موقع يهتم بالدراسات السامية، ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودي

موقع يهتم بالدراسات السامية بشقيها اللغوي والفكري. ويولي اهتماما خاصا باللغة العبرية والثقافة اليهودية

إعلان الرئيسية

 


هناك فتوتان من أوائل الفتاوى التى صدرت فى يناير 1956 تتعلقان بمسألة جواز أو منع إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل، الفتوى الأولى لمفتى مصر  (حسن مأمون)، وقد مهدت الطريق لإبرام اتفاق فيما بعد . وقد تولى (حسن مأمون) - المتوفى عام 1973 - منصب المفتى من خلال هيئة القضاء الشرعي في مصر ، وبعد أن أنهى خدمته تولى مشيخة الأزهر . وفى تلك الفترة  قام بتأليف موسوعة فى الشريعة الإسلامية. 

أما الفتوى الثانية فصدرت عن لجنة الفتوى فى الأزهر برئاسة الشيخ (حسن مأمون) - فى الوقت الذى شغل فيه منصب المفتى - بالاشتراك مع فقهاء الشريعة من المذاهب الأربعة الرئيسة (من بينهم محمود شلتوت المذكور آنفاً والذى تولى بعد ذلك رئاسة مشيخة الأزهر )، تلك الفتوى التى أقرت بعدم جواز إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل. إذن فما الخلفية التى على إثرها تم نشر  هاتين الفتوتين الشرعيتين ؟.

فى عام 1955 زادت حدة التوتر العسكرى بين إسرائيل ومصر، حيث منعت مصر السفن الإسرائيلية والسفن الأجنبية المحملة بالبضائع إلى إسرائيل من العبور من قناة السويس (إذ تم توقيف السفينة الإسرائيلية (بَتْ جَلِّيمْ) - التى كانت تهدف إلى اختبار الموقف المصرى - والقبض على أفراد طاقمها). وفى سبتمبر 1955 قررت مصر غلق (مضيق تيران) لمنع عبور السفن إلى إيلات، كما هددت الطيران الإسرائيلى المار عبر  هذا الخط الجوى. وفى ذات الوقت وقَّعت مصر على صفقة سلاح مع التشيك, الأمر الذى جعل إسرائيل تدرك أن الحرب مع مصر ما هى إلا مسألة وقت، فشنت بعض العمليات ضد الفدائيين وصلت - أحياناً- إلى عبور الحدود المصرية. وفى أواخر عام 1955 أرسلت الولايات المتحدة وفود وساطة بين إسرائيل ومصر . وبحلول نهاية ديسمبر 1955 قدمت إسرائيل للأمريكان  خطة سلام  رسمية مع مصر حظيت بالنشر على نطاق واسع فيما بعد. 

وعلى هذه الخلفية أصدر مفتى  مصر  فى التاسع من يناير 1956 فتوى مؤيدة لسياسة دولته إزاء فرض حصار على الخطوط الجوية فى جنوب إسرائيل قبالة البحر الأحمر ، وأقر  بأن إسرائيل هى من انتهكت اتفاق وقف إطلاق النار عام 1949 وليست مصر. وقد أفتى (مأمون) بجواز  إبرام اتفاق مع العدو من أجل إعادة  ما اغتُصب من المسلمين إليهم، بيد أنه إذا  انضوى الاتفاق على إضفاء أية شرعية للعدوان حُكم ببطلانه شرعاً، لذا نجد أن الفتوى الثانية الصادرة عن لجنة الفتوى فى الأزهر قد صدرت رداً على فتوى (مأمون) بهدف تفنيدها .

وقد ذكرت مجلة الأزهر - التى نُشرت بها الفتوى - أنه قد طُلب رأى اللجنة فى السؤال الموجه إليها، ذلك السؤال الذى  صيغ بطريقة تعرض كل المزاعم المعارضة للاتفاق مع اسرائيل.  ويتضح من خلال إجابة لجنة الفتوى أنها ترد على موقف " أولئك الداعين إلى اتفاق تصالح مع إسرائيل". 

فعلى مايبدو  أن السؤال لا ينضوى على تأييد، بل يبادر بمعارضة موقف المفتى، كما يؤيد  التوقيت الذى نشرت به الفتوى هذا الاحتمال كذلك.

فها نحن نشهد على واقعة نشر مؤسستين دينيتين فى مصر لفتاوى متعارضة. فالمفتى - على ما يبدو - يريد خدمة احتياجات السلطة والتمهيد لاتفاق مستقبلى, فى حين يعرض علماء الأزهر موقفاً متشدداً تقليدياً.

