موقع يهتم بالدراسات السامية، ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودي

موقع يهتم بالدراسات السامية بشقيها اللغوي والفكري. ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودية

إعلان الرئيسية


 
يستند المفكرون المسلمون ورجال الفتوى المؤيدون للسلام مع إسرائيل إلى اتفاق (صلح الحديبية) الذى أبرمه النبى (محمد)صلى الله عليه وسلم مع أعدائه الكفار من قبيلة قريش بمكة عام 628م , والذى يعد سابقة تاريخية تشريعية يجب الاعتماد عليها. فمن وجهة نظرهم الخاصة, فإن حقيقة إبرام (النبى)صلى الله عليه وسلم لاتفاق مدته عشر سنوات -  وهى مدة كانت تعد طويلة نسبياً قياساً على غيرها من الاتفاقيات المبرمة  آنذاك وكانت كذلك مع أعدائه اللدودين الذين منعوه من التوجه إلى الكعبة التى تعد أكثر الأماكن قدسية في الإسلام - دليل على وجوب اللجوء إلى اتفاق سلام حال عدم القدرة على التغلب على العدو. والاستناد إلى صلح الحديبية  لتبرير اتفاق السلام يعد أمراً شائكاً لسببين، يتمثل الأول في وقوع حدث أليم بين القبائل المتحالفة مع طرفى الاتفاق بعد عامين فقط من إبرام اتفاق الصلح، ذلك الحدث الذى تسبب في خروج النبى (محمد)صلى الله عليه وسلم لفتح مكه، ويتمثل الثانى في تفسير بعض المفكرين المسلمين في العصر الوسيط و العصر الحديث - من المحسوبين على التيار المتشدد - اتفاق صلح الحديبية على أنه خدعة. وبدراسة قصة (صلح الحديبية) وقصة (فتح مكة) كقصتين متتابعتين يمكن تفسير (الصلح) على أنه خطوة استراتيجية من قبل (النبى)صلى الله عليه وسلم حوَّلت الوضع من الهزيمة إلى النصر العزيز. من هنا يمكن إدراك أنه في حالة التدهور العسكرى لا يكون إبرام اتفاق سلام هدفاً في حد ذاته بل وسيلة لتحقيق حسم عسكرى في المستقبل. وقد حرص عدد من المحللين الإسرائيليين على الإشارة إلى الملابسات التاريخية لصلح (الحديبية) عند انتقادهم لاتفاقيات السلام التى تبرمها إسرائيل، واستندوا فى ذلك إلى العقيدة الإسلامية التى بموجبها لا يكون الاتفاق مع العدو  إلا هدنة مؤقتة تهدف إلى استجماع القوة بغية تمكين المسلمين من مواصلة الحرب في ظروف أكثر راحة. وقد أدت هاتان الحقيقتان - سالفتا الذكر - التى ذهب إليهما هؤلاء المحللون إلى التوصل لاستنتاج أكيد, مفاده أن محاولات تبرير اتفاقيات السلام مع إسرائيل وفقاً لمفاهيم الشريعة الإسلامية غير موثوق بها.   

ونحلل فيما يلى تلك الحقائق والتفاسير فى محاولة لفهم عما إذا كانت الإشارة إلى (صلح الحديبية) من قبل فقهاء الشريعة أو زعماء المسلمين بمثابة مؤامرة أو أنها تعبر  - حقيقةً- عن رغبة أكيدة في السلام . ونبدأ بقص الحدث من الناحية التاريخية . 

ا- قصة (صلح الحديبية) - خلفية الحدث:

تورد المصادر الإسلامية القديمة أنه فى عام 628م  وبعد ست سنوات من اضطرار النبى (محمد)صلى الله عليه وسلم لمغادرة مكة (مسقط رأسه) وتوجهه إلى المدينة بلغ عدد أتباعه ألف وأربعمائة شخص. وكان منشغلاً فى الحروب وإبرام المواثيق من أجل توسيع معسكر أتباعه، كما كانت واحة (خيبر)- المأهولة باليهود - هدفاً لمعاركه مثل قبائل مكة التى رفضت دعوته فاعتُبر  أهلها كفاراً من وجهة نظر الشريعة الإسلامية. وكان ثمة تحالــــــف دفاعـــى بين مكـــة (الكفار) وخيبــر (اليهود)، ومن هنا لم يكـــــــن بوســــــع (النبى)صلى الله عليه وسلم القتــــال علـــى الجبهتين فى ذات الوقت. وفي مطلع شهر ذى القعدة (الشهر الحادى عشر في التقويم الهجرى والأول بين الأشهر الحرم الأربعة المحرم فيها القتال) من السنة السادسة للهجرة (مارس 628م)  حلم النبى (محمد)صلى الله عليه وسلم أنه قد دخل الكعبة. وبعد  أن حلق رأسه أخذ مفتاح الكعبة ونزل مع الحجيج بجبل عرفات و بعد الحلم قرر (النبى)صلى الله عليه وسلم الذهاب إلى مكة وآداء العمرة، فاستنفر (النبى)صلى الله عليه وسلم قبائل العرب فى محيطه القريب إلى الانضمام إليه، لكن غالبيتهم لم يوافقوه ولم يستجب  لطلبه  إلا أتباعه المخلصون من القلة التى هاجرت معه من مكة (المهاجرين) ومَنْ  انضم إليهم في المدينة (الأنصار). وتوجه (النبى)صلى الله عليه وسلم إلى هناك بملابس الإحرام.

وبخروج (النبى)صلى الله عليه وسلم متوجهاً إلى مكة أعلن - بدايةً -  رغبته في آداء العمرة, لكن رجال قبيلة قريش تشككوا في نيته وعارضوا دخوله المدينة. و بعد نقاش أرسل (النبى) صلى الله عليه وسلم صهره (عثمان بن عفان) - (الخليفة الثالث فيما بعد) - برسالة صلح إلى قريش. وأرسلت قريش -  من جانبها - سهيل بن عمرو  للتفاوض بشأن الاتفاق. ولأجل  إزالة الشك من قلب رجالات قريش أتى (النبى)صلى الله عليه وسلم بقامات كبيره من معشره ليشهدوا على شروط الاتفاق. وقبيل التطرق إلى عرض تفاصيل الاتفاق المبرم تجدر الإشارة إلى الخلفية السياسية لإبرامه.                                                                                  

