلحتهم من الأمور التى لا يمنع منها شرع الله المطهر، ويمنع ما
سوى ذلك مع أى دولة من دول الكفـر؛ عمـلاً بقـول الله عز وجـل: (إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّوا۟ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ
إِلَىٰۤ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُوا۟ بِٱلۡعَدۡلِۚ
إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا یَعِظُكُم بِهِۦۤإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِیعَۢا بَصِیرا) .
وتأسياً بالنبى صلى الله عليه وسلم فى مصالحته لأهل مكة ولليهود فى المدينة وفى
خيبر، وقد قال صلى
الله عليه وسلم فى الحديث
الصحيح: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ فى أهل بيته
ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية فى بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والعبد راع فى مال سيده ومسئول عن رعيته"، وقد قال
الله عز وجل في كتابه: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ
وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ).
وهذا
كله عند العجز عن قتال المشركين، والعجز عن إلزامهم بالجزية إذا كانوا من
أهل الكتاب أو المجوس، أما مع القدرة على جهادهم وإلزامهم بالدخول فى الإسلام أو
القتل أو دفع الجزية - إن كانوا من أهلها - فلا تجوز المصالحة معهم، وترك القتال
وترك الجزية، وإنما تجوز المصالحة عند الحاجة أو الضرورة مع العجز عن قتالهم أو
إلزامهم بالجزية إن كانوا من أهلها؛ لما تقدم من قوله سبحانه وتعالى: (قَـٰتِلُوا۟ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡیَوۡمِ
ٱلۡـَٔاخِرِ وَلَا یُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا یَدِینُونَ
دِینَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ حَتَّىٰ یُعۡطُوا۟ ٱلۡجِزۡیَةَ
عَن یَد وَهُمۡ صَـٰغِرُونَ). وقوله عز وجل: (وَقَـٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَة وَیَكُونَ ٱلدِّینُ
لِلَّهِۖ فَإِنِ ٱنتَهَوۡا۟ فَلَا عُدۡوانَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّـٰلِمِینَ). إلى غير ذلك من الآيات المعلومة فى
ذلك. وعمل (النبي) صلى الله عليه وسلم
مع أهل مكة
يوم الحديبية ويوم الفتح (مكة)، ومع اليهود حين قدم المدينة يدل على ما ذكرنا.
- مناقشة موقف (ابن باز):
لقد منح (ابن باز) - مثل (جاد الحق)
من قبله - دعماً شرعياً لصنع السلام مع إسرائيل أى لاتفاقيات (أوسلو) انطلاقاً من مبرر (منفعة المسلمين) القابل للتحقق على نطاق واسع،
مؤكداً على قواعد الشريعة التى تقضى بأن الحاكم المسلم هو مَنْ بيده الصلاحية الخاصة بتحديد ما إذا كان
إبرام اتفاق السلام فى صالح المسلمين من
عدمه. و بتعبير آخر، فههنا دعم لكل حاكم مسلم فى عصرنا هذا ممن يريدون التوقيع على
اتفاقية سلام مع عدو غير مسلم مثل إسرائيل.
ويرتكز الموقف الرئيس لـ (ابن باز) على أن عدم القدرة على التغلب على العدو تبرر عقد اتفاق سلام معه، الأمر الذى يعود
بالنفع على المسلمين (إعادة الأرض). وقد استند إلى (صلح الحديبية)، متحدياً
تفسير القرضاوى فى أمرين:
الأول : أن قبيلة قريش - مثل إسرائيل -
اغتصبت أرضاً من المسلمين أهل (النبى)صلى الله عليه وسلم. وعلى الرغم من ذلك أبرم
معهم (النبى)صلى الله عليه وسلم اتفاقاً.
والثانى : أن (صلح الحديبية) قائم على
تقدير للواقع من قبل (النبى)صلى الله عليه
وسلم الذى لم يكن بمقدوره هزيمة العدو,
لذا كان الاتفاق ناجماً عن الضرورة.
ولم يذكر (ابن باز)
فى هذا المقال إمكانية خرق الاتفاق، بل على العكس أكد أن (النبى)صلى الله
عليه وسلم قد فتح مكة فقط بعد أن أخلَّ
الطرف الثانى بالاتفاق المبرم بينهما.
وثمة أمر آخر
يتمثل فى تأييد (ابن باز) لعقد
اتفاق دائم غير محدد بزمن، لكنه يذكر - خلافا لـ (جاد الحق ) الذى تجاهل
المصادر الشرعية التى تقر بأن الهدنة هى وضع مؤقت إلى أن تزول
الضرورة الداعية إليها، و أن الحرب ما هى إلا
ضرورة تُفرَض على المسلمين، مؤيداً الهدنة غير محددة المدة الزمنية والتى لا يجب انتهاكها - أن الهدنة
غير محددة المدة - وفقاً لما تذكر المصادر
وما فعله (النبى)صلى الله عليه وسلم - يمكن إنهاؤها بزوال الحاجه الداعية
إليها. وهناك مبرر شرعى آخر للتوقيع على
سلام مع إسرائيل يتمثل فى الضرورة المُلِحَّة, وذلك عند الضعف العسكرى للعرب أمام اسرائيل.
وكما هو واضح، فإن رأى (ابن باز) هو
رأى شاذ فى الفترة الراهنة، حيث إن غالبية رجال الفتوى المستقلين يقرون بأن
إسرائيل لا شرعية لوجودها، باعتبارها محتلة لأرض إسلامية. وقد أقر (ابن باز ) بإمكانية التطبيع الكامل مع
إسرائيل، لكن على كل حاكم لدولة إسلامية
أن يُقَدِّرَ - بشكل منفرد - إذا ما كان
هذا الأمر سيعود بالنفع على دولته و أبناء بلده من عدمه، وهكذا يمنح
(ابن باز) شرعية لاستقلالية الدول العربية الإسلامية عن بعضها وتشرذم الأمة
الإسلامية إلى دويلات ذات نزعه انفرادية،
كما يمنح شرعية للعلاقات الدولية المعاصرة بين الدول المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن
(ابن باز ) قد أفتى فتاوى مغايرة
فى مواقف سياسية أخرى، تقضى بأن يكون وقف الحرب مع إسرائيل وقفاً مؤقتاً فحسب، إلى
أن يستجمع المسلمون قواهم بما يكفى لإعادة فتح الأرض. فأمامنا نموذج آخر لارتباط
الفتوى بالواقع السياسى، حيث يكون بمقدور رجال الإفتاء إصدار فتوتين متناقضتين فى
مواقف سياسة مختلفة.
المصدر: מלחמה, שלום ויחסים בינלאומיים באסלאם בן־זמננו: פתוות בנושא שלום עם ישראל, יצחק רייטר, מכון ירושלים לחקר ישראל, תשס"ח, 2008
.jpeg)