ب- نص فتوى (حسن مأمون)

موضوع الصلح مع اليهود فى فلسطين والمعاهدات مع الدول الاستعمارية المعادية للعرب والمسلمين المؤيدة لليهود فى عدوانهم.

المبادئ

1-             هجوم العدو على بلد إسلامى يوجب على أهله الجهاد ضده بالقوة, وهو فى هذه الحالة فرض عين.

2-             يتعين الجهاد فى ثلاثة أحوال: عند التقاء الزحفين, وعند نزول الكفار ببلد, وعند استنفار الإمام لقوم للجهاد حيث يلزمهم النفير.

3-             الاستعداد للحروب الدفاعية واجب على كل حكومة إسلامية.

4-         مافعله اليهود بفلسطين اعتداء على بلد إسلامى يوجب على أهله أولاً رده بالقوة, كما يوجبه ذلك ثانياً على كل مسلم في البلاد الإسلامية.

5-             الصلح مع العدو على أساس رد ما اعتدى عليه إلى المسلمين جائز, أما إن كان على أساس تثبيت الاعتداء فهو باطل شرعاًً.

6-         موادعة أهل الحرب أو جماعة منهم جائزة شرعاً, ولكن بشرط أن تكون لمدة معينة, وأن يكون فيها مصلحة للمسلمين, فإن لم تكن فيها مصلحة فهى غير جائزة بالإجماع.

7- قوله  تعالى: ( وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ) ، وإن كانت مطلقة لكن بإجماع الفقهاء على تقييدها برؤية مصلحة للمسلمين فى ذلك أخذاً من قوله تعالى: (فَلَا تَهِنُوا۟ وَتَدۡعُوۤا۟ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن یَتِرَكُمۡ أَعۡمَـٰلَكُمۡ)

7-         المعاهدات التى يعقدها المسلمون مع دول أخرى غير إسلامية جائزة شرعاً إذا كانت فيها مصلحة للمسلمين, أما إذا كانت لتأييد دولة معتدية على بلد إسلامى فإنها تكون تقوية لمن اعتدى, وذلك غير جائز شرعاًً.

8-         لليهود فى فلسطين موقف خاص, فهم موجودون بها بحكم سياسى هو الهدنةالتي فرضتها الدول على الفريقين, ونزلت الحكومات  الإسلامية على حكمها إلى حين وجود حل عادل للمسألة.

9-         ما فعله المسلمون من منع السلاح والذخيرة عن اليهود بعدم السماح بمرور ناقلاتها فى بلادهم جائز  ولا شئ فيه, وإن كان اليهود يعتبرون ذلك اعتداء عليهم.

ســــؤال:

ما بيان الحكم الشرعى فى الصلح مع دولة اليهود المحتلة, وفى المخالفات مع الدول الاستعمارية والأجنبية المعادية للمسلمين والعرب والمؤيدة لليهود فى عدوانهم ؟.

جـــــواب:

يظهر من السؤال أن فلسطين أرض فتحها المسلمون وأقاموا فيها زمناً طويلاً, فصارت جزءاً من البلاد الإسلامية أغلب أهلها مسلمون وتقيم معهم أقلية من الديانات فصارت دار إسلام تجرى عليها أحكامها وأن اليهود اقتطعوا جزءاً من أرض فلسطين وأقاموا فيه حكومة لهم غير إسلامية وأَجْلوا عن هذا الجزء أكثر أهله من المسلمين.

ولأجل أن نعرف حكم الشريعة الإسلامية فى الصلح مع اليهود فى فلسطين المحتلة دون نظر  إلى الناحية السياسية -  يجب أن نعرف حكم هجوم العدو على أى بلد من بلاد المسلمين هل هو جائز أو غير جائز ؟. وإذا كان غير جائز  فما الذى يجب على المسلمين عمله إزاء هذا العدوان ؟.

إن هجوم العدو على بلد إسلامى لا تجيزه الشريعة الإسلامية مهما كانت بواعثه وأسبابه, فدار الإسلام يجب أن تبقى بيد أهلها ولا يجوز أن يعتدى عليها أى معتد, وأما ما يجب على المسلمين فى حالة العدوان على أى بلد إسلامى فلا خلاف بين المسلمين فى أن جهاد العدو بالقوة فى هذه الحالة فرض عين على أهلها.