 قبل عام من إبرام هذا الصلح  وقعت بين (محمد)صلى الله عليه وسلم ورجال قريش (غزوة الخندق) التى قللت من هيبة (محمد)صلى الله عليه وسلم على الرغم من أن محاولة الاعتداء من قبل قريش قد باءت بالفشل،  فعلم (محمد)صلى الله عليه وسلم  - جيداً -  أن الروح المعنوية لأهل مكة مرتفعة وأن قوته العسكرية أضعف من أن تمكنهم من الانتصار عليهم فى ساحة القتال، كما إنه قد أدرك عدم استطاعته استدرار عطفهم للموافقة على اتفاق سلام. إذن كان الحج  الخيار الوحيد أمامه لخلق وضع يظهر فيه كطرف غير ضعيف أثناء وقف القتال، لذلك توجه (النبى)صلى الله عليه وسلم لمكة فى استعراض للقوة (حوالى 1400فرد )، الأمر  الذى يُمَكِّنُ - في حد ذاته - من المحافظة على هيبته فى أعين قبائل  شبه الجزيرة العربية، ممن رغب (النبى)صلى الله عليه وسلم فى إدخالهم الإسلام . ويُعد هذا الأمر مخاطرة شديدة من قبل (النبى)صلى الله عليه وسلم، إذ إن توجهه - مباشرة- إلى داخل معسكر أعدائه في مكة كان من شأنه أن ينتهى به إلى هزيمة نكراء. ويُروى فى التراث الإسلامى أن أبناء قبيلة قريش قد سمعوا عن مجئ (محمد)صلى الله عليه وسلم فخرجوا صوبه فى قوة كبيرة قائلين: إن (محمداً)صلى الله عليه وسلم لن يصل إلى مقدساتنا بأى حال من الأحوال. عندئذ تم تبادل الرسل بين قريش  و (محمد)صلى الله عليه وسلم، إلا أن المفاوضات كادت أن تفشل. وخاف زعماء قبيلة قريش على صورتهم، و بناء عليه فقد صرحوا بأنه " حتى إذا جاء غير راغب في القتال فلن يصل إلى الأماكن المقدسة مطلقاً, ولن نكون حديث العرب نتيجة هذا الامر ". وقد انتهت بعثة الصلح بين المعسكرين باتفاق فى مكان يدعى (حديبية) ، وقد كشف هذا الاتفاق عن مصالح كلا الطرفين، فأهل مكة - الذين اشتغلوا بالتجارة  وكانوا من أصحاب القوة المفرطة- انشغلوا بصد معسكر (النبى)صلى الله عليه وسلم، لكن نظراً لاهتمامهم بإحلال الاستقرار لفترة طويلة كى يواصلوا أعمالهم فقد توصلوا مع (محمد)صلى الله عليه وسلم إلى اتفاق (عدم اعتداء) أُطْلِقَ عليه (صلح) على أن يظل سارياً لمدة عشر سنوات.                                                                                                                     

- صيغة اتفاق (صلح الحديبية):

" باسمك اللهم، هذا ما صالح عليه (محمد بن عبد الله) سهيل بن عمرو : اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى (محمداً) بغير  إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع (محمد) لم يردوه عليه، وإن بيننا عيبة مكفوفة (هدنة يكف فيها كل من الطرفين نفسه)، وأنه لا إسلال ولا إغلال (لا سرقة ولا خيانة)، وأنه من أراد أن يدخل فى عقد (محمد) وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل فى عقد قريش وعهدهم دخل فيه ...... وأن (محمداً)  يرجع عامه هذا فلا يدخل مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجت قريش عن مكة ودخلها (محمد) وأصحابه فأقاموا بها ثلاثاً معهم سلاح الراكب".

ب – الخلاف حول مفهوم (صلح الدُّنِيَّة):

يُروى فى التراث الاسلامى أن (النبى)صلى الله عليه وسلم قد أبرم هذا الاتفاق على الرغم من معارضة (عمر بن الخطاب)(الخليفة الثانى فيما بعد) وقامات كبرى من أتباعه. وقد أُطلق على هذا الصلح (صلح الدُّنِيَّة ). و لمصطلح ( دُنِيَّة ) تفسيران محتملان : أحدهما أن شروط الاتفاق قد قُبلت على أنها مهينة لمعسكر (النبى)صلى الله عليه وسلم, والثانى أن الاتفاق قد تم إبرامه على خلفية ضعف عسكرى في معسكر  المسلمين مقارنة بمعسكر العدو .                                 

ويشير الباحث (ألعاى الون) إلى أن (صلح الحديبية) ينضوى على العديد من التنازلات من جانب المسلمين، إذ فُرض على (محمد) الرجوع عن مكة وعدم العودة إليها إلا بعد عام من إبرام الاتفاق،  وقد اضطر  إلى الموافقة على شروط غير متكافئة، ففى حين أن قريشاً قد سُمِح لها بقبول  الفارين من معسكر (النبى)صلى الله عليه وسلم التزم المسلمون أمام قريش بإعادة أى فرد تابع لها طَلَبَ الانضمام إلى معسكر الإسلام. وقد بلغت تلك التنازلات ذروتها إبان التوقيع على الاتفاق،  حيث تم استبدال كاتب الاتفاق انصياعاً لطلب المكيين، واضطر (محمد)صلى الله عليه وسلم إلى تغيير الصيغة الافتتاحية للاتفاق وتنازل عن صفته كرسول لله ووافق على تسميته باسم والديه فقط. ويشير (الون) كذلك إلى أن تلك التنازلات تستلزم تبريراً  أرجعه - فى الأساس- إلى منفعة الإسلام كما ذهب المفسرون. ويذهب الباحث العراقى (مجيد خدورى) إلى أن هذا الاتفاق يتم عرضه في التاريخ الإسلامى باعتباره نصراً  للإسلام، حيث إن (محمداً)صلى الله عليه وسلم قد تم عرضه كطرف مناظر ومتساوٍ فى الحقوق مع أهل قريش الذين طردوه من مدينتهم , كما أقر  هذا الاتفاق بالإسلام كدين رسمى. وهكذا - ووفقاً لوجهة نظره - ارتفعت  مكانة (محمد)صلى الله عليه وسلم بفضل هذا الاتفاق. ويعد هذا الاتفاق سابقة للاتفاقيات مع الكفار، ولذلك حُدِّد بمدة، خلافاً للاتفاقيات المبرمة مع جماعات من (أهل الذمة) الذين دخلوا تحت إمرة الإسلام وحصلوا على مواثيق غير مقيدة بزمن. وقد نُقض ذلك الاتفاق بعد سنتين إثر مهاجمة قبيلة حليفة لقريش قبيلة أخرى حليفة لـ  (النبى)صلى الله عليه وسلم، فاعتبر الأمر انتهاكاً صريحاً للبند الخاص بالمتحالفين مع (محمد)صلى الله عليه وسلم، ذلك الانتهاك الذى أدى إلى الدخول فى  الحرب.

وقد أُجريت مفاوضات بين الأطراف فى محاولة لإعادة حالة السلم إلى ما كانت عليه، غير أنها قد باءت بالفشل.  فـ (محمد)صلى الله عليه وسلم - الذى تذكُر المصادر أنه كان بالفعل  ذا مكانة عظيمة مثل قيصر الروم تقريباً (إذ تتحدث المصادر - فى الغالب الأعم - عن معسكر يضم 10.000 فرد فى مقابل 1400 فرد قبل ذلك بسنتين ) -  قد قرر فتح مكة (إذ إن سريان الاتفاق كان قد ألغى نتيجة لانتهاكه من قبل الطرف الثانى).

ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من صورة الدُّنِيَّة التى ظهر عليها اتفاق (صلح الحديبية) فإنــــه قــــــد  أشـــــار إلى عبقرية التخطيط النبوى, حيث إنه قد جلب للنبى صلى الله عليه وسلم ولمعسكره نصراً عزيزاً ومهماً فى مكان آخر، فالنبى صلى الله عليه وسلم  قد آثر إبرام اتفاق يُؤَمِّنُ جبهته الداخلية ضد أهل مكة في الوقت الذى كــــــــان ينـــــــوى فيــــــــــه مهاجمة (خيبر) المأهولــــــــــة باليهـــــــــــود،حيث أبطل اتفاق (صلح الحديبية) - بالفعل- المثياق المبرم بين خيبر  وبين مكة، وبذلك تحقق لـ(محمد)صلى الله عليه وسلم نصراً مبيناً على (خيبر) اليهودية. وكانت هذه مرحلة مهمة للغاية في تقوية معسكر (النبى)صلى الله عليه وسلم.

 ت- الخلاف حول مُنْتَهِك الاتفاق فى غضون سنتين :

ثمة أهمية بالغة للسؤال عن ماهية مُنْتَهِك الاتفاق,  ذلك أن اتفاق (الحديبية) يعد سابقة تشريعية وتاريخية لاتفاقيات سلام أخرى، فإذا كان (النبى)صلى الله عليه وسلم هو الذى  انتهك الاتفاق فهــــــــذا يعنى جـــــــواز  انتهاك اتفاقيات (الهدنة)     و (الصلح).  وقد ذهب محللون إسرائيليون في سياقات سياسية واقعية أن صنيع (محمد) صلى الله عليه وسلم فى (الحديبية) يعد دليلاً آخر على أن اتفاقيات (الهدنة) و (الصلح) قابلة للإلغاء فى أى وقت يختاره المسلمون. فدلالة الأمر- من وجهة نظرهم – مزدوجة، أولها يتمثل فى عدم الاعتماد على اتفاقيات سلام مع أطراف إسلامية, وثانيها يتمثل فى أن الزعيم العربى أو رجل الدين المسلم الذى يؤسس اتفاقاً مع إسرائيل على خلفية سابقة (صلح الحديبية) تكون نيته غير سليمة، حيث يتم الحديث - وفقاً لهذا التفسير - عن اتفاق يجوز للمسلمين خرقة متى أمكنهم ذلك على صعيد ميزان القوة، أى أن غاية ما يرمى إليه المسلمون هو (تخدير) إسرائيل لاستجماع القوة ومعاودة مهاجمتها متى سنحت لهم الفرصة.  وممن ذهبوا إلى ذلك -على سبيل المثال- رئيس الاستخبارات، وذلك فى رأى  له عام 2001 بعد اندلاع انتفاضة الأقصى  وقيام  بعض الشخصيات الإسرائيلية العامة بإقناع رئيس الدولة آنذاك - موشيه كاتساف - بتأييد مبادرة الهدنة مع السلطة الفلسطنية. ويذهب أيضاً المحللون المتمسكون بالرؤية التى تذهب إلى أن استخدام  سابقة (صلح الحديبية) فى الخطاب المعاصر هو استخدام تآمرى إلى أن هذا الصلح يرتبط فى وعى المسلمين بفتح (خيبر) اليهودية, وأنهم يستخدمونه فى الخطاب الجماهيرى بنغمة عداء للسامية (فمثلاً فى المظاهرات ضد إسرائيل فى العالم الإسلامى يسمع هتاف : "خيبر خيبر يايهود --- جيش محمد سيعود ، و " ويحكم يايهود , تذكروا خيبر --- جيش  (محمد) سيعود ليضربكم فى المستقبل".                                                                         

ومن المؤكد أن السواد الأعظم من فقهاء الشريعة الإسلامية لا ينسبون للنبى (محمد)صلى الله عليه وسلم انتهاك الاتفاق، ويطغى هذا الرأى على رأى قلة من فقهاء المذهب الحنفى ممن ذهبوا إلى أن (النبى)صلى الله عليه وسلم قد نبذ المعاهدة حتى لا يتخلى عن فرض الجهاد. ويورد أحد المصادر الإسلامية القديمة - التى تتناول سيرة (النبى)صلى الله عليه وسلم وهو (السيرة النبوية) لابن هشام - روايات تؤكد أن قبيلة قريش هى التى انتهكت الاتفاق وليس (النبى)صلى الله عليه وسلم، إذ كانت هناك خصومة قديمة بين قبيلة (خزاعة) الذين كانوا مقربين من (محمد)صلى الله عليه وسلم وبين قبلية (بكر)  التى كانت فى تحالف مع قبيلة قريش، فأرادت قلة من قبيلة (بكر) الانتقام من بنى (خزاعة) فاستعانوا بأهالى قريش فأعانوهم بالسلاح و الماء في معركتهم التى قُتل فيها أحد أبناء بنى (خزاعة). وقد أدت هذه الفعلة إلى تأجيج  مشاعر المسلمين. ووفقا لابن هشام فإنه بمهاجمة  بنى بكر وبنى قريش قبيلة خزاعة وقتلهم بعضاً منها  فإن قريشاً بذلك قد خرقت الميثاق و الاتفاق المبرم بينها وبين (رسول الله)صلى الله عليه وسلم، الأمر الذى أشعل الموقف وأدى إلى فتح مكة. ويؤكد مفسرو  العصر الوسيط - كما رأينا فى الفصل السابق - أن خرق الاتفاقيات محرم  تحريماً صريحاً  فى القرآن الكريم  (التوبة:7،4). ولأجل التأكيد على مدى حرص (النبى)صلى الله عليه وسلم على تنفيذ الاتفاق يشير  (وهبه الزحيلى)  إلى الضغوط التى مُورست عليه صلى الله عليه وسلم لخرق الاتفاق مقابل قبوله معتنقين جُدد للإسلام  كانوا تابعين لمعسكر المكيين  مثل (أبى جندل بن سهيل بن عمرو)  ابن  كاتب الاتفاق من الجانب المكى ورجل آخر اسمه أبو بصير اللذين وفدا إلى المدينة و طلبا اللجوء إلى معسكر المسلمين, غير أن (النبى)صلى الله عليه وسلم قد رفض استقبالهم تمسكاً منه بقواعد الاتفاق.

ث - هل انتهاك الاتفاق من قبل أهل مكة يبرر إبطاله من قبل النبي صلى الله عليه وسلم ؟.

يعتبر بعض مؤرخى الشرق الأوسط استخدام  سابقة (صلح الحديبية ) فى الخطاب المعاصر  لتبرير الاتفاقيات مع إسرائيل أمراً تآمرياً، ويذهبون إلى أن (النبى)صلى الله عليه وسلم قد استغل حدثاً ثانوياً كذريعة لإنهاء الاتفاق. فيذهب الباحث "دانيال بايبس" إلى أن خرق الاتفاق من قبل قبيلة (بكر ) كان حدثاً بسيطاً، وأن رد (النبى)صلى الله عليه وسلم- الذى أدى  إلى فتح مكة - لم يكن مكافئاً. واعتمد الباحث على باحثين غربيين - من بينهم "برنارد لويس"- ممن ذهبوا إلى أن السبب فى إنهاء الاتفاق هو  أن شخصاً ينتمى لأحد الطرفين قتل أحد أبناء الطرف الثانى بسبب خلاف شخصى نشب بينهما، فاستخدم (النبى)صلى الله عليه وسلم الحدث مسوِّغاً  للحرب من أجل فتح مكة.

