هناك مفكرون معاصرون ذوو رؤية
متشددة ينتقدون المفسرين المعاصرين مؤيدى
السلام وكذلك فقهاء الشريعة القدامى الذين
استند إليهم المجددون مثل (محمد عبده)
والسائرين على دربه، إذ يكتبون عن هؤلاء قائلين إنهم "منهزمون روحانياً"
نظراً لأن مأربهم هو إرضاء المستشرقين. فمفكرو التيار الإسلامى المتشدد يأخذون (آية السيف)(5/التوبة)
بحذافيرها. فمن وجهة نظر (محمد خير هيكل) - على سبيل المثال - فالدول الإسلامية لها الحق فى إعلان الجهاد ضد
الدول غير الإسلامية لفرض النظام الإسلامى عليها بالقوة حتى ولو لم تهاجم المسلمين طالما كان فى ذلك منفعة للمسلمين
ولم يُتوقع وقوع خطر عليهم جراء إعلان
الجهاد. إن (هيكل) يتمنى وحدة الصف الإسلامى وإقامة دولة إسلامية واحدة، حيث إنه
بالجهاد " تتحرر كل الأمم والشعوب من الطغيان وتفرض كلمة الله على
العالم". ويعرض (هيكل) - الذى نشر كتابه ذا الأجزاء
الثلاثة قبل تشكيل تنظيم القاعدة بزعامة (أسامة بن لادن)- مواقف تُنَفَّذُ الآن فى
أنشطة هذا التنظيم. فهو ينادى بإقصاء
النظام العالمى القائم، ولأجل ذلك يجوز إقامة منظمات جهادية مقاتلة فى العالم
الإسلامى. ويضيف أنه لا يجوز للدول
الإسلامية إقامة علاقات خارجية مع الدول التى تُلْحِقُ أذى بالإسلام مثل الدول
المقيمة لتحالفات عسكرية مع دول غير إسلامية فتؤجر لها قواعد عسكرية ومطارات وموانئ بحرية أو تبيع
أسلحة لغير المسلمين.
ويعرض (محمد صادق عفيفى) - المشار إليه آنفاً- والذى يذهب إلى أن
الإسلام دين سلام رأياً مشابهاً. لكنه مع ذلك يذهب إلى أن الهدف من الإسلام هو أن يكون بُشرى لكل العالم. وبناء على ذلك،
فإنه لا يعترف بالحدود السياسية. ومن هنا فالدول الإسلامية ليست
مخولة للتوقيع على اتفاقيات نزع السلاح
النووى، لآن ذلك الأمر يتعارض مع الآيه
(60) من سورة (الأنفال) والتى تفرض على المسلمين التسلح والاستعداد الدائم للحرب.
وكذلك الأمر بالنسبة للتحالفات العسكرية
مثل (الناتو) ، وأيضاً الاتفاقيات الخاصة بتأجير أراضٍ لقواعد عسكرية وموانىء للعدو. ويرفض
(إياد هلال) تفسير الفقهاء الذين غيَّروا المفهوم
القتالى الأصيل للجهاد ولـ(دار الحرب)، فمن وجهة نظره فإن أساس العلاقة بين العالم
الإسلامى وبين الدول غير الإسلامية هو الحرب، وأن الإسلام لا يعترف رسمياً بـ (دار
الكفر)(اسم مرادف لدار الحرب) . ولكن نظراً لأنه ليس بمقدور الدول الإسلامية فى الوقت
الحالى إدارة حرب متواصلة ضد كل الدول غير الإسلامية فقد اضطرت إلى إرجاء الحرب والتوقيع على اتفاقيات مع بعض
تلك الدول. بالإضافةإلى ذلك، يعتقد (هلال) أنه لا يجب على المسلمين التوقيع على اتفاقيات
سلام مع دول فى حالة حرب مع الإسلام مثل إسرائيل، ولا مع دول يحتمل دخولها فى حالة
حرب مع الدول الإسلامية مثل الدول الاستعمارية كالولايات المتحدة وبريطانيا أو
الدول الجائرة على أراض إسلامية مثل روسيا والتى تحولت بالفعل إلى دولة فى حالة
حرب مع الإسلام منذ غزوها لأفغانستان. فعلى حد قول (هلال) فإن هدف الإسلام هو
إخضاع الجميع تحت سلطته، ولا يعنى هذا إعلان الحرب على كل العالم فى وقت