وفقاً لصاحب المغنى: يتعين الجهاد فى ثلاثة أمور:

 الأول: إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان

 الثانى: إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم

 الثالث: إذا استنفر الإمام قوماً لزمهم النفير.

ولهذا أوجب الله على المسلمين أن يكونوا مستعدين لدفع أى اعتداء يمكن أن يقع على بلدهم قال تعالى: (وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡء فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ) . فالاستعداد للحرب الدفاعية واجب على كل حكومة إسلامية ضد كل من يعتدى عليهم لدينهم, وضد كل من يطمع في بلادهم, فإنهم بغير  هذا الاستعداد يكونون أمة ضعيفة يسهل على الغير  الاعتداء عليها.

والخلاف بين العلماء فى بقاء الجهاد أو عدم بقائه وفى أنه فرض عين أو فرض كفاية - إنما هو  فى غير  حالة الاعتداء على أى بلد إسلامى, أما إذا حصل الاعتداء فعلاً على أى بلد إسلامى فإن الجهاد يكون فرض عين على أهلها (بالإجماع)*.

وقد بحث موضوع الجهاد  الحافظ ابن حجر  (العسقلانى) وانتهى إلى أن الجهاد فرض كفاية على المشهور, إلا أن تدعو  الحاجة إليه كأن يدهم العدو, وإلى أن التحقيق أن جنس جهاد الكفار متعين على كل مسلم إما بيده وإما بلسانه وإما بماله وإما بقلبه. وعلى ضوء هذه الأحكام يحكم على مافعله اليهود في فلسطين بأنه اعتداء على بلد إسلامى يتعين على أهله أن يردوا هذا الاعتداء بالقوة حتى يجلوهم عن بلدهم ويعيدوها إلى حظيرة البلاد الإسلامية وهو فرض عين على كل منهم, وليس فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين.

ولما كانت البلاد الإسلامية تعتبر كلها داراً لكل مسلم فإن فرضية الجهاد في حالة الاعتداء تكون واقعة على أهلها أولاً, وعلى غيرهم من المسلمين المقيمين فى بلاد إسلامية أخرى ثانياً, لأنهم وإن لم يعتد على بلادهم مباشرة إلا أن الاعتداء على بلد إسلامى هى جزء من البلاد الإسلامية.

وبعد أن عرفنا حكم الشريعة فى الاعتداء على بلد إسلامى يمكننا أن نعرف حكم الشريعة فى الصلح مع المعتدى هل هو جائز أو غير جائز ؟.

والجواب: إن الصلح إذا كان على أساس رد الجزء الذى اعتدى عليه إلى أهله كان صلحاً جائزاً, وإن كان على إقرار الاعتداء وتثبيته فإنه يكون صلحاً باطلاً لأنه إقرار لاعتداء باطل, وما يترتب على الباطل يكون باطلاً مثله.

وقد أجاز الفقهاء الموادعة مدة معينة مع أهل دار الحرب أو مع فريق منهم إذا كان فيها مصلحة للمسلمين لقوله تعالى: ( وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ) ،  وقالوا عن الآية ولو كانت مطلقة لكن إجماع الفقهاء على تقييدها برؤية مصلحة المسلمين فى ذلك بآية أخرى هو  قوله تعالى: (فَلَا تَهِنُوا۟ وَتَدۡعُوۤا۟ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن یَتِرَكُمۡ أَعۡمَـٰلَكُمۡ)، فأما إذا لم يكن فى الموادعة مصلحة فلا تجوز بالإجماع.

ونحن نرى أن الصلح على أن تبقى البلاد التي سلبها اليهود من فلسطين تحت أيدهم وعلى عدم إعادة أهلها إليها لا يحقق إلا مصلحتهم, وليس فيه مصلحة للمسلمين. ولذلك  لا نجيزه من الوجهة الشرعية إلا بشروط وقيود تحقق مصلحة المسلمين. أما هذه الشروط والقيود فلا نتعرض لها, لأن غيرنا ممن اشتغل بهذه القضية أقدر  على معرفتها وبيانها على وجه التفصيل منا.