وعلاوة على ذلك، كان بإمكان (النبى )صلى الله عليه وسلم - وفقا لما ذكر (بايبس)- الالتزام بضبط النفس  أو  الاكتفاء بدفعهم الدية، لكنه وصل بالاتصالات مع الطرف الثانى إلى طريق مسدود لتكون تحت يده حجة للسيطرة على مكة. و لم تورد المصادر الإسلامية القديمة - ولو تلميحاً - أن (النبى)صلى الله عليه وسلم كان فى حاجة إلى الموافقة على اقتراح الصلح الذى تقدم به أهل مكة. فبناء على ماورد عند (ابن هشام)،  فقد فهم زعيم قريش (أبو سفيان) مغزى الحدث الأليم الذى قُتل فيه أحد أبناء قبيلة (خزاعة)، لذا خرج متوجهاً إلى المدينة للتصالح ماراً بكبار رجالات معسكر المسلمين، لكن دعوته للتصالح لم يُرد عليها  سواء بالسلب أو  بالإيجاب. وفي غضون ذلك أعد ( النبى )صلى الله عليه وسلم العدة لفتح مكة.

ويوجه (مصطفى أبو سواى) - من جامعة القدس - نقداً لمقال (دانيال بايبس)، حيث يقول فى مقال- نُشر فيما بعد- إنه على الرغم من أن هجوم قبيلة (بكر) كان انتهاكاً سافراً لاتفاق (صلح الحديبية) فإن (النبى)صلى الله عليه وسلم لم يتعجل فى الرد بالهجوم، بل أرسل خطاباً لقريش يطلب منهم دية لمن قُتل من قبيلة (خزاعة)، كما طلب منهم إخراج قبيلة (بنى بكر) من  تحالفهم. فلما لم يقبلوا بشروطه أعلن (النبى)صلى الله عليه وسلم أن اتفاق (صلح الحديبية) أصبح لاغياً. وأرسلت قريش رسولاً إلى المدينة ليخبر  معسكر المسلمين أنهم أيضاً يعتبرون الاتفاق لاغياً، لكنهم سرعان ماتراجعوا وتوجه زعيمهم (أبو سفان) شخصياً إلى المدينة لاستئناف الاتفاق. وعلى الرغم من كونه من ألد أعداء المسلمين فى المدينة، فقد أُذِنَ له بدخول مسجد (النبى)صلى الله عليه وسلم والإعلان عن استئناف اتفاق (صلح الحديبية)، بيد أن أهل المدينة لم يعبأوا بتصريحه فعاد خالى الوفاض.

ج- الخلاف حول فتح مكة بالطرق السلمية:

 يقلل المفسرون المسلمون المعاصرون - ممن يعتبرون اتفاق صلح الحديبية سابقة للسلام بمفهومه المعاصر - من الهالة القتالية التى صُور بها فتح مكة، حيث يصورونه كحدث حُقِنَت فيه الدماء، إذ إن (النبى)صلى الله عليه وسلم قد فتح  تلك المدينة بلا مقاومة تقريباً. ووفقًا للمصادر الإسلامية فقد أعلن (النبى)صلى الله عليه وسلم قبل الفتح أنه من يدخل بيت سادة مكة أو الكعبة فهو آمن. وتؤكد هذه القصة على كرم أخلاق (النبى)صلى الله عليه وسلم الذى لم ينتقم من ألد أعدائه  الذين منعوه من دخول مكة ثمانى سنوات، كما تؤكد على احترامه قدسية تلك المدينة. ففى حقيقة الأمر، كان (محمد)صلى الله عليه وسلم على علم بعدم وجود أية فرصة أمام أهل مكة لمقاومته إزاء حجم جيشه آنذاك.

ح  - هل الإشارة إلى صلح الحديبية تعبر عن تأييد صريح للسلام مع إسرائيل ؟

فى يونيه 1979 و في أعقاب نشر فتوى المفتى (جاد الحق ) التى أيدت اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل، و التى اعتمدت فى الأساس على سابقة (صلح الحديبية) ظهرت فى إسرائيل تحليلات مختلفة لهذه الفتوى من قبل المستشرقين. فكان هناك من فسر الأمر  وكأن  السلطات المصرية تمنح بذلك شرعية لخرق اتفاق السلام مع إسرائيل و مهاجمتها عند شعور المصريين بأن ميزان القوة العسكرية أصبح فى صالحهم.           وقد وجه بعد ذلك عدد من الإسرائيليين نقداً لاذعاً للمقارنة التى عقدها رئيس السلطة الفلسطينية آنذاك (ياسر عرفات) بين اتفاق (أوسلو) و (صلح الحديبية) فى أحد خطاباته بأحد مساجد مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا فى مايو 1994 (وهو ما سنتطرق إليه فيما بعد). و فى مقابل هؤلاء هناك مؤرخون نفوا ذلك التفسير  التآمرى ذاهبين إلى  أنه يجب التطرق إلى الأقوال وفقاً للسياق التى قيلت فيه. و عليه فقد فسروا فتوى مفتى مصر على أنها تعبير عن رغبة حقيقية في تأييد السلام الدائم مع إسرائيل. وبالتالى فقد أُخذ كلام (عرفات) على المحمل الحسن، بل قيل أيضاً إن أفعاله المستقبلية هى التى ستكشف عن نواياه.