واحد، إذ إن "صراعاً دامياً مع دول
العالم يوحدها ضدنا، وليس هذا بصنع حكيم". فهو يقسم الجهاد إلى وسيلتى نضال: سياسى دبلوماسى
وعسكرى. ويقصد بالنضال السياسى الدبلوماسى التوقيع على اتفاقيات (هدنة) مع بعض
الدول غير الإسلامية للتمكين من إدارة حرب ضد دول أخرى. ويؤسس (هلال) رآيه على
السوابق التاريخية للنبى (محمد)صلى الله عليه وسلم، حيث إن (النبى) صلى الله عليه
وسلم قد أبرم اتفاقيات (هدنه) مع بعض القبائل فى الوقت الذى قاتل فيه قبائل آخرى.
ومثال ذلك (صلح الحديبية) الذى كان يهدف إلى تأمين إحدى جبهات المسلمين من أجل
القدرة على التفرغ لفتح (خيبر). ويذهب (هلال) إلى أن النضال السياسى مفضل على
الأنشطة العسكرية التى يجب اللجوء إليها فقط إذا لم يكن هناك خيار آخر ، لكن الدول
التى تم إبرام اتفاقيات (مؤقتة) معها لا
تنتمى إلى (دار العهد) بل إلى (دار الحرب). ومن وجهة نظره، فالمسلمون ليسوا فى حاجة إلى أن يضعوا فى الحسبان قواعد القانون
الدولى، بل عليهم التفكير فى قواعد
الشريعة فحسب. كما يذهب إلى أن القانون
الدولى قد جيىء به فى الأساس مع ضعف الإمبراطورية الإسلامية العثمانية وغياب
دورها وذلك للحد من انتشار الإسلام.
ويفسر
(هلال) تلك الاتفاقيات المبرمه بين الدول الأوربية الكبرى وبين
الإمبراطورية العثمانية كنوع من الهيمنة المسيحيه على القانون الدولى وكاستمرار
للصليبية,نظراً لأن الدول الأوربية الكبرى قد ساعدت اليونانيين
المسيحيين فى تمردهم على الإمبراطورية العثمانية.
ويذهب (هلال) إلى أن المفكريين الواقعيين يحرفون تفسير المفسرين الكلاسيكيين،
فهؤلاء الكلاسيكيون لم ينفوا الجهاد كحالة حرب، لكنهم ميَّزوا بين الجهاد كفرض
كفاية و الجهاد كفرض عين، حيث تشير (الفئة الأولى) - و فقاً لكلام (هلال)- إلى
الجهاد باعتباره حرباً يبادر بها الحاكم المسلم. و يذهب (هلال) - فى نقده لـ (وهبه
الزحيلى) الذى استند إلى الاتفاق الذى أبرمه النبي (محمد)صلى الله عليه وسلم مع
اليهود فى المدينه لتبرير إبرام اتفاق سلام غير محدد المدة الزمنية- إلى أن
(النبى)صلى الله عليه وسلم قد غيَّر تلك
القواعد بعد ذلك, و أن اتفاق (الهدنة)
الذى حُدِّدت مدته بعشر سنوات قد صاغ معياراً جديداً. وتعرض رؤى (هلال) و (هيكل) رأياً متشدداً ذا معنى أحادياً، لكن هناك مفكرين آخرين من
أتباع التيار الإسلامى يقبلون- من الناحية النظرية- الموقف المتشدد فيما يخص مسألة
الجهاد، غير أنهم يعبرون عن موقف أكثر
اعتدالاً بشأن تنفيذه، إذ إن
التنفيذ - من وجهة نظرهم - يرتبط - فى الأساس- بالدول الكافرة المحتلة لأرض إسلامية. ويمكن أن نستدل على ذلك بنموذجين،
يتمثل الأول فيما ذهب إليه (سعيد المهيرى ) من أن الواقع المعاصر يستدعى أوضاعاً
مُلزِمة للحرب ضد الكفار، سواء ضد " اليهود أعداء الإسلام الذين احتلوا أرض
فلسطين، وعاثوا فى أرضها فساداً ودنسوا
الأماكن المقدسة بها وطردوا الملايين
من أبنائها، والأن (وبعد أن نفذوا كل هذا) يدعون إلى السلام ووقف الحرب، أو ضد
الشيوعيين الذين احتلوا أفغانستان وأفسدوا ما فيها وأخرجوا مسلميها عن دين (الله).