الجواب عن السؤال الثانى:

إن الأحلاف والمعاهدات التى يعقدها المسلمون مع دول أخرى غير  إسلامية جائزة من الناحية الشرعية إذا كانت فى مصلحة المسلمين. أما إذا كانت لتأييد دولة معتدية على بلد إسلامي كاليهود المعتدية على فلسطين فإنه يكون تقوية لجانب المعتدى يستفيد منه هذا الجانب فى الاستمرار  فى اعتدائه, وربما فى التوسع فيه أيضاً, وذلك غير جائز شرعاً وتفضل على هذه الأحلاف أن يتعاون المسلمون على رد أى اعتداء يقع على بلادهم, وأن يعقدوا فيما بينهم عهوداً وأحلافًاً تظهرهم قولاً وعملاً يداً واحدة تبطش بكل من تحدثه نفسه بأن يهاجم أى بلد إسلامى. وإذا أضيف إلى هذه العهود والمواثيق التى لا يراد منها الاعتداء على أحد وإنما يراد منها منع الاعتداء السعى الحثيث – بكل وسيلة ممكنة فى شراء الأسلحة من جميع الجهات التى تصنع الأسلحة, والمبادرة بصنع الأسلحة فى بلادهم لتقوية الجيوش الإسلامية المتحالفة. فإن ذلك كله يكون أمراً  واجباً وضرورياً لضمان السلام الذى يسعى إليه المسلم, ويتمناه لبلده ولسائر البلاد الإسلامية بل ولغيرها من البلاد غير  الإسلامية.

ويظهر أن لليهود موقفاً خاصاً فلم يعقد مع أهل فلسطين ولا  أية حكومة إسلامية صلحاً ولم تجل بعد الأرض المحتلة وهى  موجودة بحكم سياسى, هو الهدنة التى فرضتها الدول على الفريقين, ونزلت على حكمها الحكومات الإسلامية إلى أن يجدوا حلاً عادلاً  للمسألة, ولم يرض بها اليهود ونقضوها باعتداءاتهم المتكررة التى لم تعد تخفى على أحد, وكل مافعله المسلمون واعتبره اليهود اعتداءاًً على حقوقهم هو محاصرتهم ومنع السلاح والذخيرة التى تمر ببلادهم عنهم.

ولأجل أن نعرف حكم الشريعة فى هذه المسألة نذكر  أن ما يرسل إلى أهل الحرب نوعان:

النوع الأول: السلاح وما فى حكمه.

النوع الثانى: الطعام ونحوه.

وقد منع الفقهاء أن يرسل إليهم عن طريق البيع السلاح, لأن فيه تقويتهم على قتال المسلمين, وكذلك الكراع والحديد والخشب وكل ما يستفاد به فى صناعة الأسلحة, سواء حصل ذلك قبل الموادعة أوبعدها, لأنها على شرف النقض والانقضاء فكانوا حرباً علينا.

ولا شك أن حال اليهود أقل شأناً من حال من وادعهم  المسلمون مدة معينة على ترك القتال, وعلى فرض تسمية الهدنة موادعة فقد نقضها اليهود باعتداءاتهم, ونقض الموادعة من جانب يبطلها ويحل الجانب الآخر منها.

أما النوع الثانى: فقد قالوا إن القياس يقضى فى الطعام والثوب ونحوهما بمنعها عنهم إلا أنا عرفنا بالنص حكمه وهو أنه صلى الله عليه وسلم أمر ثمامة أن يمير  أهل مكة وهم حرب عليه – وقد ورد النص فيمن تربطه بالنبى صلى الله عليه وسلم صلة الرحم ولذلك أجابهم إلى طلبهم بعد أن ساءت حالتهم. وليس هذا حال اليهود فى فلسطين. ولذلك نختار  عدم جواز  إرسال أى شئ إليهم أخذاً بالقياس, فإن إرسال غير الأسلحة إليهم يقويهم ويغريهم على التشبث بموقفهم الذى لا تبرره الشريعة.

ت - نقاط جوهرية فى فتوى (حسن مأمون):

1- إسرائيل كيان محتل لدار الإسلام:

لقد أورد (حسن مأمون) ذلك التوجه السائد  فى العالم العربى وفى أوساط فقهاء الشريعة والذي يقضى بأن "ولادة دولة إسرائيل" بحدود 1948 يعد عملاً عدوانياً وغزواً لإقليم إسلامى واغتصاباً  لأرض إسلامية واقعة فى قبضة الاحتلال. ومن ثم، فمن جهة  لا يجوز الاعتراف بإسرائيل أو بصنع سلام معها،  إذ إن  اتفاقاً كهذا سيمنح شرعية لطرف غير إسلامى مغتصب لأرض إسلامية. لكن لهذه الجهة وجه آخر سيفصل تباعاً.

