الاقتراض اللغوى
تعد
ظاهرة اقتراض لغة مفردات وتراكيب من لغة أخرى ظاهرة قديمة، ترجع بداياتها إلى
بداية الاتصال بين متحدثى اللغات المختلفة على مر التاريخ. والعبرية المعاصرة – شأنها فى ذلك شأن سائر اللغات
الحية- عرضة للتأثر باللغات المختلفة. ويؤكد (رفائيل نير) على أن استخدام وحدات
معجمية أجنبية ظاهرة شائعة فى اللغات الحية، فهى توجد فى جميع اللغات التى يتصل
متحدثوها – بشكل مباشر أو غير مباشر- مع متحدثين بلغات أخرى، أو ذوى ثقافات
مختلفة. كما يؤكد أنها ليست جديدة على اللغة العبرية، إذ نجد فى العهد القديم
مفردات تسللت إليه من لغات مختلفة سامية كانت أو غير سامية. ومن
خلال عملية الاقتراض هذه تصير تلك المواد التى تنتمى للغة ما جزءاً لا يتجزأ من
لغة أخرى. غير أن تلك العملية لا يمكن أن تحدث إلا إذا كانت هناك علاقة بين اللغة
المعيرة واللغة المستعيرة لسبب ما. ويُرْجِعُ كل من (كوينر وروزنهوس) سبب حدوث تلك
الظاهرة إلى عدة عوامل بعضها نفسى لغوى وبعضها اجتماعى لغوى، وكذلك عوامل سياسية
وأخرى ثقافية. ويذهبان أيضاً إلى أن تلك العوامل المتداخلة إنما تدل على أن ظاهرة
الاقتراض اللغوى تعد جزءاً من عملية تطور اللغة من أجل بقائها.
غير أن
مسألة استعارة مفردات أو تراكيب من لغة إلى أخرى عادة ما تقابل بموجة رفض شديدة من
قبل أنصار التيار اللغوى المحافظ، الذين يرون فى الاستعارة من اللغات الأجنبية خطأ
جسيماً ينتهى بها إلى التشوش والاضطراب، خاصة تلك اللغات التى تعد فى نظر متحدثيها
لغات مقدسة تؤدى بها العبادات المختلفة. ومن كبار اللغويين الذين عارضوا اقتراض
العبرية ألفاظاً من لغات أخرى (יצחק אבינרי)(يتسحاق أفينيرى) الذى علل
وجهة نظره هذه بأنها تعد خطأ جسيماً يؤدى إلى تشويه اللغة العبرية بشكل مستمر. من
هنا - وتعليقاً على ما ذهب إليه أنصار هذا التيار المحافظ - أشار (רפהאל ניר)(رفائيل نير) إلى أن هؤلاء الذين اتخذوا من النقاء
اللغوى شعاراً لهم قد حَفَّزوا المعجميين على الامتناع عن تلويث معجماتهم بالكلمات
الدخيلة (מלים זרות) خشيةً
على الطابع العبرى الأصيل للغة العبرية. فلربما يؤدى تضمين مثل تلك الكلمات فى
المعجم العبرى إلى إكسابها نوعاً من الأهلية. لذلك لم يُضَمِّنْ (אליעזר בן יהודה)( أليعيزر بن يهودا) أية
كلمات أجنبية فى معجمه. غير أنه بعد إقامة الدولة
عام (1948) تغيرت هذه الرؤية، فبدايةً من خمسينيات القرن العشرين طغت الكلمات
الأجنبية على اللغة العبرية، وأصبح استخدامها أمراً لا مفر منه، بل عُدَّتْ جزءاً
لا يتجزأ من نسيج اللغة العبرية. وقد دفعت كثرتها وشيوعها بعض اللغويين إلى إعداد
معجمات خاصة بها. ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل تسللت بعض تلك المواد أيضاً إلى
معجمات العبرية الفصحى، إذ نجد فى معجم ابن شوشان بعض المواد العربية مثل كلمة (מסטול) (مسطول) وغيرها.
ويصطلح على كل مادة أجنبية تدخل معجم العبرية مصطلح (מלה לועזית)، حيث يعرفها ابن شوشان فى معجمه بأنها كل لفظة
غير أصيلة فى اللغة، أى التى تنتمى للغة أجنبية. كما أكد على ذلك (רפהאל ניר)(رفائيل نير) وأضاف أنها إما أن تدخل اللغة العبرية بصيغتها دون تغيير نحو: דיסק ، أو تدخل بعد تكييفها مع القالب العبرى نحو: נורמליזציה . من هنا يتضح لنا أن مصطلح (מילה לועזית) يشير - بوجه
عام - إلى كل لفظة غير عبرية الأصل، بغض النظر عن الطريقة التى تدخل بها إلى معجم
العبرية، أى سواء دخلت برمتها كما كانت فى لغتها الأصلية، أو أنها دخلت إلى معجم
العبرية فى قالب عبرى، أى عُبْرِنَت. من هنا تجدر الإشارة إلى أن المواد التى
تستعيرها اللغة العبرية تختلف فى طريقة دخولها إلى معجم العبرية. إذ إن هناك أربعة
أساليب تنتهجها اللغة العبرية – مثلها فى ذلك
مثل معظم اللغات الإنسانية- تُدْخِلُ من خلالها المواد الأجنبية إلى معجمها. وهذه
الأساليب هى:
1- استعارة المواد الأجنبية كما هى فى لغتها
الأصلية نحو: רדיו راديو، סטייל أسلوب، אבלה أبله، רבק ربك، סבבה صبابه، אחלה أحلى، יללה يلَّه، מסטול مسطول .