ويتوصل (المهيرى)- بناء على ذلك- إلى أنه ما دامت هناك أرض إسلامية فى قبضة
الأعداء فلا مكان للسلام بأى حال من الأحوال، لكن الدول غير الإسلامية التى لا تمنع الدعوة ونشرها يمكن أن
نقيم معها علاقات سلام ونعترف بسيادتها. أما النموذج الثانى فيتمثل فى كتاب (مروان
القدومى) الذى يتأرجح بين الرؤية الجهادية
الكلاسيكية وبين موائمة الشريعة للواقع المعاصر، حيث يستند - بدايةً - إلى كتاب
(سيد قطب)- أحد رجال الإخوان المسلمين- فى قوله إن الإسلام فى حالة جهاد متواصل من أجل إرساء كلمة الله فى
جميع أنحاءالأرض. غير أنه يكتب- بعد ذلك- أنه إذا لم يكن فى استطاعة المسلمين
القيام بواجبهم الجهادى الآن، عندئذ لا يكونون مُلْزَمين به، ويمكنهم الأخذ
بالأحكام المؤقتة حتى يتمكنوا من العودة وتحقيق الأمر. كما يضيف أن ثمه أهمية
للتعاون الدولى من أجل تأمين السلام. ويضيف كذلك أن الإسلام ملتزم باحترام
الاتفاقيات.
- التعارض مع النظام العالمى الحديث:
يعبر غالبية المفكرين المسلمين المعاصرين-
ومنهم أيضاً أولئك المحسوبين على التيار الواقعى والمؤيدين للسلام كأساس للعلاقات
الدولية- عن موقف سلبى تجاه النظام العالمى القائم. ومن وجهة النظر الإسلامية،
فمفهوم النظام العالمى المعاصر هو الدُنِيَّة والخضوع للقواعد التى يمليها الغرب. وممن يوضحون ذلك
الأمر بجلاء (وهبه الزحيلى) الذى كتب كتابه فى فترة الحرب الباردة. فعلى حد قوله،
فإنه على الرغم من إنشاء الأمم المتحدة واعتماد مبدأ حل النزاعات بالطرق السلمية
إلا أن صورة الحرب تتوارى- بالفعل- خلف
سياسة "السلام" المعلنة. ووفقاً لما ذكره (الزحيلى) فالمسلمون فى
وقتنا الحاضر فى حالة من الضعف والتشرذم وينال منهم النظام العالمى. ويشكو (الزحيلى)
من تدخل الدول القوية فى شئون الدول الأكثر ضعفاً لخدمة مصالحها الاقتصادية كما
فعلت الولايات المتحدة فى فيتنام، والحرب بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية والحصار على كوبا. ويقول إن النظام العالمى
الجديد لم ينجح - سواء على الجانب النظرى
أو الجانب العملى- فى وقف استحدام القوة العسكرية ووضع قواعد جديدة لهذا الأمر.