2- جواز التوقيع على اتفاق  من أجل إعادة الأرض المغتصبة انطلاقاً من مبدأ منفعة  المسلمين:

أقر مفتى مصر بجواز التوقيع على اتفاق مع العدو  يكون الهدف منه إعادة الأرض المغتصبة لأصحابها وليس بهدف إضفاء شرعية للاعتداء. وينضوى هذا الموقف فى حد ذاته على تناقض . فالمفتى - على ما يبدو  -  قد خلَّف - وعن عمد - غموضاً حول ما قد يفسر مستقبلاً على أنه تأييد لاتفاق سلام مع اسرائيل، حيث تطرق (مأمون) لجميع  الأراضى الواقعة فى قبضة إسرائيل كأرض محتلة يتحتم على إسرائيل إعادتها فى إطار اتفاق السلام معها. فلو  أنه يتوجب على إسرائيل إعادة كل الأراضى التى تقيم عليها, إذن فما جدوى الاتفاق مع كيان لا أرض له ؟. لكن مفتى مصر  قال - دون تردد - أنه يجوز  التوقيع على اتفاق " بشروط تضمن منفعة المسلمين " . فههنا يفتح (مأمون) مجالاً رحباً للتفسير  مستقبلاً، وذلك بقوله: إن فقهاء الشريعة قد أكثروا من العمل بمثل هذه الشروط فى الماضى، ففى عام 1956فتح بالفعل إرساء مبدأ المنفعة - باعتباره المسوغ  الوحيد لاتفاقيات السلام -  مجالاً للتفسير  المرن للشريعة يُمَكِّن من توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل من وجهة نظر دينية شرعية. فهذه فى حقيقتها نظرة نفعية قائمة على رؤية نابهة أو على حساب "مُتروٍ" وجاد للمنفعة فى مقابل الكلفة.

3- المسلمون يتمنون السلام:

سار (حسن مأمون) على درب المعاصرين ممن اعترفوا بمنظومة العلاقات الدولية المعاصرة, وذلك من خلال قوله إن المسلمين يتمنون السلام مع جميع الدول سواء الإسلامية أو غير الإسلامية.

4- شرعية اتفاقيات (رودس) كهدنة:

أقر مفتى مصر  أن لليهود فى فلسطين وضعاً خاصاً من خلال اتفاقيات الهدنة التى وقعتها بعض الدول العربية معهم عام 1949 بضغط من الدول الكبرى. فضلاً عن ذلك, فقد اعتبرت الحكومات العربية الإسلامية  آنذاك تلك الهدنة اتفاقاً مؤقتاً  (على الرغم من حقيقة عدم تقييده بمدة زمنية محددة)  " إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل للقضية ". وبتلك الكلمات يُقر  (مأمون) بأن إسرائيل قد اكتسبت بالفعل شرعية على الساحتين الإسلامية والدولية فى ذات الوقت، بيد أن إسرائيل قد انتهكت الهدنة، وبناء على ذلك وجب مناصبتها العداء.

وعلى خلفية غلق السلطات المصرية لـ "مضائق تيران"  كتب (مأمون) قائلاً  إن إسرائيل قد انتهكت اتفاقيات وقف إطلاق النار باعتداءاتها المتكررة على جيرانها، وبناء عليه يجوز  للطرف الإسلامى العربى من جانبه هو الأخر  أن ينتهك الاتفاق ويقوم ضدها بإعمال عدائية.

وخلاصة القول، إن فتوى  (حسن مأمون) لمثيرة للدهشة إلى حد كبير ، سواء من حيث صدورها فى توقيت استعرت فيه الأجواء ضد إسرائيل واتخذ فيه (جمال عبد الناصر) - رئيس مصر آنذال - موقفاً قومياً عربياً، أو من حيث  فتحها الباب واسعاً أمام التفسير الذى يُمَكِّنُ من عقد اتفاق سلام مستقبلى مع إسرائيل بشروط خاصة.

ومن الجدير بالذكر أنه فى أغسطس 1969 و بعد إحراق  المسجد الأقصى على يد سائح استرالى كتب (حسن مأمون) باسم شيوخ الأزهر  للرئيس المصرى ما يلى : لن يرحل عدو  الله عن أرض السلام إلا عن طريق الجهاد حتـــى تعــــود القدس إسلامية كما أراد الله. فأمامنا إذن نموذج لتغيير  موقف المفتى تماشياً مع المواقف السياسية.

ث- نص فتوى لجنة الفتوى بالأزهر :

تفيد اللجنة أن الصلح مع إسرائيل - كما يريده الداعون إليه - لا يجوز شرعاًً, لما فيه من إقرار الغصب على الاستمرار فى غصبه, والاعتراف بحقية يده على ما اغتصبه, وتمكين المعتدى من البقاء على عدوانه.