ويمكن تلمس التفسير  التآمرى لصلح الحديبية فى فكر فقهاء الشريعة الإسلامية الذين يشيرون إلى الإنجازات الاستراتيجية التى خلَّفها هذا الصلح، فهو اتفاق عدم اعتداء مع إحدى الجبهات يهدف إلى تمكين المسلمين من التفرع لحرب في جبهة أكثر ضعفاً. فها هو  (محمد خير هيكل) الذى يصف اتفاق (صلح الحديبية) - على سبيل المثال - كنموذج استراتيجى بعيد الرؤية من قبل النبى صلى الله عليه وسلم، فى الوقت الذى لم يلتفت أتباعه إلى مزاياه. ويذهب مفكر  آخر وهو  (محمد عفيفى) إلى أن أهداف (النبى)صلى الله عليه وسلم كانت بعيدة المدى، ولم يرغب فى الإفصاح عنها عندما قرر  التفاوض على اتفاق مع أهل مكة، فقد اقترح اتفاقاً طويل المدة لطمأنة  قريش بعدم نواياه للحرب, إلا أنه كان على علم بأنهم سيخرقونه.  وفى حقيقة الأمر، كان (النبى)صلى الله عليه وسلم على علم مسبق بأن الخصم ليس كتلة واحدة، وأنه ليست لأهل قريش زعامة واحدة تمكنهم من الحفاظ على الاتفاق، وبالتالى الدفاع عن الجماعة. كما علم  أن الجدل الداخلى فيما بينهم هو ما أدى تقريباً إلى انهيارهم، وأن النصر سيأتى فقط لمن يستغل الوقت لتحقيق أهدافه واستراتيجيته. وعندما دخل (النبى)صلى الله عليه وسلم مكة بعد سنتين من إبرام الاتفاق كان الإسلام قد انتشر  فيها بالفعل بشكل سرى (على أيدى مَن  أسلموا ممن ظلوا بها). وهناك تفسير  أكثر تشدداً لكنه يعكس رأى أقلية من مفكرى التيار الإسلامى وهو تفسير الفلسطينى (إياد هلال)، حيث يذهب إلى أنه يجب على الحاكم المسلم أن يخفى نواياه الحقيقية أثناء إجراء المفاوضات مع الخصم، سواء عن الطرف الآخر  أو حتى عن المسلمين أنفسهم، إذ إن إعرابه عن هدفه من البداية من شأنه أن يُفشل تحقيق الاتفاق. و هكذا فعل (النبى)صلى الله عليه وسلم مع قريش، حيث توجه لآداء العمرة -  برغم ما يكلفه هذا الأمر - مخفياً هدفه الحقيقى،  وهو الوصول إلى اتفاق عدم اعتداء كى يتمكن من التفرغ للجهاد الرئيس ضد يهود خيبر  والقبائل العربية. ويقول (هلال) إن  (النبى)صلى الله عليه وسلم قد علم أن قريشاً وخيبر  قد تآمرتا بالتحالف فيما بينهما بغية القضاء على معسكر الإسلام. وبناء على ذلك، فقد بادر (النبى)صلى الله عليه وسلم بالاتفاق مع قريش، حيث كان جُل هدفه إفشال التحالف المبرم بينهما. وبعد أن هزم (النبى)صلى الله عليه وسلم خيبر  والقبائل العربية بدأ يتحين الفرصة الملائمة،  فعلى إثر  انتهاك قريش لاتفاق (صلح الحديبية) غيَّر (النبى)صلى الله عليه وسلم سياسة السلام التى انتهجها معها، فرفض محاولات قريش للإبقاء على (صلح الحديبية) وتوجه لمكة فاتحاً لها. إذن فالاتفاقيات  فى الإسلام نهج مهم لتحين الفرص وموائمة الظروف الدولية لمعاودة نشر الإسلام فى العالم. و يمكن استخدام مثل هذا الكلام حجةً يستند إليها القائلون بأن استخدام (صلح الحديبية) - كمبرر شرعى لاتفاقية السلام مع إسرائيل -  هو استخدام تآمرى، لكنَّا سنبرهن على أن ذلك رأى أقلية فى وسط المفسرين المعاصرين، حيث إن السواد الأعظم من مفكرى الإسلام المشتغلين بهذه القضية يعتبرون اتفاق (صلح الحديبية) اتفاقاً يعبر عن رغبة أكيدة فى السلام.  

 خ–  سابقة (صلح الحديبية) فى خطاب (ياسر عرفات) بـ (جوهانسبرج):

فى مايو  1994 زار  (ياسر عرفات) - رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك- جنوب إفريقيا فى ضيافة (نيلسون مانديلا)، وذلك بعد فترة وجيزة من عقد اتفاق القاهرة الأول (أ) (اتفاق غزة - أريحا)، وكذلك بعد ستة أيام من عودته من تونس إلى قطاع غزة. وإبان زيارته هذه ألقى (عرفات) خطاباً بالإنجليزية فى أحد مساجد مدينة جوهانسبرج  أشار فيه إلى سابقة (صلح الحديبية) كمبرر  لتوقيعه على (اتفاق اوسلو). ولم يكن عرفات يعلم  بأن خطابه قد سُجل سراً على أيدى صحفى محلى من إذاعة (702) فى جوهانسبرج. وقد نُقل هذا التسجيل إلى (نيد جولدفسر) أحد ساكنى مستوطنة (قرنى شومرون)  الذى كان فى ذلك التوقيت فى جنوب أفريقيا. وقد تمت إذاعة هذا التسجيل فيما بعد فى القناة السابعة بالتليفزيون الإسرائيلى وفي إذاعة صوت إسرائيل. ولقد كانت الفقرة التالية مثيرة للخلاف حيث جاء بها ما يلى:

"-------  هذا الاتفاق لا أرى فيه أكثر من الاتفاق الذى أبرمه النبى (محمد)صلى الله عليه وسلم مع قريش. وأذكر  لكم أن الخليفة (عمر) رفض إبرام هذا  الاتفاق باعتباره اتفاق دُنِيَّة، لكن (محمدًا)صلى الله عليه وسلم وافق عليه. وهكذا  فنحن أيضاً نوافق اليوم على اتفاق السلام هذا (أوسلو )، لكنَّا أيضا سنعمل على مواصلة طريقنا إلى القدس القبلة الأولى ---- معكم لا بمفردنا ------".  و قد دفع  خطاب جوهانسبرج هذا كتلة الليكود فى الكينيست إلى مناشدة رئيس الوزراء آنذاك  (إسحاق رابين) بالاعتراف بخطئه وإلغاء اتفاق أوسلو. وقد تقدمت كتل المعارضة هى الأخرى باقتراحات سحب الثقة من الحكومة على خلفية ذلك. فـ (عرفات) قد أراد  فى خطابه هذا  تعبئة الحضور بشأن قضية القدس، تلك القضية التى اِتُّفِقَ فى اتفاقيات أوسلو  على التباحث بشأنها فى مرحلة لاحقه، وذلك عند إجراء مفاوضات التسوية النهائية. وكان (عرفات) قد أصر  فى القمة التى شارك فيها بالقاهرة على الحصول على خطاب بشأن قضية القدس كشرط للتوقيع على الاتفاق. وقد أطلع (عرفات) الحضور على تلك القضية مضيفاً  أن ثمة صراعاً على القدس، وأن إسرائيل ستستغل الوقت لتحقيق مكاسب على الأرض. وبناء على ذلك، فقد دعا الحضور ليكونوا مستعدين للجهاد من أجل تحريرها.                                                                                      


وقد فسر الخبراء الإسرائيليون المتخصصون فى شئون الشرق الأوسط إشارة عرفات إلى صلح الحديبية جنباً إلى جنب مع مسألة الجهاد على أنها تنضوى على اعترافه بنيته فى انتهاك اتفاقيات (أوسلو)  إذا ما واتته الفرصة. وذهبوا إلى أنه مثلما استخدم النبى (محمد)صلى الله عليه وسلم ذلك الحادث ذريعة لإلغاء الاتفاق مع قريش فإن (عرفــــات) سيفعل ذلك إذا مــــــا سمحت الظـــــروف بذلك. ووُصف (عرفات) بأنه قد وقع على اتفاق ماكر . فثمة من ذهب إلى أن النبى (محمداً)صلى الله عليه وسلم قد وقع على اتفاق لم يكن ينوى - البتة – تنفيذه. ولأجل تخدير الطرف الآخر, فقد رغب فى عقد اتفاق طويل المدى نسبياً مدته  عشر سنوات. و قد تم تصوير  ما فعله (النبى)صلى الله عليه وسلم على أنه انتهاك سافر للاتفاق دون أدنى تحرش من أهل مكة. وهناك أيضاً من فسر الأمر بأن (عرفات) - مثل (محمد)صلى الله عليه وسلم - سوف يتحين الفرصة الملائمة وينتهك الاتفاق مع إلصاق التهمة بالجانب الإسرائيلى بدعوى عدم تنفيذه جميع بنود الاتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية. وعلى الجانب الآخر، ذهب خبراء آخرون فى شئون الشرق الأوسط إلى أن النص وحده لا يمكن استخدامه كقاعدة للتفسير الصائب بمنأى  عن السياق السياسى، فيرى هؤلاء أن (عرفات) كان فى حاجة إلى بلاغة فى الخطاب الإسلامى لكى يبرر  التنازلات الضخمة التى وقع عليها في اتفاقيات (أوسلو) , ولكى  يُبرىء ساحته بقوله للحضور  إن ذلك لم يكن هزيمة على الإطلاق. من هنا فقد لجأ إلى استخدام (صلح الحديبية)  الذى يبدو - ظاهرياً- اتفاقاً من مركز ضعف وهزيمة, غير أنه قد اتضح فى النهاية أنه انتصار سياسى وعسكرى كبير. تلك الكلمات التى تم تفسيرها على أنها (مبررات نفسية إنسانية لشخص مهزوم ). وقد أضاف هؤلاء أن اتفاق (الحديبية)  قد تم فى إطار قَبَلِى فى حين أن اتفاقيات (أوسلو)  قد تمت فى إطار دولى. وهناك كذلك من أشار إلى أن ثمة تفاسير متعددة لاتفاق (الحديبية), من بينها ذلك التفسير الذى يرمى إلى التوفيق بين التشريع الإسلامى الكلاسيكى والقانون الدولى, وإلى تبرير التنازل عن استخدام العنف فى حل النزاعات، والـــذى يذهب إلى أن اختبار  (ياسر عرفات) سيكـون اختباراً حقيقياً.