2- إدخال المواد
الأجنبية فى القالب العبرى ، وهى ما يصطلح عليها بـ (דֶרֶךְ הַהַסְגָלָה) أى (أسلوب الأَقْلَمَة)، بمعنى أقلمة المواد الأجنبية
المستعارة مع نظام العبرية اللغوى وإخضاعها له، كأن تخضع المواد الأجنبية
المستعارة إلى منظومة الأوزان العبرية، وتصرف فيها باعتبارها مواد عبرية أصيلة.
ومثال ذلك ביאֵס أحزن، התבאס بَئِس، פישֵל أفشل، התמסטל ثَمِلَ، אקדמיה أكاديمية ، טליוזיה تليفزيون ، אינפלציה تضخم. وإلى جانب موائمة تلك المواد
لنظام العبرية الصرفى، فإنها أيضاً تتواءم ونظامها الصوتى، تلك العملية التى يطلق عليها
(רפהאל ניר)(رفائيل نير) مصطلح (הַסְגָלָה מוֹרְפוֹ-פוֹנָמִית)، ويعرفها بأنها إخضاع صيغة لغوية أجنبية للمنظومة الصرفية
الصوتية الخاصة باللغة المستعيرة. وهذه الطريقة تعد من أكثر الطرق شيوعاً على
ألسنة العوام من متحدثى العبرية، وبالتالى فهى من أكثر الطرق إثراءً للمعجم العبرى
العامى.
3- ترجمة الاستعارة (תרגום שאילה)(קאלק)، وذلك من خلال الترجمة الحرفية
لتركيب استعارى فى لغة أجنبية، ومثال ذلك التركيب الاستعارى קח את הזמן שלך لا تتعجل/خذ وقتك، فهو ترجمة للتركيب
الإنجليزى : take your time
4- المحاكاة الصوتية لمواد أجنبية مناظرة مثل لفظة (יש!) فى مقابل اللفظة الإنجليزية (yes). وكذلك لفظة (קָלֶטָה) التى تحاكى لفظة (קָסֶטָה) المأخوذة عن الكلمة الإنجليزية (קָסֵט) (Casette) بمعنى (شريط
كاسيت).
ولما كانت اللغة العبرية تتبع - فى استعارتها للمواد الأجنبية-
أربعة أساليب، فإننا – إذن – بصدد أربعة مصطلحات رئيسة تعبر عن كل أسلوب، وهذه
المصطلحات هى على الترتيب: (מלה זרה) و(מלה שאולה) و (קאלק) و(חקוי צלילי). وترجمتها
على الترتيب (لفظة دخيلة)، (لفظة معبرنة)، (ترجمة الاستعارة) و(المحاكاة الصوتية).
وجدير بالذكر فى هذا الموضع التفريق بين المصطلحين (מלה זרה)(لفظة
دخيلة) و (מלה שאולה)(لفظة معبرنة) باعتبارهما المصطلحين اللذين يطلقان على أهم طريقتين تدْخل من
خلالهما الألفاظ الأجنبية إلى معاجم اللغات. ولتوضيح ذلك الأمر لابد من التسليم بالعموميات اللغوية (Liguistics
Universals). فالتسليم بهذا المبدأ اللغوى والرجوع إليه يجعلنا نسلم بأن ما
ينطبق على غير العبرية من لغات ينطبق عليها حتماً. ومن ثم تكون الإجابة عن السؤال
السابق كامنة فى القياس على الدخيل والمعرب فى اللغة العربية. فأهم ما يفرق بين
هذين المصطلحين هو تعرض المادة المستعارة للتغيير من عدمه، ففى حال تعرضها لتغير
ما عُدَّت لفظة معربة، وفى حال دخولها إلى معجم اللغة على صورتها الأصلية التى
كانت عليها فى اللغة المعيرة عُدَّت لفظة دخيلة. حيث يذهب (ف. عبد الرحيم) فى هذا
الصدد إلى أن المعرب يجب أن يتوفر فيه شرطان لكى يطلق عليه اسم المعرب، أولهما: أن
يكون اللفظ الأعجمى المنقول إلى اللغة العربية قد جرى عليه إبدال فى الحروف وتغيير
فى البناء حتى صار كالعربى. لذا يفهم مما ذكره (ف.عبد الرحيم) أن المادة التى لا
تصاب بتغير ما فهى مادة دخيلة. ولما كان مصطلح (מלה זרה) يعبر عن
اللفظة الدخيلة، ويعبر مصطلح (מלה שאולה) عن اللفظة المعبرنة، نجد (רפהאל ניר)(رفائيل نير) يفرق بينهما قياساً على التفريق بين المصطلحين
الألمانيين" Fremdwort" و " Lehnwort" بتعريفه "מלה שאולה" – وهى المقابل للمصطلح الألمانى " Fremdwort
" – بأنها كل كلمة مستعارة من لغة أجنبية، لكنها لا تبدو كذلك بسبب أقلمتها
مع النظام الصوتى والنظام الصرفى للغة المستعيرة. أما مصطلح (מלה זרה) – وهو المقابل للمصطلح الألمانى " Lehnwort"
- فيعرفه بأنه كل وحدة معجمية مستعارة يشعر المتحدث بعدم أصالتها فى لغته بسبب
حفاظها على صيغتها الأصلية فى اللغة المُعيرة ---- ويعتمد هذا التمييز على إحساس
متحدث اللغة بهذا الأمر.