وقد أجمعت الشرائع السماوية والوضعية على حرمة الغصب ووجوب رد المغصوب إلى أهله, وحثت صاحب الحق على الدفاع والمطالبة بحقه. ففى الحديث الشريف: (من قُتل دون ماله فهو شهيد, ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد)، وفى حديث آخر: (على اليد ما أخذت حتى ترد). فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين واعتدوا على أهلها وعلى أموالهم.

على  أى وجه يمكن اليهود من البقاء كدولة فى أرض البلاد الإسلامية المقدسة, بل يجب عليهم أن يتعاونوا جميعاً على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم لرد هذه البلاد إلى أهلها, وصيانة المسجد الأقصى مهبط الوحى ومصلى الأنبياء الذى بارك الله حوله, وصيانة الآثار والمشاهد الإسلامية من أيدى هؤلاء الغاصبين, وأن يعينوا المجاهدين بالسلاح وسائر القوى على الجهاد فى هذا السبيل, وأن يبذلوا فيه كل مايستطيعون حتى تطهر البــلاد من آثار هؤلاء الطغـاة المعتدين. قــال تعــالى: (وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡء فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ) ومن قصر  فى  ذلك  أو فرط فيه أو خذل المسلمين عنه أو دعا إلى ما من شأنه تفريق الكلمة وتشتيت الشمل والتمكين لدول الاستعمار والصهيونية من تنفيذ خططهم ضد العرب والإسلام وضد هذا القطر العربى الإسلامى فهو - فى حكم الإسلام- مفارق جماعة المسلمين, ومقترف أعظم الآثام. كيف ويعلم الناس جميعاًً أن اليهود يكيدون للإسلام وأهله ودياره أشد الكيد منذ عهد الرسالة إلى الآن ؟، وأنهم يعتزمون ألا يقفوا عند حد الاعتداء على فلسطين والمسجد الأقصى, وإنما تمتد خططهم المدبرة إلى امتلاك البلاد الإسلامية الواقعة بين نهر النيل والفرات. وإذا كان المسلمون جميعاً - فى الوضع الإسلامى- وحدة لا تتجزأ بالنسبة إلى الدفاع عن أمة الإسلام, فإن الواجب شرعاً أن تجتمع كلمتهم لدرء هذا الخطر والدفاع عن البلاد واستنقاذها من أيدى الغاصبين. قــال تعــالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا -----). وقال تعالى (إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَیَقۡتُلُونَ وَیُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَیۡهِ حَقّا فِی ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِیلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُوا۟ بِبَیۡعِكُمُ ٱلَّذِی بَایَعۡتُم بِهِۦۚ وذلك هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ) . وقال تعالى (ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَـٰتِلُوۤا۟ أَوۡلِیَاۤءَ ٱلشَّیۡطَـٰنِۖ إِنَّ كَیۡدَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ كَانَ ضَعِیفًا). وأما التعاون مع الدول التى تشد أزر هذه الفئة الباغية, وتمدها بالمال والعتاد, وتمكن لها البقاء فى هذه الديار, فهو غير جائز شرعاً لما فيه من الإعانة لها على هذا البغى والمناصرة لها فى موقفها العدائى ضد الإسلام ودياره. قــال تعـــالى (إِنَّمَا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ قَـٰتَلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ وَظَـٰهَرُوا۟ عَلَىٰۤ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن یَتَوَلَّهُمۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ). وقــال تعـــالى (لَّا تَجِدُ قَوۡما یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ یُوَاۤدُّونَ مَنۡ حَاۤدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوۤا۟ ءَابَاۤءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَاۤءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوانَهُمۡ أَوۡ عَشِیرَتَهُمۡۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَأَیَّدَهُم بِرُوح مِّنۡهُۖ وَیُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰت تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُوا۟ عَنۡهُۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَاۤ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ)

وقد جمع الله-سبحانه وتعالى- فى آية واحدة جميع مايتخيله الإنسان من دوافع الحرص على قراباته وصلاته وعلى تجارته التى يخشى كسادها بمقاطعة الأعداء, وحذر المؤمنين من التأثر  بشئ من ذلك واتخاذه سبباً لموالاتهم فقـال تعــالى: (قُلۡ إِن كَانَ ءَابَاۤؤُكُمۡ وَأَبۡنَاۤؤُكُمۡ وَإِخۡوانُكُمۡ وَأَزۡواجُكُمۡ وَعَشِیرَتُكُمۡ وَأَمۡوالٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَـٰرَة تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَاۤ أَحَبَّ إِلَیۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَاد فِی سَبِیلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ یَأۡتِیَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَـٰسِقِینَ)     

ولا ريب أن مظاهرة الأعداء وموادتهم يستوى فيها إمدادهم بما يقوي جانبهم ويثبت أقدامهم بالرأى والفكرة, وبالسلاح والقوة؛ سراً وعلانيةً, مباشرة وغير مباشرة, وكل ذلك مما يحرم على المسلم مهما تخيل من أعذار ومبررات.