وكما ينقسم التفسير الإسلامى المعاصر حول (صلح الحديبية)  بين القطبين السياسيين، الإسلام المتشدد - الذى يذهب إلى إمكان خرق الاتفاق مع العدو- والإسلام المعتدل الذى يذهب إلى عدم جواز ذلك، فثمة خلاف فى هذا الشأن بين بعض الخبراء الإسرائيليين فى شئون الشرق الأوسط يتوافق - على مايبدو- مع الاختلاف فى وجهات النظر الأيدولوجية.

وذهب بعض الباحثين الفلسطينيين إلى أن التحليل الإسرائيلى الذى ينظر إلى تطرق (عرفات) إلى (صلح الحديبية) نظرة ساخرة هو تحليل خاطئ. فالدكتور (سامى مسلم) والدكتور (مصطفى أبو سواى) - على سبيل المثال - لا يعارضان الحقيقة التى تنضوى عليها كتب الشريعة الاسلامية الكلاسيكية والمتمثلة فى  أن كل اتفاق عدم اعتداء هو هدنة مؤقتة فحسب حتى يتم استجماع القوى لمواصلة القتال، تلك الحقيقة التى تؤكد على أهمية تفسير  المفتى المصرى (جاد الحق) الذى كان أول من تصدى لتلك المصادر،  وذهب إلى أن الحرب مباحة في الإسلام فقط فى وضع الطوارئ القهرى, و أن الشريعة تجيز  إبرام كل اتفاق سلام به نفع للمسلمين. وعلى حد اعتقادى, فإن (عرفات) فى خطابه بـ (جوهانسبرج)  قد أراد تحقيق أكثر من هدف، كأن يبرر التوقيع على اتفاقيات (أوسلو)  أمام معارضى السلام فى معسكره, وأن يبعث برسالة - يُشْتَمُّ منها رائحة القتال- تغلف الجهود الدبلوماسية المتعلقة بقضية القدس وسائر الموضوعات الرئيسة. فعلاقة (عرفات) باتفاقيات (أوسلو) كانت ثنائية التوجه، الأمر الذى أرجأ القضايا الرئيسة فى مفاوضات السلام إلى أجل آخر  يتباحث فيه الأطراف حول التسوية النهائية، إذ إن (عرفات) لم يكن - على مايبدو -  مقتنعاً بالاتفاق لكنه كان مضطراً إليه، فعدم تكافؤ  القوة أجبره على قبوله بالرغم من نقائصه. أما عن رسالة  (عرفات)  السلبية فى خطابه بـ (جوهانسبرج) فتتجلى فى صياغة الفقرة الآتية بلغة سلبية، حيث قال: " لا أرى فيه أكثر من الاتفاق الذى أبرمه النبى ( محمد)صلى الله عليه وسلم مع قريش -------". وأشار إلى أن هذا الاتفاق هو اتفاق من مركز ضعف. ولو  أن (عرفات)  قد أراد أن يعرض اتفاق (الحديبية) كسابقة ايجابية, لكان فى استطاعته التطرق إليه بلغة إيجابية، كأن يقول: " أعتبر  هذا الاتفاق مثل الاتفاق الذى أبرمه (النبى)صلى الله عليه وسلم ------- ". بالإضافة إلى ذلك، فقد اختار  (عرفات) استخدام  مصطلح  (اتفاق دُنِيَّة) الذى يصور (الصلح) على أنه قد أُبرم من مركز ضعف.

وفى حقيقة الأمر، فقد قال (عرفات) بعد ذلك بأربع سنوات - وبالتحديد في الثامن عشر  من شهر  أبريل من عام 1998- فى مقابلة تليفزيونية أجرتها معه شبكة التليفزيون المصرى (أوربيت) " بديهياً ألا أشبه نفسى بالنبى صلى الله عليه وسلم, لكنى أقول أنه يجب علينا اقتفاء أثره وكذلك اقتفاء أثر  (صلاح الدين)، فاتفاق السلام الذى وقعنا عليه هو اتفاق من مركز ضعف على خلفية انتفاضة استمرت سبع سنوات. فنحن نحترم الاتفاقيات كما كـــان يفعل النبى (محمد)صلى الله عليه وسلم و (صلاح الديــن)  فيما يتعلق بالاتفاقيات التى أبرماها".

من هنا يقول (عرفات)  - بالفعل - إن الحديث ههنا هو عن  اتفاق  قد أُبرم من مركز ضعف، إذ إن الجانب المسلم قد وقع على شروط مهينة, مؤكداً أن  (عمر بن الخطاب)  قد عارض الشروط المهينة التى وافق عليها (النبى)صلى الله عليه وسلم. وهكذا فعلت بعض الشخصيات الكبرى فى منظمة التحرير الفلسطنية مثل (فاروق القدومى) وبعض الفلسطينيين فى مخيمات اللاجئين ممن عارضوا اتفاق  (أوسلو ) . وفى عام 1998 - وفى الوقت الذى كانت فيه اتفاقيات أوسلو  فى طور  الانهيار - استشهد (عرفات) أيضاً بـ (صلاح الدين) محرر القدس من أيدى الصليبيين، فـ (صلاح الدين) احترم اتفاقيات الهدنة التى أبرمها مع الصليبيين، لكن النتيجة النهائية كانت طرد الصليبيين من المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك, فعلى الجانب الإيجابى تجدر  الإشارة إلى أن (عرفات) قد تعرض للنقد سواء داخل فلسطين أو من قبل التيارات المتشددة فى الوطن العربى لتوقيعه على سلام دون أن يحصل على دولة على أرض الواقع،  ودون أن يُوجد حلاً لقضية اللاجئين وقضية القدس ومسألة حدود الدولة المستقبلية. وكان (عرفات) مضطراً  إلى تبرير موقفه, فاختار  أن يستخدم أمام جموع المصلين المسلمين بـ (جوهانسبرج) اتفاق الصلح الأكثر شهرة بين الاتفاقيات التى أبرمها (النبى)صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين . وبشأن قضية القدس الشرقية - التى كانت جوهر الخلاف- فإن (عرفات) قد أراد تعبئة العالم الإسلامى للكفاح السياسى من أجلها، وذلك من خلال تهديده بـ (الجهاد لتحرير القدس). فالجهاد كذلك هو مصطلح يمكن تفسيره على أنه جهاد على المستوى السياسى أو جهاد باستخدام القوة. وبتعبير آخر, فإن لم يحصل الفلسطينيون على القدس من خلال المفاوضات السياسية فإنهم سيعملون من أجل تحريرها بالقوة . وفى سياق تاريخى قريب - والخاص بقمة كامب ديفيد 2000 وانقاضة الأقصى (التى توصلت المخابرات العسكرية إلى أن (عرفات) لم يكن مخططاً لها، لكنه كذلك لم يفعل شيئاً من أجل إخمادها) - يمكن القول إن التفسير الذى افترضناه قد تجلى بوضوح من خلال مواقف (عرفات) وخطواته السياسية الأخيرة.