ويؤكد على الدعم الذى تحصل عليه إسرائيل من الولايات المتحدة- كى يشير إلى مساوىء النظام العالمى القائم- وذلك فى وصفه
إسرائيل بالدولة التى اغتصبت جزءاً غالياً من أرض الإسلام، وبناء عليه- ووفقاً
للشريعة- فلا يمكن تأييد اتفاق السلام معها.
وثمة مفكر يعبر عن مواقف متذبذبة بين الواقعية
والتشدد وهو (سعيد المهيرى) الذى يقبل فى
كتابه بقواعد القانون الدولى فى العلاقات الدولية، لكنه يضيف أن الواقع العام عبارة
عن سباق فى التسلح الذى تتبعه سيطرة من الدول القوية على النظام العالمى خارج نطاق
هذه القواعد، وأن الضعفاء لا يملكون سوى أن يظلوا مقيدين بأحكامه. ويذهب (المهيرى)
إلى أن الدول الإسلامية لا تعارض المنظمات الدولية، لكنها تشترط فى الأمم المتحدة
أن تكون مستقلة، وتمتلك أدوات لتنفيذ أهدافها، وألا تُدار على أيدى إحدى الدول
العظمى، كما يأمل " أن تساعد الأمم المقهورة". ويضيف أن الدول الإسلامية
تعارض اتفاقيات نزع السلاح بالمفهوم الغربى، حيث إنه وفقاً للشريعة يجب أن يكون
المسلمون مستعدين ومهيأين بشكل دائم
للمحافظة على السلام ودفع العدوان. و تعارض الدولة الإسلامية كذلك إنشاء
قوة عسكرية دولية، إذ إن موافقتها على قيام مثل هذه القوة أو الاشتراك فيها ستمنح شرعية لسيطرة الكفار على
المسلمين.
وفى مقابل ذلك، نورد النموذج التالى من كتاب
(محمد خير هيكل) من أتباع التيار الإسلامى، حيث يذهب إلى أن الدول الاستعمار ية-
فى الوقت الحالى- تقوم بأعمال عدوانية تجاه المسلمين، وتستغل أية فرصة للسيطرة على
مواردهم والنيل من وحدتهم وتدمير منشآتهم الحيوية. وبناء على ذلك، يجب التشديد على
الشروط التى تجيزها الشريعة عند إبرام الاتفاقيات بين الدول الإسلامية والدول غير
الإسلامية، وخاصة التحقق من أن الاتفاق سيجلب نفعاً أكثر من الضرر ويَحُولُ دون الأخطار الكبرى.
وهناك أمر آخر
يتطرق إليه فقهاء الشريعة ألا وهو وضع المحكمة الدولية فى (لاهاى). فمن
المنظور الشرعى، فإن الاعتراف بأحكامها مثله مثل الاعتراف بتدخل قانون غير إسلامى أو طرف غير مسلم فى شئون الإسلام وإخضاع
المسلمين لقوانين غير هم، إلا أن الدول الإسلامية ليست قادرة على عدم الاعتراف
بذلك. وقد توصل (الخياط) إلى حل مبتكر لهذه القضية، حيث يحدد أن ما تقوم به المحكمة الدولية هو من قبيل
التحكيم الذى تجيزه الشريعة. فمن وجهة نظره يجوز للدولة المسلمة الذهاب إلى تحكيم مع دولة غير
مسلمة كما فعـل (النبى)صلى الله عليه وسلم مع نصــارى (نجران).