ومن ذلك يعلم أن هذه الأحلاف التى تدعو  إليها الدول الاستعمارية, وتعمل جاهدة لعقدها بين الدول الإسلامية ابتغاء الفتنة وتفريق الكلمة والتمكين لها فى البلاد الإسلامية والمضى فى تنفيذ سياستها حيال شعوبها لا يجوز  لدولة إسلامية أن تستجيب لها وتشترك فيها, لما فى ذلك من الخطر العظيم على البلاد الإسلامية, وبخاصة فلسطين الشهيدة التى سلمتها هذه الدول الاستعمارية إلى الصهيونية الباغية نكاية فى الإسلام وأهله وسعياً لإيجاد دولة وسط البلاد الإسلامية, لتكون تكأة لها في تنفيذ مآربها الاستعمارية الضارة بالمسلمين فى أنفسهم وأموالهم وديارهم, وفى الوقت نفسه من أقوى مظاهر الموالاة المنهى عنها شرعاً والتى قال الله تعالى فيها: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡض وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ) وقد أشار القرآن الكريم إلى أن موالاة الأعداء إنما تنشأ عن مرض فى القلوب يدفع أصحابها إلى هذه الذلة التى تظهر بموالاة الأعداء فقال تعالى: (فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضیُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَة فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡر مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ) وكذلك يحرم شرعاً على المسلمين أن يمكنوا  إسرائيل - ومن وراءها الدول الاستعمارية التى كفلت لها الحماية والبقاء - من تنفيذ تلك المشروعات التى لا يراد بها إلا  ازدهار دولة اليهود وبقائها فى رغد من العيش وخصوبة فى الأرض، حتى تعيش كدولة تناوئ العرب والإسلام فى أعز دياره, وتفسد البلاد أشد الفساد, وتكيد للمسلمين فى أقطارهم. ويجب على المسلمين أن يحولوا بكل قوة ضد تنفيذها, ويقفوا صفاً واحداً فى الدفاع عن حوزة الإسلام، وفى إحباط هذه المؤامرات الخبيثة التى من أولها هذه المشروعات الضارة, ومن قصر فى ذلك أو  ساعد على تنفيذها أو وقف موقفاً سلبياً منها فقد ارتكب إثماً عظيماً.

وعلى المسلمين أن ينهجوا نهج الرسول صلى الله عليه وسلم, ويقتدوا به - وهو القدوة الحسنة- فى موقفه من أهل مكة وطغيانهم بعد أن أخرجوه ومعه أصحابه - رضوان الله عليهم - من ديارهم, وحالوا بينهم وبين أموالهم وإقامة شعائرهم, ودنسوا البيت الحرام بعبادة الأوثان والأصنام, فقد أمره الله تعالى أن يعد العدة لإنقاذ حرمه من أيدى المعتدين , وأن يضيق عليهم سبل الحياة التى بها يستطهرون, فأخذ  صلى الله عليه وسلم يضيق عليهم فى اقتصادياتهم التى عليها يعتمدون, حتى نشبت بينه وبينهم الحروب, واستمرت رحا القتال بين جيش الهدى وجيش الضلال, حتى أتم الله عليه النعمة وفتح على يديه مكة, وقد كانت معقل المشركين, فأنقذ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان, وطهر  بيته الحرام من رجس الأوثان, وقلم أظافر الشرك والطغيان.