وخلاصة القول فيما يخص خطاب (عرفات) فى جوهانسبرج فأعتقد أنه يجب فهم الإشارة إلى (صلح الحديبية) بالمفهوم ثنائى الدلالة، إلا أن لهذا الصلح دلالة أحادية فى سياقات الفتاوى الداعمة للسلام مع إسرائيل. فخلافاً لدلالته الثنائية الصادرة عن عرفات، فقد استند مفتى مصر (كما سنرى فى الفصل السادس تباعاً) إلى صلح الحديبية كسابقة ملزِِمة بالسلام والتصالح  والالتزام بإقرار الاتفاقيات.

د- تفسير حماس و العناصر  الإسلامية المتشددة :

 للجماعات الاسلامية المتشددة تفسير خاص لصلح الحديبية، ذلك التفسير  الذى يهدف إلى دحض كل حجة إسلامية تبرر  إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل. وأستحضر فى هذا الموضوع ما ذكره الدكتور (نواف هايل التكرورى) من كبار رجالات حماس والذى يعمل محاضراً فى الجامعات الفلسطينية، والذى نشر مقالاً فى المجلة الشهرية الناطقة باسم حركة حماس (فلسطين المسلمة) فى عددى مارس و أبريل  من عام  (2000)  قارن فيه بين صلح الحديبية واتفاقيات السلام مع إسرائيل. ففى هذا المقال نفى (نواف) أية شرعية لاتفاقيات السلام مع إسرائيل ذاهباً إلى أن هناك عشرة فروق على الأقل بين صلح الحديبية و بين السلام مع إسرائيل هى :

1) أثناء إبرام صلح الحديبية لم تكن مكة بعد جزءاً من دار الإسلام، بل كانت جزءاً من دار الحرب (منطقة خاضعة للكفار يجب فتحها). وكانت قبيلة قريش تمتلك ثروات حقيقية فى مكة ولم يكن وجودها وجود طارئ، أى أن كفار قريش لم يدخلوا مكة مغتصبين أو معتدين، فاعتداء قبيلة قريش على ممتلكات المسلمين الذين ظلوا بمكة هو اعتداء على ممتلكات خاصة وليس على مكتسبات عامة. وفى مقابل ذلك، ففلسطين أرض إسلامية، ومن ثم  فهى جزء من دار الإسلام ---- وقد طُبِّقَت أحكام الإسلام على سكانها فى العصور السابقة  إلى أن جاء اليهود واغتصبوا كلا من السلطة والأرض، حيث فرضوا على الأرض وأهلها قوانينهم المنافية لأحكام الإسلام، كما نالوا من الأماكن المقدسة.

2) إن صلح الحديبية هو اتفاق مؤقت مدته عشر سنوات، فى حين أن الاتفاقيات التى تم إبرامها مع اليهود لم تحدد بمدة  زمنية فهى (أبدية). بالإضافة إلى ذلك فالاتفاق فى أساسه كان عبارة عن هدنة، ولا ينضوى على أى تنازل عن أى جزء من أرض المسلمين أو حق من حقوقهم.

3) كانت لصلح الحديبية أهداف سياسية وعسكرية ودعائية، إذ إن (النبى)صلى الله عليه وسلم قد أراد تحييد قريش وتأمين ظهره من اعتدائها من أجل التفرغ لقتال أعداء آخرين للإسلام (خيبر  اليهودية). ففى حقيقة الأمر، لم يجبر صلح الحديبية المسلمين على تغيير مناهج المسلمين مثل شطب الفقرات التى تتناول الحديث عن اليهود وعدائهم وفرض الجهاد ضدهم من المناهج الدراسية، وذلك تحت عنوان (أجواء التصالح و السلام).

4) فى صلح الحديبية اعترفت قبيلة قريش بالنبى صلى الله عليه وسلم ودولته. فبُشرى (النبى)صلى الله عليه وسلم صارت حقيقة مكتملة لا يمكن تجاهلها، حيث طلبت قريش التصالح مع (النبى)صلى الله عليه وسلم وسمحت له بالعودة  لزيارة الكعبة، الأمر الذى رفضوه - وبشدة - قبل ذلك. وفى المقابل، فالاتفاق مع اليهود قد منحهم المزايا التى حظى بها النبىصلى الله عليه وسلم, حيث اعترفت بهم دول إسلامية بعدما كانت رافضة لهذا الأمر من قبل وفتحت لهم أسواقها. فمن خلال هذا السلام فُتحت أمام اليهود أبواب العالم الإسلامى الذى يناصبهم العداء.

5) إن القبائل التى تخوفت من الدخول فى تحالفات مع (النبى)صلى الله عليه وسلم - خشية أن يؤثر هذا الأمر على علاقاتها مع قريش - صارت لها الحرية فى هذا الصنيع بعد عقد هذا الصلح. و فى مقابل ذلك, فإن الاتفاق مع إسرائيل قد أدى إلى رفع المقاطعة عنها، فكثير من الدول التى امتنعت عن إقامة علاقات سياسية و تجارية معها - خشية تدهور علاقاتها مع الدول الاسلامية - قد أقدمت على إقامة علاقات معها بعد هذا الاتفاق.

6) فى أعقاب صلح الحديبية توقف العدو عن حملته الدعائية المناهضة للنبى صلى الله عليه وسلم ولدينه. أما فى اتفاقيات السلام مع إسرائيل فإن اليهود - فى مقابل ذلك - هم من حظوا بامتناع العرب الموقعين معهم على اتفاق عن أى تصريح - إعلامياً كان أو أكاديمياً - يدين عدوانهم واغتصابهم. فضلاً عن ذلك، فإن المسلمين قد توجب عليهم تهيئة المناخ لقبول اليهود والاعتراف بسيادتهم على أرض فلسطين.