أما الحكام المسلمون الذين لا يقبلون بالهيمنة
الغربية فقد بحثوا عن حل وسط، فها هو آية
الله (خومينى) - مفجر الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979م - قد قسم العالم إلى
ظالمين ومظلومين، ودعـا الفئة الثانية إلى قتـال الفئة الأولى وبخاصة إسرائيل. ويشبه
هذا الموقف مواقف العالم الثالث إزاء " الحروب المبررة "، فقد أيد (خومينى) الحرب التى تهدف إلى إقامة إمبراطورية
إسلامية كبرى، وإقصاء الصهيونية والشيوعية والاشتراكية (الأمر الذي لا يتواءم
وعقيدة الجهاد). وقال (خومينى) إنه يعارض الاتفاقيات التى تتعارض مع الشريعة، لذا
رفضت (إيران) المثول أمام المحكمة الدولية. ومع هذا تعد - بالفعل - نموذجاً للدولة الإسلامية التى لا
تميل إلى رفض القانون الدولى كأساس للعلاقات بين الدول، فإيران تتعامل مع الغرب من
موقف الدولة الفقيرة وترفض الهيمنة غير المتكافئة فى العلاقات الدولية، لكنها تقيم
علاقات دبلوماسية طيبة مع غرب أوروبا والاتحاد الأوروبى وروسيا والهند والصين ودول
كثيرة أخرى. وتجدر الإشارة إلى أنها حصلت
على أسلحة من إسرائيل فى فترة حربها مع العراق وبعدها. وفى مقابل ذلك، حشدت العراق
فى عهد (صدام حسين) فقهاء كبار ، وذلك للمؤتمر
الذى كان يهدف إلى إيجاد تبرير لجهاد الأمم ضد قاهريها وفقاً للقانون الدولى.
- العالم الإسلامى وموقفه من السلام مع إسرائيل:
ربما تكون معارضة السلام مع إسرائيل هى الأمر الوحيد المشترك عند المفكرين المسلمين
من كلا التيارين الواقعى والمتشدد على حد سواء. فثمة تأييد جارف فى الخطاب
الإسلامى المعاصر لاستخدام القوة من أجل تحرير فلسطين إذا لم ينجح الأمر من خلال
الطرق السياسية. ويذهب المفكر السورى (وهبة الزحيلى) كذلك - على سبيل المثال - إلى
أن الشريعة لا تجيز وجود اليهود ككيان سياسى فى فلسطين باعتبارهم مغتصبين لجزء
غالٍ من أرض الإسلام، ويجب إنقاذ هذه الأرض من قبضتهم. وثمة نموذج آخر مأخوذ من
كتاب (ظافر القاسمى) الذى يعتقد - من جهة
- أن الجهاد هو حرب دفاعية فحسب، لكنه
يذهب - من جهة أخرى - إلى أن العالم الإسلامى يجب أن يكون فى حالة حرب مع إسرائيل
لأنها محتلة لأرض إسلامية. وعلاوة على ذلك، يرى أنه يتحتم على المسلمين أن يكونوا
فى حالة حرب مع حلفاء إسرائيل أو مع من يمدها بالسلاح والسلع. ويضيف (القاسمى)
كذلك "ولا يعنى ذلك أنه يتوجب علينا الآن قتال كل من يساعدها، فعلينا إعداد
قوتنا، وعندما يدرك هؤلاء أن للمسلمين قوة وإصراراً على الخروج لحربهم فإنهم
سيغيرون من عهودهم مع إسرائيل ويطلبون صداقة المسلمين، وبذلك يوفرون على أنفسهم
وعلينا ويلات الحرب".
ولا يعترف (إحسان الهندى) إلا بالسلام العادل فقط الذى يميز بينه وبين
(السلام المهين) مثل السلام مع إسرائيل الذى فُرض - على حد قوله - على
المسلمين، والذى ينضوى على شرعية لاغتصاب أرض كاملة من أرض دار الإسلام، وبخاصة
أرض القبلة الأولى. فوفقاً لكلامه، لا
يجوز التوقيع على سلام مع "عدو
اغتصب أرضنا واستحل نساءنا ودنَّس مقدساتنا كما هو الوضع بيننا وبين
إسرائيل". وفى ذات السياق يستشهد بالآيتين القرآنيتين الثامنة والتاسعة من
سورة (الممتحنة) اللتين تقرران تحريم
إقامة علاقات صداقة بين المسلمين وبين من يخرجونهم من ديارهم، فالقرآن الكريم -
على حد قوله - يحرم السلام مع إسرائيل، إذ إن التوقيع على اتفاق معها يساعدها فى
السيطرة على جزء من أرض (دار الإسلام) وهى (فلسطين). ويذكر "عندما جاءت جماعة أجنبية لتشن عدة حروب
ضدنا وتحتل أراضٍ كانت إسلامية وعربية على مدار أربعة عشر قرناً كان من الواجب
علينا ألاّ نقبل طلبها بالسلام، سواء أجاء الطلب منها مباشرة أو من خلال طرف ثالث.