وما أشبه الاعتداء بالاعتداء, مع فارق لا بد من رعايته, وهو  أن مكة كان بلداً مشتركاً بين المؤمنين والمشركين ووطناً لهم أجمعين, بخلاف أرض فلسطين, فإنها ملك للمسلمين وليس لليهود فيها حكم ولا دولة. ومع ذلك أبى الله تعالى إلا أن يظهر فى مكة الحق ويخذل الباطل ويردها على المؤمنين, ويقمع الشرك فيها والمشركين, فأمر سبحانه وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بقتال المعتدين. فقال تعالى (وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَیۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَیۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۚ وَلَا تُقَـٰتِلُوهُمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ حَتَّىٰ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِیهِۖ فَإِن قَـٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡۗ كَذَلِكَ جَزَاۤءُ ٱلۡكَـٰفِرِینَ)  والله سبحانه وتعالـــى نبـــــــه المسلمين على رد الاعتــــداء بقولـــــه تعالى: (ٱلشَّهۡرُ ٱلۡحَرَامُ بِٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡحُرُمَـٰتُ قِصَاص فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡ فَٱعۡتَدُوا۟ عَلَیۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ)

ومن مبادئ الإسلام محاربة كل منكر  يضر العباد والبلاد, وإذا كانت إزالته واجبة فى كل حال, فهى فى حالة هذا العدوان أوجب وألزم, فإن هؤلاء المعتدين لم يقف اعتداؤهم عند إخراج المسلمين من ديارهم وسلب أموالهم وتشريدهم فى البلاد, بل تجاوز ذلك إلى أمور تقدسها الأديان السماوية كلها وهى: احترام المساجد وأماكن العبادة وقد جاء في ذلك قوله تعالى (وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن یُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِی خَرَابِهَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن یَدۡخُلُوهَاۤ إِلَّا خَاۤىِٕفِینَۚ لَهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا خِزۡی وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیم)

أما بعد- فهذا حكم الإسلام فى قضية فلسطين, وفى شأن إسرائيل والمناصرين لها من دول الاستعمار وغيرها, وفيما تريده إسرائيل ومناصروها من مشروعات ترفع من شأنها, وفى واجب المسلمين حيال ذلك, تبينه لجنة الفتوى بالأزهر الشريف, وتهيب بالمسلمين عامة أن يعتصموا بحبل الله المتين, وأن ينهضوا بما يحقق لهم العزة والكرامة, وأن يقدروا عواقب الوهن والاستكانة أمام اعتداء الباغين, وتدبير الكائدين, وأن يجمعوا أمرهم على القيام بحق لله تعالى وحق الأجيال المقبلة فى ذلك, إعزازاً  لدينه القويم. نسأل الله تعالى أن يثبت قلوبهم على الإيمان به, وعلى نصرة دينه, وعلى العمل بما يرضيه

ج- نقاط جوهرية فى فتوى لجنة الفتوى بالأزهر :

صورت فتوى لجنة الفتوى دولة إسرائيل كنبت غريب غرسته الدول الاستعمارية فى قلب أرض إسلامية مقدسة يجب استئصاله، فقد صوَّر رجال الفتوى اليهود تصويراً سلبياً مستوحى من النصوص المعادية للسامية, حيث وصفوهم بزرَّاع الدمار وحائكى المكائد للسيطرة على أقاليم أخرى، مستندين  إلى آيات الحرب فى  القرآن الكريم، وعقدوا مقارنة بين اليهود وبين الكفار من قبيلة قريش فى مكة، ذاهبين إلى أن الوضع مع إسرائيل أكثر خطورة باعتبار  أن الحديث عنها هو حديث عن جسم غريب لم تكن له أى حقوق فى الأرض. و تدعو الفتوى الدول العربية إلى عدم التعاون مع الدول الكبرى والدول المؤيدة لإسرائيل، وألا  تعقد معها تحالفات عسكرية، إذ إن إسرائيل تستخدم ذلك مطية للسيطرة على الدول الإسلامية فى المستقبل. فإسرائيل توصف بالمغتصِب مِلْكاً (بلداً) ليس من حقها. وبناء على ذلك, فالأمر يعد عدواناً يَفرض على المسلمين محاربته والتضحية بأنفسهم من أجله انطلاقاً من الدفاع عن النفس والممتلكات. وفى النهاية, فمن الأمور المهمة ذلك القول المتعلق بالمسجد الأقصى, حيث إنه وقت صدور الفتوى لم يكن تحت سيطرة إسرائيل بل كان تحت سلطة الأردن. وعلى الرغم من ذلك, فقد عرضت الفتوى حرب إسرائيل على أنها نضال من أجل تحرير المسجد الأقصى وإقامة الصلوات فى المساجد.

 المصدر: מלחמה, שלום ויחסים בינלאומיים באסלאם בן־זמננו: פתוות בנושא שלום עם ישראל, יצחק רייטר, מכון ירושלים לחקר ישראל, תשס"ח, 2008



 

 

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button