7) على الرغم من إبرام الاتفاق مع قريش، إلا أن  (النبى)صلى الله عليه وسلم  لم يتنازل مطلقاً عن خيار الحرب، فقد استعد لها أيضاً فى وقت المفاوضات وكذلك بعد إبرامه هذا الاتفاق. وفى مقابل ذلك، يَعتبر  المسلمون الذين وقعوا على اتفاق سلام مع إسرائيل التصالح والسلام معها الخيار الوحيد، الأمر الذى يُقوى شكيمة العدو.

8) كان صلح الحديبية مقدمة لفتح مكة ولنصر عزيز  للإسلام، وها هو  الاتفاق مع اليهود كان مقدمة لمزيد من الاعتداء على المسلمين. فعلى سبيل المثال كانت معاهدة كامب ديفيد (السلام مع مصر) مقدمة لغزو  لبنان عام 1982.

9) صلح الحديبية أبرمه (النبى)صلى الله عليه وسلم الذى كان حجة والذى اكتسب صلاحيته من قبل (الله)(سبحانه وتعالى). أما الاتفاقيات مع اليهود فقد أبرمتها جماعة من الزعماء منعدمى الصلاحية، إذ اشترط اليهود إبرام الاتفاقيات بتمثيل كل دولة عربية لنفسها على حدة بغية إضعاف المسلمين و إجبارهم على تقديم تنازلات ضخمة.

10) صلح الحديبية كان أمراً إلهياً. وبناء عليه, فلا يجوز  الخلاف حوله أو الطعن فى شروطه، بل يجب قبوله باعتباره حكماً سماوياً، وليس اتفاق السلام مع إسرائيل كذلك، فهو اتفاق  أُبرم من خلال قرار تعسفى لجماعة من البشر، ولا صبغة إلهية عليه وقد أضر  بالمسلمين.

تتجلى من خلال مقارنة (التكرورى) هذه ثلاثة تصورات رئيسة: يتواءم الأول مع المبدأ التشريعى الذى يعتبر  الطرف غير المسلم المحتل لأرض من دار الإسلام عدواً يجب إعلان الجهاد ضده. ويتمثل الثانى فى أنه على العكس من (صلح الحديبية)  فإن السلام مع إسرائيل يعنى التنازل عن أرض اِغْتُصِبَت من أيدى المسلمين ويعطى شرعية للطرف الجائر . أما التصور الثالث الذى يعتبر صلح الحديبية خدعة - النقطة السابعة من مقاله - فوفقاً له فإن (النبى)صلى الله عليه وسلم لم يتنازل مطلقاً عن خيار الحرب، حيث  استعد لها كذلك وقت المفاوضات وبعد إبرام اتفاق الصلح. وخلاصة الأمر، فإن إسرائيل هى من حظيت بكل المكاسب السياسية بعد إبرام المعاهدة مع مصر, فى حين أن (صلح الحديبية) قد عاد بالنفع على المسلمين. وهذا التفسير - بطبيعة الحال- خاص بالعناصر المتشددة فحسب. وكذلك أفتى مفتى سوريا السابق الشيخ (أحمد كفتارو)  فتوى تقضى بأن المقارنة بين اتفاقيات السلام التى أُبرمت مع إسرائيل وبين (صلح الحديبية) ليست فى محلها، وذلك - من وجهة نظره - لسببين: الأول، هو أن صلح الحديبية هدنة بين عدوين، فلا يقارن بصنع السلام والتطبيع مع عدو  ما زال يحتل الأرض العربية ويشرد أهلها. وبناء على ذلك، فالسلام و التطبيع فى هذه الحالة لا يجوزان شرعاً بينما الهدنة جائزة. والسبب الآخر: أن صلح الحديبية عقده قائد الأمة الإسلامية آنذاك، فكان اتفاقاً واحداً صان للأمة وحدتها، ولم يُمَكِّن أعداءها منها. فها هى الاتفاقيات المنفردة قد فرطت عقد الأمة وأضعفت شوكتها وقوت أعداءها ومَكَّنت سرطان الصهيونية الفتاك من التجرؤ على عقيدتها و فكرها.

وفى النهاية، فإننا - حيال موقف العناصر الإسلامية المتشددة (مثل حماس) التى تعارض بكل شكل من الأشكال اتفاق سلام دائم مع إسرائيل - لن نتجاهل أهمية الفتاوى التى أصدرها  فقهاء ثقات فى الشريعة الإسلامية مثل (جاد الحق) -(الفصل السادس)- ممن وجدوا فى الشريعة شرعية للسلام مع إسرائيل انطلاقاً من سابقة صلح الحديبية، واستناداً إلى مبررات أخرى سيتم عرضها لاحقاً.

إن الجدل حول ما جرى بالضبط فى الحديبية عام 628م، وما أدى إلى إنهاء الاتفاق أو  انتهاكه عام 630 م هو جدل عقيم لسببين: الأول، أن ثمة روايات مختلفة حول ذلك الحدث. والثانى، أنه ليست هناك أهمية للحقيقة التاريخية المحضة - إن وُجدت من الأساس - لكن الأهمية تكمن فى كيفية فهم جمهور المسلمين لصلح الحديبية وكيفية تحليلهم لتلك  الواقعة. وبتعبير آخر, يجب إمعان النظر فى التفاسير سواء الخاصة بالعصر الوسيط أو  التفاسير المعاصرة. كما يجب التدقيــــق فى كيفية استخـــــدام رجال الإفتاء والمحللين السياسين والساسة لمصطلح (حديبية)، فلأى هدف اِسْتُخدم وفى أى سياق كان. من هنا، يمكن تفسير  (صلح الحديبية) على أكثر من وجه. وبناء على ذلك, يمكن فهمه من خلال السياق الذى ورد فيه والهدف الذى ذُكِرَ من أجله.

وتجدر الإشارة إلى أن اتفاق (الحديبية) هو السابقة الوحيدة التى يستند إليها المسلمون عند رغبتهم فى فهم موقف الإسلام من اتفاقيات السلام الدولية المعاصرة، إذ يتم الحديث عن اتفاق مع الكفار لفترة هى الأطول من نوعها، والذى عقده النبى (محمد)صلى الله عليه وسلم لمدة عشر سنوات وفقاً لمعظم الروايات التاريخية. فليس هناك اتفاق آخر  ملابساته أكثر تعقيداً فى هذا الإطار. ومن هنا، فاستخدام (الحديبية) فى التفسير المعاصر هو الأمر الطبيعى والأصوب عند كل مفتى يرغب فى تبرير  إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل أو مع أى طرف غير مسلم، حيث إن استخدام (الحديبية) كسابقة فى تاريخ التشريع الإسلامى ليست بالضرورة  أمراً  تآمرياً أو ملتوياً. أجل, سوف نرى تباعاً فى الفصل السادس أن فتوى (جاد الحق) تعرض (صلح الحديبية) كسابقة للسلام الحقيقى بالمعنى المقبول لهذه الكلمة فى الاتفاقيات الدولية. (على الرغم من أن عرفات قد استخدم هذه السابقة بلغة ثنائية  الدلالة فى خطابه بـجوهانسبرج). 

المصدر: מלחמה, שלום ויחסים בינלאומיים באסלאם בן־זמננו: פתוות בנושא שלום עם ישראל, יצחק רייטר, מכון ירושלים לחקר ישראל, תשס"ח, 2008


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button