ويذهب إلى أنه لو أن المسلمين قد تمسكوا
بآيات الجهاد لما وقع جزء كبير من العالم الإسلامى تحت وطأة الاحتلال على أيدى
الاستعمار، وما قامت إسرائيل فى وسط أرض دار الإسلام.
ويستند (مروان القدومى) كذلك إلى عقيدة الجهاد
فيما يخص العلاقة مع إسرائيل، حيث يقول إن دار الإسلام لا تصير جزءاً من دار الحرب
إذا ما سيطرت دولة كافرة عليها، وذلك على الرغم من تطبيق جزء من قوانين الإسلام فى
تلك المنطقة. وبناء على ذلك، فإن فلسطين وأراضٍ عربية أخرى تم احتلالها عام 1967
لا تزال جزءاً من أرض الإسلام، ويجب على
كل مسلمى العالم الدفاع عنها وإعادة ماتم اغتصابه وطرد المحتل " لأرضٍ أُسرى
بالنبى (محمد)صلى الله عليه وسلم إليها وعُرج به منها إلى السماء العلا" كى
يتسنى رفع راية الإسلام عليها. ويربط (القدومى) الواقع المعاصر بعلاقات اليهود
بالمسلمين فى الماضى، ويذهب إلى أنه عندما هاجر
النبى (محمد) صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أبرم اتفاقاً مع اليهود، حيث
اعتبرهم مواطنين فى دولة الإسلام ومنحهم الحرية فى الإبقاء على دينهم، لكنهم لم
يقدروا تلك المعاملة الطيبة وخانوه،
وبدأوا فى الانضمام إلى قريش ولأعداء أُخر
للمسلمين (بنى قريظة). ونتيجة لذلك حاصر المسلمون مواقع اليهود وأخرجوهم
خارج شبه الجزيرة العربية. غير أن هؤلاء
لم يكفوا عن تآمراتهم ضد الإسلام حتى يومنا هذا، ولا تزال الحرب قائمة معهم، ولا
مفر من حرب لتحرير الأرض التى احتلوها. ويذهب (القدومى) عند تطرقه إلى القانون
الدولى إلى أنه فى إمكان مجلس الأمن بالفعل التدخل وصد من يحتلون دولة ليست من
حقهم، لكن هذا الحكم غير نافذ على إسرائيل
التى " لا تزال قواتها المعتدية تحتل أجزاء كبيرة من أرض فلسطين وسوريا،
وينحصر دور قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والقابعة على الحدود فى صد مقاتلى
(المقاومة) وليس دفع المعتدى.
وتذهب الباحثة (نادية مصطفى) إلى أنه الآن
ونتيجة لتشرذم الإسلام إلى دول صغيرة واحتلال الأعداء لدار الإسلام يمكن الحديث عن
موضوعية الجهاد وأهميته كحرب فى مكانين إسلاميين احتلهما غير المسلمين هما فلسطين
وأفغانستان. وتقول هذه الباحثة فى أحد بحوثها فى التسعينيات " لقد احتل
اليهود أعداء الإسلام أرض فلسطين وسيطروا عليها وعاثوا فيها فساداً ودنسوا أماكنها
المقدسة وطردوا ملايين من أبنائها". والآن وبعد أن حققوا مرادهم يدعون إلى
السلام ووقف الحرب. وبناءاً على ذلك، تختتم طرحها قائلة "ما دامت أرض الإسلام
فى قبضة الأعداء فلا مكان للسلام وفقاً لأى عرف أو قانون".
.jpeg)